الجمعة، أغسطس 02، 2013

العلمانية في الشارع

أتصور أن الإسلاميين، وقد أخذتهم الدهشة، يقولون فيما بينهم: أيعقل أن يخرج من بين ظهرانينا كل هؤلاء الكفار، يقصدون العلمانيين.
إن مزية الربيع العربي، إذا كانت له مزية، أنه اظهر للمواطن العادي الذي كان مأخوذا بالدعاية الإسلاموية ضد الخصوم، وخاصة العلمانيين، أن هناك فئات واسعة من المواطنين يتبنون الفكر العلماني، دون أن يكونوا كفارا وأعداء للدين كما صورهم خصومهم الملتحون، إنهم مواطنون يصلون معهم بالجامع، ويجلسون معهم في المقاهي ويركبون وإياهم نفس حافلات النقل العمومي، لكن رؤيتهم لطبيعة النظام السياسي تختلف، وهم يعبرون عن تلك الرؤية في اللحظة الحرجة التي تمر بها بعض الدول العربية، خاصة في مصر وتونس، حيث التيار العلماني صار قادرا على الحشد في الشارع بشكل يساوي أو يفوق قدرة الإسلاميين، وهذا تحول كبير في علاقة العلمانيين بالجماهير، حيث أنه ولوقت قريب كان الشارع حكرا على الإسلاميين، وعلى الدولة التي تنظم المظاهرات العفوية لتدعيم مواقفها، لكن حالة المخاض السياسي والاجتماعي التي تمر بها دول الربيع العربي، مكن العلمانيين من طرح أنفسهم جماهيريا بشكل غير مسبوق بدل الاكتفاء بالتنظيرات النخبوية المفصولة عن الواقع، والنزول للشارع بشكل كشف الوجه الحقيقي للعلمانية كمطلب سياسي واجتماعي لا يعني بالضرورة التعارض مع الدين، أو تسفيه معتقدات المؤمنين، كما كان يصورهم خصومهم الإسلاميون.
إن هذا التحول المهم، سيعمل بكل تأكيد على فتح المجال واسعا أمام العلمانية غير المتطرفة، وأمام العلمانيين الحقيقيين الحاملين لرؤى ومشاريع دولة، لا العلمانيين الذين لا زاد لهم سوى تسفيه وسب الخصوم، والتجني على المعتقدات الدينية بإلصاق سبب التخلف بها، مما نتج عنه رفض لكل ما يمت للشريعة بصلة، بشكل شوه صورة العلمانية الحقة في نظر المجتمع.
لهذا فالمسؤولية الملقاة على عاتق من يؤمنون بالعلمانية كنظام سياسي واجتماعي  يضم الدين في جوهره دون أن يتجاوزه بالدعوة لإلغاءه، تكمن أساسا في تدعيم التواصل الحاصل بين العلمانيين وباقي فئات الشعب من خلال بسط جوهر العلمانية، ونفي التعارض المزعوم بينها وبين الدين من جهة، والعمل على تحييد العناصر العلمانية المتطرفة التي تسيء للفكرة أكثر مما تخدمها بسبب حصرها للعلمانية في الجانب المضاد للدين بشكل جعل خصوم العلمانية ينجحون في تكفير وتفسيق العلمانيين في نظر فئات واسعة من المواطنين عن طريق إلصاق تهمة العداء للدين بهم. 

الثلاثاء، يوليو 30، 2013

إسلامية، لا شرقية ولا غربية


"إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية ": الشعار الأبرز للإخوان ومناصريهم من التيارات الدينية التي وجدت في وصول رئيس ذو توجه ومرجعية إسلامية لحكم بلد مركزي كمصر فرصة لبعث مشاريع الدولة الدينية ودولة الخلافة وتطبيق الشريعة؛ المشاريع التي ظلت لسنوات طويلة حبيسة أدبيات منظري هذه التيارات، وحبيسة صدور المؤمنين بها، الذين صبروا على تحقيق الحلم الموعود، أولئك الموعودين بالحور العين لقاء جهادهم وصبرهم وحملهم لمشروع الدولة الإسلامية على الاكتاف وبالدماء.
لكن بعيدا عن الشعارات مالمقصود بـ: إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية؟
تكرار إسلامية دليل توكيد،  هو في الوقت نفسه نفي للإستغراق في إحدى الصفتين التاليتين، كما انه، وبالقدر نفسه، نفي لإمكانية الجمع بين التناقض الذي تبرزه بجلاء  "الشرقية" و"الغربية"، والتوليف بين مزايا هذه ومزايا تلك بغية تبنيها كبديل عن الأحادية.
الإسلامية بهذا الشكل التوكيدي تعني نفي ما دونها نفيا تاما، مع نفي لكل ما ترتب تاريخيا عن الانتساب لإحدى الصفتين السابقتين، أو للتأثيرات الناتجة عن التوليف أو التلفيق الذي حدث بين قيم إسلامية وقيم وافدة ( شرقية وغربية )، فالإسلامية بالمعنى المرفوع في الشعار الإخواني، تعني هدم كل ما كان خلال قرون التثاقف الطويلة مع الشرق والغرب، والعودة  إلى نقطة موغلة في القدم، لا يمكن الإتفاق حول تحديدها بدقة، رغم ان المتفق عليه هو السلف الصالح كمرجعية، دون حسم الإشكالية الناتجة عن ضبابية مفهوم السلف الصالح. مع ان غالبية انصار الإسلانم السياسي يؤكدون على وجوب الاخذ بالمنجزات المادية للشرق والغرب غافلين على أن تلك المنجزات المادية يستحيل فصلها عن قيمها الثقافية. 

الاثنين، يوليو 29، 2013

عنف الدولة وعنف الشارع




ان الدولة في إحدى تعريفاتها هي احتكار العنف الشرعي، والعنف الذي تسلطه الدولة اتجاه مواطنيها لفرض سيطرتها مبرر من زاوية القاون، ومشروع في نظر النظرية السياسية، وذلك، أي الاستعمال الشرعي للعنف، يحدث في كل دول العالم في الغرب كما عندنا، كلما رأى النظام الحاكم الذي يحكم بتفويض من الشعب، أو يفترض فيه ذلك،على أساس أن الشعب هو مصدر السلطة، ضرورة لذلك.
الدولة تفرض هيبتها، وتفرض النظام وسيادة القانون باستعمال حد مقبول من القوة والعنف وهو ما يسمى قانونيا بالعنف الشرعي، لكن ما يحدث في مصر الآن هو انفلات في الوضع العام، إنها حالة لا معيارية حيث ان العنف لم يبق محصورا في يد الدولة، انما تمكنت فئات واسعة من المصريين ( المتظاهرون، البلطجية، الجماعات المسلحة، ذوي المصلحة في الفوضى ) من امتلاك قدر من العنف تقوم بتسلطيه ضد معارضيها أو ضد الدولة ومؤسساتها ( فض اعتصام الاتحادية من طرف شباب الاخوان بالعنف، الهجمات المتتالية ضد قوات الجيش والشرطة، الاشتباكات المتتالية بين المتظاهرين بشكل عنيف يخلف جرحى وقتلى)، وهذا القدر من العنف الموظف بطريقة غير شرعية هو الذي تسعى الدولة لاسترداده باعتباره حقا من حقوقها الحصرية، وهذا ما يتطلب استعمال عنف أكبر من العنف الذي تمتلكه تلك الفئات. وحين يتم القضاءا على كل امكانيات ممارسة العنف من طرف فئات لا تمتلك حق ممارسته، ويعود للدولة وحدها الحق في استعمال العنف الشرعي، ساعتها يمكن المطالبة وبقوة بوضع العصا جانبا، وبوقف كل الممارسات العنيفة في الشارع وضد المعارضين الذين يختلون عن العنف ويقبلون بالحلول السلمية وبالانخراط في العملية السياسية وفق ما تنص عليه القوانين السارية المفعول.

الأحد، يوليو 21، 2013

خواطر عن الكتابة

دور الكتابة أن تعبر بعمق عن هواجسنا، إنها عمل مضني حين تبلغ المرحلة التي تصبح فيها مطلبا للروح الباحثة عن التخلص من ثقل ما يعذبها، وهي مرحلة لا يبلغها إلا قلة قليلة من المثابرين بجهد وبعمق على الفعل الإبداعي.الكتابة التي نستعملها كمروحة في لحظة قيلولة، لا يكتب لها البقاء، ولا التأثير في المتلقي  لأنها غير صادقة، وغير نابعة عن المعاناة التي تجعل الكتابة مجاهدة في كثير من الأحيان لأنها تستبطن أشياء لا تظهر ولا تعطى بيسر.
                                      *****


أؤمن بأن المكتوب بمقدار ما هو ذاتي فهو غير شخصي بمعنى أنه لا يعبر عن تجربة معاشة اجتماعيا بمقدار ما يعبر عن أمور نفسية محضة متعلقة بذات الفرد بما يحسه ويفكر به، دون يعني أن ذلك بالضرورة أن تلك الأفكار والأحاسيس تنعكس بشكل مباشر على سلوكه الاجتماعي.

الأربعاء، يوليو 17، 2013

جيجل الثقافية



يمكن الحديث عن مثقفين جواجلة بشكل يجعلنا نتيه في حصر عددهم، وعلى عكس كثرة المثقفين الجواجلة، يصعب الحديث عن ثقافة جيجلية، خاصة وذات ملامح مميزة، ولا حتى عن استلهام لجيجل كفضاء ثقافي، فجيجل ليست قسنطينة التي ألهمت الروائيين بجسورها وأزقتها وعبق تاريخ، ولا تلمسان التي تغنى بها الشعراء واليها حج طلاب العلم، هي أيضا ليست العاصمة، ولا غرداية بنمطها الاجتماعي المغاير وبعزابتها المتميزة ومدارسها العلمية، ولا واد سوف بمقاهيها الأدبية وشعرائها المجهولين، إنها أيضا ليست الجلفة بنشاطها الثقافي الدؤوب الذي ظل يسهم في تزويد الحقل الثقافي الجزائري أسماء ثقافية جديدة كل مرة، فجيجل مدينة جميلة سياحيا وفاتنة، ولكنها غير ملهمة ثقافيا، لأنها بائسة الحضور الثقافي، ربما هذا البؤس هو الذي يبرر الهجرة الثقافية المرفوقة بالتنكر للانتماء الجيجلي، حيث العدد الكبير من المثقفين ذوو الأصول الجيجلية، لا يذكرونها بالخير، وغالبا لا يذكرونها بتاتا، وكأنهم يريدون أن ينسوا أنهم من هنا، من هذه الأرض التي لم تكتشفهم ولم تنصفهم. يمكن الحديث عن الكثير من المثقفين اللامعين من أصول جيجلية: عبد الحميد بورايو، أبو العيد دودو، عمر مهيبل، السعيد بوطاجين، عيسى لحيلح، محمد الهادي الحسني، جميلة زنير، زهرة ديك....الخ.
لكن هؤلاء جميعا وباستثناء السعيد بوطاجين، لم يكتبوا نصوصا أدبية عن جيجل، وأكثر من هذا غالبا ما لا نجد أي أثر يذكر لجيجل كفضاء جغرافي وحضاري، في نصوصهم، مع العلم أن مرحلة الطفولة، أي مرحلة التكوين النفسي والعاطفي للإنسان غالبا ما يكون لها حضور بارز في الإبداعات الأدبية والفنية، حيث تعد الخزان والمعين الذي لا ينضب والذي يتم الرجوع إليه باستمرار، لكن هذا لم يحدث مع مثقفي جيجل بشكل يجعلنا نتحدث عن المنفردات الإبداعية التي تتميز بها جيجل المدينة وجيجل التاريخ، بنفس الشكل والقدر الذي نتحدث به عن جيجل كمنطقة جذب سياحي. 
فقط السعيد بوطاجين، يشكل استثناءا فريدا، وهو استثناء في الثقافة الجزائرية بعموميتها لأنه يستلهم الثقافة المحلية بمفرداتها وجزئياتها البسيطة ليحيك منها نسيجا إبداعيا متميزا فهو الذي جعل من تكسانة ملهمة لنصوصه وفضاء تدور فيه أحداث قصصه.
يمكن أن نذكر أحمد عاشوري ( من قالمة ) الذي أبهرته جيجل فكتب عنها الكثير من القصائد والمجموعات الشعرية: ( أحب جيجل، لا شيء إلا الأزرق في جيجل )، أي أنه استلهمها أدبيا بشكل لم يفعله مثقفوا وأدباء الولاية.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يمكن الحديث عن ركود ثقافي يبرر ما قلناه سابقا من هجرة ثقافية وتنكر للمدينة، حيث أن المسؤولين عن الثقافية هنا غالبا ما يركزون على المناسباتية في التنشيط الثقافي، دون أن يساهموا في خلق فضاءات ثقافية تتسم بالديمومة يستطيع من خلالها المثقف الجيجلي أن يعبر عن نفسه وينمي قدراته من خلال التلاقح الفكري، حتى الجامعة لا تقوم بأي دور ثقافي يذكر، على عكس ما نجده في بعض الجامعات أخرى، حيث التنشيط الثقافي عادة حميدة لدى بعض الأقسام خاصة قسم اللغة والأدب العربي وهو ما لا يحدث بجامعة جيجل التي بدأت واعدة في هذا المجال لكن سرعان ما دخلت في نمط تنشيط مناسباتي أكثر منه فعل ثقافي واعي وهادف.
هذه بعض الملاحظات الجزئية حول جيجل الثقافية كما أراها، على أن أحاول لاحقا الكتابة بشكل جزئي عن بعض المميزات الثقافية للولاية وكذا تقديم بورتريهات موجزة لبعض مثقفي جيجل.

أساطير جزائرية: الرجلة

ليست الرجلة ذكورة ولا شهامة خلق يتجلى في حمية دم وأنفة: هي النيف عندنا؛ وهي نصرة الأهل والعشيرة ولو على ظلم يقترفونه، إنها ليست فحولة الذكر التي تحيل على قدرات بيولوجية بالأساس ولا هي القوة ولا الشجاعة، ليس المتصف بالرجلة عندنا شبيه قبضايات حواري الشام العتيقة ولا هو فتوة الحارة  لدى المصريين، فالرجلة عندنا ليست حكرا على فئة من الرجال الأشداء الذين ينذرون قوتهم للدفاع عن المستضعفين أو للتسلط عليهم، كما أنها ليست صفة لصيقة بالرجال رغم أنها تنحت اسمها من الرجل وتستعير صفاتها الغالبة من صفات رجالية نبيلة، لكن عندنا فقط قد تتسم المرأة بالرجلة والمرأة الشجاعة الثابتة على الحق عندنا هي الفحلة وهي عند إخواننا المشارقة أخت الرجال، والفحلة مالكة لصفات الرجلة، رغم أن الفحولة مفهوم رجالي بامتياز وبيولوجي أساسا يحيل على الخصب الجنسي، لكنه ينزاح ليطلق على المرأة المتصفة بصفات معنوية مفارقة لمعاني السكينة والخضوع والسلبية التي تتسم بها النساء في مجتمع يغيب المرأة عن واجهة الفعل.
تنتشر الرجلة كإدعاء، أكثر مما توجد كحالة، إنها استدعاء لصفات غائبة وتمثل تمثيلي لها، تمثل لا يصمد كثيرا أمام متطلبات الواقع وتحدياته، لهذا غالبا ما يكون مدعي الرجلة موضوع سخرية، لأن تمثيله مفضوح، وادعاءاته هشة، رغم أن محيطه غالبا ما يشجعه على خلق مثل تلك الادعاءات والتمادي فيها، وغالبا ما يكون المحيط الذي تزدهر فيه الرجلة هو الأحياء الشعبية، الحومة والكارثي، أو بين الشلل وجماعات الرفاق التي تسمح سيرورة تكونها بخلق الفرد الرجلوي وتعزيز ميولاته الرجلوية في ظل الترحيب المتزايد بها، واعتباره سند وحاميا لباقي أفراد الجماعة.

وإذا كانت الرجلة في وقتنا الحاضر إدعاء أكثر منها حالة ماثلة للعيان، فإنها، وفي ظل افتقاد النموذج الأصلي الذي يمكن القياس عليه، تبقى حالة اجتهاد من طرف مدعيها، وحين نقول أنها حالة ادعاء فالواقع يقول أنها ليست ادعاء كاملا، لأن من يدعي الرجلة غالبا ما يتكيء على صفات أساسية كالشجاعة والقوة التي يعد توفر حد أدنى منها أساسيا لأي نزعة رجلوية لدى أفراد معينين، رغم أن تلك النزعات غالبا ما تنتكس بعد فترة قصيرة نتيجة افتقاد الصفات المدعاة للأصالة، وحالة الانتكاس التي تتمثل غالبا في في التحول من حالة الرجلة التي قد تعني تقريبا: شجاعة وقوة وشهامة موظفة في خدمة ما يرى صاحبه انه حق. إلى حالة شبيهة بالفهلوة، وشخصية الفهلوي تشبه تقريبا ما نصفه عندنا كجزائريين بالبلاعطي، أي من يوظف قدراته الكلامية في تحصيل منافع دنيوية بغض النظر عن كون ما يستخلصه بفضل براعته الكلامية حق له أم لا، وهذا التحول المهم في شخصية الفرد الرجلوي هو ما وصفه مزراق علواش بتهكم وبسخرية مريرة في فيلم عمر قاتلاتو الرجلة.  

السبت، يونيو 29، 2013

الشعب الجزائري الذي أعرفه


أنا أتحدث عن الشعب الجزائري الذي أعرفه؛ الشعب الذي يرتكب كل الموبقات ويتصرف بنذالة مع بعضه البعض وتزدهر عنده الغيبة والنميمة والفساد والكسل والانتفاعية، الشعب الذي يؤمن بأن دولته هي دولة الرعاية الإلهية التي توفر له الصحة والتعليم والعمل والسكن، الشعب الذي لا يحب جيرانه، ويعتقد أن عرب الجزيرة مجرد أناس شهوانيون وتافهون لا يستحقون أي احترام لولا وجود الأماكن المقدسة بأرضهم حيث يحج ويولي وجهه عند كل صلاة، وهو شعب يحدد علاقته مع باقي الشعوب العربية وفق معايير ضبابية تأخذ من التاريخ بطرف ومن المواقف السياسية الراهنة والقريبة لحكومات تلك الشعوب بطرف آخر، إنه شعب يثمن القيم المشتركة مع محيطه العربي ( العروبة والإسلام )، ولكن مع ذلك فهو يؤمن بالدولة القطرية بعيدا العواطف المشبوبة للقومية العربية.

الشعب الذي يعتقد أن مباراة في كرة القدم سبب كاف لإعلان حرب، الشعب الذي يساند دون حسابات ضيقة ويعادي دون حسابات أيضا، الشعب الذي يجاهد أبناءه في كل مكان يهان فيه المسملون من الكفار، ويعتقد أنه شعب مختار خلق ليحارب أكثر مما خلق ليبني حضارة، وهذا ما يجعله يرضى بمبدأ الشرعية الثورية التي يحكم باسمها من طرف نظام قائم منذ خمسين سنة على مبدأ: نحن من حررها بالدم ونحن من نحكمها ونحكمكم. شعب متطرف وحامي الدم في علاقاته اتجاه الغير ولا مبالي في علاقاته مع دولته إذا لم يمس في رزقه وقوت عياله، وإذا لم يهن في شرفه مع سبق الإصرار على الإهانة. شعب غيور على دينه ومع ذلك فهو أكثر الشعوب تجديفا في حق الذات الإلهية، شعب يلعن ويسب ويشتم الحكومة ودين الحكومة ورب الحكومة، ولكنه يصوت لصالح مرشحي النظام، شعب يسامح ولكن لا ينسى، يطرد المستعمر لأنه لا يطيق أن يعيش مكبلا لكنه يلتحق بمستعمره في الضفة الأخرى ليعيش ذلا وهوانا لا يرضى أن يعيشه في بلاده، لأنه يؤمن أن بلاده عزيزة لا يذل فيها أبناؤها، شعب يختلف مع نظامه في كل شيء إلا في سياسته الخارجية، شعب لا يقبل أن يتلقى أوامر أو دروس من العرب الذين يعتقد أنهم ليسوا أفضل منه في شيء ليعطوه دروسا في أي شيء، شعب يصعب فهمه لأنه شعب بلا مبادئ بادية الظهور ومعلن عنها بصوت عال تحدد ماهيته كشعب جزائري، شعب مبادئه خامدة لا تستيقظ إلا بتحفيز عاطفي شديد، تحفيز يركز على الدين أو الوطن كسببين للاستنفار، مع أنه من أكثر الشعوب إساءة لأوطانهم ومن أكثر المسلمين رقة في الدين، ومع ذلك فهو لا ينفر كجماعة إلا دفاعا عن هذين الشرفين (شرف الدين وشرف الوطن )، ومع ذلك فهو شعب تستفز الكثير من أفراده الحقرة ولا يرتضيها لنفسه أو لغيره حتى ولو كان ذلك الغير ظالما قبل تعرضه لما يفهمه الجزائري على أنه حقرة، مع أنني لم أستطع لحد الآن تحديد معايير ثابتة نستطيع على أساسها تحديد الأفعال التي تدخل مجال الحقرة.

العالم العربي والعالم الإسلامي


تشير عبارة العالم إلى وحدة جزئية منغلقة على ذاتها. والتاريخ يخبرنا عن الكثير من " العوالم "؛ كالعالم المسيحي في القرون الوسطى، وعوالم الشرق في بدايات الغزو الاستعماري الغربي وتشكل الهيمنة الامبريالية الغربية على الشرق، وقد انهارت، وبالتالي اختفت من قاموس التداول، كل تلك العوالم التي انفتحت على بعضها البعض بأشكال مختلفة، لكن ظل هناك عالمين واحد في مجال التداول الإعلامي والسياسي هما العالم العربي والعالم الإسلامي، والعالم العربي هو عالم حديث الإنوجاد كمصطلح مقارنة بالعوالم الأخرى الزائلة.
فالمنطقة الجغرافية التي تضم الدول الناطقة بالعربية لا تزال مصنفة وموصوفة سياسيا وحضاريا كعالم؛ فهي العالم العربي، وهي تسمية غربية تم تبنيها عربيا لتمييز هذه المنطقة جغرافيا وسياسيا وفصلها حضاريا عن بقية العالم من خلال التأكيد الدائم على اختلافها وتمايزها، هذا التمايز الذي ينعكس في حجم مشاريع الهيمنة والاستقطاب التي تعرضت لها المنطقة العربية خلال القرنين الماضيين لعدة أسباب سياسية وإستراتجية، وحضارية بدرجة أقل.
على عكس عبارة العالم الإسلامي، الأقل تداولا، والتي هي صفة ذات منشأ عربي إسلامي، تطلق لتمييز الفضاء الجغرافي الذي يدين أغلب قاطنوه بالإسلام كدين، رغم أن هذه التسمية الأخيرة ( العالم الإسلامي ) صفة قليلة التداول بشكل كبير في الخطابات السياسية والإعلامية العالمية مقارنة بعبارة العالم العربي الذائعة الصيت، وهي تعبر غالبا لدى من يستعملها من المسلمين عن نزعة استكفائية، في المجال القيمي والأخلاقي خاصة، حيث هذه المجموعة البشرية ( والتي هي في حقيقتها مجموعات ) تكتفي بذاتها،  بسبب تعاليها الديني على معتنقي الديانات الأخرى القاطنين لبلاد الكفر، وتنغلق ولا تنفتح على العالم الخارجي إلا في مجالات التبادل المادي والاقتصادي، الذي هي في حاجة إليه.

واستعمال عبارة العالم الإسلامي بهذا المعنى من طرف المسلمين، قريب جدا من المعنى الذي توظف به من طرف الآخر، الغربي تحديدا، والذي يعبر بها عن عجز الهيمنة الامبريالية الغربية على اختراق منظومة القيم والمعتقدات الإسلامية، بله تغييرها. وهذا ما يبرر استعمال عبارة العالم بالمعنى المحدد سابقا، أثناء الحديث عن مجموع الدول الإسلامية. 

الأحد، مايو 19، 2013

عن رحيل يمينة مشاكرة


مثل كثير من المثقفين النزهاء الذي لم يستغلوا فكرهم وكلماتهم مطية نحو النجومية والأضواء، ونحو تحقيق المنافع، رحلت يمينة مشاكرة في صمت يشبه صمت مغارتها، هي الوافدة على الأدب من مجال الطب النفسي الأمر الذي يبرر قدرتها العميقة على تصوير ما يختلج في نفس أبطال مغارتها المتفجرة بكل ذلك الاقتدار، ولعل انشغالها المهني قد شغلها عن الأدب الروائي الذي كانت إضافتها فيه عبر رواية المغارة المتفجرة إضافة نوعية للرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية، وهي وإن لم تكتب سوى روايتين عبر ثلاثين سنة ( المغارة المتفجرة 1979، أريس 2000 )، إلا أن اسمها سيذكر بكل تأكيد، كلما تم الحديث عن الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية بعد الإستقلال، كما سيذكر أنصار الفيمينيزم والمدافعين عن قضايا المرأة روايتها الأولى كواحدة من النصوص الأدبية الفذة التي صورت نضال المرأة الجزائرية وتضحياتها خلال الثورة التحريرية.

إن يمينة مشاكرة، فعلا، كما وصفها كاتب ياسين، الذي تأثرت به كثيرا، هي امرأة تزن بارودا، هي مبدعة في بلاد لا تذكر المبدعين، حين يغيبون عن الأضواء، إلا عندما يرحلون مثقلين بالحزن والوحدة، وبالضياع كحال مشاكرة التي ماتت وحيدة حتى دون أن يكون لها منزل.

السبت، أبريل 20، 2013

حول فكرة التضحية


عندما يصير التمسك بإنسان عبء، قد نصبر ونصابر، نتحمل ونناضل من أجله، ولكن لحد معين، ثم بعدها، عندما يصير عبؤه ثقيلا يعيقنا عن التحرك في استقلال عنه، ويعطل مصالحنا، وينذر حياتنا لانتظار قد يطول، حينما غريزة البقاء ستنصر فينا، وسنتصر فينا أنانيتنا التي ستدفعنا للتخلي عنه أو فك الارتباط معه بشكل يعيد لنا حريتنا وقدرتنا على التحرك بعيدا عنه ، ولو بشكل نسبي. قد يرى البعض في هذا التخلي نذالة. لكن ضغط تحمل الآخر لوقت طويل بشكل يقيد الحرية ويعطل المصالح بشكل حاد هو ما يعطيه مبرره، يشترك الإنسان واليحوان في هكذا نزعة أنانية رغم أن الانسان لا يتوقف عن ادعاء العكس باسم التضحية، لكن التضحية التي ترضي غرورنا ونحن نقوم بها لأنها تصورنا في عيون الاخرين كأبطال نبلاء قادرين على المنح والبذل لأجل الآخرين، تلك التضحية حين تصل إلى درجة أن علينا التضحية ليس بجزء من حياتنا وحريتنا ومقدراتنا إنما بالكل او بأغلب ما لدينا من أجل شخص آخر مهما كان قريبا، حينها سنتوقف عن التضحية والبذل حفاظا على ما تبقى منا، فقط في بعض الحالات الخاصة التي تكون فيها العواطف متأججة بشكل جماعي ( حالات الأزمات والحروب مثلا ) يمكن للفرد أن يضحي بكل شيء حتى بنفسه من أجل الجماعة، مع ان الجماعة قد تختصر، ويمثلها في موقف معين فرد بعينه، ذلك الفرد يتحول في لحظة التضحية وفي نظر القائم بالتضحية إلى رمز أو قيمة أو غرض قابل لأن يكون سببا للتضحية، ليس لذاته إنما لرمزيته التي يستشعرها الذي يقوم بالتضحية دون أن يستطيع إعطاءها معنى دقيق، أي دون ان يمفهمها.

إننا نسحب على التضحية مجموعة المفاهيم سيئة حتى صار أي حديث عن مبرر لها، كضرورة، غير مقبول وغير طبيعي ويعبر عن رأي أو تبرير شخصي من صاحبه. لكنها تبقى إحدى آليات الدفاع عن البقاء التي تضمن للشخص القدرة على الدفاع عن نفسه عند الرمق الأخير، وحتى تعطيلها بشكل تام يعبر عن حالة استدفاع للضرر عن الغير وتحميل الذات له، وهو حالة مرضية، وقد عبر دوركايم عن هذه الحالة تحت مسمى الإنتحار الغيري الذي يترافق غالبا مع حالات غير سوية كالحروب والأزمات التي تجعل من التضحية في سبيل الغير مطلبا للذات وللجماعة في الوقت نفسه، ورغم كون التضحية التامة هنا كنقيض للأنانية هي حالة غير سوية وشاذة إلا انها تلقى قبول وتمجيد من طرف الجماعة لمن يقوم بها، تمجيد دنيوي وأخروي من خلال إطلاق الصفات التقديسية ( شهيد مثلا ) على من يقوم بها دفاعا عن الجماعة، او عن فكرة يؤمن بها ويضطر للتضحية بالنفس من أجل منح قدرة على الاستمرار لتلك الفكرة.




عن الرغبة والشغف


" ما كان مجرد نزوة عابرة ورغبة في تحصيل متعة حسية قد تحول، وبسبب منافسة طرف ثان، إلى رغبة جارفة وشغف استحواذي كانت نتيجته زواج ثم طلاق بعد أقل من ثلاثة أشهر ".

كانت هذه خلاصة الحكاية التي يرويها سمير عن سر إقدامه على تطليق زوجته نتيجة شعوره بانتفاء رغبته فيها بشكل تام بعد أن صارت ملكا له. كان سمير بارعا في تحليل المشاعر والرغبات التي تقف خلف، وفي عمق، التصرفات والقرارات الاكثر أهمية في حياتنا.
وهو يتكلم بإسهاب عن تجربته كنت استحضر بعض ما قرأته عند رينيه جيرار عن مثلث الرغبة ودور الوسيط في تأجيج الرغبة. فنحن غالبا ما لا نكتشف رغباتنا من تلقاء أنفسنا، إنما نحتاج إلى مهماز ينبهنا إليها، وذلك المهماز غالبا ما يكون منافسا لنا على تلك الرغبة / الغرض.

يقول رينيه جيرار: " نظن أننا أحرار ومستقلون في خياراتنا، سواء


في اختيار ربطة عنق أو امرأة. إنه وهم رومانسي! والحقيقة أننا لا نختار سوى أغراض سبق أن رغب فيها غيرنا. فرغباتنا، وفق التحليل الجيراري، غالبا ما تكون ثمرة " الغرور العام " الذي تغذيه مشاعر مثل الحسد والغيرة والكراهية العاجزة.
والرغبة وفق جيرار دائما، تتضاعف حين تكون مشتركة، سواء كانت رغتنا في الفوز بامرأة ام رغبتنا في النجاح في امتحان ما، فالأمر يخضع لنفس المنطق ويصدر عن نفس المشاعر الدفينة التي نعجز غالبا عن تبريرها.
هذه الفلسفة الرغبوية القائمة على دور محوري للوسيط المحفز، نعثر عليها لدى عدد كبير من الروائيين كمارسيل بروست وستاندال ودوستويفسكي، نعثر عليها ايضا عند تينسي ويليامز في مسرحيته " عربة اسمها الرغبة " التي استوحي منها علي بدرخان فيلمه " الرغبة " والذي يعد أصدق تمثيل في السينما العربية لمثلث الرغبة الجيراري.

الخميس، مارس 21، 2013

عن النفاق الاجتماعي: ما نقوله وما نفعله في محيطنا


بين الفرد والمجتمع العربي شبه اتفاق ضمني مفاده أن للفرد الحرية في عمل أي شيء يريده شرط أن لا يجهر به، لأن الجهر يستدعي تدخل المجتمع لفرض الانضباط وتطبيق القواعد السلوكية التي تضمن انسجام أخلاقيات المجتمع، هذا ما يخلق بداخلنا ازدواجية مقيتة، خصوصا في علاقاتنا الحميمية والجنسية، فأن أمارس الجنس ولا اخفي الأمر فتلك كارثة، أما أن أمارسه فعلا وأذمه قولا فتلك هي الفطنة وهي عين ما يرضي المجتمع. وضع المرأة أكثر تعقيدا لأنها متهمة بالنظرة والهمسة، متهمة بالسيجارة التي تدخنها سرا ومتهمة بريبيريتوار هاتفها وما يحتويه من أرقام، متهمة بقائمة أصدقائها على الفيس بوك او عبر المسنجر، فهي موضوع طلب جنسي من الرجل المختفي خلف تكنولوجيا مقيتة تضمن له أن يدعي الطهر علنا ويمارس العهر سرا، أنا شخصيا لست من الذين يطيقون النزعة الطهرانية المفرطة لأني لا أريد أن أكون ملاكا فرغباتي من حقها أن تتحقق ولست أنكر عليها ذلك أو اخفي سعيي لتحقيقها لحظة ما أحس بها، لأني كمثقف أؤمن بقيم الفردانية والحداثة والعلمانية، أجدني في صراع نفسي مرير بين ما أؤمن به وما تشربته من خلال قراءاتي وبين ما يريده المجتمع مني. إني ممزق بين رفض عادات وتقاليد أراها بائسة وتحمل نتائج الرفض اجتماعيا من خلال التفسيق التمجين والتغريب الذي اتهم به والذي يصل أحيانا لحد التكفير، وبين أن انصاع لما هو مطلوب مني اجتماعيا، أي أن أمارس التقية الاجتماعية واغرق في اللهو والزهو سرا، وأصلي في الصف الأول جهرا، مبديا، ومؤكدا طهرانية حياتي، تلك الطهرانية التي أعلم ويعلم المقربون مني أنها غير صادقة.
نحن مجتمع يسكنه جوع دائم للخروج على التقاليد للامتلاء من متع الحياة المحرمة، ونحن نسعى لذلك سرا ما استطعنا، لكننا نفتقد للشجاعة الكافية لنقول علنا داخل محيطنا القريب ( العائلي والعشائري والمهني ) إننا مارسنا الجنس وشربنا الخمر مثلا، فنحن نسعى من خلال استراتجيات حياتية عديدة لرسم صور متماسكة عنا تستجيب لتوقعات الآخرين اتجاهنا ولانتظاراتهم منا وتصوراتهم عنا، وكأننا لا نعيش إلا لنفعل ونحقق ما يريده الآخرون منا. وهذا ما نفعله باقتدار عجيب، لكن نفعله علنا فقط، أما سرا فذاك سر لا تعلمه إلا رغباتنا المشتعلة في الزوايا المعتمة.

الثقة قيدا إجتماعيا


الثقة والإحترام أدوات قمع فعالة في ظل النظام الأبوي لأن الأبوية كنظام وكثقافة تركز على بسط نفوذها المجتمعي عن طريق مجموعة قيم نبيلة تغرسها في أفرادها وخصوصا لدى النساء من أجل أن تسيطر عليهن ذهنيا وأخلاقيا دون اللجوء للتضييق المادي على الحرية الذي قد يولد رغبة أعمق في التمرد. فتصير تلك القيم المزروعة في نفس الفتاة، لغايات أبوية، لجاما يطوق حرية الحركة والاعتقاد لديها، فبحجة الحفاظ على مشاعر الأهل، والبقاء في مستوى الثقة الممنوحة لها من طرف الأب والإخوة تقيم الفتاة، والشاب بدرجة أقل، رقابة ذاتية حادة وحذرة على كل سلوكياتها خشية أن لا تكون في مستوى المعيار المرضي عنه إجتماعيا والذي منحت لها الثقة على أساسه، وبواسطة تلك الثقة استطاعت أن تخرج للدراسة والعمل والسفر لوحدها في بعض الأحيان، فالثقة الممنوحة لها والمزروعة فيها تجعلها مصفحة ضد الغلط ( الغلط كما يتصوره المجتمع )، لأنها ببساطة فتاة تربت على احترام القيم المرضي عنها اجتماعيا.
فعن طريق تلك القيم المنعية ذات الوظيفة القمعية تقوم الأبوية بالسيطرة على فئات واسعة من النساء وتوجيه سلوكيات الأفراد المختلفة ظروفهم، ولكن المؤمنين بنفس القيم، نحو مزيد من التطابق والمعيارية؛ المعيارية التي تحدد السلوك الحسن والسيئ؟.
وعن طريق هذه المعيارية تستطيع الأبوية، كنظام وكثقافة، أن تتحكم في أكبر عدد ممكن من الأفراد دون أن تكون بحاجة للقيام برقابة مباشرة على السلوكيات، لأن تلك الرقابة غير ممكنة واقعيا.
إن خطورة توظيف مفاهيم الجذب إلى تربة القيم السائدة، وأبرزها مفهوم الثقة بالمعنى المحدد وبالوظيفة المحددة له، تكمن في القدرة الرهيبة على تجريد كل نزوع تحرري، وانفلاتي من سطوة القيم، من أدواته وتحييد تلك الأدوات التي من ضمنها، ولعل أبرزها، العلم المحصل نتيجة عملية تعليمية طويلة في ظل نظام تربوي علماني، رغم عدم التصريح بعلمانيته غالبا.
إن ما نحصله من علم وما نتحصل عليه من شهادات، لا يساهم في تمايزنا سلوكيا عن الفئات الأمية أو ذات المستوى التعليمي المتدني إلا بشكل طفيف وسطحي لا يمس الجوهر، أي لا ينفلت من سطوة القيم التي يهدينا عقلنا الذي أناره العلم لإدراك خطلها. ولكن، ونتيجة لعمق تجدر القيم الأبوية فينا، نعجز عن تجاوزها عبر سلوكياتنا، رغم أننا لا نكف عن التنديد بها قولا.


نخبتنا المزيفة


           ظل المثقف في الجزائر المستقلة أسير خطيئته الأولى، خطيئة الإلتحاق المتأخر بالثورة، أي كونه تابعا للعسكري المغامر وللسياسي الشعبوي، ونتيجة دراماتيكية الإحساس بالذيلية، لم ينوجد المثقف الجزائري الشريك للسياسي، أي حامل أفكار التطوير والتغيير، والقادر على الإنوجاد في المجال العام بصفته مثقفا وفقط، أي بعيدا عن حشر السياسي له داخل هذا المجال الذي تتصارع فيه الرساميل الرمزية من أجل تحصل أكبر قدر من التأثير في صياغة السياسة العامة للبلد وفي توجيه الحراك الاجتماعي الوجهة التي ترتضيها.
لم يتأسس الوضع الرمزي للمثقف الجزائري على قاعدة متينة تقيه شر الحاجة إلى الدولة ومؤسساتها في تحصيل عيشه، مما خلق وضعية للمثقفين تكاد تنفرد بها الجزائر دون بقية الأقطار العربية والإفريقية، وهي كون المثقف موظفا بالضرورة عند الدولة، أي مقولب داخل مؤسساتها، وتحديدا داخل المؤسسة الجامعية التي أنتجته، وبالتالي فهو مدين للدولة التي علمته ووظفته، مما يجعله عاجزا عن حشر أنفه فيما قد يغضب السياسي أو العسكري، أو بعبارة مختزلة يوظفها عامة المواطنين: الدولة. وعجزه عن أن يحشر أنفه فيما لا يعنيه، ناتج عن خوف وعن طمع؛ خوف من أن يفقد الرفاهية والمكانة الاجتماعية التي توفرها الوظيفة التي يشغلها داخل الجامعة أو مؤسسات الدولة التي تحتاجه كمستشار أو خبير يقدم معرفة بمقابل، وطمع في تعزيز تلك المكانة وتحصيل المزيد من أدوات الرفاه الاجتماعي مما يحول المثقفين الموظفين إلى فئة ذات امتياز داخل المجتمع، وكلما تعززت تلك المكانة الاجتماعية، وقد تعززت كثيرا في السنوات الأخيرة، كلما ازداد عجز المثقف عن أن يكون مثقفا بالمعنى الغرامشي للمثقف، أي أن ينحاز للروح الاجتماعي ويدافع عن الحق والحرية وكل القيم النبيلة التي يجب توفرها في المجتمع لكي يتقدم، وان يندد بالخروقات ويفضح التجاوزات التي تحدث من طرف الفئات المهيمنة والشخصيات والطبقات ذات النفوذ، والتي تتغلغل بشكل كبير داخل مؤسسات الدولة وتساهم في صياغة الساسة العامة للدولة، بمعنى أن المثقف الحقيقي والجدير بهذه الصفة غالبا ما يجد نفسه ضد الدولة ممثلة في بعض مؤسساتها وما يصدر عن هذه المؤسسات من قرارات.
في ظل تموضع المثقف داخل مؤسسات الدولة ( مؤسسات التربية والتعليم بمختلف مستوياتها، الصحافة العمومية، مراكز البحث ... ) واشتغاله على رتق إيديولوجياتها الوطنياتية متخليا عن دوره مقابل ما توفره له هذه المؤسسات من رفاهية اجتماعية نكون بإزاء حالة من التخلي الطوعي عن الدور الإجتماعي للمثقف، مع الإصرار على الاحتفاظ بالصفة، مما ينتج لنا تناقضا صارخا بين ما ينتظره المجتمع من مثقفيه وفئته المتنورة، وبين ما تستطيع هذه الفئة المقولبة تقديمه، وهي غالبا لا تقدم سوى ثرثرة علموية لا تسهم سوى في تزيف الوعي بالواقع لدى المتلقين. الوضع الذي يعمق حالة فقدان الثقة، لدى فئات واسعة من المواطنين، في هؤلاء المتعلمين الذين يجيدون التكلم بطلاقة ويتسابقون على موائد السلطة، على اعتبار إنهم فئة تسلقية ومصلحية توظف معارفها من اجل تعزيز مكانتها الإجتماعية في حين هي تدعي عكس ذلك.

مالكوم إكس التحرري


لم يكن نضال مالكوم أكس ضد الاستعباد الأبيض للسود للأمريكيين فقط، إنما، وكواحد من الباحثين عن الخلاص الذي وجده في الإسلام، كان نضاله من أجل حرية إنسانية تمتح من تسامح الاديان وممكنات السياسة، لتؤسس ذاتها القدسية، فقد أعلى من شأن الحرية كمطلب للسود، في بداية نضاله عقب خروجه من السجن، وقد أسلم وانظم لحركة أمة الإسلام التي وجدت في العنصرية البيضاء اتجاه السود الأمريكيين مجالا للدعوة، وقد وجد مالكوم إكس في عمق الاضطهاد الذي عاناه في صغره وشبابه البائسين سببا إضافيا للنضال المطالباتي بالحرية والمساواة لكل الامريكيين، رغم انزلاقه لدعوات عنصرية مضادة اتجاه البيض، وانتهاجه لخطاب فرقوي بين السود والبيض الأمريكيين. وقد كان انخراطه التنظيمي في حركة امة الإسلام والمتطلبات التنظيمية للحركة، ومواقفها التكتيكية تدفعه نحو المزيد من الجذرية، غير أنه وفي سنواته الأخيرة صار أكثر ميلا نحو مفهوم أكثر تسامحا للحرية التي لا تعني المطالبة بها ضرورة الصدام مع الآخر الذي نصوره مختلفا، وهذه المواقف الإنسانية هي التي جعلته يتصادم من حركة أمة الإسلام التي انفصل عنها وتبرأ من مبادئها سنة واحدة قبل إغتياله من طرف ثلاثة من أعضاء الحركة الذين انهوا الخلاف بين مالكوم اكس وأمة الإسلام بشكل درامي ودموي.

الانتماء الفيسبوكي


تتجلى الرغبة الانتمائية إلى فئات معينة عبر الفيسبوك، ولتكن في حالتنا فئة المثقفين والمتطفلين عليهم من الطلبة والأكاديميين، في بداية الامر كغريزة احتمائية ضد السقوط في غياهب الضياع الفردي في عالم افتراضي عامر بالعابرين، لهذا نبدأ بالإنتماء لمن نعرف مسبقا، وعن طريقهم، وبالإحتماء بهم نوسع الدائرة التي قد تتجاوزهم لاحقا، فاتحة المجال أمامنا للتقاطع مع دوائر أخرى بشكل مؤقت او دائم، يكون سبب تقاطعنا معها ما تطرحه من مواضيع تثير اهتمامنا وتستفزنا للرد. الرد الذي غالبا ما يورطنا في علاقة غير مبرمجة مسبقا تستدعي تفاعلية من نوع مغاير لما تعودناه في دائرتنا الأولى، ولأن التفاعل الفايسبوكي يومي وإدماني بشكل يخلط ويقرب بين الواقعي والافتراضي، فهو يجعلنا في حالة انفتاح دائم على العالم من خلال الإنخراط في علاقات جديدة من جهة، ومن خلال الطرح التداولي للمكتوب الفيسبوكي الذي ننتجه ونستهكله ونتشاركه فيما بيننا ليكون أداة وصال واتصال بيننا تساهم في تداخل أكبر بين الدوائر والفئات او بين الجزر الفايسبوكية المعزول بعضها عن بعض والتي تتقارب وتتباعد عن طريق المكتوب المطروح في دائرة ما للنقاش وللتعاليق المفتوحة التي تتشاركها الدوائر. يتحول الحضور الفايسبوكي إلى عادة مشتهاة تمارس وفق استراتجيات تسعى لرسم صورة ما مختارة ومروتشة بعناية من طرف المتفاعل الفايسبوكي .

تشافيز البوليفاري


رحل شافيز رحل 
البوليفاري المسكون بروح الثورة، بعد أن وضع أمريكا الاتينية كلها على درب اليسارية التي لن تضل بعدها أبدا. رحل، ككل صناع التاريخ، في عمر العطاء، وفي عز المجد، مجللا ببهاء الحضور وقوة التأثير، هو الطالع من أحراش الحياة الفينزويلية التي قادته إلى الأكاديمية العسكرية بكراكاس، هناك حيث تفتق وعيه السياسي والنضالي وحسه الثوري غير المهادن، والذي ترجمه عمليا بتأسيس " الحركة الثورية البوليفارية "، التي ضمنها، وبواسطتها تسلق إلى قمة المجد السياسي في بلاده التي كانت تئن تحت ضغط التخلف الاجتماعي والتبعية السياسية والاقتصادية.

شافيز الثوري البوليفاري نصير الفقراء والمضطهدين، عاشق القراءة والمطلقات، اليساري دون حسابات يساروية، المؤمن بضرورة تكتل دول العالم الثالث ضد استغلال الشمال الرأسمالي اقتصاديا، وضد هيمنة الغرب سياسيا، والمناضل الذي لا يكل ضد طبقة الرأسماليين الكومبرادوريين في بلاده وفي دول أمريكا اللاتينية، تحول خلال سنوات قليلة إلى أيقونة تحريرية سيمتد تأثيرها الرمزي في الزمان والمكان لتنضاف إلى سلسلة أنبياء التحرر: تشي غيفارا وفرانز فانون ومحمد بوديا.

خليك محترم؟!



للأسف ما ظننتك هكذا؟؟؟.
عبارة محرجة واتهامية كثيرا ما تسمعها إذا تصرفت على سجيتك دون عمل اي اعتبار لما ينتظره الآخرون منك وما يتوقعون ان تقوم به من سلوكات وتتفوه به من أقوال ترضي توقعاتهم السابقة على معرفتهم بك، فللتوقعات الاجتماعية منطق واحد وأسس تمتح من القيم والسلوكيات المرضي عنها اجتماعيا او طبقيا وفئويا، وهذا ما يجعلها متشابهة لذا الأفراد المقولبين اجتماعيا ضمن فئة اجتماعية معينة، وبالتالي فردات الفعل الناجمة عن الخروج على المتوقع والمنتظر غالبا ما تكون متشابهة، فالأفراد كممثليين للجماعة / المجتمع يسعون لتطويق الإختلاف وكسر الخروج على القيم السائدة من خلال تطويق كل فرد على حدا بمجموعة من الانتظارات والتوقعات اتجاهه بشكل يحرجه كلما سلك سلوكا يعرف مسبقا انه لن يكون مرضيا عنه من طرف جماعته التي ينتمي إليها أو ينخرط معها في علاقة ما. غالبا ما ما تكون تلك التوقعات الاجتماعية اتجاه الأفراد مغلفة بنوايا حسنة وصادقة، ومعززة بقيم نبيلة، وهنا مكمن خطورتها على فردانية الانسان التي لا يكون تشكلها فعالا إلا بالانتصار على الجماعة والاطر التي تضعها لقولبة الفرد في عملية تنشئة اجتماعية مستمرة رغم تغير أدواتها من مرحلة إلى أخرى، فالجماعة تستدعي التماثل من خلال السعي لفرض نمط قيمي معين يكون معيارا ونموذجا للسلوك والقول المقبول، في حين تنافح الفردانية على مبدأ عقلي وعقلك، المنافي للنمطية والمعيارية والذي يجعل المنطق والعقلانية أساس الصواب والخطأ.

النساء الوحيدات


نساء باسمات، لكن بسمة اليأس، عابثات، لكن عبث الهروب، إنهن يواجهن واقعا مرا بصبر جبار وبحكايات فائقة القدرة على صنع اللامبالاة والمسرات الظاهرة، يبعدن بثرثرتهن وصخب أصواتهن والضحكات المتعالية سأم الأيام المكرورة، وبرود العلاقات التي كانت او الكائنة، يتحدثن، فيما بينهن، عن عشاقهن بتندر وعن أزواجهن بضمير الغائب، فالزوج يظل: هو، مولا بيتي، الراجل، بابات الأولاد، وكل الصفات الغير حميمية التي تمعن في إبعاد سطوته وجبروته، بالقول على الأقل، هن في قاعات الإنتظار عن الطبيب، في الحافلات، في قاعات الشاي، والمطاعم النصف فاخرة، يلتقين ليتحدثن بجمل " مستأنسة ، مسترسلة ، يظنها السامع مللا وسهوا لها ، لغو نساء وماهي إلا احتضارات صمت لنسوة أتقن فن الهروب من آهاتهن وعثراتهن وخيباتهن." في مجتمع لا يرى فيهن، مهما بلغن من العلم ورقي المرتبة، سوى ناقصات عقل ودين وضلع أعوج ينصح الرجال بأن يتمتعوا به وهو أعوج، لان محاولة أقامته تكسره، فهن المشتهات المطلوبات للفراش عشقا، اللواتي لا تكتملن ذاتا وكينونة وحضورا مثبتا إلا بالزواج، وبالتنازل عن أسمائهن لإزواجهن، ليعشن سيدات تؤثث حياتهن ببعض كذبات يصدقنها، وحين يتلقين في قاعات الانتظار يثرثن بها بفخر كاذب.

فايسبوك إسلامي؟!




يتحول الفاسبوك، وبفعل غزو الرؤى المحافظ لفضائه إلى خناق يضيق على رقاب الفيسبوكيين الذين يتعاملون معه كفضاء حر منفلت من الهيمنات الناعمة التي فرضها المجتمع وسدنته في الواقع الاجتماعي.ن فعبر الفايسبوك تحاسب المرأة على صورة نشرتها أو كلام علقت به، وتحاسب حتى على صمتها، فهي مطالبة هنا، تماما كما هي مطالبة في واقعها الاجتماعي بأن تقول خيرا أو تصمت؛ والخير المقصود هو ما يرضى عنه حراس المعبد القديم وأخلاقياته التي تنهار في مجال السلوكيات، لكنها ، أي الأخلاقيات القديمة،ـ تنافح من اجل الإبقاء على شرعيتها كقيم نموذجية ومعيارية نمجدها بالقول والكتابة، رغم أننا نعتدي عليها سرا عبر سلوكياتنا، لكن المجتمع وحراس قيمه، لا تهمهم الاعتداءات السرية على تلك القيم بمقدار ما يهمهم ويستنفرهم التشكيك في شرعيتها أو إنكار صلاحيتها لزماننا وواقعنا من خلال جعلها موضوعا للنقاش أو تجاوز تعاليمها بقول أو بتعاليم أخرى تقدم نفسها كبديل عنها، لأن السلوك الإجتماعي الخاطيء في تصور حراس القيم الاجتماعية يمكن التسامح معه لأنه خاطيء أي خارج عن المعيار المرضي عنه من جهة، ومن جهة أخرى، ونتيجة كونه خاطئا، فهو لا يتحول إلى نموذج لأنه لا يمارس بشكل علني، وبالتالي تبقى إمكانية التوبة عنه والرجوع إلى "جادة الصواب" قائمة. في حين أن ما يقال أو ما يكتب علنا يعبر عن فكر وعن قناعات معينة وفي حالة كون تلك القناعات متعارضة مع ما تضعه القيم الاجتماعية السائدة كنموذج للسلوك السوي والقول الخيّر، فإن ذلك التعارض يخلق تصادما احتداميا بين الرؤى السننية التي تلوذ بمعيارية الدين وبالعمق الهوياتي للقيم المجتمعية السائدة وبين الرؤى الجديدة التي تعسى لطرح أفكارها كبديل للنظام الاجتماعي الذي تنتقده وتسعى لكشف خطل مرجعياته الفكرية، ومع ان النتيجة غالبا ما تكون انتكاس ونكوص أصحاب الرؤى البديلة الذين ينهزمون امام هول وقوة الردع الاجتماعي وادواته الناعمة والحادة، إلا أن تلك الرؤى نفسها لا تنهم تماما إنما تضل مالكة للقدرة على الانبعاث من جديد مع مدافعين جدد عنها.
وبالعودة إلى الفايسبوك وما يحدث فيه من تجاذبات بين من يريدونه فضاء لنشر قيم الحرية والحداثة وبين الرؤى الأكثر محافظة في المجتمع التي تريد جعل الفيسبوك فضاء لنشر الدعوة الإسلامية والتغلب على الشيطان، ولو ظاهريا فقط، ونتيجة الغلبة العددية لحراس النوايا الذين لا يتوانون عن كيل اتهامات التفسيق والتجريح، والدعوة لأجل فايسبوك إسلامي، مع أني لم أفهم لحد الآن مالمقصود بالفايسبوك الإسلامي الذي يدعو له بعض المعتوهين، فإن التواجد هنا أصبح لا يحتمل.

conter