الاثنين، سبتمبر 22، 2014

عن فلسفة القانون


يتسم القانون بكونه يؤطر الحرية الشخصية في إطار المسموح والمعاقب عليه، وهو أيضا يصادر العنف من الأفراد ويمنح بعض هيئات الدولة الحق في القيام به باسم القانون نفسه، والقانون لا ينبع من توافق كل الذوات التي تخضع له، إنما هو ناتج عن تحقق إرادات فردية لها سلطة صياغة القوانين وتمريرها وجعلها سارية المفعول، والقانون غالبا ما يترجم توازنات معينة داخل المجتمع، وعن طريق القانون تسعى الكثير من الفئات المتنفذة إلى خدمة مصالحها بطريقة قانونية، حتى تتفادى عواقب الخروج عن القانون، وعن طريق القوانين تقوم الدولة، باعتبارها الحارسة لتطبيق تلك القوانين التي صاغتها مؤسساتها المختلفة، بالتحكيم بين الفئات الاجتماعية المتنازعة على السلطة أو المنافع الاجتماعية والمصالح الجهوية، لأن القانون يجرد الأفراد من النقمة الثورية التي يقابلون بها بعض التسويات التي تتم تحت الطاولة، ويجعلهم يرضون بما أقره القانون حتى لو كان ضد مصالحهم، وحتى حين يرفضونه يفعلون ذلك بطرق قانونية، أي بواسطة طرق الرفض التي يقرها القانون.
والقانون الوضعي والمدون على عكس باقي القوانين التي تأخذ من الشرع والعرف مبررا لوجودها دون أن يكون لها سند قانوني يجعل الدولة ترعى تطبيقها ( أو يفترض ذلك)، تطبيقه آني ومباشر وإلزامي في حين باقي القوانين الأخلاقية والعرفية والدينية غالبا ما ترحل العقاب والثواب إلى الآخرة، أو تستثير الضمير من أجل الإحجام والإقدام على الفعل، وهنا مكن الفرق الأساسي بين القانون من جهة ومصادر القانون التي تشكل قانونا خاصا كالعرف والشريعة من جهة أخرى، وتحقيق سيادة القانون الوضعي على حساب باقي "القوانين" والنطاطة والحمالة أوجه، غالبا ما يرتبط بقوة الدولة على المستويين الاقتصادي والسياسي، كما يرتبط بتوفر سلم اجتماعي يجعل الأزمات المجتمعية في حدها الأدنى، أي الطبيعي، وفي حالة العكس، أي غرق المجتمع والدولة في أزمات متتتالية تجعل الأفراد والجماعات لا تثق بقدرة الدولة على الوفاء بتعهداتها اتجاه المواطنين، وبالتالي تلجأ إلى قوانين ذات صبغة أخلاقية تستمد قوتها من عرف اجتماعي يضمن سريانها والتزام الافراد بها في مقابل عدم الانصياع لقوانين الدولة والتهرب من تطبيقها قدر الاستطاعة

عن المكتبة والكتاب الفكري والمقروئية.



إنه واقع محزن يصعب التغلب عليه، ذلك الذي تعيشه المكتبات الخاصة في علاقتها بالكتاب الفكري والأدبي، لأن فتح مكتبة توفر الكتب الفكرية والأدبية والعلمية بشكل دوري أمر يحتاج إلى استثمار ضخم، في المقابل تكون مردوديته خاصة في السنوات الأولى ضعيفة بشكل يجعل منكل من يملك رأس مال يحجم عن فعل ذلك في ظل توفر بدائل كثيرة أكثر ربحية، في حين أن المكتبات الصغيرة التي  لا تتيح امكانياتنا لصاحبها تجميد رأس مال معتبر لمدة طويلة نتيجة بطء دوران الكتاب المعرفي والعلمي مقارنة بباقي الكتب المدرسية وكتب الطبخ والكتب الدينية التي لا يزال لها مواسمها الخاصة، تلك المكتبات لا يمكن التعويل عليها في الانتقال بالمقروئية نحو وضع ينصف الكتاب الفكري والأدبي.
لو نلاحظ في كل الجزائر المكتبات التي لا تزال توفر الكتاب الفكري ولو بنسبة محدودة هي المكتبات العريقة والعتيقة التي اتخذت وضعا اعتباريا ورموزية في منطقتها بشكل جعل لها زبائن دائمون يمتدون على مناطق أوسع من مجالها الجغرافي، وهكذا مكتبات توجد غالبا في المدن الكبرى ( العاصمة، وهران، عنابة، تلمسان، قسنطينة، سطيف )، على اعتبار تلك الولايات تعتبر منطقة عبور من جهة وتتسم بحركية ثقافية أكبر من باقي الولايات مما يجعل المهتمين بالثقافة والمعرفة يقصدونها ويقصدون مكتباتها التي صارت ونتيجة عراقتها معروفة من لدن المهتمين، ويتم التوجيه إليه في حالة وجود باحث عن كتاب، هذه خاصية لا توجد لدينا في الولايات الصغيرة التي تشهد ركودا ثقافيا، ولما أقول ركود ثقافي لا اعني تلك المهراجات والتجمعات والندوات التي ترعاها مؤسسات الدولة (مديرية ودور الثقافة، الجامعة وخاصة كليات الآداب والعلوم الإنسانية، المركز الثقافي الإسلامي، الجمعيات الثقافية ....) فالنشاطات التي ترعاها هذه المؤسسات غالبا ما تكون استعراضية ومعزولة لا تقدم برنامج ثقافي تمتزج فيها المحاضرة بمعرض الكتاب بنقاشات يوفرها مجال التقاء ثقافي ( مقاهي أدبية )، بمقدار ما تقدم مادة أساسية يقصدها المختصون والمدعوون فقط.
لهذا فالكتاب الفكري والأدبي في رأيي يجب أن يخضع لسيرورة في التسويق والتوزيع لا يكون منطق السوق معيارها الرئيسي، لأن معيار السوق والربحية يسقط هذا الكتاب غالبا من مجال المنافسة أمام باقي أنواع الكتب التي تتسم بسرعة دوران جيدة مقارنة به، خاصة في ظل توفره بشكل مجاني عبر المكتبات الجامعية والبلدية التي يزداد عددها وتنفتح أبوابها لفئات أوسع من طالبي هكذا نوع من المعرفة وهم غالبا من الطلبة والباحثين الذي يبحثون عن الكتاب الأدبي والفكري برؤية براغماتية لا تطلب الكتاب لذاته إنما تطلبه كمرجع للتهميش وإثراء قائمة المراجع  في ختام البحث، أي أن الطالب الباحث حتى وإن بحث كثيرا عن كتاب وبشكل جدي فليس لكي يقرأه بمقدار ما يستل منه صفحة أو صفيحات من فصل يأخذ منها ما يريد لبحثه ويرمي الكتاب، وهذا ما يجعل فكرة الشراء، خاصة في حالة كون ثمن الكتاب مرتفع قليلا، فكرة غير واردة، في ظل توفر مكتبة الجامعة وباقي المكتبات العمومية ( مكتبات المدارس والثانويات، المكتبات البلدية، مكتبات المراكز الثقافية، المكتبات المتنقلة التابعة لوزارة الثقافة ...) التي توفر الكتاب الفكري والأدبي بالمجان مما يجعله كبضاعة يعاني الكساد في المكتبات الخاصة.
هنا حين نتحدث عن المقروئية ونأتي بالمعرض الدولي للكتاب كمنوذج ودليل على وجود قاريء مهتم يسعى للكتاب الجيد وينتظر موعد قدومه بفارغ الصبر نكون بصدد تمييع للواقع السوسيولوجي للمقروئية التي قوامها استثمار وسيرورة  وأقطاب/ فاعلون  ( المؤلف، الناشر، الموزع، المكتبي والقارئ ) لأن المعرض الدولي للكتاب يختصر العملية ليجعلها بين الناشر والقارئ، وعلى اعتباره لقاءا مناسباتيا وتمظهريا ( حضور كتاب بيع بالتوقيع، تغطية صحفية، لقاءات ثقافية ) فهو لا يلبي حاجة القاريء فعلا للكتاب إلا في حدود ضيقة ولدى فئة من المهتمين ترى فيه مناسبة لقاء اكثر منه فرصة للبحث عن الجديد، فالقارئ الذي يقصد العاصمة لشراء كتابين أو ثلاثة مقابل تحمل تكاليف التنقل والإقامة لن يفعل ذلك لأجل الكتاب وحده إلا في حالات قليلة ونادرة. ولو أن القائمين على المعرض يجرون دراسة عن طبيعة الزبائن الفعليين للمعرض أي المشترين الحقيقيين سيجدون أنهم وبنسبة كبيرة يتشكلون من مكتبيين صغار وموزعين يجدون في المعرض فرصة ( للتسليع )، وإقبالهم على الشراء بكميات " كبيرة " هو ما يعطي الانطباع للناشرين والمنظمين بوجود مقروئية عالية لان المقروئية هنا تقاس غالبا بعدد الكتب المباعة خلال أيام المعرض، بالإضافة إلى عدد الزوار الذي ارتادوا المعرض خلال أيام إقامته.
اعتقد أننا بحاجة، إذا ما أردنا أو نوفر مادة علمية وأدبية جيدة للقاري المتطلع  والباحث عن زاد فكري وأدبي جدي وعميق، إلى التفكير الجدي في إعادة  بعث تجربة المكتبات التابعة للدولة ولو بصيغة مختلفة تكون تشاركية بين الدولة والمكتبيين، تقوم من خلالها الدولة، عبر وزارة الثقافة، بتقديم دعم حقيقي للمكتبيين كي يستطيعوا الاستمرار في إدارة مشروعاتهم وتنميتها في ظل ظروف أكثر تشجيعا على الإستمرر في نفس النشاط أمام إغراءات قوية توفرها نشطات أخرى أكثر ربحية، في المقابل تستطيع الوزارة من خلال هذه المكتبات توزيع إصداراتها التي تفتك بها الرطوبة في المخازن ويتلف منها ملايين النسخ دون ان تجد سبيلها للقارئ المعني والمهتم بها.

conter