السبت، يونيو 29، 2013

الشعب الجزائري الذي أعرفه


أنا أتحدث عن الشعب الجزائري الذي أعرفه؛ الشعب الذي يرتكب كل الموبقات ويتصرف بنذالة مع بعضه البعض وتزدهر عنده الغيبة والنميمة والفساد والكسل والانتفاعية، الشعب الذي يؤمن بأن دولته هي دولة الرعاية الإلهية التي توفر له الصحة والتعليم والعمل والسكن، الشعب الذي لا يحب جيرانه، ويعتقد أن عرب الجزيرة مجرد أناس شهوانيون وتافهون لا يستحقون أي احترام لولا وجود الأماكن المقدسة بأرضهم حيث يحج ويولي وجهه عند كل صلاة، وهو شعب يحدد علاقته مع باقي الشعوب العربية وفق معايير ضبابية تأخذ من التاريخ بطرف ومن المواقف السياسية الراهنة والقريبة لحكومات تلك الشعوب بطرف آخر، إنه شعب يثمن القيم المشتركة مع محيطه العربي ( العروبة والإسلام )، ولكن مع ذلك فهو يؤمن بالدولة القطرية بعيدا العواطف المشبوبة للقومية العربية.

الشعب الذي يعتقد أن مباراة في كرة القدم سبب كاف لإعلان حرب، الشعب الذي يساند دون حسابات ضيقة ويعادي دون حسابات أيضا، الشعب الذي يجاهد أبناءه في كل مكان يهان فيه المسملون من الكفار، ويعتقد أنه شعب مختار خلق ليحارب أكثر مما خلق ليبني حضارة، وهذا ما يجعله يرضى بمبدأ الشرعية الثورية التي يحكم باسمها من طرف نظام قائم منذ خمسين سنة على مبدأ: نحن من حررها بالدم ونحن من نحكمها ونحكمكم. شعب متطرف وحامي الدم في علاقاته اتجاه الغير ولا مبالي في علاقاته مع دولته إذا لم يمس في رزقه وقوت عياله، وإذا لم يهن في شرفه مع سبق الإصرار على الإهانة. شعب غيور على دينه ومع ذلك فهو أكثر الشعوب تجديفا في حق الذات الإلهية، شعب يلعن ويسب ويشتم الحكومة ودين الحكومة ورب الحكومة، ولكنه يصوت لصالح مرشحي النظام، شعب يسامح ولكن لا ينسى، يطرد المستعمر لأنه لا يطيق أن يعيش مكبلا لكنه يلتحق بمستعمره في الضفة الأخرى ليعيش ذلا وهوانا لا يرضى أن يعيشه في بلاده، لأنه يؤمن أن بلاده عزيزة لا يذل فيها أبناؤها، شعب يختلف مع نظامه في كل شيء إلا في سياسته الخارجية، شعب لا يقبل أن يتلقى أوامر أو دروس من العرب الذين يعتقد أنهم ليسوا أفضل منه في شيء ليعطوه دروسا في أي شيء، شعب يصعب فهمه لأنه شعب بلا مبادئ بادية الظهور ومعلن عنها بصوت عال تحدد ماهيته كشعب جزائري، شعب مبادئه خامدة لا تستيقظ إلا بتحفيز عاطفي شديد، تحفيز يركز على الدين أو الوطن كسببين للاستنفار، مع أنه من أكثر الشعوب إساءة لأوطانهم ومن أكثر المسلمين رقة في الدين، ومع ذلك فهو لا ينفر كجماعة إلا دفاعا عن هذين الشرفين (شرف الدين وشرف الوطن )، ومع ذلك فهو شعب تستفز الكثير من أفراده الحقرة ولا يرتضيها لنفسه أو لغيره حتى ولو كان ذلك الغير ظالما قبل تعرضه لما يفهمه الجزائري على أنه حقرة، مع أنني لم أستطع لحد الآن تحديد معايير ثابتة نستطيع على أساسها تحديد الأفعال التي تدخل مجال الحقرة.

العالم العربي والعالم الإسلامي


تشير عبارة العالم إلى وحدة جزئية منغلقة على ذاتها. والتاريخ يخبرنا عن الكثير من " العوالم "؛ كالعالم المسيحي في القرون الوسطى، وعوالم الشرق في بدايات الغزو الاستعماري الغربي وتشكل الهيمنة الامبريالية الغربية على الشرق، وقد انهارت، وبالتالي اختفت من قاموس التداول، كل تلك العوالم التي انفتحت على بعضها البعض بأشكال مختلفة، لكن ظل هناك عالمين واحد في مجال التداول الإعلامي والسياسي هما العالم العربي والعالم الإسلامي، والعالم العربي هو عالم حديث الإنوجاد كمصطلح مقارنة بالعوالم الأخرى الزائلة.
فالمنطقة الجغرافية التي تضم الدول الناطقة بالعربية لا تزال مصنفة وموصوفة سياسيا وحضاريا كعالم؛ فهي العالم العربي، وهي تسمية غربية تم تبنيها عربيا لتمييز هذه المنطقة جغرافيا وسياسيا وفصلها حضاريا عن بقية العالم من خلال التأكيد الدائم على اختلافها وتمايزها، هذا التمايز الذي ينعكس في حجم مشاريع الهيمنة والاستقطاب التي تعرضت لها المنطقة العربية خلال القرنين الماضيين لعدة أسباب سياسية وإستراتجية، وحضارية بدرجة أقل.
على عكس عبارة العالم الإسلامي، الأقل تداولا، والتي هي صفة ذات منشأ عربي إسلامي، تطلق لتمييز الفضاء الجغرافي الذي يدين أغلب قاطنوه بالإسلام كدين، رغم أن هذه التسمية الأخيرة ( العالم الإسلامي ) صفة قليلة التداول بشكل كبير في الخطابات السياسية والإعلامية العالمية مقارنة بعبارة العالم العربي الذائعة الصيت، وهي تعبر غالبا لدى من يستعملها من المسلمين عن نزعة استكفائية، في المجال القيمي والأخلاقي خاصة، حيث هذه المجموعة البشرية ( والتي هي في حقيقتها مجموعات ) تكتفي بذاتها،  بسبب تعاليها الديني على معتنقي الديانات الأخرى القاطنين لبلاد الكفر، وتنغلق ولا تنفتح على العالم الخارجي إلا في مجالات التبادل المادي والاقتصادي، الذي هي في حاجة إليه.

واستعمال عبارة العالم الإسلامي بهذا المعنى من طرف المسلمين، قريب جدا من المعنى الذي توظف به من طرف الآخر، الغربي تحديدا، والذي يعبر بها عن عجز الهيمنة الامبريالية الغربية على اختراق منظومة القيم والمعتقدات الإسلامية، بله تغييرها. وهذا ما يبرر استعمال عبارة العالم بالمعنى المحدد سابقا، أثناء الحديث عن مجموع الدول الإسلامية. 

conter