الجمعة، فبراير 20، 2015

تهميش المثقف الجزائري... مسؤولية من؟

حين نطرح التساؤل بهذه الصيغة: "تهميش المثقف الجزائري واغتياله نفسيا: مسؤولية من؟" نكون بصدد استعداد نفسي لتبرئة المثقف من مسؤوليته عن الوضع الراهن الذي يتسم بكثير من الرداءة على مستوى الإنتاج الفكري من جهة وعلى مستوى الأداء الثقافي لما يسمى بالمؤسسات الثقافية من جهة ثانية.
وإلقاء اللائمة على جهات أخرى غير محددة مع أنها ومن خلال الإشكالية المطروحة تحيل على المسؤولين عن قطاع الثقافية الذين يشجعون الرداءة لعدة أسباب: قد يكون ذلك هو مستواهم وفكرتهم عن الثقافة التي لا تخرج في نظرهم عن الاحتفالات الكرنفالية، وقد يكون الإصرار على الرداءة ناتج عن كون أغلبية المسؤولين عن قطاع الثقافة في بلادنا هم من المبدعين والكتاب الأقل شهرة والأقل تميزا وحضورا داخل الحقل الثقافي، وبالتالي فتمييع الفعل الثقافي من طرفهم ما هو في النهاية سوى تغطية على رداءتهم.
بمعنى أن المثقف نفسه يتحمل نصيبا وافرا من مسؤولية الوضع الرديء الذي يعيشه الحقل الثقافي الجزائري، وهذه الوضعية نتاج تاريخي أكثر من كونها مجرد وضعية مستجدة، فافتقاد المثقف الجزائري للإمكانيات المادية التي تمنحه حرية في الإبداع والمبادرة، تجعله رهين تجاذبات حادة من طرف مؤسسات الدولة والهيئات الخاصة التي لا يهمها من النشاط الثقافي سوى تجميل صورته أمام الرأي العام المحلي وأمام المؤسسات الدولية التي تأخذ بالحراك الثقافي داخل أي مجتمع كمقياس دال على الديمقراطية والتقدم والنمو، أي أن الثقافة بالنسبة لتلك المؤسسات تبتعد عن كونها خلقا وإبداعا لتتحول لمجرد وسيلة لتحقيق أهداف أخرى غير ثقافية.
وفي ظل هذا الوضع يتحول المثقف إلى مجرد وسيلة للدعاية السياسية ويفقد جوهره وروحه الإبداعية ونظرته النقدية للأشياء، وبفقدان هذه المميزات يفقد المثقف مبرر وجوده ويتجول إلى مسخ.
هل يمكن اعتبار هذه الحالة التي يعانيها المثقف الجزائري، والعربي عموما، حالة ناتجة عن هيمنة الدولة على المجال الثقافي وعملها على إفراغه من محتواه النقدي والحر، مما أزم العلاقة بين المثقف والسياسي، أم أن نشوء وتطور الدولة والمجتمع ما كان لينتج غير هذه الحالة التي تضع الثقافة في ذيل قائمة الاهتمامات؟
بما أن مشكلة المثقف أو عامل النقص الذي يعانيه إزاء السياسي هو التجدر الاجتماعي المفقود، وكذا وسائل التأثير التي لا يمتلكها هذا المثقف، فإن الحديث عن البنية التحتية التي توفر للمثقف هذا المجال ذو أهمية قصوى، فالمعاهد والجامعات ومراكز الدراسات والمؤسسات الثقافية ودور النشر والمجلات والصحف وغيرها من الهيئات ذات العلاقة بالحقل الثقافي تشكل قاعدة مادية مهمة لعمل ونشاط المثقف تكتسي أهمية بالغة في توفير مناخ مناسب للمثقف يستطيع في ظله القيام بواجبه في نشر وعي معين وبالتالي في اكتساب سلطة معينة إزاء السياسي.
وهذا الطرح يقودنا لنقطة أساسية مرتبطة بعمل المثقف في جو تنافسي قوامه التنافس على خلق وتوليد الأفكار لا التنافس على تقاسم الريع كما هو حاصل لدينا، وهذه النقطة مرتبطة بدور الاقتصاديات الوطنية وبعبارة أدق دور رأس المال الوطني الخاص تحديدا في دعم ورفد هذه المؤسسات حتى تكون منبرا لحرية الفكر ومن ثم للخلق الفكري والإبداعي الذي يصب في خدمة المجتمع بصفة عامة حتى حين يكون هدفه الأولي هو خدمة هيئة معينة كحال الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التي تنجر بطلب من مؤسسات حكومية أو خاصة.
من أهم الأسباب المعيقة لنشاط المثقف هي كونه موظفا عند الدولة وبالتالي فاقد للحرية إزاء نقد الدولة فهو في الغالب يعمل في مؤسسات ثقافية وإيديولوجية وتعليمية تابعة للدولة وخصوصا المؤسسات ذات الإمكانات الضخمة كالجامعات ومراكز البحث، ومن هنا فمن المنطقي أن لا يكون عمله موجها ضد الدولة وضد خطاباتها السياسية والإيديولوجية، فالدولة هي التي تضمن رزقه وتوفر له رفاهية اقتصادية تمكنه من التميز الاجتماعي.
وهذه الامتيازات التي يحصل عليها المثقف نتيجة حاجة الدولة له كموظف في مجالات لا يمكن لسواه أن يحل محله فيها تجعله يميل لخدمتها مضحيا بحريته، أو يشاغب في حدود المسموح به فقط، دون أن يطلق ملكاته الإبداعية والفكرية لولوج مناطق غير مستوية تقوده للإخلاص للحقيقة وحدها بعيدا عن التوجهات السلطوية.
نحن في المجتمعات العربية الحديثة وعلى عكس المجتمعات الإسلامية في فترات تاريخية ماضية لم تنتشر عندنا ظاهرة "رعاة الثقافة" أي أشخاص يملكون رأس المال ويوظفونه في دعم النشاط الثقافي والفكري الذي يصب في خدمة المجتمع بصفة عامة.
رعاة الثقافة والأدب لعبوا دورا كبيرا في النهضة الأوروبية، كما أن ازدهار الثقافة في الحضارة العربية الإسلامية كان مرتبطا بهذه الظاهرة تحديدا، حيث امتدت رعاية الثقافة من الأمراء إلى العائلات الغنية والأفراد الذين يحملون هما فكريا وثقافيا.
يكفي الإشارة إلى مثال مهم في العصر الحديث حول دور هذه الرعاية في نشوء نظريات ومدارس فكرية، صبت مقارباتها في خدمة المجتمع، مثال كارل ماركس وانجلز يعطي دلالة بالغة على الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه هكذا رعاية ثقافية في نشوء تفكير حر يكون قادرا على زلزلة اليقينيات، ويعد بفتوحات معرفية متجددة.
فلم يكن من الممكن لكارل ماركس أن يصوغ مشروعه في نقد الرأسمالية وكذا تنظيره للاشتراكية العلمية لولا لقاءه بالملياردير فريديريك انجلز الذي كان رفيق الدرب في التنظيرات الماركسية؛ انجلز وفر لماركس كل المتطلبات المادية له ولأسرته بغية تفرغه لمشروعه الفكري وهذا ما ساعد ماركس على توجيه تفكيره إلى نقطة مركزية وبكل حرية.
في المجمعات العربية الحديثة، البورجوازية الوطنية هي بورجوازية هجينة، فهي لا تمتلك مشروع مجتمع. في نفس الوقت هي بعيدة عن الثقافة بسبب وضعها الهجين، ولكون غالبيتها بورجوازية كومبرادورية مرتبطة بالمصالح الأجنبية فهي لم تساهم في خلق مؤسسات تهتم بالمجال الفكري ولم تساهم بأي شكل من الأشكال في خلق أو الترويج لنظرية أو فكرة معينة تخدم المجتمع.
ومن هنا كان المثقف ملزما بمراعاة ظروف المعيشة أي بالبحث عن مصدر رزق كأي إنسان عادي، وبما أن دور المثقف هو التفكير وإنتاج وتسويق الرموز لغايات اجتماعية فقد استقطبته مؤسسات الدولة التي تعنى بالتفكير وإنتاج المعرفة.
في الوقت نفسه، كانت هذه المؤسسات عامل مراقبة حد من حرية التكفير الضرورية للمثقف، فسقف حرية البحث العلمي والإبداع في العالم العربي محدد ومؤطر بطابوهات لا يمكن الاقتراب منه.
وفي نفس الوقت الذي تدرج فيه الدولة المثقف ضمن مؤسساته، فهي تهمشه وتحوله لتكنوقراط ولكسول لا يتحرك إلا بمهماز نتيجة ضعف العناية الممنوحة لمجال البحث العلمي وللنشاط الفكري عموم، حيث وبسبب اللجوء للمثقفين بشكل مناسباتي يتحول المثقف العاطل عن التفكير إلى متسابق على ما تذره النشطات الثقافية التي ترعاها الدولة وتصرف عليها بسخاء لأهداف لا ثقافية أساسا مرتبطة بمصالح سياسية مرحلية.
إذن فمشكلة المثقف هي مشكلة البورجوازية الوطنية التي تخلت عن تحالفها مع المثقف لأنها لا تمتلك مشروع مجتمع، ومشكلة الدولة التي رأت في المثقف إنسانا مشاغبا ومزاحما لها على كسب سلطة معينة تكون معارضة ومناوئة لسلطتها. ولهذا سعت لتدجينه وتحويله لكائن داجن لا يتحرك إلا للتنافس على الريع الذي توزعه الدولة.
ومن هنا فإن الباب المفتوح والخطير الذي يجب على المثقف ولوجه في ظل هذه الظروف هو باب النضال، النضال من اجل الديمقراطية التي أساسها الحريات العامة وحقوق الإنسان، وأساسها أيضا العلاقة التضايفية بين المثقف الحقيقي والسياسي الواعي بدور الثقافة في نهضة الأمة، لا العلاقة الإقصائية والعدائية السائدة في الوقت الراهن نتيجة غياب الديمقراطية.

الأحد، فبراير 15، 2015

عن الثقافة الساندويتش

ليست كتب الطبخ والروايات التجارية، وكتب الأبراج بمنتجات دخيلة على الثقافة، إنها جزء من الثقافة بمعناه السوسيولوجي، ووجودها برفوف المكتبات ليس بدعة ولا تعبيرا عن سخافة الثقافة التي تسمح بتسويق مثل هذه المنتجات، إنها ظاهرة صحية يزداد انتشارها في الأوساط التي تسعى لاكتساب نوع من " الدلع البورجوازي " في المأكل والمشرب وطريقة الحديث التي تستحضر أسماء المطاعم وماركات العطور أكثر من أي شيء آخر.
المشكلة عندنا تكمن في تغوّل هكذا نوع من الثقافة " الخفيفة " على حساب الثقافة الرصينة التي يمثلها الأدب والفكر وما يتفرع عنهما من دراسات متطلبة معرفيا، وبالتالي تتطلب قارئ  نوعي، ذو اهتمامات تتجاوز السطحي والبسيط الذي تقدمه الثقافة التجارية، وهذا التغول هو ظاهرة تاريخية ساهم في خلقها وتكريسها الحقل الثقافي بمجمله ( المكتبيون، الناشرون، الموزعون، الإعلام بمختلف أنواعه) ولقيت صدى لدى فئة واسعة ممن يصنفون كمستهلكين للمنتجات الثقافية المكتوبة، وخاصة لدى فئة النساء  بالنسبة لكتب الطبخ، مما وسع سوقها بشكل ضمن لها استمرارية مريحة وربحية أكبر من ربحية باقي أنواع الكتب التي تصنف في خانة الكتب الجادة.

الأدب والكتب الفكرية تحضى بطلب من فئة محدودة تنحصر بالكاد في فئة الطلبة والباحثين وبعض هواة المطالعة الجادة، وبالتالي لا يجب أن تخضع لمعيار العرض والطلب الذي تكون الربحية هي أساسه، إنما يجب أن تحضى بنوع من الدعم خاصة في مجال التوزيع الذي يجب أن تتكفل به الدولة، فالموزعون غالبا ما يقومون بتوزيع  المنتجات التي تتسم بنسبة دوران سريعة مما يجدد الطلب عليها باستمرار، وهذه ميزة تفتقدها الكتاب الأدبية والفكرية التي يكون تسويقها بطيئا، مما يجعل المكتبي والموزع، وهما تاجران، ينظران إليها بارتياب، وبالتالي يتم تجحيم مساحة عرضها لصالح الكتب الأخرى التي تحضى بطلب أكبر، مما يخلق أزمة ويوسع حجم التظلم لدى فئة المثقفين الذي يرى أغلبهم بأن كتب الطبخ والكتب الدينية والتجارية تطغى على الكتاب الأدبي والفكري في مجتمع يهمش الجاد وينساق نحو الخفيف والنافع.

المثقف هو ذلك المزعج الذي يفسد على الآخرين حفلاتهم التنكرية

إذا كان بورديو قد عرف عالم الإجتماع بأنه ذلك المزعج الذي يفسد على الآخرين حفلاتهم التنكرية، فإن هذا التعريف أكثر  ملائمة لتوصيف المثقف بالمعنى الذي أراه  وبالدور  الذي أناطته به نشأته الأولى، وقد خرج من براثن الحرب والصراع الذي يدفع عامة الناس للاصطفاف  إلى  جانب الوطن والجماعة والطائفة بغض      النظر عن كون الجهة المصطف إلى جانبها على حق أم ضلال. فالمثقف الحديث كمفهوم وكممارسة  تمثلها ثلة من " المثقفين الكونيين " بتعبير جوليان بندا هو وليد قضية درايفوس، والتي بدأت باتهام وإدانة الضابط الفرنسي دريفوس بالعمالة لألمانيا، وفي الوقت الذي كانت جموع المواطنين الفرنسيين المكلومين من ضم ألمانيا لأقليمي الإلزاس واللورين تطالب برأس الضابط الخائن، خرج إميل زولا على العالم بمقالته ذائعة الصيت: " إني أتهم " والتي اتهم فيها القضاء الفرنسي بعدم التدقيق في القضية والانسياق وراء نزعة معاداة السامية التي على أساسها تمت إدانة الضابط الفرنسي ذو الديانة اليهودية، وقد اصطف المثقفون الفرنسيون وراء زولا ودافعوا باستماتة عن براءة دريفوس، واقفين بذلك ضد الدولة وضد المشاعر القومية المتأججة.
إذا كانت نشأة المثقف الحديث، والذي قام بدور جديد مفارق للأدوار التي قام بها سلفه العظيم وشديد السطوة: رجل الدين، قد ألقت به في أتون الشأن العام  وفرضت عليه إبداء الرأي والدفاع عما يراه صوابا حتى لو كان ضد " القناعات العامة " التي تستمد سطوتها من الجموع الغفيرة المستعدة دوما  لرجم الضالين والخونة، فإن الدور الأساسي الذي ينبغي على المثقف أن  يقوم به ويخلص له قدر استطاعته هو أن يكون ضمير أمته الذي  يندد بكل الانحرافات التي قد تحدث ويبّين مكامن الانحراف  في القيم وفي السياسات وفي القناعات العامة التي قد تخفى، نتيجة هوس الحماس الوطني أو القومي ، على عامة الناس وتقودهم، بالتالي، إلى تبني اختيارات تاريخية فادحة الخطورة، وما حدث في ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية والكثير من الديكثاثوريات الحديثة، هو خير دليل على النتائج الباهظة لغفوة المثقف وتراجعه عن القيام بدور  " حارس الضمير الجمعي " وعاصمه من التيه والضلال، فالمثقف هو الناطق باسم الجوهري والأساسي في الإنسان، وبهذا فهو مطالب، بحكم وظيفته كمثقف والتي هي أسمى من أية وظيفة أخرى رسمية قد يشغلها بالمقابل، بأن يترفع عن الآني واليومي والسياسي في مباشرته وممكناته المتعددة، وأن يتجرد من سطوة " القناعات العامة " التي تعيق عامة الناس ومن ينساقون وراء هدير مطالبهم، عن إدراك جوهر الأشياء التي قد تقدم منفعة عاجلة وتخبر في عمقها عن مضرات آجلة .
من هذا المنطلق يقف المثقف في مواجهة السياسي ورجل الدين كممثلين لسلطة يناضل المثقف، بالضرورة، ضدها، إنه كاشف آلاعيبها بتعبير إدوارد سعيد الذي ينيط بالمثقف دور النضال ضد السلطة، بعد أن كانت العلاقة مثقف / سلطة وعلى مدار قرون طويلة هي علاقة تأثير من طرف المثقف واستقطاب من طرف السلطة في حالات الانسجام وبطش وتنكيل بالمثقف من طرف السلطة في حالات الخلاف الحاد، دون أن يكون المثقف مطالبا بحكم  كونه مثقفا بأن يتخذ من فضح ألاعيب السلطة وأدوات هيمنتها على الأفراد والمجتمع، وظيفة جوهرية تنفي عنه صفة المثقف في حال تخليه عنها. وباستعارة مقولة بورديو السابقة وتحويرها نقول أن المثقف هو ذلك المزعج الذي يفسد على الآخرين حفلاتهم التنكرية، والآخرون هنا ليسوا سوى أصحاب السلط الذين يتناسلون في المجتمعات الحديثة ويستقوون بما توفره الحداثة والعولمة من أدوات هيمنة وتوجيه غير مسبوقة، ومن قدرة على التسلط الناعم الذي صارت تتسم به الأنظمة الحديثة حتى في أكثر المجتمعات ديموقراطية ورقيا اقتصاديا، فالمتسلطون الذين يتخذ المثقف من فضح ألاعيبهم وكشف استراتجياتهم دورا  ووظيفة  لم يعودوا محصورين في الفئات التقليدية التي تتعين برجال الدين والسياسة الذين تعرف العامة مدى نفوذهم وتفقه شيئا من أدواتهم، إنما اتسعت دائرة الفئات المتسلطة نتيجة تغلغل الحداثة وقيمها في الكثير من المجتمعات لتشكل شبكة ممتدة من رجال السياسة والإقتصاد والخبراء المتخصصين ورجال الدين والإعلام والشخصيات العامة ... تلك الشبكة التي لم يعد الإنسان العادي، الذي يتحدث المثقف باسمه ويعبر عن ضميره ويصوغ  آمانيه ويوتوبياته المجتمعية،  قادرا على كشف آليات هيمنتها بله رفضها ومواجهتها.

ولكي يقوم المثقف الحديث بهذا الدور المجتمعي، شديد الخطورة، في عالم تتسارع فيه قدرة السلطة على التنميط والقولبة عليه أن يكون إنسانيا بالدرجة الأولى أي قادرا على افتكاك نفسه، ووعيه قبل ذلك، من الهيمنة الرمزية للجماعة التي ينتمي إليها سواء الجماعة الوطنية أو الدينية أو الإثنية، فهو غير مطالب بحكم وظيفته بأن يتحدث باسم أي من هذه الجماعات منفردة، ولا أن يضع قدراته في خدمة مشاريع  آنية الرؤية تتعارض مع ما يدعيه لنفسه من قدرة على تمثل وتمثيل الر ؤى القصوى لمن يتحدث باسمهم، أولئك الذين لم يعودوا، نتيجة تأثير الحداثة والعولمة، منحصرين في "جماعات الإنتماء " التي تتعين بالوطن والدين واللغة والعرق، إنما صارت خطابات المثقف منفتحة على  كل العالم الذي قد يتلقاها أو يتلقى ارتداداتها عبر خطابات أخرى.

conter