الخميس، يونيو 18، 2009

علاقة الهوية بالدين لدى النخبة العلمانية

سفيان ميمون
minoune78@yahoo.fr
ثمة اختلاف بين في النظر إلى الهوية وارتباطها بالدين بين المشرق والمغرب، نتيجة التركيبة الاجتماعية والدينية التي تميز أقطار الوطن العربي، فسمة المشرق العربي تعدد واختلاف الطوائف الدينية في مجتمعاته ، لذلك نجد اختلافا واضحا في التصورات والرؤى حول الهوية ، بل ونجد صراعا ثقافيا وسعيا أيديولوجيا لترسيخ تصور ما عن هوية مجتمع بذاته ، خذ لذلك مثلا سعي القوميين العرب لتسويق تصور عن الهوية قائم على الوطن واللغة بعيد عن الدين ، يقابل هذا حرص على إثبات الدين كعنصر أساس من عناصر الهوية لدى الإسلاميين ، وهو واقع مبرر في مجتمعات متمايزة في خصوصياتها الدينية ، وعلى العكس من ذلك نجد في مجتمعات المغرب العربي انسجاما كبيرا في الخطاب الثقافي حول علاقة الهوية بالدين ، وإن كانت العلاقة بين الهوية وعناصر أخرى يشوبها كثير من التوتر على غرار اللغة والتاريخ نتيجة التمايز العرقي الذي يمثله عنصرا العرب والبربر، انسجام واضح في الخطاب الثقافي بين مختلف فئات النخبة المغاربية والجزائرية تحديدا – إسلامييها وعلمانييها – حول اعتبار الدين عنصرا من عناصر الهوية ،فإذا كان تصور الإسلاميين للهوية واضحا ومحسوما مذ اختاروا اتجاههم الفكري والديني في الوقت نفسه بأن الدين ركن أساس في هوية الأمة ، فإن الذي يدعو إلى التأمل والسؤال هو اتجاه العلمانيين إلى إنتاج ذات الخطاب حيث الدين أيضا مكون أساس للهوية الجماعية ، فهل يتماشى هذا الخطاب مع حقيقة التصور العلماني للمجتمع ؟ وهل يمكن للدين أن يكون حاضرا في مجتمع يجب أن يفصل عن الدين ؟.
قبل هذا لا بد من الرجوع إلى الممارسة العلمانية التي لا تثبت – ولا شك- على صيغة واحدة ، إنما هي أكثر من شكل ، شكلان على ما يبدو : علمانية متطرفة تلغي الدين وتقصيه وتضع الحواجز أمامه كي لا يمر إلى المجتمع بل يبقى حبيس الشخص لا يتعداه ، وهي علمانوية صراعية بتعبير محمد أركون ، تقابلها علمانية تقبل الدين كتراث خصب للدراسة والتأويل العقلاني ، وهذا النوع من العلمانية هو الذي يركز عليه كثير من مفكرينا ، لكن قبول هذه الفئة من العلمانيين بالدين لا يعني تجاوزه حدود الشخص وإحاطته بهالة من القداسة على المستوى الاجتماعي، كلا بل إن العلمانية لا تعرف للدين قداسة وإلا لما كان ثمة قدرة على الدراسة العلمية لنصوصه ، ولما كانت هناك حرية في تدبر محتويات هذه النصوص .
وتنظر هذه الفئة من العلمانيين إلى نصوص الدين الإسلامي وعلى رأسها القرآن كنص أول على أنه نص بشري وليس نصا إلهيا لاعتبارات الفهم والتأويل والتفسير وهي صفات بشرية تتجه من البشر إلى النص القرآني ، فهو بهذا اتجاه لإقرار فلسفة مايريده البشر من هذا النص وليس مايريده النص من هؤلاء البشر ، إنها تعمل على أنسنة الحياة الاجتماعية من خلال تغيير أماكن السلطة بين العقل والنص الديني حيث السلطة للعقل أي للإنسان.
فخطاب النخبة العلمانية عن علاقة الدين بالهوية في أحد جوانبه – وأنا أتحدث هنا عن النخبة الجزائرية والمغاربية عموما – هو خطاب ائتلاف وتلازم : الهوية تقوم على الدين والدين مكون أساس من مكونات الهوية، لكنه خطاب منفعي على مايبدو ، فرضته حتمية المحافظة على البقاء ، وأدى إليه الخوف من الرفض الاجتماعي ، حيث المجتمع لا يقدس من لا يقدس مقدسه ، بل يمقته ولا يصغي له في قول ، خطاب غير منسجم مع ذاته رغم أنه يبدو مؤتلفا مع خطابات أخرى في حقل أيديولوجي مختلف ومتنوع ، فبينما تدعو العلمانية إلى حصر الدين في حدود الشخص وإبطال تطبيق الحدود والأحكام التي جاء بها النص الديني – القرآن – بداعي الحرية الشخصية كعنوان عن إبعاد الدين عن المجتمع ، نجدها تصر في خطاباتها على أن الدين من مكونات الهوية الثقافية للأمة ، إنه تناقض واضح وصريح لأن الدين هنا لن يكون سوى مكون من مكونات الهوية الفردية أو الشخصية بينما هم يتحدثون عن الهوية الجماعية .
قد يكون من الضروري أن نفهم أن نخبنا العلمانية تنظر إلى الدين الإسلامي كمرادف للثقافة الإسلامية ،بينما هو مختلف عنها لأننا إذا نظرنا إلى الدين وجدناه ملزما في حدوده وأحكامه عكس الثقافة التي تتسم بالمرونة وتقبل الأخذ والرد وفق الحاجة ،فالثقافة الإسلامية يمكن أن تكون أسا من أسس الهوية لدى العلمانيين على خلاف الدين الذي لايمكنه ذلك لأنه مقصى في الواقع من خلال تعطيل النصوص التي تتضمن الحدود والأحكام، لربما هو نوع من التقية الثقافية والفكرية حيال المجتمع هذا الذي تسوق له خطابات نخبنا العلمانية .

الجمعة، يونيو 12، 2009

شذرات الوجع



الله المتعالي
الذي يسكن السماء
يتجلى أكثر رحمة
في سلوكات الآخرين

الآخرون ليسوا
هم الجحيم
فقط هم باب
تنفتح على جهنم


كم كنت مغفلا
حين اعتقدت أن حبك
وحده سيقودني للفرح
لقد تبعته مؤمنا به
فأوصلني لحافة الانهيار


فقط حين أخلو لوسادتي ليلا
أتذكر أوجاعي
واستحضر كل الخسائر
التي منيت بها
في طريقي إلى شواطئ عينيك


كانت امرأة بلا ملامح
أحببتها
فخانتني
فانتزعتها من روحي
فقتلتني


كان يحلم
بخبز أبيض
وامرأة يأوي إليها
ليلا
لكنه يصحو دوما
ليذهب إلى المقهى
ويتكأ على حائط أصم
دامع القلب


كان صديق طفولتي
صار نجما وغنيا
وصرت محبطا بلا أفق
والفرق بيننا
له القدم
ولي القلم


فقط بعد ذلك الحادث
أدركت أن الموت
يأتي دوما
في صورة امرأة تتعرى للريح


ليست كل النساء مثلك
وحدك من انغرست
كالرمح في القلب


كوني سرا
لا يعلمه سواي
وسما وترياقا
لا يتجرعه سواي



الماضي لم يكن
أمسا عشناه
أنه الغد الذي يترصدنا
ليسرق كل طموحات اليوم


تاريخنا لم نقرأ منه
سوى لحظات مضيئة
تتجلى كنجمات في ليل حالك


حزين حتى الموت
لهذا اكتب بعيدا عن القلب
عن شؤون تشغل العقل
وتغيّب نبضات القلب الموجوع


أعوام العمر القصير
قضيتها بحثا عن وطن
يسكنني
بعيدا عن الأرض التي اسكنها
كم هو موجع سؤال الوطن


كان أكتوبر حلما
شاهدته على شاشة التلفزيون
كطفل ينبهر بمشهد الأطفال
وهم يغرقون المدينة بالصخب
وبعد سنوات
عايشته كابوسا
تسكنه الجثث المتناثرة

السبت، يونيو 06، 2009

الحكم باسم الله؟!!!

ثنائية الضلال والهدى أو الحق والباطل، أو بتعبير آخر ثنائية النباهة والاستحمار كما وظفها علي شريعاتي وهو يقدم نقدا لنظام ولاية الفقيه الذي يقوم عليه الفكر السياسي الشيعي المعاصر، هي نفس الثنائية المتحكمة بكل المجتمعات التي تقوم فيها نظم أو أحزاب معارضة تحكم أو تتكلم باسم الله وكأنها هي الناطق الرسمي باسم الإرادة الإلهية، وفي شخوص زعمائها( زعيم دولة أو زعيم حزب معارض) تحل بعض صفات الله لتعصمه من الخطأ وتجعل كل ما يصدر عنه ليس في النهاية سوى تعبيرا بليغا عن المشيئة الإلهية.
نحن كمسلمين ارتبط نظام الحكم عندنا ومنذ انقلاب معاوية على الشرعية الشعبية ( على بن أبي طالب ) بهذه الصفات التي يزعمها الحاكم لنفسه، وكما يخبرنا ابن خلدون فإن قيام الدول والإمارات في بلاد الإسلام كان يحتاج لعصبة أي بالتعبير الحديث لأنصار سياسيين ( مناضلين ) يلتفون حول الزعيم الرمز لأجل دعمه لبلوغ السلطة ، سواء بالانقلاب على السلطة القائمة ( وهذا ما يحدث غالبا ) أو بإنشاء دولة أسلامية جديدة ( عن طريق الفتح )، ولكن الفرق بين العصبة التي يستند إليها الدعاة السياسيين عبر التاريخ الإسلامي لأجل إنشاء دول وإمارات وبين المناضلين السياسيين في الوقت الراهن يكمن في أن العصبية تقوم على أساس قبلي وديني حيث القبيلة توفر العدة البشرية اللازمة في حين الدعوة الدينية تعطي شرعية وقداسة لتحرك العصبية القبلية نحو السلطة مسكونة بيقين ديني يبرر سعيها للسلطة حتى لو مرت على جماجم المسلمين .
استند الحكم في الإسلام على ربط تعسفي بين الحاكم والله، فحتى لفظ الخلافة وصفتها تبدلت، حيث أنه مع خلافة أبي بكر كان يلقب ولي أمر المسلمين بأمير المؤمنين وخليفة رسول الله، وعندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة صار أميرا للمؤمنين وخليفة خليفة رسول الله ، فالخلافة كانت خلافة للرسول في تسيير شؤون الدولة وليس في الوحي ولا في العصمة، ولكن لاحقا انتقلت الخلافة من خلافة رسول الله في أمر دنيوي إلى خلافة الله، فصار الحاكم خليفة الله، مع تمتعه بصفة الملك المطلق الحق في التصرف في الرعية وفي أموال الرعية ( بيت المال ) وإضافة القرابة بين شخصه والله لأجل إعطاء شرعية وقدسية دينية لحكمه ونظامه ودولته .
ومن هنا يصير الحاكم المتمسح بشرعية الله باعتباره ظل الله في الأرض مطلق التحكم في أمور الدين والدنيا وهذا ما يجعل منه مرجعية متعالية لا تحتمل النقد، وهذا ما ولد ما يسميه كارل وماركس بالاستبداد الشرقي ليس كنظام اقتصادي قريب من الإقطاعية في آليات عمله، إنما كنظام سياسي تختفي في ظله أية إمكانية لبروز سلط مكلمة لسلطة الخليفة / الحاكم، وتتحول المعارضة والرفض إلى رفض عنيف ومسلح يهدف لإلغاء النظام، لأنه لا مجال لوجود معارضة سلمية في ظل تركز السلطة الدينية والزمنية في يد الخليفة وحده.
فالخليفة / الحاكم ونظرا لتماهي صفته مع صفة الله، وتمتعه بسلطة دينية بالإضافة لسلطته الدنيوية يكتسب سلطات واسعة تخوله استتابة الناس المارقين، وهؤلاء المارقون في نظره ما هم في الغالب سوى من يرون أنه مجرد شخص غير معصوم
وانه لا يحق له احتكار الدين والحديث باسم الله ، أي الراغبين في تجريده من سلطته الدينية الطاغية لكي يفسح المجال أمامهم لتحقيق تطلعات سياسية بعيدة عن حضوره المطلق في الزمان والمكان والذي يسد أمامهم كل الأبواب والنوافذ.
هنا حين نجد الحاكم وقد صار يرى نفسه ظلا لله في الأرض وقد جمع من حوله رجال الدين ليسبغوا عليه صفة حارس الدين والناطق باسم المشيئة الإلهية والراعي لشؤون المسلمين. سنكون بصدد حكم مطلق يلغي حرية الناس ويصادر حقوقهم باسم ضرورة الامتثال لأوامر الله وسنجد كل المعارضين للحاكم قد صنفوا في خانة الزنادفة والهراطقة الذين يستتابون وتهدر دماءهم باسم الشرع
باختصار هكذا نظام وهكذا أحزاب تستمد سلطتها من الله مباشرة لأنها بحسب رأيها واعتقاها تمثل مشيئته، يمثلون خطرا على الحرية ومصادرة لها وإلغاء لعقول الآخرين ، وهذا ما يخلق احتقانا اجتماعيا يؤول حتما للفوضى ( والتاريخ الإسلامي على امتداده يعطينا أمثلة كثيرة عن الفتن التي حدثت بسبب التنازع على السلطة السياسية والدينية )؛ وحين ننظر لتجارب حديثة في العالم العربي والإسلامي عرف محاولات لقيام أنظمة حكم دينية تستمد شرعيتها من الله، سنرى أن النتيجة هي التفكك والفوضى الذي طال تلك الدول. فتجربة السودان وباكستان مثلا تعطي أمثلة واضحة عن مقدار الشرخ الاجتماعي والسياسي والأمني ( وهذا الأهم ) الذي يحدثه هكذا نظام؛ والتجربة الجزائرية تعطي مثالا آخر عن مقدار الخراب الذي يمكن أن يلحق بالمجتمع نتيجة تطلع أحزاب سياسية إلى الحكم باسم الله وتمثيله في الأرض، فالأحزاب الإسلامية لم تنتج في النهاية سوى عنف ضد الدولة والمجتمع وحتى حين تصل للحكم لفترات قصيرة فإنها تنفجر من الداخل وتفجر الدولة معها ( السودان كمثال ).
لهذا أنا أرى أن العلمانية وبمفهوم منفتح لا يعارض الدين ولا ينفيه للمساجد هي الأصلح لمجتمعاتنا الحديثة ، فمثال تركيا يعطي دلالة عميقة عن الدور الذي يمكن أن تقوم به العلمانية في أفراغ الدين من شحنته التناحرية حين يلصق عنوة بالسياسة، في تركيا يحكم حزب إسلامي ورئيس الحكومة أو نواب الحزب في البرلمان يقدمون مشاريع قوانين يمكن إرجاعها ببساطة لمراجعها الإسلامية ( الشريعة ) ولكنها تقدم باسم الفرد أو الهيئة أو الحزب ولابد أن تقنع الآخر
ين حتى يتم تبنيها لأنها تقدم كرأي فردي يحتمل الخطأ والصواب وليست ، كما كان يردد أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر:" لا قانون لا دستور..قال الله قال الرسول ".
في هكذا أنظمة منفتحة تأخذ بالرأي دون تعصب ودون قدسية نستطيع أن نمنح ثقتنا للأفراد لأجل أن يسنوا قوانين مستمدة من الشريعة ولكنها لا تقدم كأمر واجب التطبيق دون نقاش ومن يرفضه فله الويل والثبور وعظائم الأمور ( ربما الموت ) .
أنا عشت بالجزائر عشرية كاملة من عمري قضيتها على أخبار الموت والقتل المجاني كنتيجة لمحاولة البعض إقامة دولة على أساس ظل الله في الأرض وعلى أساس شرعية دينية محضة تكفر كل من يرفضها أو يعارضها ؛ والنتيجة عشرات آلاف الضحايا. ولهذا أرى أن الشعار الذي يرفعه أنصار الإسلام السياسي والقائل بان الإسلام هو الحل دون يوضحوا ماذا يقصدون بالإسلام تحديدا في المجال السياسي، ودون يوضحوا آليات الحل وماذا يحلون من إشكالات، فهم يقدمون الشعار كمعطى جاهز يقبل دون نقاش، ولمن يقبله جنة النعيم لأنه يقبل الإسلام، أو يرفض جملة وتفصيلا، ولمن يرفضه التكفير أو الاستتابة لأنه يرفض الإسلام ، مع أن الرافضين لهذا الشعار الفضفاض والذي يستغل كمطية لتحقيق أغراض سياسية ودنيوية محضة مسلمون ولا شك في إسلامهم. هذا الشعار ينبغي أن يتوارى لصالح شعارات دقيقة ومحددة وممكنة التطبيق، وهكذا فقط يمكن لتيار الإسلام السياسي أن ينخرط في مجال السياسية دون دوغماتية لا تنتج سوى الخراب، وان يتنازل قليلا ليقبل التنافس مع التيارات الأخرى التي تستند لمرجعيات مغايرة، دون أن ينظر إليها على أساس أنها تيارات ضالة.

الثلاثاء، يونيو 02، 2009

غزالة لروح مالك حداد

قرأت مالك حداد بالعربية في " التلميذ والدرس"و"سأهبك غزالة"، ربما تهجيره للعربية التي التزم الصمت لعجزه عن الكتابة بها افقد النص المالكي بعض بريقه ووهجه. قرأته شعرا في ديوان" الشقاء في خطر".
ومالك حين يكتب الراوية يكتبها بنفس شعري حتى إنني لم أجد فرقا بين النص الروائي والنص الشعري عنده، اقصد لم أجد فرقا شاسعا فمالك هو نفسه حين يكتب شعرا وحين يكتب نثرا، هو الإنسان العاشق والمسكون برومانسية لا تنتهي وبعمق فكري قلما نجده عند جيله من الكتب رغم انه جايل العظماء مثل كاتب ياسين ومولود معمري وفرعون ومحمد ديب وآخرون، وقد تمايز عنهم بشفافيته المفرطة في كل ما كتب ، فمالك يكتب وكأنه يبوح بسر.
مالك ومن خلال بضعة سنوات فقط هي عمره الإبداعي استطاع قول الكثير ليركن بعدها لصمت رهيب ويدخل في حالة تشبه الانتحار.
ربما عرفته أكثر من خلال ما كتبه عنه شرف الدين شكري الذي يعتبر واحدا من المتخصصين في مالك حداد الذي لم نكتشفه بعد رغم أننا نستحضره كصنم
نحن لا نزال نستحضر مالك حداد إيديولوجيا، نستحضره من خلال مقولة " الفرنسية هي منفاي " دون أن ننتبه لنصه ونقرأه بالعمق والاهتمام الذي يستحق، لم نقرأه كما يجب أو قرأناه بأفكار مسبقة وبمقولات استقيناها من هنا وهناك.
حين يلومه كاتب ياسين واسياخم ويتهمونه بموالاة النظام عقب الاستقلال، وحين يلومه رجال الدين على أساس انه استسلم لانتحار بطيء عقب الاستقلال من خلال الغرق في الخمر، وحين يهرب خالد بن طوبال من نصه إلى نصوص أخرى ليتم تشويهه أو على الأقل إلباسه لباسا غير مالكي.
حين نطلع على كل هذا مسبقا ونقبل على قراءة مالك حداد مدججين بأحكامنا المسبقة
نغتاله مرات ومرات، هو الذي قرر اغتيال إبداعه وسجنه بداخله حتى لا يرى النور بغير لغة الوطن.

الوطن الذي شكل قصيدة شجية امتدت على كل الصفحات التي كتبها مالك حداد بلغة غير لغة الوطن، بلغة هي اليوم غنيمة حرب لدى كل المتطلعين للانتشار في الفضاء الفرانكفوني بعدما كنت عند مالك وجيله وسيلة لقول الأنا بلغة الآخر، ووسيلة لتجاوز أدوات الصدارة les majuscules كما كتب ذات يوم عن الواقع الثقافي والإيديولوجي المتشنج
اليوم ونحن نستحضر مالك حداد لا نملك سوى أن نتفهم بؤسه ككاتب زرع في طريقنا ورودا لم تعد قادرة على البوح بعطرها وظل حتى آخر نفس يشفق على الشقاء الذي رأى انه مهدد بخطر قادم رغم أن ذلك الخطر لم يكن غير الاستقلال أو هكذا اعتقد.

الاثنين، يونيو 01، 2009

دين وسياسة...


من المثالية أن نعتقد بان السياسة منفصلة عن الدين أو عن الثقافة أو عن أي مجال من المجالات الأخرى، فكما يقول الراحل ادوارد سعيد: السياسة ترافقنا في كل مكان.
العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة في المفهوم الشائع عنها بمعنى جعل القوانين الناضمة للحياة السياسية نتيجة اجتهاد الأفراد وليست نتيجة ترجمة حرفية للنصوص الدينية لأن النص الديني يتمتع بقدسية كما انه يحتمل عدة تأويلات، وتعدد التأويلات التي تكتسب بدورها شيئا من القدسية، يجعل تنازل أي طرف عن رأيه الذي يرى انه من صميم الدين أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، ولهذا تحدث الفتن بسبب الدين والتي تتجلى سياسيا.
السياسة مرتبطة بالزمني وهي فن من فنون الممارسة الميكيافيلية ، هي فن العمل في حدود الممكن ( كما يعرفها الأكاديميون ). في حين الدين يتسم بمعيارية الفهم والممارسة، وهنا يقع التعارض بين الدين والسياسية رغم الخلط الذي يقع بين الممارس
ة السياسية والاعتقاد الديني الذي يكون توظيفه من طرف رجال السياسية بمثابة بحث عن شرعية دينية ( مقدس ) للفعل السياسي ( زمني/ دنيوي).
نحن حين نخلط الدين بالسياسية فإننا نسيء للدين نتيجة إخضاعه لمقتضيات الأمور السياسية التي لا تحيل على النبل في غالب الأحيان، فحين تفسد السياسة تفسد الدين معها، وبما أن السياسة متغيرة والدين ثابت ولو نسبيا، فإن جعل الإسلام دين ودولة كما يقول أنصار الإسلام السياسي تكون نتيجته هي تنفير الناس من الدين الذي يوظف لأجل إعطاء مشروعية للعمل السياسي حيث نتيجة مزجه بالسياسة فإنه ينزل من عليته وقدسيته إلى مستوى التحالفات الظرفية والتكتيكية التي تغيير بين عشية وضحاها لمقتضيات سياسية.
وهذا الأمر فيه إساءة للدين في ذاته، كما أنه يفقد السياسة انفتاحها حين تمزج بالدين وتتحول إلى دوغما أو اعتقاد ثابت لا يتغير، وهذا أمر مناقض لمفهوم السياسية السابق الذي هو فن العمل في حدود الممكن.

conter