الأربعاء، مارس 26، 2014

تغيير الإسم ... تغيير الهوية

Photo : ‎تغيير الإسم ... تغيير الهوية

في رواية أرض السواد لعبد الرحمان منيف ينزع أهل بغداد عن القنصل البريطاني ريتش اسمه الحقيقي ويعطونه إسما يرونه يوافقه وهو " الأشيقر ". فالإسم الجديد يجعل ، بحسبهم، الغريب الوافد المجل بالسرد والمهابة فردا محليا مألوف الإسم ومحدد الهوية، مادام الإسم هو هوية الفرد ومنح إسم جديد يعني اجتثاث الفرد من هويته السابقة ومنحه هوية جديدة تنتمي ولو حجزئيا إلى الهوية المحلية المألوفة والمؤطرة مخياليا بمحددات يعرفها المنتمون إلى الجماعة ويتواضعون على تثمينها.
يبدو أن تغيير الإسم في في العرف الشعبي كعملية إلغاء لحضور الآخر الغريب الوافد والمتطير منه، في النحن، هو عرف مرحب به من لدن الجماعات المغلقة وخاصة الجماعات الطائفية والإثنية التي يعتبر الإسم فيها أيقونة ثقافية تعبر عن الإنتماء. ففي الهند مثلا يتم تغيير إسم الفتاة التي تزف لطائفة غير طائفتها حتى يتواءم اسمها الجديد مع المحيط الإجتماعي الذي وفدت عليه والذي يتسم بانسجام ثقافي تحرسه صفات تحددا الأسماء واللباس والعادات والطقوس الدينية والاجتماعية ... يشترك المسلمون في هذه العادة، حيث أن كل داخل جديد للدين الإسلامي قادما إليه من ديانة / ثقافة أخرى ينصح باختيار إسم جديد يكون عربيا يعبر من خلاله عن انتمائه الديني الجديد، ويبدو أن المسيحيين لهم نفس العادة ولو أنها لا ترتبط بشكل آلي ومباشر ما بين اعتناق الديانة وتغيير الإسم كما هو الحال عند المسلمين.
نفس الممارسة نعثر عليها لدى جماعات أخرى غير طائفية ولا تحددها الإثنية العرقية بشكل قوي، نتيجة التداخل الإثني الذي يربطها بجماعات أخرى تشاركها الجوار الجغرافي والإنتماء الديني، لكنها ذات خصوصية ثقافية معينة تعطي مبررا لهكذا ممارسة وتجعلها مطلوبة كما هو الحال عند بعض الأعراش والقبائل الجزائرية كبعض العائلات العريقة التي تسكن جبال تسالة لمطاعي بولاية ميلة مثلا، حيث تعطي هذه العائلات للعروس الوافدة من منطقة مغايرة اسما جديدا بعد اليوم الثالث من الزواج، وكأن عملية إعادة التسمية دليل امتلاك تزهو به عائلة العريس، وهو في الوقت نفسه ولادة جديدة للمرأة التي انتقلت من وضع البنت إلى وضع الزوجة/ الكنة وما يترتب عن ذلك الإنتقال من انتماء لعائلة جديدة يقابله فك ارتباط تدريجي مع عائلتها السابقة.‎


في رواية أرض السواد لعبد الرحمان منيف ينزع أهل بغداد عن القنصل البريطاني ريتش اسمه الحقيقي ويعطونه إسما يرونه يوافقه وهو " الأشيقر ". فالإسم الجديد يجعل ، بحسبهم، الغريب الوافد المجل بالسرد والمهابة فردا محليا مألوف الإسم ومحدد الهوية، مادام الإسم هو هوية الفرد ومنح إسم جديد يعني اجتثاث الفرد من هويته السابقة ومنحه هوية جديدة تنتمي ولو حجزئيا إلى الهوية المحلية المألوفة والمؤطرة مخياليا بمحددات يعرفها المنتمون إلى الجماعة ويتواضعون على تثمينها.
يبدو أن تغيير الإسم في في العرف الشعبي كعملية إلغاء لحضور الآخر الغريب الوافد والمتطير منه، في النحن، هو عرف مرحب به من لدن الجماعات المغلقة وخاصة الجماعات الطائفية والإثنية التي يعتبر الإسم فيها أيقونة ثقافية تعبر عن الإنتماء. ففي الهند مثلا يتم تغيير إسم الفتاة التي تزف لطائفة غير طائفتها حتى يتواءم اسمها الجديد مع المحيط الإجتماعي الذي وفدت عليه والذي يتسم بانسجام ثقافي تحرسه صفات تحددا الأسماء واللباس والعادات والطقوس الدينية والاجتماعية ... يشترك المسلمون في هذه العادة، حيث أن كل داخل جديد للدين الإسلامي قادما إليه من ديانة / ثقافة أخرى ينصح باختيار إسم جديد يكون عربيا يعبر من خلاله عن انتمائه الديني الجديد، ويبدو أن المسيحيين لهم نفس العادة ولو أنها لا ترتبط بشكل آلي ومباشر ما بين اعتناق الديانة وتغيير الإسم كما هو الحال عند المسلمين.
نفس الممارسة نعثر عليها لدى جماعات أخرى غير طائفية ولا تحددها الإثنية العرقية بشكل قوي، نتيجة التداخل الإثني الذي يربطها بجماعات أخرى تشاركها الجوار الجغرافي والإنتماء الديني، لكنها ذات خصوصية ثقافية معينة تعطي مبررا لهكذا ممارسة وتجعلها مطلوبة كما هو الحال عند بعض الأعراش والقبائل الجزائرية كبعض العائلات العريقة التي تسكن جبال تسالة لمطاعي بولاية ميلة مثلا، حيث تعطي هذه العائلات للعروس الوافدة من منطقة مغايرة اسما جديدا بعد اليوم الثالث من الزواج، وكأن عملية إعادة التسمية دليل امتلاك تزهو به عائلة العريس، وهو في الوقت نفسه ولادة جديدة للمرأة التي انتقلت من وضع البنت إلى وضع الزوجة/ الكنة وما يترتب عن ذلك الإنتقال من انتماء لعائلة جديدة يقابله فك ارتباط تدريجي مع عائلتها السابقة.

الجمعة، مارس 21، 2014

خطابات المعارضة والمواطن البسيط

المواطن البسيط لم تفارق مخيلته بعد دموية العشرية السوداء، وهو غير معني كثيرا بمطالب التعددية والديموقراطية وحرية التعبير، وهو غالبا ما يتكفي بالحد الادنى منها، إنه قادر على التعايش مع سلطة لا تمنعه من إقامة شعائره الدينية ولا تقمع رغبته في شرب الخمر وإقامة الحفلات الصاخبة، ويكفيه مع توفر حد أدنى من الحرية حد أعلى من الامان والأمن الذي يلجأ دائما لقياسه مقارنة مع العشرية السوداء، وهو قياس شعبوي وغير سليم، لكن عمق التجربة الدموية التي عاشتها الجزائر خلال السعينيات يجعل استحضارها لدى الأجيال التي عايشتها متكررا وملحاحا، وكأن  في الاستحضار الدائم حذر من تكرارها وتنبيه لفضاعتها.
في حين تركز الطبقة السياسة أو ما بقي منها في جانب المعارضة، وبعض المعارضين الجدد الغير مهيكلين سياسيا، بالإضافة إلى النخب الفكرية والثقافية، على الديموقراطية وعلى سقف أعلى من الحرية، وعلى مطالب لا يفهمها كثيرا المواطن البسيط المعادي بطبعه كجزائري لكل " تفلسف " وادعاء نخبوي، تتعين تلك المطالب بالتعددية السياسية الحقيقية، وحرية التعبير  بشكل يجعل من التعبير عن الرأي والاعتقاد محمي بقوة قانون له فعالية وسلطة. يطالبون أيضا بحرية القضاء وبالتداول السلمي على السلطة وبتمثيل حقيقي للشعب في البرلمان، وبانتخابات نزيهة، تضمن نزاهتها قوانين غير منحازة وإعلام عمومي لا يساهم في التعتيم على أصوات وآراء لصالح صوت ورأي ينتمي للنظام.
هذه مطالب تبدو للمواطن العادي بأنها " من ترف السياسة "، وأنه " ما يفهمش فيها"، فكل ما يعنيه ان يلاحظ تحسنا ماديا يلمسه من خلال الطرق والعمارات والمنشآت التي انجزت خلال السنوات الأخيرة أيضا تحسينا في مستوى المعيشة رافق الزيادات في الأجور وتخفيف حدة البطالة ولو من خلال بطالة مقنعة.
طبعا المواطن العادي الذي يكفيه من الأشياء ظاهرها، لا يهمه كثيرا  أن الجزائر قد صرفت خلال عهدات بوتفليقة الثلاثة ضعفي ما صرفته منذ استقلالها إلى غاية 1999، وان الأموال المنفقة لا تتلاءم تماما وحجم الانجازات المتبجح بها من لدن النظام وشياتيه، أي أن هناك فساد وسوء تسيير وفشل في استثمار الطفرة النفطية وما وفرته من موارد  كانت ستساعد أي بلد على التأسيس لانطلاقة تنموية حقيقية، وليس لمجرد مشاريع مؤقتة المردودية.
في ظل التناقض الحاد والصارخ بين وعي عامة المواطنين بالوضع الراهن الذي يستدعي النضال من أجل تغيير نظام لم ينجح إلا في تغيير قشور الواقع المهتري سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتلمعيها بشكل يخطف ابصار من لا ينظرون نحو العمق، ووعي النخبة السياسة والثقافية التي ترى بأن النظام بلغ حدا من الفشل وتكريس الفشل والرداءة والفساد بحيث لم يعد من الممكن السكوت عليه إذا أردنا ان نقدم لأولادنا وطنا يفتخرون بالإنتماء إليه، يبقى التغيير المنشود مرهونا   بوعي زائف ومميع بالواقع تستبطنه الغالبية الصامتة من المواطنين رغم مزيج السخط والرضى التي تستشعره هذه الغالبية إزاء بعض القضايا المهمة ذات الصلة بمستقبل البلاد،  والتي يعول عليها النظام ككتلة يمكن استمالتها بقليل من الوعود والإصلاحات الشكلية والمشاريع ذات المردودية الظاهرة والسريعة ( غالبا ما ترتكز على السكن والعمل )، ومن جهة ثانية بوعي نخبوي حاد بمتطلبات التقدم الذي لن توضع الجزائر على سكته دون انتقال ديموقراطي حقيقي يبدأ بإزالة النظام القائم، دون أن يجد هذا الوعي وما ينتج عنه من خطاب / خطابات تجذرا إجتماعيا وكتلة اجتماعية قادرة على حمله والدفاع عنه والضغط على النظام بتكسير قواعده الاجتماعيه واستمالتها نحو الطرح/ البديل.
 إن عجز النخبة السياسة والثقافية عن خلق كتلة اجتماعية تتبنى أفكارها ناتج حسب ما أرى عن ضبابية تلك الأفكار ولا واقعيتها في نظر غالبية المواطنين، فالنخبة المناضلة ضد النظام متفقة على وجوب تغيير هذا النظام، وبعضها ينادي بتغيير عنيف، لكنها لم تتفق، وبالأحرى لم تقدم طرحا واضحا لطبيعة النظام البديل ولأساليب الحكم المغايرة لما هو موجود حاليا، وكأن الأمر سينتهي بإسقاط النظام، وبعد ذلك نفكر في المرحلة القادمة، وهذه شعبوية لا تختلف عن شعبوية خطاب السلطة، مما يجعل النخبة المعارضة تلتقي مع النظام في نظرتها القاصرة للواقع وعجزها، نتيجة فقر تجربتها السياسية، عن صياغة تصور واقعي يمكنه ان يقنع المواطن العادي الذي لا يهتم بالكلاميات المرسلة التي يتقنها المعارضون والمتثقفون وهم يتحدثون عبر وسائل الإعلام بصوت لا يكف عن التنديد بالنظام الفاشل، لكنهم يدورون ويلفون حول البديل دون ان يهتدوا إليه، وهذا ما يجعل خطابهم غير مقنع، بل ومرفوض من قبل المواطن العادي المتهم من طرفهم بأنه خانع وغير واعي ويمكن استغفاله بسهولة.

يستبطن المواطن العادي ضمن هذه التجاذبات بين النظام ومعارضيه  نوعا من الرضى على الوضع القائم حين تتم مقارنته بوضع سابق لا تزال ذكراه دامية في القلوب، ورغم حدة الإنتقادات التي يوجهها المواطن العادي للنظام، وحدة الاحتجاجات الشعبية التي يكون مطلبها غالبا اجتماعيا ومحددا يمكن تلبيته أو الوعد بتحقيقه في القريب العاجل، فالمواطن البسيط غير مستعد للانسياق وراء بعض المطالب تغازل مشاريع الربيع العربي ساعية لاستنباتها في الجزائر، وهو ينظر نحو بعض التصريحات التي تهدد النظام باللجوء إلى العنف من أجل إحداث التغيير المطلوب بأنها مطالب ليست خالصة لوجه الوطن، لهذا فهي تقابل بارتياب وإنكار مما يعمق أزمة المعارضة السياسية والنخب الثقافية السابحة في فلكها، ويبعدها أكثر عن التجذر الإجتماعي الضروري لأي تغيير فعلي وحقيقي، فالتغيير لن يكون أبدا نخبويا فقط، صحيح أن النخبة تقود وتنتج الرؤى والتصورات حول التغيير المرتجى، لكن المواطنين العاديين كتكلة ضاغطة فعلا هم من يقومون بالتغيير الحقيقي.

الثلاثاء، مارس 18، 2014

الجزائري ورفض النظام



ترى نسبة كبيرة من الجزائريين ، كما رأت ذلك دائما منذ اواخر الثمانينات، وجوب تغيير النظام، دون أن يكون لها تصور واضح حول طبيعة النظام الذي ترغب في تغييره وتعتبره نظاما سيئا يدير البلد وفق آليات وذهنية معرقلة للتقدم الذي يطمح إليه الجزائريون. مع أن غالبية المواطنين يركزون على نقطتين جوهريتين: الفساد الذي يرعاه النظام، وحكام الظل الذين لا نعرفهم على وجه التحديد، أي أولئك المقررين الفعليين في مصير البلاد. طبعا يذهب البعض أبعد من هذا في تصوره لطبيعة التغيير التي يرى أنها يجب أن تكون جذرية قوامها الإنقلاب على كل ما يمت للقديم بصلة من مؤسسات وسلوكات، وهو التصور الذي سعى الفيس لتحقيقه عن طريق حشد جماهيري غير مسبوق ضد النظام، حشد بشر بالنظام البديل الذي قوامه الدولة الإسلامية.
وللحقيقة فغالبية الجزائريين حتى المتعاطفين مع التصور الاسلامي غير مستعدين للذهاب بعيدا في تصور الدولة الإسلامية المطروح من طرف تيارات الإسلام السياسي المختلفة، صحيح أن الجزائري المتدين بطبعه يسعى لتطبيق الشريعة في بعض المناحي الأخلاقية شديدة الصلة بالأسرة وبعض التعاملات الاقتصادية التي يسعى لأن تكون حلالا بشكل إجباري يفرضه القانون. لكن الرؤية السياسية البديلة التي يبشر بها البعض بديلا للنظام القائم المندد به والمرفوض والمطلوب رأسه منذ اكثر من ربع قرن، غير مقنعة لغالبية الجزائريين الذين يتخوفون على حريتهم من نظام كهذا ، بالإضافة إلى أن أصحاب التصور الإسلامي لنظام الحكم لم يتجاوز طرحهم في الغالب شعارات من قبيل الإسلام هو الحل والدولة الإسلامية ودولة الخلافة على منهج السلف الصالح، دون تقديم آليات حكم فعلية يمكن اختبارها ميدانيا. كما أن التصور المناقض للرؤية الإسلامية الذي يسوق له التيار العلماني والذي قوامه الحداثة بكل ما يتفرع عنها من قيم اجتماعية تنشد الحرية والفردانية و قوانين وضعية ناظمة لتعاملات الأفراد فيما بينهم من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة ثانية. هو تصور لا يلقى ترحيبا، ويقابل بريبة مسبقة تستند على تهم نجح الإسلاميون في إلصاقها بخصومهم العلمانيين: وهي التغريب ومعاداة الدين والدعوة للانحلال والتفسخ، والجزائري الذي يكتفي غالبا على المستوى الفكري والمعرفي بالكليشيهات الجاهزة عادة ما لا يتعب نفسه في البحث من أجل تكوين معرفة معمقة حول تصور كل طرف لطبيعة النظام المرتجى أو المطروح بديلا، وهذا ما يجعل التصور العلماني مرفوض بقوة الصورة النمطية المشكلة عن العلمانية ككل في المخيال الجمعي.
إننا كجزائريين نتفق بنسبة كبيرة على وجوب رفض النظام والمطالبة بتغيره، لكننا في المقابل لا نملك تصورا حول طبيعة النظام الذي نرغب في أن يكون بديلا للنظام القائم، صحيح أن الطرحين الإسلامي والعلماني لطبيعة نظام الحكام يلتقيان في طابعمها الإيديولوجي، وانهما لا يقدمان بديلا مقنعا للنظام لأن النظام القائم لا يرفضه الجزائريون بسبب طابعه الإيديولوجي، فإيديولوجيا هو نظام مرضي عنه من طرف الأغلبية، لأنه في الوقت الذي يشكل فيه ضمانة التحديث وسبيلا لتبيئة قيم الحداثة وما تحمله من روح علمانية، هو نظام حامي للتقاليد المسنودة دينيا، كما أنه نظام سعى منذ الإستقلال ليدمج الخطاب الديني ضمن مجال اختصاصه باعتباره راعيا للدين وحاميا له، لكن وفق تصور شعبوي للدين يحصره في الممارسات التعبدية وبعض الاحكام المتعلقة بالأسرة والميراث.
فالنظام وفق هذا التصور غير مرفوض إيديولوجيا، إنه مرفوض كممارسة، وكحكم فاشل في طريقة تسييره، ومرفوض كأشخاص، ومرفوض كمرجعية قوامها الشرعية الثورية، ومرفوض كمؤسسات تسير وفق رؤية غير عقلانية أساسها الولاء والمحسوبية، ومرفوض كرؤية أبوية ترتاب أمام الحرية في شقها السياسي الذي تعبر عنه معارضة حقيقية وصحافة حرة. وهو مرفوض كذلك كقوانين صيغت بشكل يخدم فئات معينة تشكل الكتلة الإجتماعية للنظام ( المجاهدين وذوي الحقوق، إطارات الدولة ذووا التكوين الفرانكوفوني، وبدرجة أقل الفلاحين والنساء ).
إن رفض النظام لجملة تلك الأسباب لا يستدعي الثورة عليه من أجل تغييره، بمقدار ما يستدعي إصلاحه من الداخل وفق نضال واعي وموجه نحو جزئيات معينة كالنضال من أجل ٍرفض أو تعديل قوانين نرى أنها غير فعالة أو غير عادلة. لكن الغريب في رفض الجزائريين للنظام انهم يرفضونه ككل دون الدخول في تفصيلات ما يرفض فيه وما يمكن قبوله وتعديله، دون أن يكون لهم تصور بديل للنظام المرفوض، ولا رؤية واضحة لكيفية تغيير النظام بعد فشل محاولة أكتوبر 88 وما تلاها من محاولة الفيس.
في نضاله ضد النظام يخلص الجزائري لروحه وتكوينه النفسي والفكري الذي يجعله ينظر دوما للظاهر من الأشياء، دون التساؤل عن الجوهر وعن أساسات قيام وتشكل ذلك الظاهر الذي نوجه له سهام النقد والرفض. أذكر أن الصحافة والأحزاب وبعض الشخصيات الوطنية والعامة قد نددت عقب عدة مناسبات انتخابية ( رئاسيات 2004، تشريعيات 2007 ....) بالتزوير التقني الذي سمح به قانون الانتخابات الذي تضمن عدة هفوات، دون أن يناضل أحد، بالشكل الكافي على الأقل، من أجل تغيير القانون. فالجزائريون لا يناضلون ضد القوانين التي صاغها النظام لخدمة مصالحه وتقويته، وهو نضال جزئي يمكن أن يحقق اهدافه بقليل من الصبر والإرادة، إنما ينشغلون فقط بالرفض المطلق للنظام، رفض غير ممفهم وفاقد لآليات تحققه.



الاثنين، مارس 03، 2014

مناهج الغرام للمولعين بالمناهج الحديثة


تبدأ جاذبية التفكيك كمنهج غرام، عند انفكاك الأزرار الأولى لفستان المحبوبة، إنه آلية تفكيك فعالة للحماية التي تفرضها النسوة على ممتلكاتهن الخاصة المحمية بالثوب والحجاب وبتعويذات الحروف المطلسمة، وبالطلسمات المبثوثة في ملامح الوجه واشراقة الشفتين وفي استدارة النهدين وفي نعومة النحر المنكشف تلميحا، هي الطلسمات التي تبوح ولا تصرح، إنها موضوع انشغال واشتغال التفكيك، الذي يمعن فيها هدما وبناء وتعرية دون لملمة البقايا الساقطة من الثوب المهمل عند القدمين. لحظتها، تشتغل السيماء، حيث انجذاب الروح للروح والجسد للجسد في حضرة البياض العاري حين يفيض الضياء ويسيح البياض مع أول انفكاكات أزرار القميص وانبلاج النور من الترائب المصقولة بإمعان. سيماء النور المنساب مع انزياح الثياب، يفرض على العاشق المجسون في سياق الدلالات المتولدة بتجدد مع كل همسة ولمسة مع تعدد مطارحات البوس والضم المحموم، أن يتقن بتفنن أسلوبية الغرام وآليات المقاربة بالضم وفن التأويل حينما تلتقي العينان، وحيثما تهمس الشفتان بغمغة الشوق المبثوث في آهات لا تفهم إلا تأويلا، لكنها ترمي العاشقين المتعانقين في اتحاد إلى نسقية التعدد المنهجي التي تفرضها لحظات الغرام.

كذب الرجال



للرجل كذبات وتلوينات حكايا هي في الأصل حكاية ابتدأت صدقا خالطها زيف الادعاء أو بريق الاضافات وانسلت منها الحكايات ومنها تناسلت الاحاديث التي بعضها لغو وبعضها صنارة صياد يبتغي السلوى حين يظفر بمهجة العيون العسلية التي اجذبتها الكذبات المتناسلة وأساطير الهوى المدوزنة بوعود لن تتحقق كما تبغيها العيون التي لاح فيها بريق عشق في طور التكوين. هو الرجل الكذوب في صدق حكاياه، المدعي في تفاصيل بطولاته وفتوحاته النسائية وهو الواعد دوما بالبدء من صفر جديدة ومن ظفيرة فكفكها بلهفة الغرّ وخفة الخبير، وهو في عيون العاشقات الحالمات بعمر يكتمل على مودة الوصل وشجن الوصال الصادق الصدوق وإن كذب، فالنساء لا يمنحن الصدق والعمق وحلاوة الريق إلا للكاذب الكذوب الذي يدوزن بِسمْتِ الصادق العاشق كل تلك الوعود التي لن تتحقق.


شذرات عن الرواية




شذرات عن الرواية

تكتب الرواية الحديثة عن إنسان دنيوي، قد ينكر استغراقه في متع الحياة الحسية، لكنه يمعن في اقترافها، إنسان معرى من الهالة ومجرد من إدعاءات التعالي التي يتقن تسويقها الرجال الطامحون للتموضع في مقام القدوة والمثال، أولئك الذين يقودهم طموحهم الاجتماعي إلى التسربل بالمثل العليا وإدعاء الأخلاق الرفيعة.
إن الرواية، على عكس التاريخ، يغريها المهمش والشاذ والمبتذل، فهي تكتب عن ذلك الإنسان/ البطل الذي يضيع عمره دون ان يحق شيئا، ويمضي دون ان يترك خلفه لا ذكرا ولا سيرة تروى. إن أبطال الرواية الحديثة المغتربون والإشكاليون هم بتعبير ابن الفارض وبتجاوز معناه:
رجال إذا حضروا لم يعرفوا .... و إذا غابوا لم يذكروا
فبطل الرواية الحديثة هو بتعبير فيصل دراج: " إنسان اكتفى بمأساة مستقلة، مراجعها حضارة تقنية وعقلانية مجزوءة ورهبة الموت التي يواجهها الإنسان وحيدا بلا معين "، إنه إنسان تائه في بحثه المضنى عن القيم التي يؤمن بها ولا يلتقيها في واقعه الاجتماعي وهذا ما يجعله مرتحلا لا يأنس لحضن ولا يستقر به مقام، مع أنه لا يصل بتاتا إلى حيث يريد، إنما، وبتعبير لوكاش: " لا يصل إلا إلى حيث أراد له الطريق أن يصل ".

عن العنوسة التي تزحف على أعمارهن


ارتفاع نسبة العنوسة بهذا الشكل المفرط وفي كل الدول العربية بغض النظر عن المستوى المعيشي للفرد والوضع السياسي، راجع أساسا لطبيعة التغير الاجتماعي غير المدروس وغير الموجه، ولطبيعة التحديث المتبع في هذه الدول منذ حصولها على استقلالها إلى الآن،حيث تم تفتيت النظام الأصلي للمجتمعات العربية والقائم على قيم أساسية كالتكافل والروابط الاسرية الشديدة المتانة والتي كانت توفر من ضمن ما توفره علاقات مصاهرة متبادلة بين العائلات، حيث أن العائلة هي التي تدبر أمور الزواج للفتيات وللأولاد بنسبة أقل، دون أن يكون هناك نظام بديل يحضى بالقبول النسبي من طرف فئات المجتمع المختلفة، حيث أن تغير النظام الاجتماعي، مع بقاء قيمه التقليدية تعاند التغير بنجاح، ادى إلى وجود شرخ حاد بين الواقع المحدثن بقيمه المدينية المنفتحة في الظاهر وبين القيم التي يؤمن بها الفرد في العمق ويعتبرها أصيلة ويجب الدفاع عنها وتنبيها والاحتكام إليها فيما يخص القرارات المصيرية للفرد كالزواج، وطرق اختيار شريك الحياة، فتسرب الكثير من الأفكار حول الفردانية وتحقيق الذات والاستقلال الاقتصادي للأفراد بحياتهم الخاصة لم يرافقه تبني ذهني واخلاقي للقيم الرافدة لتلك الافكارن فالمجتمع الذي يدعو المرأة للتعلم ويشجعها العمل والكسب لا يمنحها الحق في الاستقلال الاقتصادي والمعيشي بشكل انفرادي، كما يمنحه للرجل، إنما يطالبها، وبشكل نكوصي على الأفكار السابقة، بأن تظل مرتبطة بالعائلة وتابعة لها، وفي نفس لوقت الذي الذي يطالبها بالانخراط في الحياة العملية يشنع عليها الاختلاط الذي تفرضه تلك الحياة العملية، ويعتبر تواجدها داخل مجال التواد الرجالي مساسا بالشرف واتهام ضمني، يظهر كلما كانت المراة في موضع اختيار، فعملها وسط الرجال يمكن جعله تهمة عند عائلة الحبيب الرافضة لارتباطه بها، كما ان تواجدها بالجامعة وارتقاءها في التعلم رغم أنه يحدث بمباركة وتشجيع العائلة وبرضى نسبي من طرف المجتمع، إلا ان صورة الطالبة الجامعية في المخيال الجمعي ليست جيدة بالمرة.إن عملية التحديث العرجاء التي تمت خلال النصف قرن الماضي والتي ركزت على الجوانب المادية للمجتمع والتي كانت من نتائجها الإقحام المتزايد للمرأة في المجال العام، قد أوقعت المرأة او بالأحرى صورة المرأة في نظر المجتمع، في وضع مأزقي، حيث أن المجتمع يطالبها بأن تكون عضوا فعالا بالمجتمع من خلال التعلم والعمل، لكنه ينظر بريبة شديدة للنتائج الحتمية لتواجد المرأة في المجال العام، وأعتقد أن التفسيرات البسيطة لظاهرة العنوسة بإرجاعها للظروف المعيشية وغلاء المهور، هي تفسيرات سطحية، إذا لم نربطها بالقيم الاجتماعية السائدة في وقتنا الراهن والتي هي قيم مأزومة نتيجة كونها قيم نكوصية تشدنا لماض لا نلتقي به في واقعنا الحالي. 



عن الجميلات



الجميلات مظهرا وتقاسيم أنوثة،هن المشغولات بالكحل والمرايا وتلاوين أحمر الشفاه وصبغات الأظافر المختلف ألوانها، هن المغموسات في العطر عرفا وتخيلا لا ينال، وهن المتشوقات بفتنة العاشقات لنعومة معطف الكشمير الذي يلف جسدا يستقبل الريح بتفاصيل شتوية مبهمة، يعرف سرها وكنه انحناءاتها الدانتيل الأسود المعشّق بالحرير، وقد انفصل على الجسد فستان سهرة لا ينكشف إلا في القاعات المغلقة او ثوب نوم يفضله الرجال أحمرا بلون الرغبة، وتشهيه النساء أسودا يليق بالبياض الذي تحته، وهن الغارقات حين يلتقين في ثرثرات جامحة عن آخر التصاميم الشتوية لحقائب اليد، وعن لون عدسات العيون الأنسب للثوب الأسود والأحمر، ولمشاوير العمل اليومية.
إنهن فاتنات مؤمنات ماجنات، يبحثن عن حبيب هو الزوج غيرة وإنفاقا، وهو العشيق الطالع من المسلسلات التركية رقة خلق ونبل اخلاق ووسامة شكل نحتته اجتهادات الخيال وآماني العاشقات. يذكرن الصلاة ليلا ؛ جمعا وتقصيرا، ونهارهن عامر بالمشاغل والخرجات ورنات الهاتف المزود بشريحتين، للحبيب واحدة وللصديق اخرى ولابن الجيران ثالثة محتاط بها عند الاخت او تحت المخدة البيضاء المطرزة بخيوط الدانتيل وبالأحلام التي تكبر وتقاس بمقاييس الجمال عندهن، هن الجميلات مظهرا وتقاسيم أنوثة.

عن بنات الريف، مغنيات الأعراس


كان صوتهن على ضربات الدربوكة يعلو بنداء الرجاء: " طول حبيبي ما جاني يا الرايح قولو حبك كواني "، هن بنات الريف الجميلات صانعات الفرح المنسرب في تلابيب الروح ، خالقات البهجة الطروب التي تعم اعراس الدوار حين تلتقي النسوة والأطفال في حوش الدار ويتوسط الرجال الرحبة يسسبحون بحمد الخالق ويمجدون جمال مخلوقاته، وتغني النسوة وتعلو الزغاريد الرافضة حين ينشد الرجال تسابيح الندم : أنا راسي شاب وخايف ملعذاب ..." ترد النسوة من صحن الدار بصوت الغواية والدعوة للمعصية التي تؤمن أن رحمة الله اكبر من أن تخطيء العاشقين فستره يحرس خطوات سعيهما نحو التوحد البهيج:
التُوت وْيا مكحلْ التُوتْ
التوت غرس الدوالي
و اللَّه ما نذوق التوُّت حتى نبوس ولدْ خالي.

عن حاجة الرواية إلى أبطال إشكاليين




يندد البعض بالرواية التي تصور حيوات مأزومة وأبطال إشكاليين، وتنقل رؤية سوداوية عن الواقع ويرون بأن الرواية ما كان يجب لها أن تغرق في سودواية تجعل القاريء لا يجد فيها سوى شخصيات شاذة ومأزومة وعاجزة عن الفعل والتغيير، شخصيات مطرودة من ملكوت الرضا إلى خلاءات لا إسم لها، مستنزفة الروح وذاهلة عن الطرق التي أمامها، لكن، وبقراءة متأنية لما ينشر سنويا من روايات نجد أن الروايات الإشكالية التي تقارب تلك الشخصيات المأزومة والمطحونة تحت وطأة الواقع، روايات قليلة. صحيح أنها قد تكون فارقة وأكثر أهمية، وبالتالي الأكثر صدى، لأنها نصوص روائية مصرة على مقاربة تمزق الشخصية الروائية باعتبارها تعبيرا عن تمزقات اجتماعية وسياسية ومحاولة لفهمها وتقدير تأثيراتها على الفرد الذي غالبا ما ينسحق تحت وطأتها ، والرواية تصور وتكتب ذلك الانسحاق والضياع الذي يعيشه فرد مطرود من رحمة الجماعة.

في مقابل هذه الروايات التي لا يقدر إلا لقلة قليلة من المبدعين الكبار على كتابتها، نجد روايات اخرى كثيرة، وربما هي أكثر مقروئية تخرج عن سوداوية الروايات الإشكالية لتصف واقعا متدرجا في ألوانه، وهي روايات غالبا ما يغمرها النسيان سنوات قليلة بعد إصدارها. فتاريخ الرواية يحفظ لنا روايات الأبطال الإشكاليين المأزومين كنماذج وكعيون أدب ويضرب في الغالب صفحا عن باقي الروايات التي يدرجها مؤرخو الأدب غالبا ضمن الأدب التجاري رغم ما تحققه في وقتها من نجاحات، والسبب في هذه الانحياز نحو الروايات العميقة التي تعالج اوضاعا مـأزومة وإشكالية، يكمن في اعتقادي في طبيعة الجنس الروائي ذاته؛ إن الرواية كجنس لا يتطور إلا في فترات المخاض والتمزق الاجتماعي التي تعبر عنها الرواية، دون بقية الأجناس الأدبية، باقتدار ، نتيجة لما تملكه من حرية وقدرة على الغوص في النفس الانسانية وفي الواقع الاجتماعي وما يحدث بينهما من تبادلية تأثير وتأثر.
إن كل انتقال من شكل روائي سائد إلى شكل جديد، يسعى لكسب مشروعيته، غالبا ما كان يحدث في فترات أزمة مجتمعية حادة، ولنأخذ الروائية الجزائرية كمثال، رواية ما قبل التسعينات ورواية التسعينات وما بعدها، ونبحث عن تأثير الأزمة في الأدب سنجد تغييرا جوهريا قد مس طبيعة الرواية الجزائرية سواء من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون، وقد نناقش لاحقا طبيعة تلك التغيرات التي مست الرواية في شكلها ومضمونها، تلك التغيرات كانت نتيجة لسبب رئيسي هو أزمة العشرية السوداء التي تناولتها الرواية من خلال شخصيات تائهة وفاقدة لليقين وللقدرة على التغيير الذي تطمح له.
إن اولئك الأبطال الشواذ، وتلك الشخصيات الضالة والضائعة هي مطلب للرواية، كجنس، قبل ان تكون اختيارا من طرف الكاتب الذي لا يملك إلا لاستجابة لذلك الشرط الروائي.

البارود يلالي



كان البارود في أعراسنا الريفية أكثر من بهرج وأكثر من تقليد يعلن عن الشهامة التي يحرص على إبرازها الشباب والشيب الأشد رجولة في المشتة وفي الدوار، ويظهرون من خلاله رجلة وفتوّة وفروسية محدثة بعد أن تم التخلي عن فرس الفارس كمرافق للمكحلة والبارود، رغم بقاء الأغاني الممجدة لذلك الالتحام بين الفارس الممتطي جواده وبندقيته وما تضفيه تلك الهالة من أسطورية على الفرسان:
فرسان القايلة هزوا المكاحل
ساروا فالليل اداو الزين وراحو
إنه ذلك كله وأكثر، وهو بشكل من الأشكال اعلان امتلاك وتعبير عن رغبة في القرب العلني الذي تكون الاعراس المناسبة الأفضل لربط الزواجات وللتعبير عن الحب بشكل لا يحرج المجتمع لأنه تعبير يتوسل بتقاليد المجتمع ويحترمها، حيث تدخل الراقصات الى الفرجة؛ الفرجة التي هي مساحة رجالية حصريا لا تفتح إلا للنساء المستورات الوجه والبدن، يدخلن يرقصن ويهيّجين الجمع وينسحبن، فقط تدخل نساء دار العريس مكشوفات الوجه فلهن حرمة اهل الدار مع الضيوف، وباقي المدعوات من بنات الأقارب وبنات الجيران يدخلن الفرجة وفوق الرأس خمار يتخذ من الأسود لونا في الغالب حتى لا يعرفن مع أنهن في الغالب يعرفن وتشي بهن حركاتهن ولباسهن، كما تشي النسوة المتوزوجات بالعازبات اللواتي يرقصن في الفرجة ويكن عرضة لضربات البارود من العزاب الراغبين في الزواج، فمن يعجبه رقص احداهن ليس عليه سوى الاقتراب منها وإعلان الرغبة فيها بطلقتي بارود ترد عليها إن هي وافقت بحركة رقص خاصة يعرف معناها الأكبرون سنا فترد على طلقة البارود أم الفتاة المختارة من خلف حدود الفرجة بزغروتة هي إعلان قبول ورضا وترحيب بالعريس الذي يتنافخ شرفا وعزة وقد أكسبه الرد الآتي من خلف الفرجة ثقة وغرورا وسعادة وهو ليؤكد عرضه ير د على القبول المبارك بطلقتي بارود أخريين، ليلمع بريق البارود في العيون المبتهجة من خلف الخمار الأسود الشفيف في قتامة تظهر ما خلفه ولا تظهر.
فالبارود في أعراسنا ليس فقد أداة للفرح وإضفاء نكهة رجولية على أعراس هي للنساء اكثر مما هي للرجال، إنما هو وسيلة امتلاك رجولي لنساء يعلنّ عن استعدادهن للخصب والبذل حين يدخلن الفرجة راقصات يلفهن الستر وتكشفهن الوشاية المحببة.

عن غواية الفن



باسم الفن وبواسطته وبعيدا عنه قبل أن يتشكل الفن تجسيما ولوحات تذر ربحا وتستذر عيون المتذوقين وتستجلب اعجاباتهم بتموجات الجسد المرسوم ورقة ذوق الرسام وعينه الشاخصة حينا للوحة التي تنرسم وحينا للموديل الذي يتمدد أمامه عاريا أو موحيا بعري يغري اكثر من العري ذاته.
تشكلت، وكانت نظرتنا للفن محض اجتزاء يخل بالذوق المستسلم لشبقيته والذي يختصر الفن في امرأة غاوية تتعرى امام العاشقين والمحزونين واللاهين بطيش الحياة. كان الفن وكانت اللوحات التي صورت سحر الشرق وشبقيته الباذخة وأجساد نساءه الممتلئة عريا ورغبة في حمامات اسطنبول وبغداد والشام، وفي أزقة القصبة والجزائر وفاس، كان الفن عندنا امرأة تتعرى في لوحة صاخبة بالوان البهجة والحبور ، وكذلك مازال في مخيال العوام كما في تصورات نخب لم تتشكل إلا على مضض الإستجابة العيية لأسئلة الحداثة ونداءات التحديث الخالقة لشبق يتمطى أمام دهشة الاكتشاف المنصدم بهشاشة التقديس الذي عاش فيه وبه قرونا. وكان لنا في لحظات التحدثن لقاء مع الفن المنسحر بشرق مشرقن ومختصر في حكايا الحريم وتكايا الدروايش، ونظام العبيد الذي يقف أساسا لنظام إنتاج لا يتطور ولا يتحول.
استقبلنا كشرق، وكعرب ذلك الفن الذي يخبر عن زمن أروبي شديد التحول ومبهرا في تطوره وعلمانيته، كان فنا حاملا لعلمانية تهمل التقديس وتركنه في الهامش القصي من الوعي، علمانية لم نؤمن بها يوما وظلت، كما ظلت الحداثة وقيم العقلانية والتنوير، مجرد أوهام حداثوية نلجأ إليها تعبيرا عن نزق النفس الحائرة أو هربا من تضييق قيم تخنق فينا الرغبة في القول الناطق بقيم الحب والحرية والفردانية، كما تخنق فينا الفعل الذي يرى التحرر افتكاكا للجسد من نمطيته الثقافية التي يصبغ عليها المجتمع الستر والإخفاء الذي يعين بنمط لباس، هو للمرأة حجاب وللرجل قميص يتقاصر عند الساقين.
كان الفن للحالمين ملاذا ووجاء من صهد الشرق المنذور لخلاء الصحراء ودفئها الوهاج، وكان للمارقين التواقين لعتق الروح من أسر قيم هي كالخناق يشد النطاق، ملاذا وضياعا فيما يتيحه الفن للروح من امتلاء.

الأحد، مارس 02، 2014

عن الثقافة المهملة للمدينة والناس




ثقافة أية مدينة هي ناسها وهي مقاهيها العتيقة وهي لهجتها التي تكشف كل غريب إذا نطق، هي مأثور القول وهي الحكايات القديمة التي تنبعث متجددة وزاخرة بالإضافات مع كل جيل، ثقافة كل مدينة هي روح مثقفيها، وهي مؤسساتها الثقافة وإرثها وتاريخها، وهي الفن الذي ابتدأ في الأعراس ومواسم الجني صوتا يلهج بنداء الرجاء في أغاني النساء وامتد صوتا طروبا يهديء الروح ويفتح باب الذكرى الملتاعة لتاريخ راح، ولأيام خلت ومحبوب لم يف بكل وعوده فانقطعت سبل الوصال وتباعدت احضان المودة عند منعطف ما.
ثقافتنا هي صخب الأطفال الطالعين من مدارسهم هرولة نحو الخارج الفسيح ولهفة على ماتشات ما بين الأحياء وعلى كل الشيطنة التي انكبتت داخل جدران مدرسة جعلناها بوعينا البائس سجنا يحترم فيه النظام ويمجد الانضابط الصارم أمام العَلَم والنشيد كل صباح، وهي الخربشات على جدران المدارس ومؤسسات الدولة وداخل المراحيض العمومية؛ خربشات ضد كل ما يبعد الروح عن بهجتها، وصوتا يعلو، حين ينكتب سرا، ضد سلطة سرقت منا الصوت الجهور وأسلمتنا للهمس الصموت بالقمع والترهيب والقولبة التي كانت المدرسة والمسجد والجريدة الواحدة التي تصدر بعناوين متعددة أداتها ووسيلتها المثلى.
ثقافتنا هي تاريخ لم يكتب وحكايات عن ثورة لم تدون احداثها فتنازعتها الذاكرات التي غزاها الشيب والنسيان وانسربت في مأثور الحكي حكايات بطعم الاضافات ورونق الخيال المؤثث بتمجيد زائف وتخوين غير مؤسس يتشربه الأحفاذ حكيا وأمثالا سائرة بين الناس ونكتا وأخبارا لا أصل لها؛ وكل ما لا أصل له يؤصله الزمان ويشرعنه التداول والانتشار في ثقافة تؤمن بالمشافهة وتمجد كل ما لا يوثق، هي الخائفة من الكتابة والمرتعبة أمام كل ما يدون وكل ما يكون دليل إدانة أمام أجيال ستأتي بطيش جديد ونزق مغاير، وثقافة تتعاطى خفيف القول الذي افتك نفسه من أدلوجات القهر، ثقافة مرهفة الإحساس بذاكرة نضرة وقصيرة.

لهذه الأسباب أنا ضد العهدة الرابعة



لأن بوتفليقة لم يرد منذ استدعائه للخدمة في النظام مجدادا سنة 1999 سماع الحقيقة التي تزعجه، أحاط نفسه بالأهل والعشيرة والمتملقين الذين يكذبون عليه، وهو يعلم أنهم كاذبون ويصمت ويعلم أن صمته سيجعلهم يتمادون في غييهم، ولأنه لم يرد إلا أن يموت رئيسا وأن يكون الرئيس الذي حكم الجزائر أطول فترة فقد داس على كل ما وعد باحترامه سابقا. بوتفليقة الذي قدم نفسه لجيلنا الذي لم يعرفه إلا سنة 1999 كمترشح للرئاسيات، قدم نفسه كسياسي ليبرالي يحترم قواعد الممارسة الديموقراطية، وكرجل دولة يتعامل مع الواقع بمنطق مصلحة الدولة لا بمنطق مصلحة الجهة والناحية والعشيرة والأصحاب. بوتفليقة الذي أعلن في عز انتصاره على خصومه سنة 2004 أن عهد الشرعية الثورية قد انتهى، انقلب على قوله وأنكر خطاباته السابقة حين عدل الدستور سنة 2008 من أجل الخلود في السلطة متكئا على شرعية الماضي الثوري التي اينعت في زمنه وتجلت في عودة "الركاي" من الشيوخ والعجزة لتولي مناصب الدولة.
بوتفليقة الذي اعترف أكثر من مرة بفشله وفشل الحكومة في الوفاء بوعوده الانتخابية لم يجد حرجا في الاستمرار مع الفشل، ورغم أنه صرح : " طاب جناني "، إلا أنه بدا أكثر إصرارا على البقاء في سدة الحكم لولاية رابعة وخامسة ان أمد الله في عمره.
قد يكون بوتفليقة شخصا متسامحا، لكن تسامحه أفقد الدولة هيبتها وجعلها في وضع دفاعي اتجاه مواطنيها الذين صار قطع الطريق وسيلتهم المثلى للحصول على ما يرونه حقا لهم، وتسامحه هو نفسه الذي نمّا من حوله نظاما يعتاش على الفساد والسرقة في ظل وفرة مالية غير مسبوقة، وهي الوفرة المالية نفسها التي جعلت النظام الذي يشكل بوتفليقة واجهته يشتري السلم الاجتماعي كل مرة من خلال تقديم رشاوي لكل الفئات المتذمرة من وضعها الاجتماعي، فكان رفع الاجور ومشاريع لونساج التي يطالب المستفيدون منها بمسح ديونهم على غرار مسح ديون الفلاحين الذي أعلنه بوتفليقة اثناء حملته للعهدة الثالثة، فالنظام يستغل المال العام الذي هو حق لكل الجزائريين من أجل ضمان استمراره ورشوة الفئات والجماعات التي تعلن بصوت عالي عن مطالبها الاجتماعية؛ فيكفي هذا النظام أن لا ترتقي تلك المطالب الجماعية إلى مطالب سياسية تطالب برأس النظام لا بتقاسم الريع معه كحال غالبية الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي.
ولأن الدولة فقدت هيبتها في عهد بوتفليقة، ولأن وعوده لم تتحقق إلا جزئيا وبتكاليف مضاعفة، ولأن عهد بوتفليقة شهد أكبر عمليات اختلاس وفساد في تاريخ الجزائر، وحوّل الفساد إلى أكبر واهم مؤسسة في البلاد تجر إلى اتونها كل المسؤولين والموظفين الصغار وتقحم المواطنين فيها بشكل من الأشكال. ولأن بوتفليقة كشخص، وجيله كفئة متدثرة بالمرجعية الثورية، ونظامه كخلفية، لم يعودو قادرين على تمثل رؤى وتطلعات أجيال من الجزائريين فقدت الأمل في التقدم والتطور والتغيير في ظل وجود هذا النظام وما خلقه من هيئات شكلية وأحزاب صورية وعمليات انتخابية لا تفعل أكثر من إطالة عمره، فمن واجب الجزائريين المحبين لوطنهم والذين يشعرون أن الجزائر تستحق وضعا أفضل مما هي عليه أن يناضلوا بشكل سلمي ومستميت من أجل الوقوف في وجه استمرار هذا النظام ومنطقه وشرعيته الثورية البائدة، وما النضال ضد العهدة الرابعة إلا مرحلة أولى في نضال طويل ضد نظام فقد صلاحيته لقيادة بلد بحجم وإمكانات الجزائر.



conter