الثلاثاء، يوليو 30، 2013

إسلامية، لا شرقية ولا غربية


"إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية ": الشعار الأبرز للإخوان ومناصريهم من التيارات الدينية التي وجدت في وصول رئيس ذو توجه ومرجعية إسلامية لحكم بلد مركزي كمصر فرصة لبعث مشاريع الدولة الدينية ودولة الخلافة وتطبيق الشريعة؛ المشاريع التي ظلت لسنوات طويلة حبيسة أدبيات منظري هذه التيارات، وحبيسة صدور المؤمنين بها، الذين صبروا على تحقيق الحلم الموعود، أولئك الموعودين بالحور العين لقاء جهادهم وصبرهم وحملهم لمشروع الدولة الإسلامية على الاكتاف وبالدماء.
لكن بعيدا عن الشعارات مالمقصود بـ: إسلامية إسلامية لا شرقية ولا غربية؟
تكرار إسلامية دليل توكيد،  هو في الوقت نفسه نفي للإستغراق في إحدى الصفتين التاليتين، كما انه، وبالقدر نفسه، نفي لإمكانية الجمع بين التناقض الذي تبرزه بجلاء  "الشرقية" و"الغربية"، والتوليف بين مزايا هذه ومزايا تلك بغية تبنيها كبديل عن الأحادية.
الإسلامية بهذا الشكل التوكيدي تعني نفي ما دونها نفيا تاما، مع نفي لكل ما ترتب تاريخيا عن الانتساب لإحدى الصفتين السابقتين، أو للتأثيرات الناتجة عن التوليف أو التلفيق الذي حدث بين قيم إسلامية وقيم وافدة ( شرقية وغربية )، فالإسلامية بالمعنى المرفوع في الشعار الإخواني، تعني هدم كل ما كان خلال قرون التثاقف الطويلة مع الشرق والغرب، والعودة  إلى نقطة موغلة في القدم، لا يمكن الإتفاق حول تحديدها بدقة، رغم ان المتفق عليه هو السلف الصالح كمرجعية، دون حسم الإشكالية الناتجة عن ضبابية مفهوم السلف الصالح. مع ان غالبية انصار الإسلانم السياسي يؤكدون على وجوب الاخذ بالمنجزات المادية للشرق والغرب غافلين على أن تلك المنجزات المادية يستحيل فصلها عن قيمها الثقافية. 

الاثنين، يوليو 29، 2013

عنف الدولة وعنف الشارع




ان الدولة في إحدى تعريفاتها هي احتكار العنف الشرعي، والعنف الذي تسلطه الدولة اتجاه مواطنيها لفرض سيطرتها مبرر من زاوية القاون، ومشروع في نظر النظرية السياسية، وذلك، أي الاستعمال الشرعي للعنف، يحدث في كل دول العالم في الغرب كما عندنا، كلما رأى النظام الحاكم الذي يحكم بتفويض من الشعب، أو يفترض فيه ذلك،على أساس أن الشعب هو مصدر السلطة، ضرورة لذلك.
الدولة تفرض هيبتها، وتفرض النظام وسيادة القانون باستعمال حد مقبول من القوة والعنف وهو ما يسمى قانونيا بالعنف الشرعي، لكن ما يحدث في مصر الآن هو انفلات في الوضع العام، إنها حالة لا معيارية حيث ان العنف لم يبق محصورا في يد الدولة، انما تمكنت فئات واسعة من المصريين ( المتظاهرون، البلطجية، الجماعات المسلحة، ذوي المصلحة في الفوضى ) من امتلاك قدر من العنف تقوم بتسلطيه ضد معارضيها أو ضد الدولة ومؤسساتها ( فض اعتصام الاتحادية من طرف شباب الاخوان بالعنف، الهجمات المتتالية ضد قوات الجيش والشرطة، الاشتباكات المتتالية بين المتظاهرين بشكل عنيف يخلف جرحى وقتلى)، وهذا القدر من العنف الموظف بطريقة غير شرعية هو الذي تسعى الدولة لاسترداده باعتباره حقا من حقوقها الحصرية، وهذا ما يتطلب استعمال عنف أكبر من العنف الذي تمتلكه تلك الفئات. وحين يتم القضاءا على كل امكانيات ممارسة العنف من طرف فئات لا تمتلك حق ممارسته، ويعود للدولة وحدها الحق في استعمال العنف الشرعي، ساعتها يمكن المطالبة وبقوة بوضع العصا جانبا، وبوقف كل الممارسات العنيفة في الشارع وضد المعارضين الذين يختلون عن العنف ويقبلون بالحلول السلمية وبالانخراط في العملية السياسية وفق ما تنص عليه القوانين السارية المفعول.

الأحد، يوليو 21، 2013

خواطر عن الكتابة

دور الكتابة أن تعبر بعمق عن هواجسنا، إنها عمل مضني حين تبلغ المرحلة التي تصبح فيها مطلبا للروح الباحثة عن التخلص من ثقل ما يعذبها، وهي مرحلة لا يبلغها إلا قلة قليلة من المثابرين بجهد وبعمق على الفعل الإبداعي.الكتابة التي نستعملها كمروحة في لحظة قيلولة، لا يكتب لها البقاء، ولا التأثير في المتلقي  لأنها غير صادقة، وغير نابعة عن المعاناة التي تجعل الكتابة مجاهدة في كثير من الأحيان لأنها تستبطن أشياء لا تظهر ولا تعطى بيسر.
                                      *****


أؤمن بأن المكتوب بمقدار ما هو ذاتي فهو غير شخصي بمعنى أنه لا يعبر عن تجربة معاشة اجتماعيا بمقدار ما يعبر عن أمور نفسية محضة متعلقة بذات الفرد بما يحسه ويفكر به، دون يعني أن ذلك بالضرورة أن تلك الأفكار والأحاسيس تنعكس بشكل مباشر على سلوكه الاجتماعي.

الأربعاء، يوليو 17، 2013

جيجل الثقافية



يمكن الحديث عن مثقفين جواجلة بشكل يجعلنا نتيه في حصر عددهم، وعلى عكس كثرة المثقفين الجواجلة، يصعب الحديث عن ثقافة جيجلية، خاصة وذات ملامح مميزة، ولا حتى عن استلهام لجيجل كفضاء ثقافي، فجيجل ليست قسنطينة التي ألهمت الروائيين بجسورها وأزقتها وعبق تاريخ، ولا تلمسان التي تغنى بها الشعراء واليها حج طلاب العلم، هي أيضا ليست العاصمة، ولا غرداية بنمطها الاجتماعي المغاير وبعزابتها المتميزة ومدارسها العلمية، ولا واد سوف بمقاهيها الأدبية وشعرائها المجهولين، إنها أيضا ليست الجلفة بنشاطها الثقافي الدؤوب الذي ظل يسهم في تزويد الحقل الثقافي الجزائري أسماء ثقافية جديدة كل مرة، فجيجل مدينة جميلة سياحيا وفاتنة، ولكنها غير ملهمة ثقافيا، لأنها بائسة الحضور الثقافي، ربما هذا البؤس هو الذي يبرر الهجرة الثقافية المرفوقة بالتنكر للانتماء الجيجلي، حيث العدد الكبير من المثقفين ذوو الأصول الجيجلية، لا يذكرونها بالخير، وغالبا لا يذكرونها بتاتا، وكأنهم يريدون أن ينسوا أنهم من هنا، من هذه الأرض التي لم تكتشفهم ولم تنصفهم. يمكن الحديث عن الكثير من المثقفين اللامعين من أصول جيجلية: عبد الحميد بورايو، أبو العيد دودو، عمر مهيبل، السعيد بوطاجين، عيسى لحيلح، محمد الهادي الحسني، جميلة زنير، زهرة ديك....الخ.
لكن هؤلاء جميعا وباستثناء السعيد بوطاجين، لم يكتبوا نصوصا أدبية عن جيجل، وأكثر من هذا غالبا ما لا نجد أي أثر يذكر لجيجل كفضاء جغرافي وحضاري، في نصوصهم، مع العلم أن مرحلة الطفولة، أي مرحلة التكوين النفسي والعاطفي للإنسان غالبا ما يكون لها حضور بارز في الإبداعات الأدبية والفنية، حيث تعد الخزان والمعين الذي لا ينضب والذي يتم الرجوع إليه باستمرار، لكن هذا لم يحدث مع مثقفي جيجل بشكل يجعلنا نتحدث عن المنفردات الإبداعية التي تتميز بها جيجل المدينة وجيجل التاريخ، بنفس الشكل والقدر الذي نتحدث به عن جيجل كمنطقة جذب سياحي. 
فقط السعيد بوطاجين، يشكل استثناءا فريدا، وهو استثناء في الثقافة الجزائرية بعموميتها لأنه يستلهم الثقافة المحلية بمفرداتها وجزئياتها البسيطة ليحيك منها نسيجا إبداعيا متميزا فهو الذي جعل من تكسانة ملهمة لنصوصه وفضاء تدور فيه أحداث قصصه.
يمكن أن نذكر أحمد عاشوري ( من قالمة ) الذي أبهرته جيجل فكتب عنها الكثير من القصائد والمجموعات الشعرية: ( أحب جيجل، لا شيء إلا الأزرق في جيجل )، أي أنه استلهمها أدبيا بشكل لم يفعله مثقفوا وأدباء الولاية.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يمكن الحديث عن ركود ثقافي يبرر ما قلناه سابقا من هجرة ثقافية وتنكر للمدينة، حيث أن المسؤولين عن الثقافية هنا غالبا ما يركزون على المناسباتية في التنشيط الثقافي، دون أن يساهموا في خلق فضاءات ثقافية تتسم بالديمومة يستطيع من خلالها المثقف الجيجلي أن يعبر عن نفسه وينمي قدراته من خلال التلاقح الفكري، حتى الجامعة لا تقوم بأي دور ثقافي يذكر، على عكس ما نجده في بعض الجامعات أخرى، حيث التنشيط الثقافي عادة حميدة لدى بعض الأقسام خاصة قسم اللغة والأدب العربي وهو ما لا يحدث بجامعة جيجل التي بدأت واعدة في هذا المجال لكن سرعان ما دخلت في نمط تنشيط مناسباتي أكثر منه فعل ثقافي واعي وهادف.
هذه بعض الملاحظات الجزئية حول جيجل الثقافية كما أراها، على أن أحاول لاحقا الكتابة بشكل جزئي عن بعض المميزات الثقافية للولاية وكذا تقديم بورتريهات موجزة لبعض مثقفي جيجل.

أساطير جزائرية: الرجلة

ليست الرجلة ذكورة ولا شهامة خلق يتجلى في حمية دم وأنفة: هي النيف عندنا؛ وهي نصرة الأهل والعشيرة ولو على ظلم يقترفونه، إنها ليست فحولة الذكر التي تحيل على قدرات بيولوجية بالأساس ولا هي القوة ولا الشجاعة، ليس المتصف بالرجلة عندنا شبيه قبضايات حواري الشام العتيقة ولا هو فتوة الحارة  لدى المصريين، فالرجلة عندنا ليست حكرا على فئة من الرجال الأشداء الذين ينذرون قوتهم للدفاع عن المستضعفين أو للتسلط عليهم، كما أنها ليست صفة لصيقة بالرجال رغم أنها تنحت اسمها من الرجل وتستعير صفاتها الغالبة من صفات رجالية نبيلة، لكن عندنا فقط قد تتسم المرأة بالرجلة والمرأة الشجاعة الثابتة على الحق عندنا هي الفحلة وهي عند إخواننا المشارقة أخت الرجال، والفحلة مالكة لصفات الرجلة، رغم أن الفحولة مفهوم رجالي بامتياز وبيولوجي أساسا يحيل على الخصب الجنسي، لكنه ينزاح ليطلق على المرأة المتصفة بصفات معنوية مفارقة لمعاني السكينة والخضوع والسلبية التي تتسم بها النساء في مجتمع يغيب المرأة عن واجهة الفعل.
تنتشر الرجلة كإدعاء، أكثر مما توجد كحالة، إنها استدعاء لصفات غائبة وتمثل تمثيلي لها، تمثل لا يصمد كثيرا أمام متطلبات الواقع وتحدياته، لهذا غالبا ما يكون مدعي الرجلة موضوع سخرية، لأن تمثيله مفضوح، وادعاءاته هشة، رغم أن محيطه غالبا ما يشجعه على خلق مثل تلك الادعاءات والتمادي فيها، وغالبا ما يكون المحيط الذي تزدهر فيه الرجلة هو الأحياء الشعبية، الحومة والكارثي، أو بين الشلل وجماعات الرفاق التي تسمح سيرورة تكونها بخلق الفرد الرجلوي وتعزيز ميولاته الرجلوية في ظل الترحيب المتزايد بها، واعتباره سند وحاميا لباقي أفراد الجماعة.

وإذا كانت الرجلة في وقتنا الحاضر إدعاء أكثر منها حالة ماثلة للعيان، فإنها، وفي ظل افتقاد النموذج الأصلي الذي يمكن القياس عليه، تبقى حالة اجتهاد من طرف مدعيها، وحين نقول أنها حالة ادعاء فالواقع يقول أنها ليست ادعاء كاملا، لأن من يدعي الرجلة غالبا ما يتكيء على صفات أساسية كالشجاعة والقوة التي يعد توفر حد أدنى منها أساسيا لأي نزعة رجلوية لدى أفراد معينين، رغم أن تلك النزعات غالبا ما تنتكس بعد فترة قصيرة نتيجة افتقاد الصفات المدعاة للأصالة، وحالة الانتكاس التي تتمثل غالبا في في التحول من حالة الرجلة التي قد تعني تقريبا: شجاعة وقوة وشهامة موظفة في خدمة ما يرى صاحبه انه حق. إلى حالة شبيهة بالفهلوة، وشخصية الفهلوي تشبه تقريبا ما نصفه عندنا كجزائريين بالبلاعطي، أي من يوظف قدراته الكلامية في تحصيل منافع دنيوية بغض النظر عن كون ما يستخلصه بفضل براعته الكلامية حق له أم لا، وهذا التحول المهم في شخصية الفرد الرجلوي هو ما وصفه مزراق علواش بتهكم وبسخرية مريرة في فيلم عمر قاتلاتو الرجلة.  

conter