الأربعاء، مارس 18، 2015

لماذا يعادي المجتمع بعض النصوص الإبداعية؟!

نحن كقراء، لا نتخذ موقفا سلبيا، عدائيا أو متحفظا من نص ما نتيجة قراءة مغلوطة أو سوء فهم لمعناه الحرفي، أو إمكاناته التأويلية. فتلك حجج نخبوية لها غاياتها التي أساسها الظاهر الحرية، وباطنها رمي لكل مخالف إيديولوجي بقصور الفهم والعجز عن إدراك مرامي النص نتيجة القراءة المغلوطة التي سببها افتقاد أدوات الفهم والتأويل، وهذه حجج نخبوية يتم ترديدها باستمرار دفاعا عن النصوص والكتاب أمام " غضبة الجماهير " التي يكون سببها غالبا تنديد بعض القراء بنص ما أو كاتب معين وتلقف فئات واسعة من المواطنين لذلك التنديد وتبنيه كموقف شخصي اتجاه النص أو الكاتب.
جوهر القضية هنا يتمثل في السؤال التالي: مالذي يدفع فئات واسعة من المواطنين لا علاقة لها بالأدب والفكر وليسوا من جمهور القراء إلى تبني مواقف عدائية اتجاه نص أو كاتب معين؟

الأمر هنا مرتبط أساسا بمقدار اللاتوافق الذي يحمله النص المندد به مع قيم الجماعة ومكونات هويتها التي ترى أن المساس بها هو اعتداء لا يمكن السكوت عنه، وهذا اللاتوافق  غالبا ما يكون واضحا ولا يمكن للكاتب أو أنصار النص المندد به الدفاع عنه بحجة التأويل وطبيعة النص التخييلي وغيرها من الحجج التي تتكرر عند كل أزمة مشابهة، هنا يلعب الوسطاء الذين يتصدرون للدفاع عن قيم الجماعة دورا حاسما في التجييش من خلال تقديم قراءة مجتزأة وموجهة نحو ما يقدمه النص من دلائل على مقدار اللاتوافق المذكور، فتنتشر المقتطفات من النص ويتم استحضار النصوص السابقة في حالة احتوائها على تعارضات أخرى مع قيم الجماعة كما تتداول التصريحات على نطاق واسع. كل ذلك من أجل تكوين ملف إدانة يتم توظيفه غالبا بشكل يتجاوز النص أو الكاتب ويمضي نحو غايات سياسية وصراعات ايديولوجية بين النخب والتيارات التي لا يخبو الصراع بينها وينتظر هكذا اهتمام شعبي لتسجيل نقاط ضد الخصوم، كما أن ذلك الغضب الشعبي غالبا ما يكون خادما للكاتب المغضوب عليه من الناحية التجارية ومن ناحية الحضور أكثر داخل الحقل الثقافي الذي يبدي اتجاهه تضامنا وحسدا في نفس الوقت. فالنصوص الأدبية غالبا ما تكون مسرحا للصراعات والمعارك الإيديولوجية، وتلك خاصية سوسيولوجية لصيقة بطبيعة الأدب.

الجمعة، مارس 13، 2015

قوانين قمعية بلا سند اجتماعي



يبدو أن الذين وضعوا قانون العقوبات الجديد المثير للجدل لم يراعوا، أو ربما هم لا يعرفون، طبيعة المجتمع الجزائري الذي تشكل مركزية الرجل لبنة أساسية في طبيعة علاقاته، وهي مركزية مكرسة من طرف النساء أنفسهن أكثر من الرجال، لهذا يبدو أن النساء اللواتي وضع هذا القانون لصالحهن في ظاهره هن أكثر من سيتضرر منه، لسبببين: أولا وعلى عكس معظم القوانين المتعلقة بالأسرة ذات الطبيعة التنظيمية يتخذ هذا القانون طابع قمعي مما يولد الحنك والشعور بالضيم والتمييز لدى فئات واسعة من الرجال. ثانيا أن طبيعة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الجزائري والمسيّجة بالطابهوات العائلية التي ترى في الخلافات العائلية أمرا خاصا لا يخرج للمحكمة إلا في حالات نادرة، تجعل منه قانونا دون تطبيق في غالب الأحيان من جهة، ومن جهة ثانية فالتحرش فعل  يصعب إثباته قانونيا، بله كون الحديث عنه بشكل علني يدخل بدوره ضمن الطابوهات العائلية التي يبدو أن هذا القانون قد أتى بشكل خاص لأجل تفكيكها، مع أن تفكيك بعض هذه الطابهوات المحمية بترسانة قيم وأخلاقيات مجتمعية وثقافة أبوية لا تزال تحضى بمقبولية كبيرة من لدن الجنسين، يعد بمثابة تفكيك للأسرة نفسها لأنه يفرض سلم علاقات لا تسنده الثقافة والقيم السائدة في المجتمع، بل وتعتبره شاذا، لأن المجتمع وثقافته وقيمه لم تتطور بعد للدرجة التي يحدث فيها نوع من التوافق حول مجموعة مفاهيم أساسية لوجود وتطبيق سليم لمثل هكذا قوانين، مثل مفهوم الحرية الشخصية والفردانية والمجال العام وما تنتجه هذه المفاهيم من ترسيخ لقيمة العدالة والمساواة بين الجنسين ليس على المستوى الخطابي والقانوني كما هو حاصل في الجزائر الآن وبالشكل الذي تسعى الجمعيات النسوية ومن يقفون خلف هذه التشريعات إلى ترسيخه، إنما بشكل أعمق يستند إلى واقع اقتصادي يمنح المرأة استقلالية أكبر بكثير مما تتمتع به الآن من استقلالية اقتصادية هشة، وواقع قيمي، وهذا هو الأهم، لا يدين المرأة بأنوثتها، ولا يعتبر جسد المرأة ملكية عائلية.
لهذا أتصور أن هذا القانون قد أتى من أجل تعميق أزمات مجتمعية مزمنة وعويصة كأزمتي العنوسة والطلاق، فشعور المرأة بأنها محمية و" محرضة " قانونيا يجعلها تتجاوز الدور الذي تحدده القيم والثقافة المجتمعية لها داخل الأسرة بشكل يؤدي إلى تزايد الصدامات العائلية مما سيؤثر بشكل كبير على الإستقرار الأسري الذي يعاني، نتيجة ضغوطات اقتصادية ونتيجة الحداثة المرتبكة التي ينخرط فيها المجتمع، من هشاشة تتجلى في ارتفاع متزايد لنسب الطلاق خاصة بين المتزوجين حديثا، من جهة أخرى ستسهم الطبيعة القمعية للقانون في الإحجام المتزايد عن الزواج من قبل الشباب مما يفاقم من مشكلة العنوسة في المجتمع، وقد سبق لي وتحدثت عن الأسباب القيمية والثقافية للعنوسة في مجتمعنا، بعيدا عن التفسير السطحي والمختزل للظاهرة والذي يرجعها إلى أسباب اقتصادية وإلى غلاء المهور وما إلى ذلك من أسباب قد تشكل جانب من محددات المشكلة لا غير.

conter