الأحد، سبتمبر 27، 2009

حوار

في هذا الحوار يقربنا يوسف بعلوج من عوالم المدون الجزائري عمار بن طوبال، الذي يحدثنا عن تجربته وعن التدوين الجزائري وأشياء أخرى.

عمار بن طوبال: المدونات الجزائرية بعيدة عن السياسة ولا تشكل تيارا معارضا
تدون باسم كريم الجزائري، وتنشر ورقيا عبر الصحف باسمك عمار بن طوبال، عرفنا على نفسك أكثر.
اسم كريم الجزائري أتى صدفة، إنه ارث من صديق قديم وعزيز علي جدا، كان دوما يخطئ في اسمي ويناديني باسم صديق آخر مشترك بيننا اسمه كريم، ونتيجة تكرار هذا الخطأ شاع بين زملاء الجامعة اسم كريم، وحين ولجت عالم التدوين لم أفكر في اختيار اسم مستعار كما أنني لم أرغب في البداية أن أكتب باسمي الحقيقي، لهذا كان اسم كريم الجزائري، مع أنه في الحقيقة لا فرق بين عمار بن طوبال وكريم الجزائري بما أنني أعبر عن شخص واحد هو أنا، بصراحة لا أجيد تعريف نفسي أو تقديم ذاتي للآخرين، يكفي أنني من مواليد 11 يناير 1980، بولاية جيجل، عازب، بالنسبة لمساري التعليمي، أنا على مشارف إنهاء رسالة ماجستير بقسم علم اجتماع، وأفكر بالتسجيل للدكتوراه مباشرة، هذا كل ما أستطيع أن أقدم به نفسي.
تكتب في مواضيع شتى، سياسة، اجتماع، نقد بالإضافة إلى إدراجاتك الأدبية، أي مجال ترتاح فيه أكثر؟
الكتابة الأكاديمية التي لها علاقة بعلم الاجتماع تحتل أكبر نسبة من إدراجاتي، رغم أنني في بداياتي التدوينية كنت أركز على الإدراجات الأدبية بشكل كبير، لكن بعد مرحلة إثبات الوجود في الفضاء التدويني انتقلت للكتابة عن أمور فكرية تهمني، وأجد أنها تعطي صورة أوضح عن القضايا الفكرية التي تشغلني، لكن بصراحة أنا أجد نفسي أكثر في الكتابة الأدبية، وتحديدا في مجال القصة القصيرة رغم أنني لم أنشر عبر مدونتي سوى ثلاثة قصص قصيرة، والسبب أن تلك القصص التي أكتبها أجدها تعبر عن هواجس نفسية تخصني أنا بالذات، فعبر تلك القصص أعبر عن ذاتي بعيدا عن المشاغل الأخرى التي تعني فئات أوسع من القراء ومن الكتاب أيضا.
طريقتك في التدوين مبتكرة، تعدل ردودك على تدوينات الزملاء، وتنشرها بعد التصحيح والتنقيح لإثراء النقاش، كيف أتتك الفكرة؟
بصراحة الفكرة ليست مبتكرة، رغم أن توظيفها قليل بين المدونين، حيث أني وجدتها قبلا عند المدون محمد الشرقاوي (الفيل)، هو الذي يوظف هذه الطريقة التفاعلية في التدوين بشكل كبير، أنا في بداياتي التدوينية كنت أحضر مواضيعي مسبقا، لكن لاحقا أي بعد انقضاء السنة الأولى للتدوين وجدت أنني كتبت العديد من التعليقات المهمة سواء على تدوينات الآخرين، أو كردود على تعليقاتهم عندي، ووجدت أن الكثير من تلك التعليقات تصلح لأن تكون مواضيع مستقلة بذاتها.
هذه الطريقة في التدوين تدل على أهمية إعطاء القيمة الحقيقية لتدوينات الآخرين من خلال ايلائها الاهتمام الكافي أثناء التعليق، وهذا الاهتمام وحده الذي يصنع عمق التدوين ويبعده عن السطحية، فانشغالي منذ ولوجي عالم التدوين كان مرتكزا على نقطة أساسية وهي أن اجعل من مدونتي مدونة نخبوية وجماهيرية في الوقت نفسه، وازعم أنني نجحت خصوصا في الفترات السابقة في تحقيق هذا الهدف من خلال جعل مدونتي مجالا للنقاشات العميقة بين الكثير من المدونين، دون أن تفقد المدونة حيويتها من خلال مجموع التعليقات والزيارات التي تعبر عن مقدار نشاط أي مدونة.
على عكس الدول العربية الأخرى، لم تستقطب الصحافة الجزائرية الكثير من المدونين، باستثناء حالات قليلة منها علاوة حاجي، ما السبب برأيك؟ وكيف تقيم تجربة علاوة؟
العلاقة بين الصحافة الكلاسيكية والتدوين تتجه نحو خلق تكامل بين الطرفين، رغم أن المدونات لا تزال بعيدة على منافسة الصحافة الكلاسيكية، لهذا تعمل الصحف على جلب الأقلام التدوينية المتميزة وضمها لطواقم تحريرها؛ في المشرق العربي وفي المغرب أيضا توجد تجارب كثيرة لصحفيين قدموا لمهنة الصحافة من عالم التدوين الالكتروني، لكن بالجزائر وحسب علمي فهناك تجربة واحدة ناجحة وهي تجربة علاوة حاجي، الذي كان التدوين الالكتروني بالنسبة له مفتاحا لولوج عوالم أخرى، بداية بالصحافة، ثم لاحقا المجال الأدبي فهو، بعد تسجيل اسمه كصحفي بعناوين محترمة بالجزائر ( جريدة الفجر، الخبر الأسبوعي ) قد أصدر مجموعة قصصية حضت باهتمام إعلامي مقبول.
تجربة علاوة حاجي أراها ناجحة لحد الآن لأنه ونظرا لآليات عمل الصحف الجزائرية يصعب على وافد من مجالات أخرى أن يفرض نفسه ويصنع اسما، وهي تجربة محفزة لبعض الأقلام التي ترى في نفسها القدرة على المنافسة في مجال شديد الاستقطاب كالصحافة الورقية والفضائيات، ولكن للأسف في الجزائر تظل هناك تجربة يتيمة، والسبب في هذا الطلاق بين مجالي التدوين والصحافة يرجع أساسا لطريقة عمل الصحافة الجزائرية التي تعتمد في التوظيف بشكل كبير على العلاقات الشخصية بالنسبة لكتاب الأعمدة والمحللين، أما باقي المجالات الصحفية ( المراسلين المحليين، معدي الريبوترجات…الخ ) فصحافتنا تتجاهلها ولا تكلف نفسها عناء البحث عن النابغين في هذه المجالات، وتكتفي بتوظيف أو تسخير بعض المتربصين للقيام بإعداد الريبوترجات وجلب بعض الأخبار المحلية أو تغطية الأحداث التي لا تهم غالبية القراء، كما أن المدونين الجزائريين عادة هم أناس كسالى وغير مبادرين، وهذا ما خلق نوعا من التجاهل المتبادل بين الطرفين ( الصحافة و المدونات ) فلو نعد المقالات التي نشرتها الصحف الجزائرية عن التدوين نجدها محدودة جدا وسطحية، مع أن كل وسائل الإعلام الكلاسيكية مهتمة بظاهرة التدوين.
كتبت موضوعا عنونته بـ:هل نجرؤ على إنهاء حقبة من التدوين باللغة العربية، ما هي أفاق التدوين العربي برأيك؟
كواحد من المدونين المهمومين بمستقبل التدوين العربي، أرى أن الآفاق مفتوحة للمدونين العرب، ليضيفوا المميز والمتفرد للخطاب الثقافي العربي بشكل عام، حيث أن الشروط الموضوعية متوفرة ليساهموا بفعالية في إثراء المشهد الثقافي العربي، وأهم هذه الشروط، الحرية التي تفتقدها نسبيا وسائل الإعلام الكلاسيكية، طبعا أنا لا ازعم أن المدونات بإمكانها أن تحل محل وسائل الإعلام والنشر الكلاسيكية، ولكن نتيجة توفر المدونات على نسبة اكبر من الحرية إزاء باقي وسائل الاتصال، فالفرصة مواتية للمدونين ليكونوا أكثر إخلاصا للحقيقة وبالتالي أكثر تحصيلا للمصداقية لدى عموم القراء، وتحقيق هذه المصداقية يحتاج لجهد كبير من طرف المدونين، وخاصة الأقلام التدوينية الجادة التي يمكنها أن تصنع آفاق التدوين الجديدة.
كيف تقيم التجربة التدوينية الجزائرية والعربية؟
على عكس المدونات المصرية والمغربية مثلا، التي تشكل المدونات السياسية النسبة الأكبر فيها، ما يلاحظ على المدونات الجزائرية أنها بعيدة نسبيا عن تناول المواضيع الراهنة المرتبطة بالسياسة وخصوصا السياسة الوطنية، فهي لا تشكل تيارا معارضا كما هو شأن الكثير من المدونات العربية، هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى الفكري فجل المدونات الجزائرية غير مؤدلجة ولا تحمل هوية فكرية محددة، بعكس المدونات المغربية مثلا التي تسفر عن انتماءات فكرية لتيارات فكرية وسياسية لها وجود واقعي وتأثير في الساحة ، تبقى المدونات الأدبية وهي المدونات الأكثر حضورا في المشهد التدويني الجزائري، فالمدونات الجزائرية تميل في مجملها للتواجد داخل للحقل الأدبي، يمكن أن نذكر مدونين تتمتع كتاباتهم الأدبية بجودة كبيرة، كلويزة السعيد، ياقوت القلوب،و وافق أصيل.
رغم جودة المدونات الجزائرية على العموم من حيث المحتوى، يبقى عدد المدونات الجزائرية النشطة قليل،بالإضافة إلى الغيابات الطويلة والمتكررة للبعض، لم لا يتمتع الجزائريون بطول النفس؟
هناك أسباب موضوعية تقف وراء قلة نشاط المدونات الجزائرية عموما، ربما أهم هذه الأسباب قلة انتشار الانثرنت بالجزائر مقارنة مع دول عربية أخرى، فالمدون الذي يشتغل على مدونته من محلات لا يمكنه أن يواظب على تحديث مدونته بشكل يومي، كما انه قد يضطر للانسحاب لفترات قد تطول، هذا سبب، وهناك سبب آخر مرتبط بإجابتي عن سؤالك السابق، وهي ابتعاد المدونات الجزائرية عن مجالات الكتابة السجالية المرتبطة بالسياسة والتي تقتضي متابعة دائمة للمستجدات والكتابة عنها، طول النفس التي تحدثت عنه في سؤالك يكون أينما تكون هناك قضية تستدعي متابعة يومية، ولا أظن أن هذا الأمر ضروري بالنسبة للمدونات الأدبية مثلا.
كيف ترى سقف الحريات في الدول العربية، وما رأيك بالاعتقالات والممارسات التي تطال بعض المدونين العرب؟
رغم التضييقات التي تمارسها الكثير من الحكومات العربية على المدونين، فإن سقف الحرية المتاح عال نسبيا مقارنة بوسائل الإعلام والنشر الكلاسيكية، ولكن التضييق على حرية الفكر لا يأتي من الحكومات فقط، إنما يأتي أيضا من طرف المدونين ضد بعضهم البعض، فنحن نجد ظوهر غير صحية تنتشر عبر المدونات، مثال الوصاية التي يسعى البعض لفرضها على البعض الآخر، ومحاولة التدخل في توجيه الكتابات التدوينية نحو مواضيع معينة وبطرائق معينة، فمثلا حين تكتب مدونة موضوعا يقارب الجسد والرغبة التي تحسها كامرأة فإننا غالبا نجد هجوما وتجريحا من طرف الكثير من المدونين ضدها، نفس الأمر نجده فيما يخص المدونات التي تتناول مواضيع دينية وسياسية برؤية مغايرة لا تعبر في النهاية سوى عن رأي صاحبها، فالخروج عن الإجماع عادة ما يحضى بتنديد وتهجم الكثيرين، وهذا الاعتداء على الحق في الاختلاف يهدد حرية الرأي والاعتقاد ويجعل الكثير من المدونين يمارسون رقابة ذاتية على أنفسهم قبل أن ينشروا أي موضوع.
الحرية كل متكامل، ومصادرة حرية الآخرين في مجال التدوين تأتي من طرف المدونين أنفسهم أكثر مما تأتي من طرف الحكومات العربية التي لا يزال تدخلها القمعي ضد بعض المدونين محدودا، رغم انه الأكثر بروزا بسبب تسليط الضوء عليه وتجاهل باقي أنواع التضييق على الحرية.
تفاعل المدونين مع الأحداث العربية والعالمية يخضع لعدة عوامل،أهمها العاطفية الشديدة،ما رأيك بالحراك التدويني العربي إبان حرب غزة الأخيرة؟
للأسف جل المدونات العربية تتفاعل بحماسة كبيرة مع الأحداث الوطنية والدولية وتكتفي بالصراخ والعويل وخطابات التخوين للحكام العرب الذين تنسب لهم كل المآسي التي تقع في العالم العربي، تفاعل المدونين العرب مع الأحداث الأخيرة في المنطقة العربية ولنأخذ مثال الحرب على غزة، كان تفاعلا عاطفيا رغم أنه شكل ملحمة تدوينية بشكل من الأشكال، حيث عبر الجميع وبدون استثناء عن تضامنهم مع غزة بطرق مختلفة، ولكنها طرق غير فعالة ومكتفية بالكلام، ما نستخلصه من تلك الهبة التدوينية رغم عاطفيتها وحماستها المفرطة، أنها أعطت صورة واضحة عن الشعور القومي العام لدى المدونين العرب، كما أنها كشفت عن وعي سياسي حتى لدى المدونين البعيدين كل البعد عن تناول المواضيع السياسية.
المدونون العرب ومن خلال تفاعلهم مع أحداث غزة حتى و إن ظلوا في مرحلة القول دون الانتقال لمرحلة الفعل، إلا أنهم مثلوا تكتل للإدانة الأخلاقية لإسرائيل من جهة وللحكام العرب المتواطئين من جهة ثانية، ولكن اعتقد أنه بإمكاننا فعل أكثر من ذلك لو كان هناك تنسيق اكبر بين المدونين، كلنا يتذكر اعتصام الرابع مايو بمصر والذي انطلق كفكرة بين شباب الفيس البوك وانتقل إلى الشارع يوم الرابع مايو الموافق لعيد ميلاد الرئيس مبارك، فالتنسيق بين المدونين كان يمكن أن يكون أكثر فاعلية من الإدانة الأخلاقية عبر كتابات حماسية، ولكن هذا لم يحدث أثناء العدوان على غزة.
تعليقات ومدونات النسخ لصق، أو المدونة المنتدى كما يسميها احجيوج، هل تشكل عبئا على محتوى التدوين العربي؟
طبعا، لأنها تعمل على تسطيح محتوى التدوين، وتجعل النقاشات في الحد الأدنى من التفاعل، فإذا اعتبرنا أن التفاعل بين المدونين يمثل الخاصية الأبرز التي تفصل المدونات عن باقي الفضاءات المتاحة لمستخدمي الانترنت للتعبير عن أفكارهم ورؤاهم، فتعليقات القص واللصق تجرد المدونات من هذه الخاصة.
ما رأيك في نوعية الخدمات التي تقدمها شركات الاستضافة المجانية؟
في معظمها مقبولة، أنا لدي مدونة بموقع مكتوب وأخرى بموقع بلوجر، أجد نوعية الخدمة مقبولة، طبعا قياسا بمجانيتها.
مكتوب بيع لياهو وإدارة مكتوب تكتمت على بنود وقيمة الصفقة،هل هذا تماهي مع سلوكيات الإدارة العربية؟
طبعا هو كذلك، فتكتم إدارة مكتوب عن إعلان تفاصيل الصفقة هو تصرف لا يمكن تفسيره بغير خصوصيات العقلية العربية، ولكني استغرب أن تقوم ياهو بنفس الأمر، فياهو شركة عملاقة وأسهمها عبر البورصة يمكن أن تتأثر بهكذا صفقة سواء بشكل سلبي أو ايجابي، ومن واجبها أن تكون شفافة في تعاملاتها حفاظا على موقعها، اعتقد أن كل من يقترب من العرب ويتعامل معهم يصاب بعدوى التسيير العربي السيئ والبعيد عن الشفافية.
أدب المدونات ظاهرة انتشرا بشكل كبير،هل تبشر بجيل جديد من الكتاب ،وهل هزت عرش الأدباء الكبار؟
لا، لم يصل الأمر إلى هذا الحد، رغم أن بعض الأقلام التدوينية تعد بالكثير في مجالات كالشعر والقصة، ولكن الانتاجات التدوينية في مجال الأدب تظل مجهولة أو متجاهلة بعبارة أخرى، لأن الإنتاج الأدبي لا يتبع عادة بإنتاج نقدي حول المنتوج الأدب، وأنت تعلم أن النقد ضروري لإضاءة أي نص أدبي، وبما أن أدب المدونات متجاهل نقديا، فهو ورغم آلاف القراءات ومئات التعليقات التي تحضا بها بعض النصوص، يظل أدبا هامشيا وغير قادر على منافسة الأدب المنشور بالطرق الكلاسيكية، في الوقت الراهن على الأقل.
بعض من المدونين تخطوا حاجز النشر الالكتروني إلى النشر الورقي، هل هذا طموح ناجح، بحث عن الشهرة، طريق للكسب المباشر؟
باختصار، أرى أن الانتقال من مجال النشر الالكتروني إلى مجال النشر الورقي واقتحام الحقل الثقافي بمفهومه الكلاسيكي، هو طموح مشروع لكل مدون يرى في نفسه القدرة على المنافسة في مجال شديد الفرز، فالتواجد داخل الحقل الأدبي من خلال اصدارات في السوق، يمكن أن يساهم في دفع الكاتب إلى مجال الشهرة الواسعة والكسب والمكانة الأدبية، كما أنه يمكن أن يصدمه التهميش الذي يلقاه، طبعا هناك عدة اعتبارات أهمها جودة المكتوب، بالإضافة لاعتبارات أخرى كالعلاقات الشخصية داخل الوسط الثقافي.
بأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار نجد أن غالبية المدونين الذين ولجوا عالم النشر الورقي لم يستطيعوا فرض أنفسهم بشكل فعال، أو بعبارة أخرى اكتشفوا حين وضعت كتبهم على رفوف المكتبات أنهم مشهورين افتراضيا لا غير، يمكن ذكر المثال الأبرز لانتقال المدونين لعالم النشر الورقي، المدونة المصرية غادة عبد العال صاحبة مدونة “عايزة اتجوز”، رغم أن كتابها حضي باهتمام إعلامي كبير ورغم كونها واحدة من ابرز المدونين العرب، إلا أنها لم تستطع فرض نفسها بين كتاب مصر، لأنها ظلت مجهولة في مجال النقد الأكاديمي، كما أنها مجهولة وبنسبة كبيرة خارج مجال شباب الفيس بوك والمدونات.
هذه إشكالية عويصة نعانيها نحن المدونون حين نفكر في الانتقال من مجال التدوين إلى مجال الكتابة والنشر الورقي، لأن شروط المكتوب عبر المدونة مختلف تماما عن شروط المكتوب المعد للنشر الورقي،عادة ما ننشره عبر مدوناتنا يكون مختصرا ومعدا لقارئ عجول لا يقضي أكثر من خمس دقائق أمام نفس الصفحة، في حين أن المكتوب المعد للنشر الورقي يستدعي عادة عمقا اكبر وتوسعا في تناول الموضوع، والأهم من هذا تطعيمه بعناصر تجعله قابلا لأن يقرأ بعد عقد من الزمن وأكثر، أي الاشتغال على الأسلوب بشكل جاد حتى لو كان الموضوع يتناول قضية راهنة قد تفقد جاذبيتها لاحقا.
تعاقدت مع ناشر على كتاب انطولوجيا التدوين، وتعكف على إنهاء روايتك التي عاشت معك عشر سنوات،متى ستخرج هذه المشروعات إلى النور؟
للتصحيح لم أتعاقد مع ناشر على نشر الكتاب، إنما اقترحت عليه فكرة الكتاب ورحب بها لا غير، فمجال النشر عندنا لا يسمح لكاتب مبتدئ بالتعاقد على كتاب لم ير النور بعد، هذه ميزة يتمتع بها الكتاب الكبار فقط، أما بالنسبة للرواية التي كتبت جزءا منها دون أن أكملها لحد الآن فهي مشروع لا أدري بالضبط متى يكتمل، اعتقد أنني كسول أكثر من اللزوم، ولكن مشروع كتاب انطولوجيا التدوين في الجزائر هو المشروع الأكثر إلحاحا بالنسبة لي في الوقت الراهن، وهناك مشاريع أخرى كلها بالانتظار والرجاء أن تتحقق في اقرب وقت.
في كليمات، ماذا تعني لك هذه المجالات:تدوين، أدب، وسينما؟
تدوين: أفق مفتوح على الحرية والتغيير، أدب: مجال لمعرفة الجوهر العميق في الإنسان، سينما: إبهار الصورة في تعبيرها عن عمق الفكرة.
هذه الشخصيات: مالك حداد، كارل ماركس ،ومنتظر الزيدي؟
مالك حداد: كاتب جعل من حياته قصيدة من الشعر الخالص، كارل ماركس: نبل الفكرة التي انحرفت حين نزلت للواقع، منتظر الزيدي: دخول التاريخ لا يحتاج لبطولات كبيرة تكفي رمية حذاء في وقت استثنائي لنصير أبطالا محمولين في قلوب الملايين.
وهذه الكلمات:وحدة عربية، إسلام، علمانية؟
الوحدة العربية: حلم لن يتحقق بالشكل الذي أراده مجانين القومية والوحدة، لأنها مجرد رابط وجداني، الإسلام: ملاذ الباحثين عن سكينة الروح، العلمانية: كانت ولا تزال ضحية الفهم الخاطئ لها من طرف المدافعين عنها والناقدين لها.
بدون مجاملات ولا حساسيات:ما هي برأيك أحسن مدونة جزائرية، أحسن مدونة عربية، أحسن موقع، وأحسن قناة؟
أحسن مدونة جزائرية هي مدونة مجلة التدوين للمدون توفيق التلمساني، أحسن مدونة عربية هي مدونة البنات بتتكلم عربي، للمدون محمد الشرقاوي، أحسن موقع عربي هو موقع مكتوب رغم كل ما قيل ويقال عنه، أحسن قناة هي قناة الجزيرة، طبعها هذا حكم نسبي يخصني أو هو رأيي الشخصي لا غير.
مسك ختام
مسك الختام شكر وسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ أيضا:

هل نحن بصدد مرحلة تدوينية جديدة؟!


طرح المدون محمد الشرقاوي موضوع حول أفاق التدوين العربي، كان سؤاله الرئيسي هو: هل نجرؤ على إعلان نهاية حقبة من التدوين باللغة العربية؟!.
ولكن قبل الإجابة بالتأكيد أو النفي على السؤال المطروح، يمكن أن نبدأ بطرح سؤال آخر أراه أكثر إلحاحا قبل فتح المجال للحديث عن مرحلة تديوينة جديدة لم تتضح معالمها بعد. والسؤال يمكن صياغته بالشكل التالي:
هل يمكن الحديث عن تدوين عربي قوي وفعال عبر مواقع عربية وبأقلام عربية؟.
السؤال الأول يبدو سابقا لأوانه نتيجة حداثة التجربة التدوينية العربية ولكن بالنظر للتراكم التدويني الحاصل منذ سنوات قليلة سنجد أنفسنا أمام إجابة تحيل على النفي بالنسبة لكلا السؤالين، ولكن قبل النفي وتسفيه إنجازات المدونين العرب عبر موقع مكتوب مثلا لنجب على سؤال: ما هو التدوين؟.
لنبدأ التعريف بالسلب، التدوين هو فضفضة وهو في الغالب شغل نسوان فاضية أي هو عمل تشهير بالذات وبالآخر وإعطاء مشروعية للغيبة والنميمة بجعها قضية رأي عام وطرحها للنقاش، بتعريف آخر أقل تحاملا، التدوين مجال للبوح بالخصوصيات ومجال خصب للفاشلين والمغمورين حتى يكونوا فرسان ونجوم العالم الافتراضي في القارة السابعة (الأنثرنث).التدوين تحقيق لبعض أحلام الطفولة بأن نكون كتابا مشهورين وصحفيين أحرار جدا في التنديد والرفض والشجب والاعتراض على كل ما يمت للحكومة بصلة ( ومعارضة الحكومات العربية هو جل ما يفعله المدونون العرب عبر مدوناتهم).بهذه المعاني السلبية التدوين عمل من لا عمل له ومضيعة للوقت والجهد.
ولكن لنعرفه بالإيجاب: التدوين فضاء إبداعي ومجال تواصل لتنمية القدرات المعرفية للمدونين فضاء حر يمكننا من النقد البناء بغية التغيير، إنه فضاء حر ، ديمقراطي، تفاعلي وفعال، وهو فضاء طبيعي لوجود المباح من القول، ولكنه
( وهذا هو الأهم ) مجال خصب لانوجاد المستباح والممنوع والمسكوت عنه، فنتيجة الحرية شبه المطلقة التي يتمتع بها المدونون وهم يعبرون عن أفكارهم، صار ممكنا أن نقرأ عبر المدونات مواضيع ضلت لوقت طويل ضمن الطابو الديني والسياسي، وحتى الطابو الجنسي، رغم أن هذا الأخير قد استبيح وتم تجاوزه عبر مجالات الكتابة الأخرى عن طريق الوسائل التي توصف اليوم بأنها تقليدية.
المدونون استطاعوا مزاحمة الصحافة الورقية، صاروا مصدر ثقة الناس لأنهم من الناس وإليهم؛ فدون شعارية مقيتة يقدم المدونون أخبار، معارف وتحليلات، يقدمون أيضا إبداعا مغايرا لما هو متداول ويساهمون في صياغة رموز اجتماعية وفي تشكيل رأي عام قوي.إنهم يفعلون ذلك بالمجان وبحرية تفتقدها وسائل الإعلام التقليدية رسمية وخاصة، لأن تلك الوسائل التقليدية مرتبطة بمصالح فئوية وطبقية مما يجعل المتلقي يشكك في نزاهتها، ويجعل النزاهة في صف المدونين رغم أنهم بشر، ملائكة وشياطين ولهم مصالحهم التي يسعون لتحقيقها، ولكن مصالحهم فردية أساسا وبالتالي فهي إن لم تحض بالقبول الجماهيري فلن تثير عداءه على الأقل.
هنا يبدو للتدوين دور خطير وفعال لم يتبلور في الفضاء العربي بشكل كافي ولكنه في طريقه نحو التبلور الذي سيجعل من جموع المدونين كأفراد وكحركة تدوينية وليس كتنظيمات تهيكلهم تديوينيا قوة رمزية كبيرة، وقوة نقد أخلاقية اتجاه التجاوزات الحاصلة في كل العالم. إنهم في طريقهم ليكونوا محكمة عالمية ذات قرارات وأحكام غير ملزمة ولكنها قوية الحضور والتأثير.
ولكن التدوين العربي لم يتجاوز بعد رغم مئات آلاف المدونات مرحلة الإرهاص بكل هذا، إنه يحبو ويشاكس عبر المواقع العربية كمكتوب ويسفر عن نوايا سيئة اتجاه السلطة ( سياسية ودينية ) عبر مواقع الاستضافة غير العربية، أصابع المدونين بدأت تحترق نتيجة جرأتهم في الرفض والنقد دون أن يتمكنوا من جعل رفضهم ذو مقابل اجتماعي ملموس.
المدونون العرب يناضلون عن طريق الكتابة، وهذه هي المرحلة الأولى الجنينية للتدوين العربي التي استمرت طويلا، فالتدوين صار يعني بشكل ما فعل الكتابة والانتقال نحو مرحلة أخرى من مراحل التدوين العربي تحيل على أثر الكتابة، وهي مرحلة تخبر عن مقدماتها دون أن يكون لها حضور محدد الملامح.
لا يزال الوقت مبكرا للإعلان عن نهاية حقبة من التدوين باللغة العربية لأن التاريخ المتسارع من حولنا يسير ببطء بالنسبة لنا، حيث يتباطأ التطور المفترض في طرائق التعبير وفي الممارسة التدوينية كفعل لا يهدف فقط لمجرد ممارسة هواية الكتابة، أنما الهدف الأقصى للتدوين هو جعل الكتابة التدوينية مساهمة في صياغة الواقع الاجتماعي والسياسي لمجتمعاتنا، وهذا نوع غائب من الوعي لدى غالبية المدونين العرب، وبالتالي فالقدرة على الخروج من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي لم تتح بعد للتدوين العربي، وهذا ما يجعلنا نراوح مكاننا، إننا نتقدم نحو مرحلة أخرى من التدوين العربي ببطء شديد.

الجمعة، سبتمبر 18، 2009

سيد قطب: العراب ؟!.

سيد قطب، تلميذ العقاد وواحد من أشد المتشيعين له ولأدبه وأفكاره وتوجهاته في النقد، والشاعر الذي سفه شعره بنفسه لاحقا واعتبر ما كتبه من قصائد " مجرد أبيات ساذجة لم تسلم من الخطأ اللغوي "، والقاص الذي اعترف بصعوبة فن القصة، والناقد المنحاز للواقعية الاشتراكية، سيد قطب " الماركسي" في كتابه "معركة الإسلام والرأسمالية"، والمفسر في عمله الموسوعي، الجاد، العميق والضخم " في ظلال القرآن".
" طفل من القرية"، كما عنون سيرته الذاتية التي كتبها قبل رحيله/ إعدامه بعشرين سنة، بعد أن ذاق مرارة السجون كثيرا، قرية موشا، اللائذة بصعيد مصر قريبا من أسوان، الصعيد الذي قال عنه ايجلوود بأنه ينتج رجالا لا يضارعهم أحد في قدرتهم على الاحتمال.
فهل كان سيد قطب واحدا من هؤلاء الرجال ذووا القدرة الفائقة على الاحتمال، هو الذي اضطرته الدرب التي اختارها لنفسه في آخر مشواره الفكري والحياتي أن يحتمل الكثير، بداية من دخوله سجن طرة ووصولا إلى لحظة إعدامه يوم 26 أوت 1966.
ابن قرية موشا المنحدر من عائلة ذات أصول هندية، الذي سطع نجمه بالقاهرة التي كانت لحظة وصوله إليها في عشرينيات القرن الماضي كلوحة فسيفساء، مدينة كوسموبوليتية، حاملة لهم ووهم النهضة العربية وعائشة على ذكرى الأفغاني ومحمد عبده والمصلحين الكبار الذي حطوا الرحال بها هربا من ضيق أرضهم وبلادهم بهم وبأفكارهم، قاهرة ثورة 1919 التي وصفها باتريك جديس بأنها " دراما مستمرة عبر الوقت "، وقد عاش سيد قطب في خضم تلك الدراما داخل فوضى الأفكار التي آمن بها زمنا وتنكر لها لاحقا، هو الذي ارتحل كثيرا داخل ذاته وداخل معارف زمانه المختلفة ( أدب، نقد، فكر إسلامي ).
سيد قطب الكاتب الذي أسس ( رفقة أبو الأعلى المودوي وأبو الحسن الندوي ) لفكرة الجهاد ضد "جاهلية القرن العشرين " وأهلها، هو الخارج من الصعيد ليصنع مصير آلاف المهمشين من "خوارج الأزمنة الحديثة" المسكونين بيوتوبيا الدولة الإسلامية القائمة على أساس حكم الله في الأرض، فهو الذي سعى من خلال خطابه الفكري حول المنهج الإسلامي إلى إعادة خلق العالم وفق النموذج الإلهي.
سيد قطب الذي لا نذكره نحن الجيل الذي لم يزامن أفكاره سوى كواحد من ابرز المنظرين للفكر الجهادي في الوطن العربي، ولا نذكر من كتبه – بالكاد- سوى كتابه الأبرز إعلاميا، والأقل عمقا وأصالة من الناحية الفكرية: "معالم في الطريق" الذي أراد " أن تعرف من خلاله الجماعة – المسلمة- طبيعة دورها وحقيقة وظيفتها...كما تعرف طبيعة موقفها من الجاهلية الضاربة الأطناب في الأرض جميعها ".
ولد سيد قطب ذو الأصل الهندي سنة 1906، وهي نفسها سنة مولد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التي ستحتوي سيد بعد عودته من أمريكا، والتي ستكون أفكارها السياسية رافدا مهما من روافد الفكر " التكفيري " عند سيد قطب، فهو الذي سعى ( كما سعى حسن البنا ) من خلال، وعبر خطابه الفكري إلى التأسيس لحكم الله في الأرض، مما جعل مقولاته الأساسية حول " الحاكمية"، "الجاهلية"، "الجماعة" تستدعي فائض الجدل حولها، وفائض الحماسة في تقبلها والعمل بمقتضاها لدى أنصاره الذين توالدوا فرقا وجماعات بعد موته/ إعدامه، وفي رفضها من طرف الذين حملوا قطب وخطابه " التكفيري" للمجتمع وزر بروز الجماعات الإسلامية الراديكالية، التي سعت، وعبر توظيف الكثير من العنف إلى إسقاط الأنظمة العربية في كل من مصر، الجزائر، سوريا، ليبيا، تونس...الخ.
ونحن نستحضر سيد قطب، هل نكون منصفين له حين نتجاهل كل ارثه " الفكري والإبداعي"، ونختصره في شخص عراب دعاة التكفير الذين وضعوا مجتمعاتهم، وأتباعهم الموعودين بالحور العين على أبواب جهنم ؟!.

الخميس، سبتمبر 10، 2009

الأدب والمؤسسة الأدبية

حين يتحول الأدب من حالة بوح ذاتي يمارسه مجانين الكتابة إلى مؤسسة، أو بعبارة أدق حين يخضع لمؤسسات صناعة الأدب وما تفرضه من شروط، يتجرد هذا الأدب من ادبيته وصدقه في غالب الأحيان.
فدور النشر ووكلاء التوزيع و الجوائز الأدبية والصحافة والنقد، كلها عوامل حين يضعها الأديب في حسبانه يفقد شيء من أصالته ويذهل عن تحويل المعاني الملقاة على قارعة الطريق بتعبير الجاحظ، إلى بناء فني يستبطن جوهر الإنسان والمجتمع ويعبر عنه.
عندنا في العالم العربي نلحظ هجرة جماعية للقراء، الذين صاروا يرغبون عن الأدب، لأنهم لا يجدون فيه ذواتهم المثقلة بأسئلة لا "أجوبة أدبية" لها.
لهذا نجد أنفسنا في حالات كثيرة ونحن نطالع من تصدره المطابع ودور النشر أمام بؤس المنتوج الأدبي العربي، الذي لم يعد يقرأ إلا على نطاق ضيق للغاية.
والسبب :الأديب والمؤسسات التي لها علاقة بالأدب

المثقف في عنق الزجاجة



يصف الفيلسوف الألماني لودفيغ فتجنشتين المثقف الواقع في أزمة تشل فاعليته وقدرته على المبادرة بفعل يغير واقعه وواقع أمته، بذبابة وقعت فجأة في قعر قنينة، ولم تستطع الخروج منها فظلت تدور على نفسها عبثا، آلاف المرات، محاولة النفاذ من عنق الزجاجة، ولكنها فجأة وعبر انطلاقة واحدة ناجحة، استطاعت تجنب الاصطدام بجدران القنينة الصماء، والنفاذ من فوهة القنينة بنجاح.
إذا كان المثقّف هو الذبابة، فالقنينة هي الثّقافة الغربيّة، والانطلاقة النّاجحة هي ما تعيشه هذه الثقافة من ثراء، وما تمارسه من إغراء على الثّقافات الأخرى.
الثقافة الأوروبية لم تنبثق هكذا من العدم إنها نتيجة مخاض عسير وآلاف المحاولات الرامية للانبثاق، والإنعتاق من حالة القصور التي لازمتها زمنا، وتشبيه فتجينشتين هنا للمثقف بالذبابة العالقة في قارورة هو تشبيه بليغ للغايةفالانطلاقة الموفقة وإدراك المقاصد التي بنى عليها العقل الأوروبي رهاناته كانت وراء هذه الانطلاقة الموفقة
بالنسبة للمرحلة الأولى التي حررت العقل الأوروبي من سيطرة الفهم الكنسي للدين المسيحي، كانت بداية، لكنها لم تكن بداية قادرة لوحدها على نقل العقل الأوروبي لمرحلة الفعالية القصوى التي يتمتع بها الآن والتي حولته لعقل يحمل ثقافة عالمية قادرة على أن تمثل نموذج يحتدى، فكانت المرحلة الثانية وهي مرحلة التنوير التي افتتحها ديكارت بمقال المنهج الذي مثل نقلة نوعية لا توصف في نظرة الإنسان الأوروبي لذاته وللعالم.
التنوير بحسب ديكارث هو تخلص الإنسان من حالة القصور لهذا فهو يعرفه على انه :"خروج الإنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول عن وجوده فيها. والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر (عند الإنسان) خارج قيادة الآخرين. والإنسان (القاصر) مسؤول عن قصوره لأن العلة ليست في غياب الفكر، وإنما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته، دون قيادة الآخرين" . لتكن لك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك: ذلك هو شعار عصر التنوير
وهذا الوعي بضرورة تجاوز مرحلة القصور هو الذي مكن العقل الأوروبي من التخلص من حالة القصور أي تجاوز الشرط الديني الذي لم تستطع المرحلة الأولى لنهضة العقل الأوروبي، مرحلة لوثر وكالفين أن تتجاوزها بجدارة رغم أنها مهدت الطريق لهذا التجاوز.
حين نطرح قضية تجاوز المشروطية الدينية على المثقف العربيالمبهور بثقافة الغرب وأنواره ماذا نجد؟.!
نجد هذا المثقف بالرغم من ادعاءه انه قادر على الاحتكام للعقل وحده عاجز في لا وعيه عن تجاوز هذه الحالة التي يفرضها تاريخ بأكمله من العلاقة المشتبكة بين العقل والدين وبين العلم (بمفهومه الفقهي) والثقافةفمفهوم المثقف في مجال التداول العربي مفهوم حديث وحين نعود لأصله نجده يقترب من مفهوم الفقيه، فالمثقف العربي هو سليل الفقيه بنفس القدر الذي يعني العلم في اللغة العربية القديمة العلم الشرعي وتحديدا علم الحديث.

إذن، هناك مفاهيم جديدة وردت علينا دون أن نهيئ لها المناخ المناسب للتعبير عن نفسا بحرية وبعيدا عن الإرث الماضوي، ولهذا عجزت مشاريع العلمنة في العالم العربي مثلما عجزت مشاريع النهضة، لأن العقل العربي هو عقل يهوى حرق المراحل والقفز من حال إلى حال دون تهيئة الظروف الذهنية والاجتماعية لهذا الانتقال، ومن ثم يكون الانتقال قفزة غير مدروسة في الهواء، فنعود دوما لنقطة البداية.
في السبعينات وقبلها بقليل وحتى أواخر الثمانينات كان العقل العربي ( نتيجة هيمنة اليسار العلماني على الحقل الثقافي ) يعتقد بسذاجة انه تجاوز مرحلة الاحتكام للبنى والقيم اللاهوتية، وأن المجتمع يسير نحو تبنى القيم العلمانية التي تفرض نفسها عليه بفعل الاحتكاك بالغرب وبفعل التثاقف وبفعل تأثير التقنية الوافدة على ديارنا حاملة معها ثقافتها وقيمها العلمانية والعلمية. ولكن لم تمضي عشرية على هيمنة هذا الاعتقاد حتى احتلت القوى الدينية الشارع والوجدان ووسائل الإعلام في أكثر من قطر عربي حاملة معها مشاريع الدولة الإسلامية التي صيغت في مرحلة اضطهاد لتيارات الإسلام السياسي ( سيد قطب كمثال ) فارضة واقعا جديدا طرد المثقف العلماني وخياراته جميعها للهامش وجعله يناضل من اجل استرداد قيم ظن انه كسبها بشكل نهائي.
تكمن أزمة المثقف العربي في كونه لم يستطع أن ينطلق تلك الانطلاقة الموفقة التي تخرجه من عنق الزجاجة بشكل نهائي، لأنه لم يهيئ ظروف الانطلاقة، فقرنين من الزمن هما عمر التثاقف الذي حصل مع الغرب وهما عمر محاولات النهضة، لم تكن نتيجتهما سوى دوران داخل نفس الرقعة وداخل نفس الزجاجة
لأننا عجزنا كنخب فكرية على تركيز أهدافنا والسعي إليها بثبات وإرادة وفاعلية تمكننا نحن أيضا من تحقيق انطلاقتنا الموفقة.
ولا اعتقد أن ما ينسب لغلق باب الاجتهاد من أسباب في الجمود الفكري الذي نعيشه في واقعنا وديارنا هو السبب الرئيس وراء فشل انطلاقتنا الفكرية التي بدأت مع عصر النهضة، لأن إغلاق باب الاجتهاد يقتصر عند جل المتمسكين بهذه الحجة على المجال الديني، ففي نظر النخبة العربية، الاجتهاد مرتبط أساسا بالنص الديني، مع أن الاجتهاد أوسع بكثير من هذا الفهم الضيق الذي يسوق الآن على أساس أنه السبب الرئيسي في حالة الجمود والتقليد التي يعيشها العقل العربي.

السبت، سبتمبر 05، 2009

الشفهي أو ما قبل المكتوب

يمثل الشفهي بداهة القول والفكرة، هو استجابة لما هو آني بانفعالية في الغالب وحماسة حين يتطلب الأمر ذلك، هو نحن بعيدا عن تعقيدات النظري والتجريدي الذي يتكأ على المكتوب، أي نحن في ملامستها للواقع في أشكاله الأكثر بساطة والأكثر تفاعلية وحميمية، ميزة المشافهة هي تلك التفاعلية المباشرة التي يفتقدها المكتوب أو بعبارة اصح لا يرقى لمستواها.التفاعلية تعني سرعة الاستجابة وقدرة الإنسان على التعبير عن انفعالاته ورغباته ومطامحه ورؤاه بحرية ودون خوف من رقيب أو محاسب، في لغتنا المتداولة شفاهة نسمح لأنفسنا بالنقد بشكل جدري لأن المشافهة تتيح لنا أن نكون أكثر صدقا مع ذواتنا، فالشفهي يقول ما نحسه اللحظة دون استحضار الماضي في تعقيداته، الماضي الذي يؤرق المكتوب ويجره للاشتغال عليه سواء بتقبله كما هو أو بنقده بغية التخلص من سطوته التي تهمين على كل مشروع فكري يلامس الكتابة أو يشتغل عليها.قدرة المكتوب حين يكون صاحبه مثقفا جمعيا تتجلى في استنطاق الشفهي واستحضاره في لحظة استجابة لشروط انوجاد المكتوب التي تعني أكثر ما تعني القدرة على التأمل والنقد العميق الذي يتجاوز الأفكار الجاهزة والمغلوطة المزروعة فينا والآتية من الماضي، الماضي الذي لم نساهم نحن في صناعته، ولكنه يظل قادرا على التحكم فينا بشكل ناعم لا نحس وطأته علينا ولا نكتشف استراتجياته في توجيه تجليات الفكر النخبوي أي مشروع الثقافة النخبوية العالمة التي تتكأ على المكتوب، سوى عن طريق عملية النقدحرية الشفهي في مقابل رقابة المكتوب سواء الذاتية أو الموضوعية التي تفرضها مؤسسات معينة . هو المزح أو التوليف الذي يبتغيه المثقف الجمعي في مشروعه الفكري الذي يسعى لخلق يوتوبيات جماعية تستنهض الجماهيري / الشفهي، والنخبوي/ المكتوب في سعيه إلى بلورة مشروع مجتمعي يكون فكري يتكأ على المكتوب يكون المثقف الجمعي قائده وصانع رؤاه البعيدة التي تروم المستقبل بنقد الماضي في صياغة نظرية هي استجابة لتحديات اللحظة التاريخية في اتصالها وانفصالها مع ماضيها
الشفهي مرجع، والمكتوب مشروع ثقافي وحضاري، حين يتسم بالعمق الضروري لنجاح اليوتيوبيات الجماعية يكون قادرا على استلهام الشفهي ليس بغية الاستسلام له ولبساطته وانفعاليته المفرطة، وإنما بغية تجاوزه عن طريق إقامة قطيعة معرفية هي ضرورية جدا لبلوغ إي مشروع فكري مداه المرجو
إذن فالعلاقة تكاملية وهذا التكامل يكون ممكنا فقط حين يوجد المثقف الجمعي القادر على إدراك هذه العلاقة التكاملية والاشتغال عليها بعمق بعيدا عن النرجسية المفرطة التي تعزل الثقافة النخبوية في جزر بعيدة عن العوام وثقافتهم الشفهية المكتفية بحيوية اليومي وهمومه.

عن العشق والسياسة

حين نتحدث عن العشق بمقاربة مغايرة، عشق المرأة مقابل عشق السلطة، وحين تصير السلطة امرأة معرضة للسبي والاغتصاب ولامتلاك قلبها وجسدها حبا أو غصبا، نكون بصدد حالة عشق شبقية مقاربة في أسلوب عملها وإستراتجيتها لآليات عمل الفعل السياسي الهادف للوصول إلى السلطة بأية طريقة، بالاختطاف / السبي، أو بالاختيار الحر للشعب / الحب والرضا.
وبما أن الدارج في العالم العربي والإسلامي أن السلطة تؤخذ غلابا كما كانت تؤخذ العذراوات غلابا بالسبي والاغتصاب أثناء الغزو الذي كان يمثل مصدر رزق الكثير من القبائل العربية قديما.
فأن الحب ينكسر بهكذا مقاربة، ويفقد جوهره لأنه لا يؤخذ غلابا كما يؤخذ جسد المرأة وكما تؤخذ السلطة، وبالتالي فإن المعنى الإنساني للعلاقة العاطفية والجسدية بين الرجل والمرأة، والعلاقة الوجدانية بين الحاكم ( السلطة ) والمحكوم ( الشعب) لن تكون إلا علاقة متشنجة وحاملة لبذور الانفجار من الداخل، وفاقدة لأية شرعية ممكنة، لأنها تتجلى في كلتا الحالتين كحالة اغتصاب .
إذن فالاغتصاب وإن كان مرتبطا بالمرأة في المستوى الأدنى من الممارسات القمعية ضد أفراد المجتمع، فانه يكون مرتبط بالمجتمع كممارسة قمعية ضد هذا المجتمع برمته، حين تتسلط الدولة على المجتمع، وحين تقوم فئة واحدة متفردة بالسلطة باحتكار كل المجال السياسي وبتسيير تعسفي لباقي المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

الخميس، سبتمبر 03، 2009

مبدأ الشرعية الثورية وتأميم الدولة والمجتمع

منذ الخمسينيات وما قبلها نعيش على وهم القومية والشعرات التي لا تلتقي بالواقع، باسم القومية انتصرنا وبسببها أيضا انهزمنا، في البداية كان المد التحرري كبيرا وهو ما أتاح للعالم العربي تحقيق استقلال كل دوله، ولكن الذين حاربوا بالأمس المستعمر استولوا على الدولة وأمموا المجتمع والدولة لصالحهم، لقد احتكروا السلطة باسم مشروعيات مختلفة ليرموا بكل المواطنين في الزوايا الضيقة والمعتمة
تلك العصب السلطوية التي اختطفت الاستقلال والدولة معه جردت الفكرة ( فكرة القومية ومعها فكرة الوطنية ) من وهجها وحولتها لشعار يلصق أعلى بوابات الهيئات الرسمية، لتكون تلك الشعرات سببعا في انطفاء جذوة الثورة ومعها رغبة الرقي والنهوض.
لنصل نحن جيل الهزائم والنكسات الذين ولدنا في أوطان مستقلة ومهانة إلى أن نكفر بكل الذين صورهم لنا التاريخ على أنهم أبطال الأمس، لأننا نراهم اليوم يختطفون السلطة والدولة والمجتمع والمال العام.
بوتفليقة واحد من هؤلاء الأبطال الذين حاربوا بالأمس ولكنهم وبعد تحقيق الاستقلال لم يستوعبوا جدلية التاريخ التي تقول بان الثورة حالة فورة وفوضى والدولة حالة نظام وتنظيم وعلى كل المتعاملين مع الثورة أن يغيروا حساباتهم حين ينتقلون لمرحلة بناء الدولة لان هناك أشياء كثيرة مستجدة تفرضها قوة الأشياء ونواميس المجتمع.
هم لم يدركوا هذه الجدلية وبالتالي تعاملوا مع الدولة بمنطق الثوار الذين يصنفون العالم إلى صنفين مع أو ضد. والمع ينال الرضا والمكافئة والضد يرمى للجحيم ويحرم حتى من حقه في الحياة، وهذا المبدأ " الثوري جدا " هو الذي تتعامل به الأنظمة العربية مع كل المعارضين لها.

الثلاثاء، سبتمبر 01، 2009

الاتحادات التدوينية والسلطة السياسية


تسمية الاتحادات التدوينية شكلية وهي على شاكلة كل الاتحادات والتعاضديات وما إلى ذلك من التنظيمات الداعية للقولبة والمستمدة من النظام الاشتراكي الزائل والذي ترك آثاره عندنا ورحل، هي على شاكلة اتحادات الكتاب واتحادات الفلاحين واتحادات النساء وما إلى ذلك،الفرق، أن اتحادات المدونين هي اتحادات هلامية وافتراضية والأشخاص المنتمون إليها غالبا غير معروفين بأسمائهم الحقيقية كما أن الانخراط فيها غير ملزم بتاتا.
التسمية شكلية والتنظيم أيضا، فأن يجتمع عشرة مدونين جزائريين ويقرروا تأسيس اتحاد تدوين جزائري متجاهلين آلاف المدونين الجزائريين الذين يعتقدون يقينا أن التدوين عمل فردي لا جماعي، وهو مبني على أساس الحرية والالتزام الفردي، بمعنى أن العملية التدوينية تنوجد كرغبة لدى الأفراد المسكونين بالرغبة في "وجع الراس"، فالتدوين هو واحد من المجهودات التي نبدلها دون أن نحصل مقابلها على أجر.
أكيد سوف يطلق هؤلاء المدونين العشرة على تنظيمهم اسم: اتحاد المدونين
الجزائريين، وهؤلاء الذين يبادرون بتأسيس مثل هذه الاتحادات هم في الغالب أناس متسللون، يحبون التمظهر ويجيدون الاستيلاء على نجاحات الآخرين بالوصاية المعنوية عليهم مع أن هذه الوصاية هشة وغير ملزمة لكلا الطرفين سواء للمدونين غير المنخرطين أو لأعضاء الإتحاد.
والنتيجة أن أعضاء الاتحاد سوف يتفاوضون، لاحقا، وفي ظروف معينة مع هيئات غير تدوينية بغية تسويق دعم هش لهم، على أساس أنهم ممثلون لكتلة واسعة من " أصحاب الرأي"، وتكون هذه الجهة غير التدوينية غالبا هي السلطة ممثلة بإحدى مؤسساتها. رغم علم هذه الجهة / السلطة بلا تمثيلية الاتحاد للمدونين، غير أنها غالبا توافق على الدخول في اللعبة لأنها تهتم بالشكليات ولا يهمها من الاتحاد ومن كل المدونين مجتمعين سوى خبر في جريدة، أو برقية توردها وكالة الأنباء الرسمية عن دعم المدونين للمشروع الفلان
ي أو للشخص الفلاني، فالخارجين عن مجال التدوين لا يعرفون شيئا عن تمثيلية الاتحاد للمدونين وبالتالي فهم مستعدون بسبب جهلهم لواقع الحال لتصديق الخبر، والاقتناع بأن المدونين قد عبروا من خلال اتحادهم عن دعم أو رفض، وهي نقطة تحسب للحاصل على الدعم، صحيح أنها نقطة هشة ولكنها تساهم في حشد الدعم الذي تقدمه الأحزاب والجمعيات التي لا تمثل سوى المنتسبين إليها لسلطة فاقدة هي الأخرى لتمثيل شعبي حقيقي.
والنتيجة: سوف تحصل السلطة على نقطة إضافية وعلى تطبيل شبه مجاني أما أعضاء الاتحاد التدويني فقد يحصلون على بعض الامتيازات، أقلها أو أكثرها السماح لهم بنشر بعض خربشاتهم بجرائد حكومية، وطبع بعض ما يكتبون على نفقة الجهة الحاصلة على الدعم والتأييد، بمقابل إبقاء الباب مفتوحا لتسخير أعضاء الاتحاد التدويني – في حالة احتاجت السلطة لهم - للتشويش على أصوات المدونين المشاكسين الذي لا يعجبهم العجب ويرفضون التسليم للسلطة بما تقرره.
في حالة وقوع هذا اتفاق فعلي أو ضمني بين اتحاد مدونين وبين جهة معينة في السلطة وتصدي الاتحاد للقيام بحملة تطبيل لصالح خيارات السلطة سيجد المدونون الآخرون الذين يدركون أن الاتحاد لا يمثلهم، أنفسهم مجبرين على التدخل ورفض هذا الانحراف، رغم أنهم في حالات معينة غير معنيين بأمر الاتحاد بصفة مباشرة ( حينما يوقع الاتحاد عرائض المساندة باسم الاتحاد فقط، وليس باسم كل المدونين كما حدث مع النادي الجزائري للتدوين في الانتخابات الرئاسية الماضية) وتدخل هؤلاء المدونين سيكون رافضا لنقطتين:
الأولى: أن لا يتحدث الاتحاد باسمهم.
الثانية: سيدافعون عن حرية التعبير واستقلالية التدوين بصفة عامة ويرفضون الدخول في تفاوض مع السلطة تكون نتيجته التنازل عن شرط التدوين الأساسي وهو الحرية.

فلسطين حالة ابداعية


فلسطين حالة إبداعية، عنقاء تنبعث من رمادها كل حين أكثر وهجا وأكثر قدرة على قول: أنا هنا بامتدادي في التاريخ، أنا هنا في لحظات الانكسار حاملة لوعود الانتصار، أنا هنا وطن لجميع المحزونين في هاذي الأرض.
أرض فلسطين حالة إبداع إلهي، هي حاضنة الديانات التي تؤمن أن النبي محمد لم يكون إلا عربي بلغ رسالته لكل من يحمل في قلبه شجن المحبة والسلام.
فلسطين هي التي خلقت القصيدة / القضية، هي التي جعلت من الحجارة ومن غصن الزيتون رمزا لكل من يدافع عن أرض هي له بأمر من الله
الفلسطيني هو ذاك الحصان الطروادي المتسلل عبر تعرجات التاريخ نحو الآفاق التي تطاول المستقبل وتنغرس في الماضي وفي الأرض، هو التائه في العالم منفيا، لاجئا وسائحا لم ينسى أن رجلاه لا تزالان عالقتان في طين شوارع القدس.
فلسطين هي موسيقى السماء التي لا يعزفها سوى الأطفال المجانين، الذين ألهموا نزار أن يكتب للمجانين، هي درويش وهي ادوارد سعيد، هي فدوى طوقان وهي سميح القاسم وهي دلال المغربي.
هي كل ما لا نستطيع قوله الآن ونحن نعايش أقسى لحظات الانكسار في الزمن العربي المسكون بالضياع والأحزان، بعبارة أخرى هي كل ما لا يحق لنا قوله الآن.

مظفر النواب

هو مظفر النواب الذي حمحم بشجن المحرمات على امتداد رحلة الحنين إلى
" جسر المباهج القديمة "، في شعره إدانة لجميع الذين انبطحوا وغيروا جلودهم فقصيدته " القدس عروس عروبتكم " مثلت في تاريخ الشعر العربي المعاصر قمة الغضب الذي يمكن أن يصله شاعر ويعبر عنه بكل البذاءات التي لا يحتملها السمع.كان شيوعيا في زمن كانت الشيوعية موضة وهو المنحدر من أسرة ارستقراطية ، وحين انقلب الرفاق القدامى على مبادئهم ظل وفيا لذاته وللشعر وللغضب الذي يجعل الكلمات شهبا لرجم الذين باعوا الأحلام والوطن، كان متسكعا، صعلوكا وظل كما هو، رفيق المنافي والزنزانات الباردة، وصوت المتعبين، وهو الآن في طي الغياب، طي الترحال.ربما مات، ربما تحول لبائع لعب أطفال في شوارع دمشق القديمة، ليقول شعرا آخر للصغار الذين آمن بهم، وبأنهم وحدهم القادرين على محو عار " الندامى " ، هو الذي لم يكتب عبر مسيرته الشعرية الطويلة والمتذبذبة غير كلمات أرادها "رسائل حربية عاشقة"، فالحب والحرب كانا قضية حياته الجوهرية، أو قضيه شعره، مع أنه لا فرق بين شعر مظفر النواب وحياته.
مظفر النواب، الحامل لأرث الغضب العربي الممتد عميقا في التاريخ، أحبه وأحب صعلكته في شوارع بغداد ودمشق، كما استعذب غضبه وكلماته البذيئة جدا والصادقة جذا؛ ذلك الذي لا يقول أي شيء في الخفاء، لأنه شفاف وطاهر وصادق مع ذاته، ولا يهمه ما سيقوله عنه الآخرون الذين لم يخجل يوما في مصارحتهم بحقيقتهم العارية .

conter