الجمعة، يناير 30، 2015

الحب العربي الأصيل



الحب ليس هواية عربية ولا شرفا مدعى ولا بطولة تحكى للأجيال، إنه خطيئتنا التي نقترفها سرا، ونجاهر بها في حالات السكر التي تجرنا لشارع المحبوبة مكسوري القلب والخاطر نصرخ بكل ما فينا من جوع للحب الراحل وللمحبوب الذي توارى خلف نافذة غرفة مطفأة الأنوار ينظرنا ويسمعنا بتشفي أو بحزن بائس عاجز. إن الحب العربي نشوة وصرخة بين فخذي امرأة تعرت وقالت هيت لك، انه انحدار نحو جحيم الملذات وجنتها حيث حموضة العذاب وحلاوة المتعة ينسربان طعما لزحا بالحلق وفي العروق النافرة المستنفرة، إنه تيه وضلال ننكره في صحواتنا الاخلاقية ما استطعنا؛ بالرفض والتشنيع، فنحن الاطهار المتطهرون، والحب رذيلة لا نقترفها إلا سرا، حين نرمي العذار وحين ينزاح الإزار في عتمة الليل المهمل والمستثنى من رقابة منكر ونكير ، ومن رقابة جحيم اللاءات التي تكبر فينا كل صباح حين نلتقى الأصحاب على المقهى حيث تزدهر النميمة والمفاخرات الجوفاء بالشرف الرفيع..

إستعادة المدينة والانتقام منها


عمر قاتلاتو الرجلة فيلم فارق في تاريخ السينما الجزائرية لأنه حمل رؤيا انتقادية لسياسية الدولة التي فتحت المدن التي خلفها الأوروبيون أمام البدو وسكان الأرياف الذين حملوا قيمهم وثقافتهم للمدينة مشوهين تلك القيم التي حاولت التأقلم مع المدينة من جهة ومشوهين المدينة نفسها حين حاولوا إخضاعها لقيمهم، وهذا ما خلق وضعا متأزما ومستمر التأزم لحد الآن، حيث أننا نعيش في مدن بقيم ريفية، وقيم الريف هي قيم معادية لمعنى مديني صميم متمثل في المجال العام الذي هو ملكية مشتركة في أصل نشأته، لكنه وفي الحالة الجزائرية، ومثلها حالة الكثير من المدن العربية التي تمت استعادتها وطنيا برغبة ملحاحة في الانتقام من تاريخها الاستعماري ( الجزائر، القاهرة، الدار البيضاء )، تحول تحت ضغط تلك القيم الوافدة من فضاءات ريفية وبدوية إلى فضاء هجين ينوس بين الانفتاح والقدرة على استقبال كل جديد، وبين الانغلاق الذي يتهدده من طرف قيم المحافظة التي سعت وتسعى إلى خوصصته أخلاقيا عبر تصرفات معاديا لروحه كفضاء جامع، حيث السترة والعين الحارسة للجماعة التي تقمع الخروج عن القيم الأخلاقية، أو ما تتصورها كذلك عبر مراقبة السلوكيات بدافع أخلاقي ونشر ثقافة العيب القائمة على النواهي والأوامر. كل هذه الممارسات همشت ثقافة المدينة لصالح سلوكيات تدعي حراسة النبيل من القيم وتدافع عنها بيقين لا يقتصد في إيجاد المبررات الكافية لسلوكياته تلك، مما أعطى تلك الممارسات مشروعية بمرور الوقت، ومن ثمة صار مشروعا، بحكم الغلبة والعادة، وجود الثقافة والقيم البدوية داخل الفضاء المديني، مما شكل تشويها كبيرا في وجه وروح المدينة كثقافة وكسلوك وكقيم.

الخميس، يناير 29، 2015

الأبوية كسعي لفرض قولبة اجتماعية


تنشأ الأبوية كثقافة، ومن ثم كممارسة وسلوك اجتماعي وسياسي، من خلال سعي فرد من العائلة ( هو الأب غالبا) لإخضاع الجميع لقانونه/ رأيه الخاص، وهو نفس السعي الذي تقوم به الأنظمة الشمولية والديكثاثوريات على المستوى السياسي، مع امتداد فكرة الفرد لتشمل الجماعة/ العصبة المرتبطة من خلال تصور ايديولوجي / مصالح/ قرابة ... وكل ما يجعلها في خندق واحد إزاء المجتمع. يتمدد أكثر مفهوم الفرد ومفهوم الإخضاع بالنسبة للأنظمة التسطية ( كحالة النظام الجزائري )، حيث يصير الساعي إلى الإخضاع هو الجماعات ذات النفوذ والتي تتقاطع وتلتقي مصالحها على المستوى الأعلى، وتختلف وتتعارض على المستويات الدنيا، والتي تسعى لخلق قولبة إجتماعية هدفها الإخضاع ولكن بأدوات غير قمعية في الغالب كما في الأنظمة الديكثاثورية والشمولية، حيث تقوم تلك الجماعات النافذة والتي صارت تمتلك الدولة وتتحكم في مقدراتها الاقتصادية بشراء سكوت الأفراد والمجتمع عن الوضع الراهن من خلال عملية توزيع انتقائية للريع الذي تديره تلك الجماعات باسم الدولة، دون أن تنتظر أو تطلب من المجتمع الاقتناع والرضا بالوضع الراهن، فالهدف الأسمى والذي يضمن الاستمرارية لتلك الجماعات التي يصفها البعض نتيجة تداخل مصالحها الشديد وتراتبية علاقاتها بالعائلة، هو السلم الاجتماعي، أي إخماد الرفض الثوري للوضع الاجتماعي والسياسي الناتج عن هيمنة تلك الجماعات، التي يكون الكثير من النافذين فيها غير معروفين لعامة المواطنين، على الدولة، مع عمل أفراد تلك الجماعات المصلحية على إدارة التوترات الاجتماعية والسياسية موظفة شبكة علاقاتها المتغلغة في المجتمع، والتي أتاح لها الريع قوة تأثير رهيبة.

الاثنين، يناير 26، 2015

عن المكتبة والكتاب الفكري والمقروئية.


إنه واقع محزن يصعب التغلب عليه، ذلك الذي تعيشه المكتبات الخاصة في علاقتها بالكتاب الفكري والأدبي، لأن فتح مكتبة توفر الكتب الفكرية والأدبية والعلمية بشكل دوري أمر يحتاج إلى استثمار ضخم، في المقابل تكون مردوديته خاصة في السنوات الأولى ضعيفة بشكل يجعل منكل من يملك رأس مال يحجم عن فعل ذلك في ظل توفر بدائل كثيرة أكثر ربحية، في حين أن المكتبات الصغيرة التي لا تتيح امكانياتنا لصاحبها تجميد رأس مال معتبر لمدة طويلة نتيجة بطء دوران الكتاب المعرفي والعلمي مقارنة بباقي الكتب المدرسية وكتب الطبخ والكتب الدينية التي لا يزال لها مواسمها الخاصة، تلك المكتبات لا يمكن التعويل عليها في الانتقال بالمقروئية نحو وضع ينصف الكتاب الفكري والأدبي.
لو نلاحظ في كل الجزائر المكتبات التي لا تزال توفر الكتاب الفكري ولو بنسبة محدودة هي المكتبات العريقة والعتيقة التي اتخذت وضعا اعتباريا ورموزية في منطقتها بشكل جعل لها زبائن دائمون يمتدون على مناطق أوسع من مجالها الجغرافي، وهكذا مكتبات توجد غالبا في المدن الكبرى ( العاصمة، وهران، عنابة، تلمسان، قسنطينة، سطيف )، على اعتبار تلك الولايات تعتبر منطقة عبور من جهة وتتسم بحركية ثقافية أكبر من باقي الولايات مما يجعل المهتمين بالثقافة والمعرفة يقصدونها ويقصدون مكتباتها التي صارت ونتيجة عراقتها معروفة من لدن المهتمين، ويتم التوجيه إليه في حالة وجود باحث عن كتاب، هذه خاصية لا توجد لدينا في الولايات الصغيرة التي تشهد ركودا ثقافيا، ولما أقول ركود ثقافي لا اعني تلك المهراجات والتجمعات والندوات التي ترعاها مؤسسات الدولة (مديرية ودور الثقافة، الجامعة وخاصة كليات الآداب والعلوم الإنسانية، المركز الثقافي الإسلامي، الجمعيات الثقافية ....) فالنشاطات التي ترعاها هذه المؤسسات غالبا ما تكون استعراضية ومعزولة لا تقدم برنامج ثقافي تمتزج فيها المحاضرة بمعرض الكتاب بنقاشات يوفرها مجال التقاء ثقافي ( مقاهي أدبية )، بمقدار ما تقدم مادة أساسية يقصدها المختصون والمدعوون فقط.
لهذا فالكتاب الفكري والأدبي في رأيي يجب أن يخضع لسيرورة في التسويق والتوزيع لا يكون منطق السوق معيارها الرئيسي، لأن معيار السوق والربحية يسقط هذا الكتاب غالبا من مجال المنافسة أمام باقي أنواع الكتب التي تتسم بسرعة دوران جيدة مقارنة به، خاصة في ظل توفره بشكل مجاني عبر المكتبات الجامعية والبلدية التي يزداد عددها وتنفتح أبوابها لفئات أوسع من طالبي هكذا نوع من المعرفة وهم غالبا من الطلبة والباحثين الذي يبحثون عن الكتاب الأدبي والفكري برؤية براغماتية لا تطلب الكتاب لذاته إنما تطلبه كمرجع للتهميش وإثراء قائمة المراجع في ختام البحث، أي أن الطالب الباحث حتى وإن بحث كثيرا عن كتاب وبشكل جدي فليس لكي يقرأه بمقدار ما يستل منه صفحة أو صفيحات من فصل يأخذ منها ما يريد لبحثه ويرمي الكتاب، وهذا ما يجعل فكرة الشراء، خاصة في حالة كون ثمن الكتاب مرتفع قليلا، فكرة غير واردة، في ظل توفر مكتبة الجامعة وباقي المكتبات العمومية ( مكتبات المدارس والثانويات، المكتبات البلدية، مكتبات المراكز الثقافية، المكتبات المتنقلة التابعة لوزارة الثقافة ...) التي توفر الكتاب الفكري والأدبي بالمجان مما يجعله كبضاعة يعاني الكساد في المكتبات الخاصة.
هنا حين نتحدث عن المقروئية ونأتي بالمعرض الدولي للكتاب كمنوذج ودليل على وجود قاريء مهتم يسعى للكتاب الجيد وينتظر موعد قدومه بفارغ الصبر نكون بصدد تمييع للواقع السوسيولوجي للمقروئية التي قوامها استثمار وسيرورة وأقطاب/ فاعلون ( المؤلف، الناشر، الموزع، المكتبي والقارئ ) لأن المعرض الدولي للكتاب يختصر العملية ليجعلها بين الناشر والقارئ، وعلى اعتباره لقاءا مناسباتيا وتمظهريا ( حضور كتاب بيع بالتوقيع، تغطية صحفية، لقاءات ثقافية ) فهو لا يلبي حاجة القاريء فعلا للكتاب إلا في حدود ضيقة ولدى فئة من المهتمين ترى فيه مناسبة لقاء اكثر منه فرصة للبحث عن الجديد، فالقارئ الذي يقصد العاصمة لشراء كتابين أو ثلاثة مقابل تحمل تكاليف التنقل والإقامة لن يفعل ذلك لأجل الكتاب وحده إلا في حالات قليلة ونادرة. ولو أن القائمين على المعرض يجرون دراسة عن طبيعة الزبائن الفعليين للمعرض أي المشترين الحقيقيين سيجدون أنهم وبنسبة كبيرة يتشكلون من مكتبيين صغار وموزعين يجدون في المعرض فرصة ( للتسليع )، وإقبالهم على الشراء بكميات " كبيرة " هو ما يعطي الانطباع للناشرين والمنظمين بوجود مقروئية عالية لان المقروئية هنا تقاس غالبا بعدد الكتب المباعة خلال أيام المعرض، بالإضافة إلى عدد الزوار الذي ارتادوا المعرض خلال أيام إقامته.
اعتقد أننا بحاجة، إذا ما أردنا أو نوفر مادة علمية وأدبية جيدة للقاري المتطلع والباحث عن زاد فكري وأدبي جدي وعميق، إلى التفكير الجدي في إعادة بعث تجربة المكتبات التابعة للدولة ولو بصيغة مختلفة تكون تشاركية بين الدولة والمكتبيين، تقوم من خلالها الدولة، عبر وزارة الثقافة، بتقديم دعم حقيقي للمكتبيين كي يستطيعوا الاستمرار في إدارة مشروعاتهم وتنميتها في ظل ظروف أكثر تشجيعا على الإستمرر في نفس النشاط أمام إغراءات قوية توفرها نشطات أخرى أكثر ربحية، في المقابل تستطيع الوزارة من خلال هذه المكتبات توزيع إصداراتها التي تفتك بها الرطوبة في المخازن ويتلف منها ملايين النسخ دون ان تجد سبيلها للقارئ المعني والمهتم بها.

هبل: صنم سنوات التحول



مقام الشهيد، رمز الشاذلية وصنيعتها، وملاذ الطبقات الجديدة من خلال محلاته الفخمة وقاعات السينما والكباريهات التي جذبت بشدة تلك الطبقات والفئات التي أرادت أن تجرب العيش في جزائر لم تعرف بعد الاستقلال إلا سنوات الشظف والتكشف التي فرضها بومدين، كان للشاذلي حلم ورغبة في أن تكون مرحلته مغايرة تماما لمرحلة سلفه العظيم، فهو نبي الانفتاح الجديد الذي فتح أمام الجزائريين آفاقا لم يتخيلوها ستفتح، فصار بإمكان المواطن البسيط أن يسافر إلى أوروبا بسهولة وأن تمتليء ثلاجته بالكيوي والبنان، بعد أن كان محروما من تلفاز ملون قبل ذلك، فقد أراد الشاذلي تفتيح عيون الجزائريين على العالم بعيدا عن أوهام الايدولوجيا، وتمكينهم من التمتع بالحياة وبذخها تحت شعار من أجل حياة أفضل في جزائر الثمانينات التي صارت بعيدة تماما عن جزائر السبعينات في مستوى المعيشة وطريقة التفكير، وحتى في طبيعة النظام السياسي، لهذا أراد الشاذلي أن يخلد عمق التحول الذي أحدثه في الذهنية الجزائرية عبد نصب تذكاري يكون رمزا للجزائر المتحولة التي لا تنكر الماضي لكنها تحوره ليكون خادما لرؤيتها وتصوراتها عن الحياة الجديدة، فكان مقام الشهيد الذي أعد تصميمه طلبة مدرسة الفنون الجميلة بالجزائر تحت إشراف الرسام بشير يلس، المقام الرمز الذي صار يصفه الجزائريون بسخرية لاذعة بعد أن أبانت الشاذلية عن خيباتها بهبل 
فهبل هو صنم سنوات الانفتاح الثمانيني وأحلام اللحاق باروبا، تلك الأحلام المجنونة التي سيطرت على عقول الجزائريين خلال سنوات الثمانينات بعد أن جعلت السلطة السياسية من تحققها أمرا ممكنا بشكل من الأشكال، فاسم مقام الشهيد الذي غالبا ما يتواري لصالح تسمية: رياض الفتح لا يبدو ذا صلة بالثورة بتاتا لأنه رمز مرحلة لاحقة هي مرحلة الجزائر الطالعة لتوها من سنوات التقشف الثوري التي فرضها بومدين، هوبل رمز سنوات الشاذلي انه رمز الانفتاح الاقتصادي وارتخاء القيم الأخلاقية في جزائر كان يعتقد ساستها الإصلاحيون في لحظة ما بأنه من الممكن إلحاقها سياسيا واقتصاديا بالعالم الرأسمالي، حيث الحرية ورغد العيش.

أبو دحيس الحافلي والمؤخرة الحلال


السي محمود من الذين هداهم الله إلى الإيمان على يد شلة الحرامية السابقة في الحي والتي اعتنقت مذهب السلف وتسمت بالسلفية، وقد نجحت في جلب كل المنحرفين السابقين الى صراط الحق الذي تعبر عنه اللحية والقميص نصف الساق، وعود الآراك الذي لا يغادر اليد وهي تمده للفم باستمرار، بالإضافة إلى رائحة المسك وتعاطي الزنجبيل التي يتميز بها سلفيو الحي عن بقية الضالين، غير أن السي احمد، وكلمة السي ليست دلالة على الكبر فهو في بداية الثلاثين، غير أنها لصقت به من إيام إدمانه على لعب الدامة مع شيوخ الحي الذين لا شغل لهم، لم يكن السي احمد مدمنا على الدامة فقط قبل توبته المشهودة وظهوره على الناس بقميص أبيض يفتخر بأن أحد الأخوة جلبه له من المدينة المنورة وهو عائد من العمرة، بل كان مدمنا على الكالاج في الحافلات العمومية، وهو الإدمان الذي لم يستطع التخلص منه حتى بعد توبته المشهودة، وإن صار يتهم لاعبي الدامة والدومينو بالضلال، فإنه يستمع باستمتاع كبير لحكايات الكالاج، ويتسلل ليلا إلى بيت جاره الضال يوسف ليزوده بفيديوهات الـ encoxada ومقاطع مصورة لرقصة الـ pereo التي يحملها لها بثمن معلوم، بعد أن اكتشف شدة افتتانه بها وسهره الليالي معها.
وباعتبار السي أحمد ancien caleur مشهود له بغزواته المجيدة في حافلات النقل العمومي، فقد كانت هوايته تلك سببا رئيسيا في زيارته للكثير من الولايات والمدن الداخلية التي سمع أنها تعاني من اكتظاظ في حافلات النقل، والتي رجع منها بحكايات تذهل لها العقول وتستلذ بها النفوس ويتداولها السهارى في لياليهم الطويلة. ولأنه ظل على عادته القديمة وهواه المقيم بين الضلوع وعند كل شهقة نفس كما يقول بصوت فيه من التحسر بقدر ما فيه من التلذذ، فقد قبلته جماعته السلفية كما هو بعيبه ذاك بعد أن عجز كل أفرادها عن إرجاعه لجادة الصواب وثنيه عن الغي والضلال الذي يجره للالتصاق بكل مؤخرة يجدها أمامه في الحافلة، وأمام عدم تحرجه من سرد أدق التفاصيل في مغامراته فقد أطلقت عليه جماعته إسما طريفا صار يعرف به أكثر من السي احمد، فقد أطلق عليه أحد الإخوة في الجماعة بسخرية لاذعة اسم أبو دحيس الحافلي، وصارت جماعته تتداول فيما بينا بتلذذ كبير حكاياته الشبقة وأحاديثه عن الترمة الحلال والتي يقصد بها مؤخرة الفتاة غير المتزوجة، بعد أن آل على نفسه بأن لا يقرب أي متزوجة، وهو يحاجج بما كسبه من خبرة ودراية في الأنواع والأحجام والأشكال، كل من يقول به أنه لا يمكنه التمييز بين المتزوجة وغير المتزوجة، فتفصيله في مزايا وسجايا المؤخرة " اللي خدمت " والترمة Premier Main وما بينهما من التي تعاطت أشغال خفيفة دون إفراط، أمر تذهل له عقول السامعين ويفحم كل مشكك في قدرة أبو دحيس الحافلي على التمييز في مجال تخصصه.

الأحد، يناير 25، 2015

القتل المبرر


القتل رافق الإنسان منذ هابيل وقابيل وسيرافقه إلى يوم القيامة، فقط نحن ندعي أننا نستطيع إنتاج بشر لا يقتلون من خلال التربية والتثقيف وردعية القانون، غير أن من يدعون ذلك لا ينددون بالقتل بواسطة القانون، فهو بالنسبة لهم " قتل مبرر"، مع أن فكرة "قتل مبرر" هي فكرة نسبية وخاضعة لزاوية النظر، وبالتالي تفتح المجال لكل شخص بأن يرى في قتل ما بأنه مبرر من زاوية نظره، غير أن أننا لا نتساءل حينتكون الدولة والقانون، والشريعة والدين في بعض المجتمعات سواء التي تدين بديانة سماوية أو تلك التي تتبع شرائع وضعية ووثنية، هي التي تعطي مشروعية القتل وتغطي الفعل، وتنقله من حال الجريمة إلى حال القصاص، لهذا لم نتساءل عن قتل أمريكا لآلاف الأفغان، بنفس القدر الذي تساءلنا فيه ونددنا بقتل القذافي لآلاف الليبيين. 
إن فكرة القتل المبرر هي التي تعطي إسرائيل من وجهة نظر الامريكان والأوروبيين الحق في قتل الفسلطيين بالجملة، بما أن الفلسطيين يمكن أن تكون لهم القدرة على قتل إسرائيلي خلسة او جرح آخر في عملية يذهب ضحيتها المعتدون غالبا، فالحق في القتل عند القوي يتحول إلى عقيدة لا تجد من يندد بها بصوت عال وحزن صادق، في حين يتحول " القتل المبرر " حين يصدر عن ضيف إلى موضوع تنديد وإدانة، ومطالبة بوجوب القصاص من القاتل، وعند التطرف في التعبير عن الإدانة نصل إلى المطالبة بوجوب القصاص ليس من القاتل فقط إنما من عشيرته وطائفته أيضا، فالضعيف حين يدان من القوي " مالوش دية " ودمه لا يستصرخ الأرض مطالبا بالقصاص والعدل، لهذا يظل الضعيف في حالة تبرير دائم وتوكيد بأنه يدين العنف ويرفض القتل، مع أنه وأمثاله من الضعفاء يتعرضون للقتل بدرجة كبيرة ويمارسونه بدرجة أقل، لكنه يعلم أن مبرراته للقتل المبرر باهتة ومرفوضة وغير مقنعة بتاتا مقارنة بمبررات القوي التي تجد التسويق والشحن العاطفي الذي يعطيها المشروعية والمصداقية حتى لدى الضعفاء أنفسهم لهذا ونتيجة الهيمنة الإيديولوجية للقوي وتسويق أنموذجه للقتل بشكل براق وحضاري نجد أننا نرى في القتل الذي يمارس باسم القانون ويسمى حكما بالإعدام همجية حين يصدر عن دولة ضعيفة، لكننا نصمت عنه حين يصدر عن دولة قوية، وحتى حين ينفذ بطرق ذات طبيعة محلية ومسنودة بمبررات دينية أو وضعية نجد في بعضها رحمة وفي الآخر همجية، لهذا نرى في الإعدام التي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية بواسطة صعقة الكرسي الكهربائي قتلا حضاريا في حين أن الشنق والرجم يعتبر همجية قروسطية، مع أن الميت لا يتساءل عن طريقة قتله.

أزمة الحداثة في الجزائر: أفراد علمانيون ومجتمع متأسلم


ليس قصدي هنا بالأفراد العلمانيون من يتبنون فكرة ويكونون قادرين على إعطاءها مدلولات فكرية وفلسفية، إنما من يكون سلوكهم العفوي والمنفعي، في مفارقته لمعيارية الدين، سلوكا ذو طبيعة علمانية في جوهره أي أنه يبتغي المصلحة والبراغماتية ويستدعي نوعا من الإنتظام في ما يسمح به أو يعاقب عنه القانون، أولا، قبل أن يكون مدفوعا بثنائية الحلال والحرام التي يتعين على أساسها السلوك المؤطر، والمرضي عنه دينيا، من جهة، وبقيم الشرف وأخوة الدين التي يتعين على أساسها الإنتماء، من جهة ثانية، وهي القيم التي يتم التأكيد عليها على المستوى الخطابي في حين تُتَجاوز وبشكل سافر ومستمر على المستوى السلوكي، في حين أن المقصود بالمجتمع المتأسلم لا يمكن تحديد إلا من خلال عملية الانتقال من الفردي إلى الجماعي، بكل ما يحتقبه، ويسفر عنه ذلك الانتقال من تناقضات، فالإنسان الجزائري، ونتيجة تربية مؤطرة بمفهوم العيب الذي لا يوجد، أو لا تكون له قوة القمع إلا ضمن جماعة، بمجرد انتقاله إلى فضاء اجتماعي يكون فيه تحت رقابة معينة ينتج خطابات تنتسب للدين وترضي القيم الأبوية والدينية مع أنها في حقيقتها تتعارض في كثير من الأحيان مع ما يقوم بممارسته على أرض الواقع سواء كان مدركا لذلك التعارض، وغالبا ما يكون كذلك، أو كان غير مدرك، مع أن سلوكه المعلن ضمن جماعات انتمائه المختلفة يسعى هو الآخر، وبشكل تمظهري غالبا، إلى إرضاء توقعات الآخرين الدينية إزاء السلوكيات الفردية في المجال العام، مع أن نفس الأفراد الذين يعلنون خطابات، وينهجون سلوكيات مرضي عنها إجتماعيا على أساس أنها لا تندرج ضمن الحرام، وغالبا أيضا لا تندرج ضمن العيب، يقومون على مستويات أخرى تغفل أو تغيب فيها العين الملاحظة للجماعة بسلوكيات ويعبرون بألفاظ وخطابات تتحدد أساسا من خلال المصلحة الذاتية ومن خلال النزوعات والأهواء الفردية التي غالبا ما يتم قمعها أو تخفيف حدة ظهورها بشكل كبير لما يكون الفرد ضمن جماعة.
يبدو أن دراسة الطبيعة الذهنية والنفسية للإنسان الجزائري التي تجعله ينتج ويتبنى خطابات تتعارض مع ما يمارسه ويتمثله من سلوكات، وينحرف عن قناعاته الفردية عندما يندرج في جماعة، وخاصة في جماعات الإنتماء الأصلية ( العائلة، العشيرة، زملاء العمل ....) هي ما نحتاجه بشكل ملح لفهم أسباب ارتباك الحداثة في مجتمعنا وفشل عمليات التحديث التي ظلت تراوح مكانها منذ سنوات طوال، وذلك بغية الكشف عن آليات معاندة الحداثة في الثقافة الجزائرية.

عن العيب



العيب هو إتيانك فعل يؤدي إنكشافه إلى شعورك بإحراج، خزي، ندم ... فالعيب كمفهوم يتحدد إنطلاقا من ثنائية الستر والانكشاف من جهة، ومن جهة ثانية يتحدد إنطلاقا من فكرة "اللايجوز" التي تتعين بدورها من خلال الممنوع ( قانونا) والمرفوض ( اجتماعيا ) والمحضور والمحرم (دينيا)، ونظرا لتعقد مفهوم العيب وارتباطه بالهيبة والمكانة الشخصية للفرد في نظر الجماعة أكثر من ارتباطه بالكرامة التي هي شعور نفسي صميم غالبا ما لا يطلع الآخرون على هدرها أو الاعتزاز بها، فإن الإحساس النفسي اتجاه الإتيان بما يصنف عيبا يختلف عن الشعور النفسي عند إتيان ما لا يجوز سواء كان دينيا أم قانونيا أم مجرد فعل اجتماعي مرفوض عرفا، لهذا لا يرتبط خرق القانون بالشعور بالذنب الذي يعقب إتيان الحرام لدى البعض، كما أن الخروج عن العرف الإجتماعي لا يستلزم الشعور بالخزي خاصة حين يرتبط بخرق العادات والتقاليد التي تتسم بكونها مكبلة لانطلاقة الأفراد المتطلعين، فيصير تجاوزها ورفض مقتضياتها السلوكية باعثا لنوع من الشعور المزهو بالتحرر، وهذا الشعور غالبا ما يفتقد، كما يفتقد الشعور بالذنب بنفس القدر، حين يتم اقتراف ما يصنف على أنه عيب، رغم كون العيب يستعير مجالاته التي تتسع وتضيق بحسب الجماعة المنتجة له، من العرف والدين بنسبة كبيرة، في حين يتم تجاوز، وبنسبة كبيرة، القانون كمحدد للمقبول والمرفوض في المجتمع على اعتبار أن القانون هو موقف وصنيعة الدولة اتجاه ما يجب على الأفراد تجنب فعله وما يحق لهم إتيانه من سلوكات وتصرفات، وبما أن العيب هو صنيعة المجتمع والمعبر عن توجهاته الأخلاقية وتغيرات القيم ضمنه، وهو لا يأبه بالممنوع قانونا، أي أنه لا يأخذ بما تراه الدولة كإطار تنظيمي للمجتمع، فهو يتبلور نتيجة ميل الجماعة، من خلال أفرادها المنذورين لحراسة القيم القديمة والمساهمين في إعطاء مشروعية الوجود للقيم الجديدة وهم غالبا كبار السن من النساء والرجال، إلى إنتاج معايير معلومة من طرف الأفراد المنتسبين للجماعة تحدد المقبول والمرفوض من السلوكيات والأقوال، كما تحدد مواضع القبول ومواضع الرفض لنفس السلوك أو القول. 
وبالعودة إلى المحدد الشكلي لماهية العيب؛ أي ثنائية الستر والانكشاف نلحظ أن المجتمع يحث على الستر أكثر من حثه على عدم إتيان الفعل، لهذا ترتبط السمعة والتي هي غالبا ذات صلة وثيقة بإتيان العيب سلوكا بدرجة أولى، وقولا بدرجة أقل، بالمعلوم من تلك السلوكات والأقوال، وليس بما تم إتيانه من تلك السلوكيات والأقوال فعلا، لهذا لا يأبه المجتمع بالعيب الممارس سرا، مما يجعل ميل الأفراد متجها إلى اعتبار الحرام عيبا، بما أن الحرام هو مكون أساسي من مكونات العيب، وهذا ما يسهل عليهم اقترافه ( أي الحرام ) دون شعور كبير بالذنب، على أساس أن المحاسب على الحرام هو الله الذي لا يغفل ولا يغض الطرف، في حين أن المحاسب على العيب هو المجتمع الذي يغض الطرف عن العيب إذا لم ينكشف للعلن.

ذهنية الجزائري


الجزائري أناني بطبعه، فهلوي، يعتقد أنه غير معني بالمعايير التي تنتظم فيها المجتمعات وتحدد على أساسها سبل الارتقاء الاجتماعي أو المكانة والوضع الذي يحق لكل شخص بلوغه انطلاقا مما يملكه من مؤهلات، فالجزائري، كفرد، يعتقد أن القفازة هي المعيار الوحيد الذي يحدد المكانة التي يبلغها الأفراد، لهذا فهو غير معني كفرد بتهيئة نفسه معرفيا واجتماعيا وفق مسار معروف ومعترف به اجتماعيا ومهنيا، من أجل أن يكون له الحق في شغل وظيفة أو احتلال مكانة، أو بلوغ وضع امتيازي، مؤمنا بالحلول السحرية والسريعة التي قوامها التحايل و"المعريفة"، بمعناها الدارج، وتوظيف العلاقات التي تحمله على أكتافها لتضعه في مكان لا تؤهله إمكاناته لشغله، فهو غير معني بتاتا بالسؤال: هل يحق لي أن اشغل هذا المنصب أو احتل هاته المكانة؟. ما دام يؤمن بأن كل واحد من أفراد المجتمع لن يتردد في الحصول على ما لا حق له فيه، موظفا كل ما يستطيع من سبل وعلاقات لأجل ذلك، فالقافز هو من يكون الأسبق والأقدر على اختصار الطريق من أجل بلوغ منابع الريع التي تنزل عليه المن والسلوى وتقيه البرد والجوع، لهذا يجد الجزائري سبل نجاحه وارتقائه الاجتماعي في جو الرداءة الذي يمعن في خلق وتنمية كل الظروف التي تجعله يفرّخ ويتمدد، رغم أنه، كفرد داخل جماعة، لا يكف عن التنديد بالرداءة التي تجعل كل شيء لا يسير وفق المعايير المحددة له. رغم أن سلوك ذلك الجزائري المندد، وهو وسط الجماعة، بالرداءة، هو نفسه سلوك شديد الرداءة، وسلوك لا معياري؛ لا يعترف سوى بالمعايير التي يضعها لنفسه والتي تعطيه كل مبررات التحايل والقفز على معايير الآخرين. فنحن كمجموعة بشرية لم نصل بعد لخلق ثقافة العمل الجماعي والإقرار بالتراتبية الاجتماعية ، التي تجعل من المؤهلات المعلنة والمعترف بها اجتماعيا وقانونيا، هي المعيار الأساسي للارتقاء الاجتماعي، وليس المؤهلات المستشعرة ذاتيا، ولا طرق الدخول من النافذة التي يتقنها الجزائريون بشكل مدهش.
ولأننا، كجزائريين، لا نقر بالتراتبية، وبالتالي بأحقية أهل الاختصاص في القول والفعل في مواضع اختصاصهم، فالجزائري مستعد لإبداء رأي والدفاع عنه باستماتة حتى في موضوع تطور الهندسة النووية، لهذا تسخر الصحافة الرياضية من الـ 40 مليون مدرب، أي من الشعب الجزائري الذي يعتقد كل فرد من أفراده بأنه الأعلم بكرة القدم، كما يسخر كل فرد من آراء الآخرين معتقد أنه رأيه هو الصواب، وهذه العقلية خلقت لنا إنسان جزائري لا يمكن إقناعه لأنه يعتقد أنه فاهم دون أن تكون له مؤهلات الفهم العلمية والمعرفية، فالجزائريون في معظمهم يؤمنون بمقولة: " أعطيني فاهم الله لا قرى "، كما يردد أولئك الفاشلون دراسيا بشكل رتيب ومتكرر مقطع من أغنية الشيخ العنقى: " ما قريتش فليكول قراني الجوع والحفى "، هذا الموقف من المعرفة والخبرة هو ما يجعل أي جزائري ذو مستوى تعليمي بسيط يناقش دكثورا في تخصصه دون أن يشعر بأنه يتجاوز حدود إمكانياته ومعارفه، فمعارف الجزائري وآراؤه هي ما يعتقد أنها كذلك، أي مجموع التصورات البسيطة عن الحياة والعالم المستنبطة من ثقافة سمعية فقيرة وبسيطة بدورها، لكنها تصورات، وبسبب نفسية الجزائري المتصلبة وذهنيته المنغلقة، تتحول إلى دوغما ويقينيات لا تتزعزع، دون الحاجة إلى البرهنة عليها، فيكفي أنه يؤمن بها ويراها كذلك حتى تكون هي الصواب عينه والحقيقة ذاتها، وهذا التصلب في المواقف والإنغلاق في الرأي هو ما يجعل حوراتنا كجزائريين غالبا ما تتسم بالحدة والرفض المتبادل والمسبق بين أطراف الحوار الذين يتحول الحوار بينهم إلى حوار طرشان، وحتى عندما يستمع أحدنا للآخر غالبا مالا يقتنع بآراءه مهما كانت منطقية وسديدة.


conter