الثلاثاء، أكتوبر 28، 2008

رضا حوحو ( 1911 - 1956 )

تثوير اللغة تمهيدا لميلاد الرواية الجزائرية
لا يمكن الحديث عن الرواية الجزائرية المعاصرة، أو بعبارة أكثر تداولا الرواية الجزائرية الجديدة، رواية جيل الشباب التي هي تجربة متفردة في المتن الروائي الجزائري الحديث، دون الرجوع للحظات التأسيس الأولى للنص الروائي الجزائري المكتوب بالعربية، وتحديد إلى رضا حوحو الذي يعتبر أول من كتب نص روائي جزائري في شكله البدائي سنة 1947 من خلال روايته " غادة أم القرى " التي أهداها للمرأة الجزائرية الرازحة تحت نير القيم البالية، وكأن بالراحل العظيم يريد التأكيد على ما للرواية كجنس منفلت من الأسالي
ب العتيقة والدينية للغلة العربية في تلك الفترة، من قدرة على تجاوز العوائق والانطلاق لآفاق أرحب تعانق الحداثة الأدبية والاجتماعية وتقيم قطيعة مع ماض بائس ومنحط، إذا، فرضا حو ونصه الأساسي والتأسيسي للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية: " غادة أم القرى"، يعد مرجعا مهما في تاريخ الرواية الجزائرية، على الرغم من أن غالبية النقاد يؤرخون فعليا لميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية بنص " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة 1971 والنصوص اللاحقة للطاهر وطار الذي يعتبر بحق أب الرواية العربية في الجزائر.
إن ما قدمه رضا حوحو للرواية الجزائرية لا يمكن تجاوزه ببساطة، لان عمل حوحو كان انقلابا داخل اللغة العربية المستعملة في الجزائر، فهو الذي اخرج اللغة إبداعيا من دائرة الخطابات الوثوقية المتسربلة بمرجعية دينية تؤيد هذا الميل نحو وثوقية دينية في استعمال اللغة العربية، فقد منح روحا قلقة للغة العربية في نصه الإبداعي فعل ذلك انطلاقا من قناعات فكرية معينة توفرت لديه بفعل ثقافته المزدوجة العربية والفرانكوفونية، وبفعل حسه الوطني الرفيع، وإيمانه بضرورة إخراج الثقافة العربية في الجزائر من ركودها ومن مرجعياتها الدينية المحضة، تلك القناعات التي كلفته الكثير في حياته، بل إنها كلفته حياته في نهاية المطاف.
إن ما قدمه حوحو للثقافة الجزائرية على قلته، لا يقل تأثيرا عما قدمه غوغول للقصة القصيرة الروسية التي يعتبر مؤسسها الفعلي، حيث خرجت من معطفه نصوص عظيمة وذات تأثير لا يمكن إنكاره على القصة الروسية والعالمية أيضا.
لقد طرح نص " رضا حوحو "غادة أم القرى" الذي عبد الدرب للكتابة التخيلية الآتية، عدة قضايا تتعلق أولا بالانتماء للجنس الروائي و بقدرة اللغة العربية على ولوج عالم الكتابة الروائية ثانيا "، فعمل رضا حوحو في جسد اللغة العربية المستعملة في الجزائر كان انقلابيا، بحيث فتح أمامها آفاقا رحبة لولوج مساحات تعبيرية لم تكن متوفرة لها، بسبب سيطرة اللغة الإصلاحية لرجال جمعية العلماء المسلمين على الساحة الأدبية الجزائرية وتركيزهم على الشعر والمقالة الإصلاحية، مع ابتعادهم التام عن الأجناس الحداثية في الأدب العربي، وخصوصا الرواية التي نظر إليها الكثير من المثقفين العرب في بداياتها الأولى كجنس مرذول ومنحط لا يقترب منه ذوو الألباب وفرسان البيان، ربما هذه النظرة التحقيرية التي رافقت نشوء الرواية العربية هي التي جعلت محمد حسين هيكل وهو ينشر أول رواية عربية سنة 1914 يوقعها باسم فلاح مصري خشية من رد الفعل العام على كتابه نصا لا يحظى بأي احترام من طرف غالبية الكتاب والمثقفين وحتى من طرف عموم القراء، وهو نفس الأمر الذي جعل رضا حوحو يكتب نصه الأول بعيدا عن الجزائر، فقد كتبه في مكة ونشره في تونس سنة 1947، وكأن جزائر ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن مهيأة بعد لدخول عصر الرواية وفتح باب من أبواب الحداثة الاجتماعية والأدبي
ة في الثقافة الجزائرية. رغم التغيرات الجذرية والعميقة التي حدثت في الوعي الجزائري نتيجة الاحتكاك بالنهضة الثقافية في المشرق العربي من جهة، ونتيجة اشتداد الوعي بالذات الوطنية الذي أذكته الحركة الوطنية الرامية لنشر فكر ووعي جديدين يتخلصان من سلبية المرحلة السابقة التي تميزت بنوع من المهادنة اتجاه المستعمر الفرنسي بعد انهزام المقاومات الشعبية المتعددة، فالحركة الوطنية لم تكن مجرد حركة سياسية كانت تهدف للاستقلال أو الاندماج مع فرنسا في ظل شروط معينة، غنما كان نشاطها في أوساط عامة الشعب وتأثيرها على المثقفين بالغا وجذريا أدى لنشوء وعي جديد، هذا الوعي اوجد هو الآخر وسائل تعبير خاصة به، تجلت وسائل التعبير هاته أساسا في الرواية، وفي شعر المقاومة.
فقد تغير النظام المستكين للأشكال السردية والأجناس المهيمنة وانفتح المجال أمام جنس الرواية لتعبر عن نفسها فغي نفس الوقت الذي حدث فيه تطوير وتحديث للغة العربية المستعملة في الجزائر والتي ظلت إلى غاية ذلك التاريخ ( بعد الحرب العالمية الثانية ) متخلفة مقارنة بعربية المشرق وحتى باللغة المستعملة في تونس أو المغرب، يجد هذا التخلف تبريره الموضوعي في عمل المستعمر الفرنسي على طمس هذه اللغة ومحاربتها بشكل افقدها الكثير من حيويتها وركنها في ركنها في زاوية التوظيف الديني المحض البعيد عن ارتعاش وقلق الإبداع وأبقاها في كلاسيكيتها التي لم تتجدد إلا بفعل نشوء وعي جديد رافق صعود الحركة الوطنية وتأكيدها على تفرد الذات الجزائرية واستقلالها عن الذات والهوية الفرنسية وأسلحتها الحضارية التي تعتبر اللغة الفرنسية أقواها تأثيرا وأكثرها إغراءا في نفس الوقت.
ومما سبق نقول بأن لحظة التأسيس الأولى للكتابة الروائية الجزائرية باللغة العربية كانت مع رضا حوحو الذي رافق فتحه الروائي باللغة العربية تغيرات عميقة مست المجتمع الجزائري ورافقت وعيا جديدا سمح بالانفتاح على جنس الروائي الذي هو جنس حداثي بامتياز، وقادر على قول الاختلاف والدعوة إليه في نفس الوقت، وهذا ما فعله رضا حوحو وهو ينفلت عبر " غادة أم القرى" من معيارية ووثوقية لغة القرآن.
ولكن تأصيل الرواية العربية كان لاحقا مع عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار تحديدا، فقد انتظرت الثقافة الجزائرية ربع قرن كامل حتى يأتي بن هدوقة سنة 1971 ويمنح مشروعية لعمل حوحو عن طريق كتابة أول نص روائي جزائري باللغة العربية يتميز بكل المواصفات الفنية للرواية كجنس أدبي.
ـــــــــــــــــــــــــ
للمقالة مراجع.

الأربعاء، أكتوبر 22، 2008

عن القيم الاجتماعية

قولبة القيم وفق التغيرات الاجتماعية
سفيان ميمون- الطاهير – جيجل – الجزئر
Minoune78@yahoo.fr
نعرف جميعا أن القيم تنقسم بدءا إلى قسمين متقابلين : صالحة وطالحة ، حسنة وقبيحة ، مقبولة ومنبوذة ، ....لكن الحكم عليها يستند دائما إلى أسا
س ، فما هو هذا الأساس ؟ وهل نحن البشر شركاء فيه ؟ .
إن الأسس التي تستند إليها القيم على اختلافها كثيرة فالمجتمع أساس ، والدين أساس ، وثقافة الطائفة أو العشيرة كذلك ، ولكن المرء الذي ينتمي إلى مجتمع ويدين بدين وينسب إلى طائفة أو عشيرة يحاول دائما أن يوفق بين هذه العوامل جميعها بأن يجد مقاربة صائبة بين قيم كل واحدة من العوامل، فمحاولة التوفيق بين مختلف العوامل وحدها التي تفرز لنا القيم المعيارية التي تضحي الحكم الأساس لكل سلوكاتنا وتصرفاتنا ، ناهيك عن كيفية التفكير و ضبط المنهج القويم لممارسة هذا التفكير، هذه نظرة .
و ثمة نظرة أخرى ترى أن القيم التي تفرزها مختلف العوامل الموضوعية من اجتماع و ثقافة و دين و عادات ..... لا بد أن تخضع لعملية نقذ دائم ، لإعادة تقييم القيم و الأساس هنا ليس المجتمع و لا العادات و لا حتى الدين ، و لكن العقل الذي يدخل مزاحما هذه العوامل كلها فيمنح السلطة عليها و يصبح حاكما عليها دون أن تمسك قبضتها عليه .
هكذا نجد أنفسنا أمام معيارين للقيم ، معيار موضوعي يمثله المجتمع و الثقافة و الدين .... ، و معيار أذاتي هو العقل ، لكن الانسياق خلف أحد المعيارين فحسب إنما هو تطرف بعينه كتطرف الممجدين للعقل و خصومهم من منكري فضل هذا الأخير في علم الكلام ، أو كتطرف القائلين بإبعاد الدين شريعة و منهاجا و الاحتكام إلى العقل و مناوئيهم من السلفيين المتشددين اليوم ، و هنا يتراءى لنا معيار ثالث بين الذات و الموضوع ، معيار مؤلف من نور العقل كذات و حكمة الدين و ه
دي المجتمع و الثقافة و العادات كموضوع ، فلا يمكن البتة لرأي راجح أن تقوم له قائمة و هو مؤسس على العقل وحده أو الدين وحده أو ما جرى عليه العرف و التقليد ، لقد رأينا مؤخرا تغييبا للدين كمعيار خلال اللغط الذي دار حول مسألة انتشار الدعارة في الجزائر حينما حاول بعض السادة معالجة الظاهرة قاصدين تحكيم العقل الذي هداهم إلى ضرورة تقنين الظاهرة بفتح بيوت خاصة ترعاها الدولة ، و حجتهم في ذلك هي إبعاد الظاهرة من الوسط الاجتماعي لكن سعيهم هذا إنما هو تأصيل للظاهرة في عمق المجتمع من خلال تشكيل مخيال عام يتعاطى معها في جانبها القانوني و ليس الديني ، و هو بهذا إبعاد لحكمة الدين كمصدر أساس لقياس قيمة الحكم أو الفعل أو الاتجاه ، ليس هذا فحسب بل إن هذا الرأي الذي يستند إلى العقل كمعيار يفقد قيمته بإخضاعه لهذا المعيار ذاته : معيار العقل ، ذلك أن ظاهرة الدعارة لا يمكن حصرها في عدد من المواخير ، فهذه المواخير منتشرة في المجتمع بأسماء شتى ، فنادق ، قاعات عائلية ، ملاهي .........، ورغم هذا نجد الظاهرة منتشرة في الجامعات والحدائق والشوارع وحيثما وليت وجهك فهي أمامك ، فالحال لن تتغير إذا بتقنين بيوت الدعارة أو عدم تقنينها طالما هي موجودة ، ما يهمنا هنا في هذه الظاهرة وفي غيرها هو أساس الحكم وكيفية بنائه انطلاقا من مراعاة جميع مصادر القيم الذاتية منها والموضوعية ، إننا بحاجة إلى إعادة تقييم القيم وفق جميع المصادر التي يمكننا من خلال التوليف بينها أن نصل لانتاج وإعادة انتاج قيم اجتماعية تعبر عنا وعن العصر الذي نعيش فيه، دون الاتكاء على مصدر واحد يكون عاجزا لوحده في ظل المجتمعات الحديثة شديدة التعقيد التي تستدعي المركب والمعقد والمختلف والمؤتلف وتنفي الأحادي والمنغلق .

السبت، أكتوبر 18، 2008

غريب الدار ومدونة ورود ورصاص

حين ينزف القلم بعطر امرأة عاشقة
حين تأتي فتاة عاشقة للكلمات التي تحرك أنوثتها وتكتب تعليقا على إحدى قصائدك، عاريا هكذا: إغماءات متتالية أصابتني اثر قراءة كلماتك الصاعقة. حتما ستكون كاتبا قادرا على الغوص بعيدا في ثنايا الروح الملتاعة في لحظات العشق.
وهذا ما يكتب عنه تحديدا
غريب الدار ، هذا الفتى السعودي الذي لاسم له ولا وطن لغربته غير الكلمات، وغير أسلوبه المراوغ والمنساب بشكل يخبر عن الأنثى العاشقة أكثر مما يخبر عن الفتى الذي يبادلها العشق. لهذا ظن بعض المدونين في البداية أن غريب الدار فتاة تتنكر بصفة رجل، وهو بمراوغة محسوبة ربما جعل هذا الاعتقاد يصل للذروة من خلال وضعه صورة لفتاة تبدو في ملامحها بعض الغلمنة ( نسبة للغلام ) بمدونته، تلك الصورة التي حذفها لاحقا لتحل محلها وردة حمراء، هي في النهاية ليست سوى رمز للعشق والشبق في ذات الآن، العشق الذي يقارب الجسد بشفافية ورقة ونعومة.
إن ما يدفعني للكتابة عن مدونة غريب الدار ليس فقط طبيعة قصائده الجريئة والقادرة ببراعة عن استبطان عمق الأنثى بشكل ربما نادرا ما نجده عند كبار الكتاب ولا عند بعض المدونين، وليس لأنه سعودي، أي أنه ابن بيئة محافظة جدا لا تزال فيها المرأة مقموعة عاطفيا وجسديا بشكل كبير وصارخ، رغم أن الكتابة عن الجسد، أو أدب السرير كما يسمى، هو- في الوقت الراهن - ظاهرة سعودية بامتياز وظاهرة أنثوية أيضا، حيث نلاحظ في السنوات الأخيرة محاولة خروج قسري للمرأة السعودية من شرنقة القمع، عن طريق الكتابة والكتابة البوحية والإباحية بشكل ما، تحديدا، نلاحظ هذا في كم الروايات الكثيرة التي تنشر في لبنان وفي بعض الدول الأوروبية لكاتبات سعوديات شابات يفرغن كل المكبوت في لحظة بوح، فيتحدثن عن الكبت والشذوذ وكل العلاقات المحرمة، كنوع من محاولة الانفلات من السيطرة القاهرة لتلك القيم المجتمعية المتدثرة برداء الدين، تلك القيم التي تمنع المرأة السعودية من أشياء كثيرة، وأدب البوح الشبقي هو ظاهرة تدوينية أيضا، فأغلبية المدونات السعودية، النسوية تحديدا هي مدونات للكتابة عن الحب والجسد بجرأة لا نملكها نحن في باقي الدول العربية الذين نزعم أننا على قدر معين من الانفتاح، جرأة تخجل أكثرنا انفتاحا.

كل هذه الاعتبارات يمكن إدراجها في الحسبان لحظة الكتابة عن غريب الدار ومدونته ورود ورصاص، كظاهرة تدوينية، وأقول ظاهرة لأن غريب بحق في بداياته تحديدا شغل الكثيرين بأسلوب كتابة مغاير، وبقدرة فائقة على صياغة أكثر المعاني عمقا بأبسط الكلمات في مقاربته لموضوع العشق بين الرجل المرأة الذي هو بالنسبة لصاحب المدونة عشق روح وجسد، وهي، أي كلماته وقصائده، كما علقت عليها إحدى المدونات: مثيرة وعظيمة وغريبة وصادقة وخطيرة.
ربما تكمن خطورة وغرابة تلك الخواطر في أسلوبها وموضوعها معا، أكثر مما تكمن في جرأتها، فالأسلوب يرتكز على جمل قصيرة نافرة وحادة قادرة أن تغوص بعيدا لتلتقط ابعد معنى ممكن ومحتمل للعبارة لتدرجه في إطار السياق العام للقصيدة التي تتميز دائما بوحدة موضوعية، لا تنفي تجزئتها، بمعنى انه يمكن في أي قصيدة من مجمل القصائد التي ادرجها غريب في مدونته لحد الآن اخذ فقرة واحدة وفصلها عن باقي القصيدة دون أن تفقد معناها، بل تكون قادرة على الاحتفاظ باتساقها كوحدة دلالية ذات موضوع، في نفس الوقت الذي يختل فيها معنى القصيدة الكلي حين نجتزئ مقطعا ونقرأها بدونه، وهذه ميزة قليلا ما نجدها في الكتابات التدوينية، فكتابات غريب قادرة على أن تستخرج المرأة من عمق العمق لتستبطن أنوثتها عارية دون روتوش أو تزييف لحقيقتها، ودون نفي لجسدها الذي كبلته المحظورات، تلك المحظورات التي ترهب المرأة فتبقيها سجينة نفسها مرعوبة من إظهار مشاعرها ورغباتها، لهذا نجد أن أغلبية التعليقات الساخنة على قصائد غريب تأتي من فتيات ونساء من مختلف الأعمار وعلى اختلاف طباعهن، فحتى أكثر المدونات رزانة واتزانا، تفقد شيئا من اتزانها لحظة دخولها مدونة الورود والرصاص وتتعرى قبل أن تعلق، لتبوح بما لا تستطيع قوله في مدونتها بسبب الوضع السالف الذكر الذي يحاسب المرأة على رأي أو كلمة.
إن مدونة الورود والرصاص هي مدونة متخصصة إن صحت التسمية لان غريب الدار لم ينشر عبر مدونته شيئا آخر غير القصائد التي يكتبها، لا مقال ولا خاطرة ولا قصة ولا أي جنس آخر من أجناس الكتابة التي يتنقل بينها غالبية المدونين، إنما ظل غريب مخلصا للشعر ولخطه الافتتاحي في مدونته، أي للموضوع الأثير لديه، وهو الكتابة عن المرأة والحب وفقط، دون أن يكتب عن أشياء أخرى في الساسة أو الدين أو في الأوضاع السياسية و الاجتماعية التي يكتب عنها أغلبية المدونين، رغم أن تعليقاته بالمدونات الأخرى لا تخلو من هذه الأمور التي تشغل الرأي العام والتي ينخرط فيها الجميع سواء عبر إدراجاتهم أو عبر تعليقاتهم.
يمكن اعتبار غريب الدار ومدونته ورود ورصاص واحدا من ابرز المدونين عبر مكتوب، رغم انه لا يتجدد كما علقت إحدى المدونات عليه، فالموضوع واحد بتنويعات مختلفة: لحظة عشق مع امرأة فاتنة. ولكن طريقة تقديم تلك اللحظات وإيصال ذلك الكم الهائل من الأحاسيس والرغبات يختلف ويتجدد ويتمدد مع كل إدراج جديد، وكأن صاحب المدونة تؤرقه تلك القضية جدا لدرجة انه لا يستطيع مفارقتها في نفس الوقت الذي لا يستطيع فيه تقديمها بنفس الطريقة هربا من الابتذال والتكرار، وقد نجح في بوحه وفي تنويعاته الرائقة على نفس الموضوع، نظرا لما يمتلكه من قدرة على التجدد داخل نفس الإطار وكأنه مصور خبير يقدم في كل مرة نفس المشهد من زاوية مختلفة، تفتح أمام المتلقي مجالا أرحب لاتساع الرؤية وانفتاح القلب.

الأحد، أكتوبر 12، 2008

الشفهي والمكتوب


الثقافة الشعبية باعتبارها الأكثر تفاعلا مع الواقع والأكثر تأثرا وتأثيرا فيه تظل رغم ما تمتلكه من هذه الأهمية والتفاعلية مغيبة عن النقاشات النخبوية التي تحصر نفسها في دائرة ضيقة وكما يقول روجيس دوبري فإن المثقفين هم أصحاب مشاريع ومصالح، وهم أشخاص لا يجيدون سوى ممارسة نخبويتهم بشكل مقيت اتجاه الفئات الأخرى التي يجتهدون في إبعادها عن فئتهم النخبوية. الثقافة الشعبية باعتبارها ثقافة منفعة بالدرجة الأولى لا تعترف بهذه النخبوية وهي تمارس فعل مقاومة مضاد بتجاهل الثقافة العالمة / المكتوبة أو النخبوية لهذا نجد الشرخ الذي يمكن ملاحظته بسهولة ويسر بين المكتوب والشفهي وهو شرخ في اتساع برغم توسع الفئة المتعلمة وبالرغم من اكتساح فئات واسعة من الشعب لمجال القراءة وتفاعلها بشكل ما مع ما هو مكتوب ولكن ثقافتها الشعبية الشفهية تظل هي الأكثر تحكما في سلوكها وتصرفاتها، وحتى بعض المثقفين المترفعين من خلال كتاباتهم على العامة من الناس يكونون مثقفين بشكل جاد وأكاديمي وهم يكتبون ولكن بمجرد انتقالهم لمجال الممارسة الاجتماعية نجد أن سلوكياتهم وردات فعلهم اتجاه التحديات اليومية لا تختلف في شيء عن العوام. إن مشكلة مثقفينا أنهم مثقفون لفظيا وليس فكريا بمعنى أن استهلاكهم لكم معتبر من الثقافة المكتوبة لم يحل دون بقائهم في فئة المتلقين فهم عاجزين عن الإضافة العميقة لكم الأفكار التي استهلكوها في مراحل مختلفة من حياتهم التعليمية والتثقيفية ( بالمعنى النخبوي لكلمة ثقافة) إنما يكتفون فقط بترديد ما اكتسبوه من خلال قراءتهم، وشرحه في أحسن الأحوال. وربما هذه نقطة أخرى مهمة من النقاط التي تحدد أزمة المثقف العربي الراهن أي عجزه عن توليد أفكار أصيلة تعبر عن جوهر المجتمع الذي ينتمي إليه، وهم يظلون أسرى لكل ما هو مكتوب وأسرى من جهة ثانية لمراكز صناعة المعرفة سواء كان هذا المركز هو الغرب الذي يتهمونه بالغزو الثقافي، أو التراث العربي الذي أنتج في القرون الأولى للإسلام ثقافة خصبة وحيوية وقابلة للاقتداء صارت تمثل الآن تراثا نعود إليه بغية تمثله أو البناء عليه، ولكن أصابه التكلس فلم يعد الكثير منه صالحا ليعاد تمثله في وقتنا الراهن وخصوصا عندما تكون عملية التمثّل هذه غير مبنية على وعي عميق بتاريخانية الأفكار، والقيم التي تشكل مجمل هذا التراث، إنما مجرد محاولة لإعادة استنساخه بشكل عصري، دون الانتباه لما لحقه من تغيرات عميقة طيلة رحلته الطويلة من لحظة النشأة الموغلة في القدم، إلى لحظة التمثل المحايثة لنا.
وهذا العجز عن توليد أفكار أصيلة تعبر عن جوهر وعمق المجتمع العربي، يمثل نقطة فشل رهيب بالنسبة للمكتوب والثقافة النخبوية التي ترفدها الكتابة وتمنحها قدرة على الاستمرارية والتراكم؛ في مقابل الشفهي وثقافته العامية أو الشعبية، التي تتميز بحيوية اكبر وقدرة مبهرة على التغيّر، والتعبير عن تلك التغيرات العميقة التي تمس المجتمع والفرد عن طريق الملفوظ، وعن طريق نحت وتوليد مصطلحات جديدة، وطرائق تعبير أكثر فاعلية، لأنها في النهاية استجابة لحاجة، أي أنها نفعية بعبارة أخرى

السبت، أكتوبر 04، 2008

بعض السخافات

تشرق الشمس وتغرب والمدينة تسكن سكونها الأبدي، لا تتغير لا تضطرب ولا تنقلب، لا تعلن التمرد ولو يوما على إيمانها الساذج بقدرها الواقف دون مستوى أحلامي وأحلام شباب الطريق والحيطان والمعاكسات المرتبكة، والحلم بيوم جديد وفتاة تكون حبيبة، قادرة على أن تدفع عن أجسادنا البرد الساكن فينا منذ وجددنا هنا؛ برد الأيام المكرورة والأحلام المبتورة وقصف الأقوال المأثورة. برد البحر، والبحر في جيجل ولا أجمل والرياس من هنا انطلقوا وهنا نزل بربروسا ومن هنا انطلق الجواجلة طردوا الأسبان من مدن الشمال في الشرق والوسط والغرب ، وعادوا إلى سلامهم وبلادهم وبردهم، يخيطون من أوهام الماضي السعيد وذكرى الأسلاف العظام، رياس البحر النابتون هنا والموزعة أشلاؤهم وأحلامهم هناك في كل البر والبحر؛ أحلاما تستحيل سلاما وفخرا وذكرا وبردا .... تجلدنا الحيطان هنا وتلهب ظهورنا وتلعننا الطرقات التي قتلناها مشيا وأتعبناها وقوفا في انتظار فتيات يطلعن من خدورهن ومن الثانويات والمدارس...يخرجن يحملن الحلم والدفء، ونظرات مغناجة واعدة باليأس. معاكساتنا مرتبكة تنتهي بإحباط شديد...لم يعلمونا بالبيت كيف نعامل الأنثى وكيف نعشق النساء؛ علمونا الحشمة السخيفة التي ترعدنا رغبة لا حبا، والنسغ الساخن يصعد في أجسامنا وفي عظامنا الموبوءة بالرطوبة وينزل ويطيش، وعيوننا تتبع مؤخرات الفتيات اللواتي يمررن أمامنا في دلال ومنعة والشبق فينا يبكي وصديقي المحزون بجواري يشتكي ويلعن.
ماذا أقول لها ومر عام أطاردها، أزني معها بعيوني وبعينيها الكحيلتين معي تزني وتمضي وأمضي؛ وعام أخر مر أكاتبها وصديقي يساعدني ويأتيني بأشعار نزار حيث تمتد مراهقتنا التي لم نعشها، نسهر وحدنا بعيدا عن كل السهارى والسكارى، نقرأ ونعيد ونغتبط ونصيح من فرط تأثرنا ..الله..الله. أنا وصديقي الذي قرر بعدما احتله اليأس أن يحب الحب لذاته كما قيس بن الملوح. لننهي قبل الفجر رسالة أرسلها لها غدا مع جارها الصغير واللئيم لا يذهب قبل أن تمتلئ جيوبه بقطع الحلوى والنقود.
ماذا سأقول لها ورسائلها تأتيني دوما دون مستوى أحلامي وطموحاتي وأساسا، يجب الاعتراف أيضا دون مستوى رغباتي...تصدمني دائما قبل أية كلمة تفرحني حتى لو كانت منقولة من كتب سخيفة: أخي العزيز ..وتمضي وأمضي أقرأ أفتش عن كلمات تشعرني أنني رجل وأنها أنثى . تسكنني الخيبة بعد أن أنتهي من قراءة رسالتها وأتمنى لو لم ترسلها، أحاول كتابة أخرى وصديقي الذي شعر بخيبتي يواسيني ويعزيني في الحلم الذي لن يتحقق ويعزي نفسه فيّ؛ أخبرها أني لست أخاها وأني لست أحلم بسواها وبأني وأني... لست وحدي من يهواها لكني أكثرهم عشقا وولها وحنينا لها، هي تعرف ذلك وتعرف أني سأصبر على تمنعها وتجاهلها وإنكارها أياي أمامي، وعلى ادعائها أمام صحبها بأنني عاشقها المفتون والمجنون، سأصبر على نظرات أخيها المنبئة بكارثة وقد بت أشعر أنه يرتاب بأمري ويحرسها ويحرسني وعلى الرسائل المخيبة لآمالي، على كل هذا سأصبر. فنحن لم نتعلم في هذه المدينة غير الصبر وغير البرد وكبت الحلم وادعاء الجلد ونسيبان الألم.
لا تبكي فالبكاء للأطفال. لماذا يا صديقي لم يعلمونا ثقافة البكاء ومحاورة الأحزان؟ لماذا لم يتركونا نهاجم مواقع الهم ونزيل أثاره ورسمه من قلوبنا حين يفيض نهر العين العظيم مرة في العام أو مرتين. السماء وحدها تبكي في هذه المدينة والأطفال والنساء؛ أما نح
ن فلا، نحن رجال. وهل يبكي الرجال؟
شهورا ودهورا لا فرق والألم يسكننا. ونحن نختلس المتع الصغيرة في بؤس اللصوص الطيبين، نختلسها بعيدا عن عيون الكبار؛ هؤلاء الكبار حراس الحقيقة والحكمة في مدينتنا.
متى جاء هؤلاء الناس الكبار إلى مدينتنا الهادئة في صخب، المؤمنة المطمئنة. هم الذين يمارسون في الليل الدعارة،وفي الصباح يعلموننا الإيمان والتقوى، ويجلدوننا بخطب الوعض والإرشاد التي لم تعد تقنع السذج والأغبياء منا، نحن الذين ولدنا هكذا في زمن الحزن العريض، وفي بلد الحزن العريض والممتد كبحر لا ينتهي، كيف جاؤوا هكذا كبارا وظلوا كبارا وبقينا نحن رغم العشرين عاما صغارا، يجلدوننا كل صباح وكل مساء بكلام مأثور ونسمع ونتمرد صامتين، ونقول سمعا وطاعة يا والدي وسيدي أنت أدرى وأنت أعلم بنا وبكم وبمن سيأتي بعدنا بألف عام. فمدينتنا لم تتغير منذ ألف عالم، جميلة وفاتنة في سكونها الليلي، وجليدية المشاعر ومصفحة ضد الحب؛ المقاهي للكبار وللسياسة والحمامات للنساء ولاختيار عروس الابن البضة ، مازالت العجوز في مدينتنا تجس مؤخرة الفتاة وصدرها قبل أن تخطبها لابنها. ونحن أبناء الحيطان المتهرئة لنا الشوارع والطرقات المشتكية منا، ولنا المعاكسات البائسة.
وأنا وصديقي نكتب الرسالة الأخيرة ونزار الذي أحببناه خاننا وانظم إلى الكبار راح إلى السياسة تاركا المراهقة والحب في تيه لا ينتهي؛ وصديقي يقسم أن ليس هناك حب في الأرض؛ وأنا غدا سألقاها، مزقت كل الرسائل وعرفت أخيرا ماذا سأقول لها؛ سألقاها غدا كما المئات سيلقونها وأعرف الآن ماذا سأقول لها فغدا يوم عرسها.

conter