الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

رسائل إلى آية: (1) رسالة النسيان

يا عزيزتي للنسيانالنسيان فضائل، أهمها واجلها أنه يمكننا من تخطي حالة الجنون التي نكاد نصلها بفعل فقد عزيز أو خيانة حبيب.

هذا ليس نسيان إنما تناس، فكثيرا ما نعجز عن النسيان وتؤرقنا ذاكرة الصوت الذي يسكننا كلما حاولنا نسيانه.

أنا في حياتي حكاية .. حقيقة ... هم ووهم... أسطورة اسمها آية لا يصدق بوجودها في هذا العالم غيري أحاول نسيانها ونسيان مكرها ولؤمها وشيطانيتها الخبيثة أو البريئة لم اعد أردي.

وكلما حاولت فعل ذلك؛ أي حاولت أن أنسى، أجدني عاجزا عن ذلك، لهذا نسامح ولا ننسى. نسامح من وجعنا من آلمنا كثيرا سواء قصد ذلك أم لم يقصد نسامحه رغم انه قد لا يستحق حتى السماح، نفعل ذلك فقط لأننا نحبه بعمق ولا نستطيع أن نحقد عليه رغم كل الخراب الذي تركه في الروح التي آمنت به يوما.

نسامحه كما سامحت أنا كثيرا ... تلك التي لم تكن تستحق أن أسامحها منذ البداية .. منذ أول كذبة.

يا عزيزتي الآن بعد أن تجاوزت الهوس بالصوت الذي يأتيني هاتفا ضاحكا أو باكيا أو معاتبا... الآن أدرك كم كنا أغبياء أنا وقلبي وعقلي حين صدقنا جميعا ما لا يصدق حين صدقنا بوجود امرأة مكمولة البياض ومجمولة الصفات وملائكية القلب والجسد .... يااااه، يا ذلك الغباء الذي اخجل منه الآن.

تلك الآية يا عزيزتي آيتي أنا وحدي التي لم ينزلها الله لغيري من العالمين صدقتها وآمنت بها فقادتني لمشارف الجنون وبطهرها المزعوم أفقدتني طهري وصدقي وثقتي بكل المشايّات... هل تذكرين حكاية المشّايات وحكاية لو لنت لغيرك لما وصلت إليك ... وهل تذكرين حديث اللهو ليلا مع شخص غير مؤدب زعمت بنزعتك التطهرية المقيتة انه شقيقك ... هل تذكرين حكاية شروق ابنة أختك البريئة التي لوثتي اسمها حين وظفته في حكاية آثمة مع اعز صديق...أكيد لا تذكرين رغم أن الذكرى تقلتلني أنا الذي يسعى للنسيان ...

عزيزتي منذ سنة حققت حلما كان مشتركا بيننا... حققته وحدي ولم أكن أدري أن تحقيقه سيكون نهاية لكل ما يربطني بك كأنك كنت حلما حين تحقق فقد كل بريقه وجاذبيته ... هل كنت حلما أم وهما... أم أن جمالك المزعوم الذي طالما كان مصدر فخرك وشعرك الأصفر الطويل الذي تتباهين به على نساء العالمين كان كابوسا التف حول عنقي في قيلولة صيف لم أتعود على أخذها، فاستقضت مفزوعا منه معتقدا أنني هربت من ضيق التنفس الذي سببه لي لأكتشف لاحقا بعد أيام وشهور وسنوات مرت على أول كلمة سمعتها منك أتتني منذرة بالخراب عبر الهاتف: ألو كريم. في تلك الراء التي تنطقينها مشددة فتثير رغبة في الضحك حين نسمعها أول مرة قبل أن نتعود عليها ونحبها، لأكتشف انك كابوس دائم الحضور وحلم لا يتحقق إلا هنيهات في لحظات صفاء لم تكن كثيرة بيننا، تذكرين حديثا كان بيننا ذا شجون، عن عيون سماوية أفقدتني راحة بالي، عن التماعات العقل في ح ضرة الحنين ... عن حبات الكرز الفرنسية المبهرة الجمال والتي لا طعم لها ...عن أول عيد قضيته هناك ... وهناك في فرنسا التي صار يعجبك الانتماء إليها لم تجد سوى حطام فرحة تكسرت في الطريق قبل أن تبلغ قلبك ... هل تذكرين حديثا كان بيننا ذات صباح عن ابن خلدون وعن سليمان الأشقر الذي عرفته عن طريقك كوني لا أقرا كتب رجال الدين، وبعد ذلك اكتشف انه ضليع في كتب السحر والشعوذة... السحر... لا شيء آخر أفسر به انشدادي لك بتلك الطريقة، بذلك الوله المنقطع النظير، بتلك الاستسلامية والتسليم الذي أبديه معك كما لم أبديه مع غيرك، بكل ذلك الضعف الذي أحسه معك ويخجلني من ذاتي، هل لأنني أحببتك كما لم يحب رجل امرأة، وبكيتك حين خسرتك كما لا يبكي الرجال ... أتساءل كثيرا من أنت بالنسبة لي أتساءل بقول أرسطو لما هو سئل: من هو الصديق؟. فأجاب: إنسان هو أنت إلا انه بالشخص غيرك!... فهل كنت أنت أنا في شغفك وفي خياناتك أيضا ... فانا بقدر ما أحببتك بقدر ما خنتك وبقدر ما صارحتك بخياناتي لك بعد الذي كان بيننا... صارحتك بخياناتي بعدد المرات التي أنكرت أنت فيها خياناتك ... هل خنتني حقا؟! كان يهمني جدا أن اعرف الإجابة عن هكذا سؤال جارح وقاتل ... الآن لم يعد يهم بعد أن ارتحلت أنت وحبك وأيام الوله والبله التي عشتها أسيرا لحب كان قدره أن لا يكتمل، بعد أن رحلت إلى تلافيف الذاكرة المتعبة بك، فآيتي التي لم ينزلها الله لغيري من العالمين صارت شيء من الماضي مضى وانقضى دون أن استطيع نسيانه لحد الآن.

هل قدر الحب الذي عشناه وهما جميلا وجارحا لكلينا أن يكون عابر سبيل لا يعرف مقصده .... مثل الريح تماما لا تترك الأشياء من خلفها على حالها؟؟؟

الخميس، ديسمبر 23، 2010

يا بلميلود لا تقل للشمعة أف

قراءة أولية في رواية جلدة الظل عبد الرزاق بوكبة

في وجداني حكايةبوكبة ... لابد أن احكيها ... عن حياتك التعيسة؟ ( الرواية، ص 11 )

هي نفسها الحك اية التعيسة التي يرويها لنا عبد الرزاق بوكبة في روايته " جلدة الظل من قال للشمعة أف؟ "، حكاية مؤسطرة، حميمية، ومغرقة في السلاسة، حكاية تاريخ متخيل لقرية لا تعرف تاريخها، هي قرية أولاد جحيش مسقط رأس بوكبة ومرتع أشجان بلميلود، في هذه الرواية يحكي بلميلود ويستمع بوكبة وكأننا في أحدى حلقات الحكواتي حيث توالي الأحداث ينسج حبكة الرواية، والرواية تستحضر في طياتها شخصيات لا تنقصها الأسطرة لتجعل منها محور أحداث الرواية ومن قبلها أحداث القرية، القريتين، قرية أولاد جحيش وقرية أعلى الجبل، بين القريتين تاريخ طويل من العداء ورغبة كل طرف في إفناء الآخر.

تنبني أحداث الرواية على ش خصيتين محورتين؛ الجازية ودياب، وبوكبة حين ينقل هاتين الشخصيتين من فضائهما الأسطوري الذي انوجدتا فيه وعبره ترسختا في المخيال الشعبي الجزائري، وفي الكثير من الأعمال الإبداعية الجزائرية السابقة على جلدة ظل، إنما يستعير رمزية الشخصيتين فقط بعيدا عن حقيقتهما التاريخية وملامحهما النفسية والمورفولوجية، وهو يفعل ذلك كذريعة فنية ليكتب تاريخا أسطوريا لقريته اتكاءا على حكاية حبهما الطفولية والمحزنة.

في قرية أولاد جحيش التي تأسست على حقيقة / أسطورة الجد الأول المؤسس الحسن بن جحيش الذي لم يبق منه سوى مصحفه الشريف الذي كتبه بخط يده وحضوره المتكرر في منامات كبراء وزعما القرية للتنديد وتصحيح التجاوزات التي تحدث ضد ذريته؛ في هذه القرية تنسج حكايات هامشية وتدور صراعات حادة وغير معلنة بين زعماء القرية، صراعات مبعثها الزعامة وسيادة القرية، خصوصا بين العاقل حلفانة (والد الجازية الذي اسود وجهه يوم بشر بأن مولوده أنثى ) وبين العاقل عصمان الذي ينافس الأول حول الزعامة.

هذا الصراع الذي ذهب ضحيته ذياب أولا ومن بعده الجازية، الذين اتهما بالجنون وربط كل واحد منهما لجدع شجرة في العراء.

والصراع داخل القرية ما هو إلا الوجه الأول للصراعات التي انبنت عليها الرواية، الوجه الثاني الأبرز للصراع كان سعي قرية أعلى الجبل لإفناء قرية أولاد جحيش.

إن هذه الرواية حين نقرؤها برؤية سوسيولوجية نجد أنها انبت أساسا على قيم صراعية بين أبطالها فمن الصراع المعلن بين القريتين، إلى الصراع الخفي بين عقلاء القرية على الزعامة، إلى صراجلدة الظلعات غير ظاهرة بشكل جلي كالصراع غير المعلن عنه بين الحواس ودياب على حب الجازية، هذا الصراع الأخير الذي لم يظهر إلى بعد نكبة دياب والجازية واتهامهما بالجنون، واختفاء دياب المريب بعد فترة من ربطه / سجنه؛ الغياب الذي أيقض رغبة الحواس في الجازية وجعله يتساءل: هل كانت ستحبني لو لم يكن دياب موجودا؟.

بالإضافة إلى هذا نجد صراعات أخرى بوسائل غير صراعية هدفها الأساسي هو إعادة ترتيب العلاقة بين طرفي الصراع وفق قواعد جديدة، كمال هو الحال في علاقة العاقل فلحانة بزوجته سعدية التي ترى فيه سببا لحرمانها من حقها في الأمومة، وهو نفس الصراع الذي نجده بين واعز بن كلمان زعيم قرية أعلى الجبل مع زوجته واشية التي لم تجد فيه الرجل الذي انتظرته في الفراش، لأنه يشتهي أير الرجل أكثر مما تشتهيه هي. هذا النوع الأخير من الصراع والذي انوجد أساسا بسبب الرغبة الجنسية والسبل الممكنة لإشباعها، انتهى بارتماء الزوجتين في أحضان رجال آخرين؛ سعيدة في أحضان عصمان، وواشية في أحضان دياب.

نهاية الرواية ظلت مفتوحة وكل الأحداث التي نسجتها مخيلة الكاتب ظلت معلقة في الهواء تنظر الجزء الثاني الذي اختار له بوكبة عنوان " محيض الزيتونة: من قال للشمعة أح، والذي لم يصدر بعد

جلدة الظل رواية ممتعة امتلك كاتبها لغة حميمية تقربها من نفس وعقل القارئ ، كما أنها مساهمة جادة وواعية لربط المتخيل السردي بالمكان بشكل قلما نجده في المتن الروائي الجزائري المكتوب بالعربية.

conter