الاثنين، نوفمبر 25، 2013

متعلمات لن دون وعي





عوّل الكثير من اليساريين والعلمانيين العرب، وعلى مدار عشريات كاملة، على دور التعليم في تغيير الواقع الاجتماعي، وخاصة ما يتعلق باضطهاد النساء من طرف نظام أبوي يرى في جسد المرأة شرفه وأساس قوته المعنوية.
فتعليم المرأة وخروجها للعمل واستقلاليتها الاقتصادية كان يمكن أن يؤدي إلى تغيير جوهري في طبيعة البنية التحتية فيما يخص التوزيع الجنسي للثروة، وذلك بتوسيع نسبة مشاركة النساء في الإسنفادة من الثروة، هذا التغيير في البنية التحتية كان سيؤدي، وبشكل طبيعي، حسب التحليل الماركسي، إلى تغيير مقابل وجوهري أيضا في طبيعة البنية الفوقية، وخاصة ما يتعلق بالقيم والثقافة السائدة، والتي هي قيم وثقافة منحازة ضد النساء، ومن ثمة تغيير طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع من خلال تحرير، وافتكاك الحياة الخاصة للفرد من هيمنة وتوجيه ورقابة الجماعة المتشبعة بقيم أبوية تسلطية في طبيعتها. الذي حدث، وخيب الآمال اليسارية كلها، أن المرأة وهي تكتسب من التعليم قسطا وافرا وتخرج للعمل وتستقل اقتصاديا، بل وتصبح في الكثير من العائلات هي المعيل ومصدر الدخل الرئيسي، وإنتقال البنية الأسرية في الكثير من المجتمعات العربية إلى أسرر نووية، وفك الارتباط مع الأسرة الممتدة المشدودة لبعضها البعض بهيمنة رمزية شديدة الهالة لرب الأسرة.
في ظل كل هذه التغيرات البنيوية العميقة لم تتمكن المرأة العربية من تحقيق متكسبات مهمة على الصعيد القيمي، أي على مستوى نظرة المجتمع لها كفرد لا يعرف بذاته إنما بانتمائه العائلي وبمحارمه من الرجال: فهي ابنة فلان وزوجة فلان، وهذا الانتقاص من قيمة المرأة لا تكمن خطورته على مستوى التوصيف فقط والربط الإسمي بالرجال ( الأب والزوج )، إنما على مستوى القيم الناظمة لهذا التوصيف وذلك الربط ، أي على اعتبار المرأة حاملة لشرف العائلة، وبالتالي اعتبار جسدها ملكا عشائريا/عائليا وليس ملكا فرديا كما هو الحال بالنسبة للرجل، وهذا التصور هو المبرر الذي ترتكز عليه الهيمنة الذكورية كأحد أبرز تجليات النظام الأبوي، وهو الحجة الأبرز التي تساق لتبرير التضييق على النساء ومراقبتهن، وهو تبرير تتبناه الكثير من النساء نتيجة تشبعهن بالرؤية الأبوية المبثوثة في طرق التربية والتنشئة الإجتماعية. 
إن ما عمق خيبة الطامحين لترسيخ قيم الحداثة الاجتماعية في الوطن العربي، أن الذي حدث هو تمكن ما يسميه هشام شرابي بالأبوية المحدثة من نقل القيم الأبوية للأجيال الجديدة التي نشأت في ظل تلك التغيرات البنيوية المذكورة أعلاه والتي خلخلت النظام القديم للمجتمعات العربية، وتمكنت، أي الأبوية المحدثة، من جعل الفئة الأكثر عرضة للظلم وهي فئة النساء، تتبنى تلك القيم وتدافع عنها، من خلال تقديمها كقيم أصيلة في مواجهة القيم الدخيلة، ومن خلال ربطها التعسفي بالدين وبالأصالة ومن خلال ، وهذا هو الأهم، قوة التنديد والعقاب الاجتماعي الذي تقابل به كل عمليات الخروج العلني على تلك القيم المرعية من طرف الأبوية المحدثة.
ونتيجة تبني السناء المتعلمات والعاملات لتلك القيم والدفاع عنها بشكل يتعارض في العمق مع مصالحهن الفردية، ومع ما يتطلعن إليه من مساواة وعدالة اجتماعية تلغي القمع الذي تتعرض له النساء في المجتمع وتساهم في التمكين للمرأة في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل متزن، وغير مدان أخلاقيا، كما هو حاصل الآن فقد تمكّنت، رغم كل عمليات التحديث الظاهري، الرؤية البدوية / السلفية للعالم التي تتبناها فئات هي في الأصل متضررة منها، ومن ثم فقد ذهل التحديث المجتمعي عن مقاصده في مجتمع تبقى منظوماته القيمية عصية على الإختراق والتحوير.

conter