السبت، أبريل 20، 2013

حول فكرة التضحية


عندما يصير التمسك بإنسان عبء، قد نصبر ونصابر، نتحمل ونناضل من أجله، ولكن لحد معين، ثم بعدها، عندما يصير عبؤه ثقيلا يعيقنا عن التحرك في استقلال عنه، ويعطل مصالحنا، وينذر حياتنا لانتظار قد يطول، حينما غريزة البقاء ستنصر فينا، وسنتصر فينا أنانيتنا التي ستدفعنا للتخلي عنه أو فك الارتباط معه بشكل يعيد لنا حريتنا وقدرتنا على التحرك بعيدا عنه ، ولو بشكل نسبي. قد يرى البعض في هذا التخلي نذالة. لكن ضغط تحمل الآخر لوقت طويل بشكل يقيد الحرية ويعطل المصالح بشكل حاد هو ما يعطيه مبرره، يشترك الإنسان واليحوان في هكذا نزعة أنانية رغم أن الانسان لا يتوقف عن ادعاء العكس باسم التضحية، لكن التضحية التي ترضي غرورنا ونحن نقوم بها لأنها تصورنا في عيون الاخرين كأبطال نبلاء قادرين على المنح والبذل لأجل الآخرين، تلك التضحية حين تصل إلى درجة أن علينا التضحية ليس بجزء من حياتنا وحريتنا ومقدراتنا إنما بالكل او بأغلب ما لدينا من أجل شخص آخر مهما كان قريبا، حينها سنتوقف عن التضحية والبذل حفاظا على ما تبقى منا، فقط في بعض الحالات الخاصة التي تكون فيها العواطف متأججة بشكل جماعي ( حالات الأزمات والحروب مثلا ) يمكن للفرد أن يضحي بكل شيء حتى بنفسه من أجل الجماعة، مع ان الجماعة قد تختصر، ويمثلها في موقف معين فرد بعينه، ذلك الفرد يتحول في لحظة التضحية وفي نظر القائم بالتضحية إلى رمز أو قيمة أو غرض قابل لأن يكون سببا للتضحية، ليس لذاته إنما لرمزيته التي يستشعرها الذي يقوم بالتضحية دون أن يستطيع إعطاءها معنى دقيق، أي دون ان يمفهمها.

إننا نسحب على التضحية مجموعة المفاهيم سيئة حتى صار أي حديث عن مبرر لها، كضرورة، غير مقبول وغير طبيعي ويعبر عن رأي أو تبرير شخصي من صاحبه. لكنها تبقى إحدى آليات الدفاع عن البقاء التي تضمن للشخص القدرة على الدفاع عن نفسه عند الرمق الأخير، وحتى تعطيلها بشكل تام يعبر عن حالة استدفاع للضرر عن الغير وتحميل الذات له، وهو حالة مرضية، وقد عبر دوركايم عن هذه الحالة تحت مسمى الإنتحار الغيري الذي يترافق غالبا مع حالات غير سوية كالحروب والأزمات التي تجعل من التضحية في سبيل الغير مطلبا للذات وللجماعة في الوقت نفسه، ورغم كون التضحية التامة هنا كنقيض للأنانية هي حالة غير سوية وشاذة إلا انها تلقى قبول وتمجيد من طرف الجماعة لمن يقوم بها، تمجيد دنيوي وأخروي من خلال إطلاق الصفات التقديسية ( شهيد مثلا ) على من يقوم بها دفاعا عن الجماعة، او عن فكرة يؤمن بها ويضطر للتضحية بالنفس من أجل منح قدرة على الاستمرار لتلك الفكرة.




عن الرغبة والشغف


" ما كان مجرد نزوة عابرة ورغبة في تحصيل متعة حسية قد تحول، وبسبب منافسة طرف ثان، إلى رغبة جارفة وشغف استحواذي كانت نتيجته زواج ثم طلاق بعد أقل من ثلاثة أشهر ".

كانت هذه خلاصة الحكاية التي يرويها سمير عن سر إقدامه على تطليق زوجته نتيجة شعوره بانتفاء رغبته فيها بشكل تام بعد أن صارت ملكا له. كان سمير بارعا في تحليل المشاعر والرغبات التي تقف خلف، وفي عمق، التصرفات والقرارات الاكثر أهمية في حياتنا.
وهو يتكلم بإسهاب عن تجربته كنت استحضر بعض ما قرأته عند رينيه جيرار عن مثلث الرغبة ودور الوسيط في تأجيج الرغبة. فنحن غالبا ما لا نكتشف رغباتنا من تلقاء أنفسنا، إنما نحتاج إلى مهماز ينبهنا إليها، وذلك المهماز غالبا ما يكون منافسا لنا على تلك الرغبة / الغرض.

يقول رينيه جيرار: " نظن أننا أحرار ومستقلون في خياراتنا، سواء


في اختيار ربطة عنق أو امرأة. إنه وهم رومانسي! والحقيقة أننا لا نختار سوى أغراض سبق أن رغب فيها غيرنا. فرغباتنا، وفق التحليل الجيراري، غالبا ما تكون ثمرة " الغرور العام " الذي تغذيه مشاعر مثل الحسد والغيرة والكراهية العاجزة.
والرغبة وفق جيرار دائما، تتضاعف حين تكون مشتركة، سواء كانت رغتنا في الفوز بامرأة ام رغبتنا في النجاح في امتحان ما، فالأمر يخضع لنفس المنطق ويصدر عن نفس المشاعر الدفينة التي نعجز غالبا عن تبريرها.
هذه الفلسفة الرغبوية القائمة على دور محوري للوسيط المحفز، نعثر عليها لدى عدد كبير من الروائيين كمارسيل بروست وستاندال ودوستويفسكي، نعثر عليها ايضا عند تينسي ويليامز في مسرحيته " عربة اسمها الرغبة " التي استوحي منها علي بدرخان فيلمه " الرغبة " والذي يعد أصدق تمثيل في السينما العربية لمثلث الرغبة الجيراري.

conter