الخميس، سبتمبر 30، 2010

خواطر حول لقاء المدونين: يوسف بعلوج

mr-jo_8091_n بطاقة اللقاء:

المكان:مقر يومية وقت الجزائر بشارع السعيد حمدين.

الزمان:الساعة الحادية عشر من يوم الإثنين 27/09/2010.

الحدث:أول لقاء شبه رسمي لجمع من المدونين الجزائريين.

المشاركون:

علاوة حاجي-صحفي ومدون- مشاركا،مغطيا،ومشرفا عاما على اللقاء.

قادة الزاوي-مدون وطالب-مشاركا،وصاحبا لفكرة اللقاء.

يوسف بعلوج-مدون وناشط الكتروني-مشاركا،مغطيا،ومنسقا عامل للقاء.

قويدر أوهيب-مدون باسم توفيق التلمساني-مشاركا.

حمود عصام-مدون وفنان تشكيلي-مشاركا.

الطاهر زنودة-مدون وطالب -مشاركا.

شافع بوعيش-مدون وصحفي-مشاركا ومغطيا للقاء.

رستم بلعمار-مشرف على بوابة فيكوس الالكترونية-مشاركا ومغطيا للقاء.

جابر هدبون-مدون وصاحب موقع خدمات غرافكس-مشاركا.

عمروش أمينة-مدونة باسم شجون-مشاركة.

بن الشيخ سمية-مهتمة بالتدوين-مشاركة.

نصر الدين حديد-صحفي ومدون-مغطيا للقاء.

المواضيع المتطرق إليها:

واقع وأفاق التدوين الجزائري.

العقبات الحائلة دون تطور التدوين الجزائري.

سبل العمل المشترك بين المدونين الجزائريين.

انجازات التدوين الجزائري.

التدوين بين المنصات المجانية المفتوحة والمنصات المدفوعة.

التدوين وعلاقته بالإعلام الكلاسيكي.

فاعلية وإنتاجية المدون الجزائري.

المقارنة بين النماذج التدوينية العربية والنموذج الجزائري.

قابلية الهيكلة والتنظيم.

مدى تأثير المدون الجزائري في المتلقي.

التدوين بين اللغة العربية واللغات الأخرى.

التواصل بين المدونين الجزائريين.

نتائج اللقاء:

الاتفاق على مدونة جماعية نوعية.

الاتفاق على ملتقى وطني يضم أكبر عدد من المدونين أصحاب الكفاءات.

تحسين التواصل بين المدونين.

الدعاية لمشاريع المدونين الجزائريين.

خلق ديناميكية لاستقطاب المواهب واستكتابهم في المدونة الجماعية.

خواطر عن لقاء المدونين الجزائريين الأول

يوسف بعلوج

بدأ اللقاء بفكرة بين علاوة حاجي والخير شوار ويوسف بعلوج،منذ أكثر من سنتين خلتا،كانت مجرد فكرة لم تتبلور ولم تجد طريقها إلى التنفيذ،تخطينا عتبة الفكرة بلقاء مصغر العام الفارط في معرض الكتاب،جمع بين أربعة مدونين:عمار بن طوبال،الطاهر زنودة،قادة الزاوي،ويوسف بعلوج،والمؤكد أن لقاءا جوه الصداقة،لا يكفي لبحث الواقع الراهن،وإيجاد سبيل لمستقبل أكثر إشراقا...هدأت الأمور لفترة إلى أن فجرها قادة الزاوي مجددا،أطلقها زفرة دون أية مقدمات،لم لا يلتق المدونون الجزائريون؟ تلقف الجميع هذه الزفرة باهتمام كبير،ومنها عادت المبادرة إلى الظهور مجددا،بريتم بطيء لكن بخطوات أكثر ثباتا وأكثر جدية،العرض الأول كان من عصام حمود،سأكفل لكم المقر في باتنة،رد علاوة حاجي بل سيكون في مقر جريدة وقت الجزائر،ليتخذ طابعا أكثر رسمية.

بعد مخاض عسير دام طيلة شهر أوت،وتعداه إلى النصف الأول من شهر سبتمبر اتفقنا على تاريخ يناسب الأغلبية،في الوقت الحرج قبل اللقاء بأقل من يومين نزل علينا خبر اعتذار عمار بن طوبال نتيجة ظروف شخصية كالصاعقة،الكل ر60285_1626061339848_1485985125_1643920_1726820_nأى في اعتذاره خسارة كبيرة،على وقع خبر اعتذار عمار،توالت التشكيكات،وتحول البعض من تأكيد الحضور إلى نوع من التردد،تردد كان سيخلط جميع الأوراق لولا تحكيم المنطق في النهاية،في مقابل هذه الاعتذارات خرج العديد من المدونين وغير المدونين،في اللحظة الأخيرة بقرار المشاركة،منهم من سمع متأخرا وتفاعل مع الأمر بسرعة،قرر و-بالطبع- نفذ كجابر هدبون،ومنهم من خرج علينا بشعارات قائمة على نظرية المؤامرة وكأننا تعمدنا إقصاءه،بالرغم من أن الفكرة هي لقاء ودي اختياري بين أسماء معينة اختارت أن تلتقي دون أية خلفية،وبالرغم من أننا فتحنا المجال إلى درجة حضور من لا يحمل فعليا صفة المدون يوم اللقاء...طبعا اكتفى هؤلاء بالشقشقة اللفظية،والكلام الذي يدس سم الاستهزاء،في عسل التمنيات بنجاح المبادرة.

جاء الموعد...حضر كل من وعد بالحضور،خسرنا من اعتذر لظروف قاهرة،كسيف الدين الأحول بسبب الدراسة،وتفاجئنا بحضور شباب ممتازين بفكر خلاق،تعرفنا عليهم أول مرة يوم اللقاء،مثل رستم الذي جاء مغطيا للحدث،ومشاركا في النقاش.

كان اللقاء وديا إلى أبعد الحدود،رغم النقاش الصحي واختلاف الآراء والخلفيات،إلا أن هنالك خطوط عريضة اتفق عليها الأغلبية،قررنا تحديد نقاط الضعف بدقة لتلافيها،وبحثنا عن  نقاط القوة لتثمينها والعمل على تطويرها.

بعد أزيد من ثلاث ساعات من النقاش،تطرقنا فيها إلى العديد من المواضيع التي تمس التدوين والمدونين بصفة عامة،والتدوين والمدون الجزائري بصفة خاصة،من الاهتمامات إلى الإنجازات إلى النقائص،إلى الهواجس والمقترحات...انصرفنا على أمل يجمعنا بملتقى أكبر وأوسع وأشمل،كذلك بمشاريع جديدة نوعية،كفكرة المدونة الجماعية،التي أردناها خدمة للمدونين الجزائريين من جهة،كأفراد قرروا الخروج من الظل والتعبير عن خواطرهم وهواجسهم وتفجير مواهبهم عبر المدونات،وواجهة تدوينية مشرفة للجزائر كبلد يحوي كما جيدا من المواهب،تبحث عن فرصة للإنطلاق،وخدمة كذلك للتدوين من جهة أخرى،كظاهرة مازالت لم تتكرس بالمفهوم الصحيح لها في مجتمع جزائري،حلمه التعبير عن ذاته دون أي قيد أو رقابة.

في الأخير نوجهها دعوة،لكل من يهمه الأمر...إن كان يستهويك التدوين فأبدأ اليوم،إن كنت تملك منبرا،فسلط الضوء على هذه الظاهرة بسلبياتها قبل ايجابياتها،من يدري قد تكون أنت سببا في قفزة نوعية،الأكيد أننا في أمس الحاجة إليها لنماهي تجارب الآخرين الناجحة،مع الشكر المسبق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: صفحة يوسف بعلوج على الفايس بوك

http://www.facebook.com/note.php?note_id=443232718874&comments

السبت، سبتمبر 18، 2010

وداعا محمد أركون

رحل محمد أركون، رحل الرجل الذي نذر حياته لفك السياج الدوغماتي المغلق الذي ينسجن بداخله العقل الإسلامي منذ قرون طويلة، رحل دون أن ينفك ذلك السياج العقائدي المسكون بآلاف التأويلات المتضاربة للنص الديني المقدس (قرآن، حديث نبوي)، ولا فضل للرجل الذي أثرى المكتبة العربية بعديد الكتب القيمة سوى انه ساهم من موقعه كأستاذ للفكر الإسلامي وكباحث يوظف أحدث ما توصلت إليه مناهج العلوم الإنسانية في دراسة الفكر الإسلامي عبر سيرورته التاريخية، لا فضSatelliteل له سوى أنه ساهم في خلخلة اليقينيات التي اطمئن لها العقل الإسلامي دون أن يساءل نفسه عن صحتها أو يسائلها ليكشف ما تمور به دواخلها التي تكونت عبر مئات السنين. ويكفيه فضلا وهو يرتحل نحو الذاكرة الجمعية للمثقفين العرب أنه ساهم في إحداث هذه الخلخلة.

محمد أركون المفكر الجزائري، وأستاذ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون، يعتبر مشروعه الفكري الموسوم بالإسلاميات التطبيقية محاولة متفردة لدراسة التاريخ الإسلامي بما يحمله من تراث ومرجعيات دينية واجتماعية، واحدا من أهم المشاريع الفكرية التي قيض لمثقف عربي القيام بها في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولكن مالذي قدمه أركون كمثقف عربي مهاجر وحاصل على الجنسية الفرنسية للفكر العربي، وللمجتمعات العربية بصفة عامة، يمكن الاستشهاد هنا على أهمية مشروع أركون الفكري وضرورته الراهنة والمستقبلية بما قاله مترجم كتبه للعربية المفكر السوري هاشم صالح:

" كثيرا ما طرح علي هذا السؤال: لماذا كل هذا الإلحاح على أركون؟. ألا تعتقد بأنك تبالغ في أهميته؟، وما هو الشيء الذي قدمه للفكر العربي الإسلامي؟.

واعترف بأن التساؤل كان يحيرني ويدهشني في كل مرة، فقد كنت اعتقد بأن الترجمات التي قدمتها حتى الآن ( حوالي العشرة كتب وآلاف الصفحات..) كافية للبرهنة على أهمية هذا المشروع وضرورته بالنسبة للعرب والمسلمين ككل، وأ نا واثق أن هذه الأهمية، سوف تتجلى للناس أكثر فأكثر بمرور الأيام، وإلا فاني أكون قد أضعت خمسة وعشرين عاما من عمري عبثا "([1])، فمحمد أركون الذي صبغ من خلال كتاباته العديدة، ومن خلال مجلته الأكاديمية "ارابيكا"، صبغ بصبغته الخاصة الدراسات الإسلامية في أوروبا، وفي العالم العربي أ يضا، هذه الدراسات التي بدأت تجد لها أنصارا ومريدين يحتذون حذو أركون، ويوظفون منهجه التركيبي لما يمتلكه المنهج الاركوني من قدرة على الولوج لجوهر الإشكاليات المطروحة على الفكر الإسلامي المعاصر، وأيضا لقدرة المشروع الفكري الاركوني على تفكيك تلك الأحكام المسبقة التي تسيّج العقل الإسلامي داخل نظام دوغماتي مغلق يصعب الفكاك منه، لأجل الانطلاق بعيدا عن تأثير التراث الكابح لعملية التحديث والنهضة والعلمنة التي يدعوا لها أركون من خلال مشروعه الفكري، وفي نفس الوقت إبراز النقاط المضيئة في التراث الإسلامي، الذي يشتغل عليه أركون ليس كموضوع تاريخي محض ، إنما كعامل لا يزال حيا ومؤثرا في حياتنا الفكرية والسياسية الراهنة.


[1] - هاشم صالح، محمد أركون ومشروعه، جريدة الشرق الأوسط، العدد 8949، الجمعة 29 ربيع الأول 1424 هـ 30 مايو 2003.

السبت، سبتمبر 11، 2010

المثقف الجزائري وخطاب الأزمة

يبدو الخطاب الثقافي الجزائري خطابا مسكونا بأزمة بنيوية حادة تتجلى في نقطتين رئيسيتين هيمنت على جزء كبير من نتاجات المثقفين الجزائريين، تتمثل النقطة أو الإشكالية الأولى في علاقة المثقف بالسياسي التي تميزت بكثير من التبعية، في حين الإشكالية الثانية مرتبطة بالهوية أزمةالجزائرية التي لم تنتج حولها خطابات جامعة تمنح المجتمع هوية قارة وتحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين

1 - علاقة المثقف بالسياسي أو خطيئة المثقفين:

" إن عضوانية المثقفين الجزائريين أدت بهم تدريجيا إلى قصر بصرهم السياسي بحيث لم يقدّروا أحسن تقدير أهمية صعود الوطنية وتغلغلها في أوساط الجماهير "([1]). هذه المقولة لعلي الكنز توضح بجلاء كيف تعامل المثقفون مع صعود الحركة الوطنية بتجاهل وانعزالية، ومن ثمة كيف تعاملت الحركة الوطنية مع المثقفين أثناء مراحلها المختلفة: مرحلة نجم شمال إفريقيا ( 1926 – 1936 )، مرحلة حزب الشعب الجزائري (1937 – 1946 )، مرحلة حركة انتصار الحريات الديمقراطية ( 1946 – 1954 )، ثم مرحلة جبهة التحرير الوطني ( 1954 – 1962 )، أثناء كل هذه المراحل لم يكن هناك حضور للمثقف يستحق الذكر "ولا يمكن أبدا اعتبارهم 'رفقاء الطريق' أذا ما قورنوا بالثوريين الوطنيين "([2])، وهذا ما جعل الثورة التحريرية تعيش إشكالية مأساوية مع المثقف نتيجة تأخره ' غير المفهوم " عن اللحاق بالعمل المسلح وقبله بالنضال السياسي، وقد تجلت هذه الإشكالية المأساوية رغم الالتحاق المتأخر للمثقف بالعمل المسلح بعد إضراب الطلبة سنة 1956 والتحاق طلبة الجامعات والثانويات بالعمل المسلح، تجلت في قضية لابلويث la bleuite حيث " قام العقيد عميروش بتصفية المئات من هؤلاء الطلبة الذين التحقوا بالجبال بعد إضراب 56 "([3])، بعد أن طالتهم تهمة الخيانة.

ومن هنا كانت علاقة الثوار بالمثقفين " علاقة متشضية "، فمما لا شك فيه أن المناضلين الثوريين كانوا يقدرون المثقفين بنوع من الحذر وعدم الاندفاع، " بل كانوا يلومونهم ويعيبونهم البرودة في التحليل والتردد في اتخاذ المواقف "([4])، وهذا اللوم استمر حتى بعد الالتحاق المتأخر للمثقفين بالعمل المسلح، واعتبرت توبتهم ناقصة لأن الخطيئة أصلية، أي مرتبطة ببداية النضال السياسي، وهي خطيئة مرتبطة في جزء منها بطبيعة المثقفين وتكوينهم.

فبالرغم من كون الثورة التحريرية مثلت نقلة نوعية في حياة المجتمع الجزائري على جميع الأصعدة إلا أن المثقف الذي يفترض فيه أن يكون الأقرب إلى نبض المجتمع الذي ينتمي إليه لم يكن في طليعة المناضلين لتفجير هذه الثورة ، ويمكن إرجاع ذلك حسب ما تذكره فاطمة الزهراء زيراوي إلى: " طبيعة المثقف في حد ذاته فليس كل حدث يمر إلا ويصدر عنه رد فعل مباشر وآني وتلقائي، في الوقت نفسه نجده عند بعض الفئات الاجتماعية، كالذي يعيش على الخبر دون تحليله وإعطاء الملابسات التي ينطوي عليها والظروف التي جعلته يكون على ذلك المنوال، ولا نأتي بجديد إذا قلنا أن من خصائص المثقف التروي في اتخاذ المواقف ..."([5])، ولكن هذا التروي والتردد اتجاه فعل غيّر واقع المجتمع الجزائري برمته وهو الثورة التحريرية جعل المثقفين وهم يلتحقون بالعمل المسلح بعد أن بادر به المناضلون الثوريون، يشعرون بكثير من التأنيب نتيجة هذا التأخر الغير مبرر في نظر الثوار.

أثناء اندلاع الثورة التحريرية كان المثقفون الجزائريون منقسمون إلى فئتين متناقضتين من حيث المرجعيات الفكرية وكذا من حيث اللغة التي تستعملها كل فئة للتعبير عن أفكارها، ومع هذا الاختلاف الشديد بينها فقد التقت كلا الفئتين في تجاهلها الكبير للحراك السياسي العميق الذي عاشه المجتمع الجزائري والذي كانت نتيجته تفجير ثورة أول نوفمبر. وهاتين الفئتين هما:

- فئة المثقفين الإصلاحيين: وهي الفئة التي ينضوي تحت لوائها غالبية كتاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين " وهم كتاب اللغة العربية من صحفيين وشعراء وكتاب مقالات اجتماعية ودينية "([6]) وأفراد هذه الفئة يتموضعون " في إطار استمرارية ثقافية هي الحضارة العربية الإسلامية في الشرق العربي كمرجع ثقافي-إيديولوجي، والبورجوازية التقليدية كقوة مادية واجتماعية ملموسة "([7])، وفي إطار هذه الفئة من المثقفين الإصلاحيين برزت عدة أسماء لأدباء وصحفيين ومؤرخين، عن طريق نشاطهم عبر المؤسسات الثقافية والإعلامية التي أنشأتها الجمعية كالجرائد والمجلات والنوادي الثقافية المختلفة بالإضافة لمدراس الجمعية.

- فئة المثقفين المفرنسين: وهي الفئة التي آمنت بقيم الثورة الفرنسية نتيجة تعلمها في المدرسة الفرنسية، كما آمنت بالحداثة كنقيض للبنيات الأصلية التقليدية للمجتمع الجزائري، وهذه الفئة قد " آمنت إيمانا قاطعا بأن الجزائر يمكنها أن تندمج في الدولة الفرنسية بفضل قيم الحرية والمساواة والأخوة التي تلقن في الكتب المدرسية"([8])، ونتيجة تعارض أطروحات هذه الفئة مع طموحات الشعب الجزائري فقد عاشت هذه الفئة تمزقات داخلية حادة وإحساسا بالغربة داخل الوطن مما جعلها تقدم أطروحاتها الفكرية بشكل  لا يخلو من التناقض، نتيجة التكوين والمرجعيات المتناقضة التي أخذت بها، فقد تكون أفرادها " في إطار استمرارية ثقافية شعبية – فلكلورية وشفهية جزائرية، وثقافة أوروبية كونية ناتجة بالأساس عن تكونهم في المدارس الفرنسية وتياراتها من ليبرالية وماركسية "([9]).

إذا فقد " التحق المثقفون بالثورة بمأساوية شاعرين بالذنب الثقيل، ليس فقط بسبب التحاقهم المتأخر وإنما لسبب كتاباتهم وخطابهم المتأخر أيضا "([10])، وهذا ما ولد لديهم شعورا حادا بالنقص أمام الشريك الثوري الذي كان سباقا للنضال المسلح، ومن ثمة أصبح هو راعيهم وهم رعيته.

هذه العلاقة ستسمر بعد الاستقلال وتتخذ أشكالا أخرى في ظل الدولة المستقلة، حيث سيوظف السياسي المثقف لخدمة أغراضه، والمثقف الموظف حسب عبد القادر جغلول "هو أولا وقبل كل شيء وكيل الدولة أو عميلها أو ما يمكن تسميته بوكيل التنمية "([11])، ودور وكيل التنمية والمبشر بالتغيير هو الدور الذي لعبه المثقف بامتياز عقب الاستقلال نتيجة تبعيته للنظام السياسي الذي استطاع توظيف فئة المثقفين وتحويلهم إلى مبررين لاختياراتهم السياسية والإيديولوجية سواء في عهد الرئيس احمد بن بلة الذي نجح في جمع عدد كبير من المثقفين اليساريين حوله، أولئك الحالمون بدور طليعة المجتمع، أو بعد انقلاب العقيد هواري بومدين على بن بلة وتوليه السلطة ومباشرته إصلاحات اقتصادية واجتماعية عميقة هدفت للانتقال بالجزائر نحو أفاق تقدم أرحب، بومدين الذي عمل على منح المثقفين دورا بارزا في " التوعية " والتبشير بالاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وقد تجلى ذلك مع تبني الثورة الزراعية التي مثل الطلبة بو قها الدعائي في صفوف الفلاحين وسكان الأرياف.

إذن فقد ورثت الدولة الجزائرية المستقلة نماذج ثقافية و " انثلجانسيات " متنافرة لغويا وإيديولوجيا وهو ما جعلها عقب الاستقلال تقوم " بمجهود فكري وعقائدي لصياغة اطروحتها الخاصة اعتمادا على المبدأ " الوطني التوحيدي " الاجماعي الناظم لبناء الدولة، فكما أجهدت الثورة الجزائرية نفسها في " توحيد التنوعات الايديو-سياسية الموروثة عن تعددية الحركة الوطنية ( 1912 – 1954 ) في خطاب سياسي راديكالي وعنيف رمزيا، كانعكاس للعنف الوطني والثوري لحل المسألة السياسية الوطنية، فستحاول الدولة الوطنية ولو بكثير من الجهد والعناء والبراغماتية، صياغة خطاب سياسي حول الثقافة، يحوصل شتات الثقافات المجتمعية الجزائرية الموروثة في نسق إيديولوجي وطني موحد وتحديثي"([12])، وهذا العمل " التوحيدي" الذي قام به النظام السياسي الجزائري والدولة الوطنية هو نفسه الذي أنتج في النهاية خطابات ثقافية تابعة بشكل معلن للخطابات السياسية، باستثناء حالات قليلة ظلت مهمشة ومركونة في الزوايا المظلمة.

2 - الهوية المأزومة في الخطاب الثقافي الجزائري:

يتميز الخطاب الثقافي المنتج من طرف المثقفين الجزائريين وهو يتناول مسألة الهوية بالتأزم وعدم القدرة على خلق خطاب جامع ومتفق عليه نسبيا حول هوية اجتماعية واضحة للمجتمع الجزائري، حيث نلحظ أن مسألة الهوية في الجزائر تمثل " إشكالية قصوى ضمن فسيفساء المشهد الثقافي ككل" ([13]) وهذا ما يتجلى في انقسامية المثقفين الجزائريين حين يتعلق الأمر بنظرتهم لهوية المجتمع الجزائري، وقبل التطرق إلى محددات الهوية الجزائرية، يجدر بنا الإشارة إلى أهمية تكوّن هوية واضحة المعالم ودور هذه الهوية في توفير الشرعية السياسية للنظام الحاكم من جهة، ودورها في دعم السلم الاجتماعي من جهة ثانية. حيث يمكن توضيح المسألة بالشكل التالي([14]):

أ – لا وجود لشرعية سياسية حقة وبالتالي لدولة وطنية شرعية إلا بوجود شرعية ثقافية.

ب- ولا وجود للشرعية الثقافية إلا بوجود هوية اجتماعية واضحة.

وهذه الهوية الواضحة اجتماعيا والتي تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين أو أفراد الأمة وكذا مختلف الفاعلين السياسيين داخل المجتمع، تساهم أكثر ما تساهم في دعم السلم الاجتماعي الذي يظل مرتبطا بتوافر الشرعيتين السابقتين وهما الشرعية السياسية والشرعية الثقافية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مادية أساسا مرتبطة بمستوى الرفاه الاقتصادي والتقدم الحضاري الذي يبلغه المجتمع في مرحلة معينة من مراحله التاريخية.

هناك عدة عوامل تاريخية، محلية وكونية، ساهمت في بلورة ثوابت معينة للهوية الجزائرية تتمثل هذه الثوابت في ثلاث محددات رئيسة هي:

- الدين الإسلامي.

- اللغة العربية.

- الأصل الأمازيغي.

والخلاف ليس حول هذه الثوابت الثلاثة التي تحضى بقبول نسبي من طرف جموع المواطنين باستثناء بعض الفئات/ التيارات غير مسموعة الصوت التي تلغي عنصر معين من هذه العناصر الثلاثة لصالح عنصر آخر، كالتيار الذي يرفض البعد الامازيغي البربري للهوية الجزائر على اعتبار أن أصل الأمازيغ يعود في نهاية التحليل التاريخي إلى العنصر العربي، كما يزعمون؛ أو التيار البربري الذي يرفض العروبة كمحدد للهوية الجزائرية معتبرا أن الجزائريين ذوي الأصول العربية القحة لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة جدا من جموع السكان، وأن غالبية الجزائريين ذوو أصول بربرية رغم أنهم قد تعربوا خلال مراحل تاريخية مختلفة.

وكلا التياران الرافضان لعنصر واحد من ضمن العناصر الثلاثة المشكلة للهوية الجزائرية لا يختلفان حول اعتبار الإسلام محددا رئيسا للهوية الجزائرية بالإضافة لعناصر أخرى أو عنصر آخر يحدده كل تيار حسب قناعاته ومرجعيته الفكرية والإيديولوجية، ولكن كلا التيارين في النهاية لا يمثلان سوى أقلية لا تأثير ملموس لها في الواقع الجزائري، ولا قدرة لها على تسويق رؤاها بشكل فعال نظرا لكون تلك الرؤى تتعارض مع القناعات العامة لجموع أفراد المجتمع، كما أنها تصطدم مع الخطاب الرسمي حول الهوية الجزائرية الذي يقر بالمرجعيات الثلاث المحددة سلفا.

إذن والحالة فإن الاختلاف حول الهوية الجزائرية والذي جعلها تشحن بكثير من التناحرية في صياغتها وفي تأثيرها الاجتماعي على الواقع الجزائري، ليس حول تعيين المحددات الثلاث للهوية الجزائرية، إنما حول التوليف والتركيب بينها، فالجزائر بهكذا هوية " لا تتميز عن بقية البلدان العربية الإسلامية الأخرى إلا بأمازيغيتها؟ إذ أن العروبة والإسلام هو قاسم مشترك مع بقية الدول العربية الإسلامية، [ وبالتالي] فهل العروبة والامازيغية المتعايشة تعني تواجد شعبين في وطن واحد أم تعني تواجد ثقافتين لدى شعب واحد؟"([15]).

وهل الإسلام وحده هو العنصر الذي تنصهر ضمنه العروبة والامازيغية؟.

وهل الإسلام كعنصر موحّد قد أنتج فهما موحدا لدى العنصرين الامازيغي والعربي المتعايشين معا في الجزائر؟.

وهل نكتفي بالمحددات الثلاثة للهوية الجزائرية دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن محددات أخرى حتى لو كانت ثانوية؟.

يبدو موضوع الهوية الجزائرية بهذا الشكل مجالا خصبا للتساؤل، أكثر مما هو مجال للبحث عن إجابات مقنعة، واستحالة الوصول إلى إجابات " مقنعة " تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين والفاعلين في الساحة السياسية والثقافية، ينجر عنها "محاولات" لتقديم أطروحات حول الهوية، تتسم بالانغلاق على الذات والركون لمرجعيات محددة سلفا تستمد منها العناصر الأساسية لبناء شرعية ثقافية وسياسية معينة، والنتيجة "أن كل طرح من هذه الطروح

[ هكذا ] يؤسس بطريقة مختلفة تماما للشرعية الثقافية وللشرعية السياسية عن غيره من الطروح وحولها يقع الانقسام وازدواج الشرعية الثقافية والسياسية"([16]) وهذا ما يخلق انقساما و

" كسرا دالا في تمفصل الدولة بالمجتمع، وتصدعا في إيديولوجيا المشروعية وظهور أسئلة جديدة "([17])، هذه الأسئلة التي تثار دوما حول الهوية الجزائرية، ما هي في النهاية سوى نتيجة الغلق الذي مارسته السلطة السياسية حول هذا الموضوع، ولجوءها لتحديد هوية المجتمع وفق رؤية سياسية تضمن لها بعضا من الشرعية التي تحس أنها مهددة من طرف من يطرحون بعض الأسئلة " الخبيثة "، والباحثة عن قراءة مغايرة للهوية.

الهوية في النهاية وبرؤية سوسيو-تاريخية ليست معطى ثابت، حيث أن التغير يظل لصيقا بها نتيجة لما يتعرض له أفراد المجتمع من تأثيرات خارجية تساهم في قولبة "هوياتهم" وإعادة إنتاجها بفعل التأثير والإغراء الذي تمارسه بعض تلك المؤثرات، فهناك الكثير من " المؤثرات الكونية الجديدة التي لا يزال العقل الجزائري المتأمل يقف مشدوها إزاءها لا يجد نقطة ارتكاز يمكنه الانطلاق منها لمساءلة الآخر "([18]) وبالتالي إبداء الموقف إزاءه، رغم توافر الهوية ثلاثية المحددات التي يستند إليها الفرد الجزائري وهو يلتقي بالمؤثرات الثقافية الوافدة على قوة شحن عاطفي وعلى الامتداد التاريخي والتجدر الاجتماعي، إلا انه يشعر دوما بأن هويته المأزومة لا تسعفه في تبني رد فعل ايجابي اتجاه الآخر، وهذا ما يجعله يلجأ في الغالب نحو رد فعل انفعالي ومتطرف سواء بالقبول التام لتلك المؤثرات وتبنيها، أو برفضها التام متقوقعا على ثوابته التي يشعر بالخوف الكبير عليها من كل وافد، نظرا لما تتسم به هذه الثوابت من ضعف وهشاشة تجعلها عاجزة عن مساءلة الآخر من موضع الندية.

إن هذا الوضع المأزوم للهوية الجزائرية المتسمة بكثير من الهشاشة غير الظاهرة، والخطيرة في الوقت نفسه يضع النخبة السياسية ممثلة في السلطة وفي التيارات المعارضة، في قفص الاتهام بسبب فرضها لهوية تتسم بجهوزية مسبقة من جهة، وعملها على توظيف عناصر الهوية الوطنية في صراعات سياسوية نتج عنها تحميل هذه الهوية بشحنة تناحرية هددت بشكل فعلي السلم الاجتماعي؛ مع أن النخبة الثقافية الجزائرية تتحمل نصيبا وافرا من حالة التأزم الهوياتي الذي يستشعره الإنسان الجزائري، فهي قد عجزت عن صياغة خطابات مقنعة حول الهوية الجماعية للشعب الجزائري كما أنها هي نفسها ونتيجة تميزها بانقسامية حادة على المستوى الإيديولوجي واللغوي قد وظفت عناصر الهوية الوطنية كأدوات صراع، بغية تحصيل مشروعية ورأسمال رمزي يمكنها من فرض تصوراتها على الفئات الأخرى المغايرة، ولهذا نجد " أن جيلا كاملا من الكتاب والأدباء انخرط بشكل لا إرادي – وإن كان بعضهم يعتقد عكس ذلك – في سيرورة الإقصاء والتوازي والمغالاة في أدلجة النقاش حول الهوية والتمادي في توظيف عناصرها ومكوناتها الأساسية ( الدين، اللغة، الانتماء الحضاري ) في تنوعها وتعددها بطريقة ميكيافيلية، هدفها النهائي السعي إلى إلغاء الآخر كشرط أولاني لإثبات الأنا "([19])، وهذا التناحر الثقافي حول الهوية قد انتقل للمجتمع ونتج عنه سنوات المحنة التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينات بكثير من الدراماتيكية.

3 - ازدواجية المثقفين اللغوية: 111

منذ البداية – أي ما قبل الاستقلال – لم تكن العلاقة بين المثقفين المعربين من جهة والمفرنسين من جهة أخرى، علاقة وفاق أو تكامل كما يفترض أن تكون، بل إنها كانت علاقة تضاد وصدامية في كثير من الأحيان، رغم بعض الصداقات الشخصية التي كانت تربط بين أطراف من هذه الفئة وأطراف من الفئة الأخرى.

فالازدواجية اللغوية " هي خصوصية من خصوصيات المجتمع الجزائري كما هو معروف، فهو يعيش انكسارا لغوية وقطيعة لغوية داخل النخبة، نخبة معربة ونخبة مفرنسة "([20])، وطبيعة هذه العلاقة بين المثقفين الجزائريين قد أدت بعد تعريب الجامعة إلى الوصول لصيغة توفيقية رعتها الدولة، لم تحسم الخلاف والاختلاف وإنما حددت مجال لكل فئة، الثقافة والإعلام والتعليم للمعربين، والصناعة والفلاحة والهياكل القاعدية للمفرنسين، "باختصار مهندسون مفرنسون وعقائديون معربون "([21]).

لقد كانت اللغة العربية في وضعية المغلوب على أمره خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وكان تداولها جد منحصر ومحدد بين فئة قليلة جدا من المتعلمين الذين تلقوا تعليمهم في المدارس التابعة للزوايا أو سافروا للمشرق، أو في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بداية الربع الثاني من القرن العشرين؛ في المقابل عملت الإدارة الاستعمارية على التمكين للغة الفرنسية بين الجزائريين من خلال المدرسة الكولونيالية، ومن خلال جعل الفرنسية وسيلة للرقي الاجتماعي بين الأهالي، هذه الحالة التاريخية التي عاشتها اللغة العربية في الجزائر المستعمرة، جعلت من الدفاع عن العربية كمحدد من محددات الهوية الجزائرية، مطلبا شعبيا ومطلبا سياسيا للحركة الوطنية، فقد " ارتبطت عملية الدفاع عن العربية بالدفاع عن التراث والدين الإسلامي والهوية الوطنية في كل برامج الحركات الوطنية والثورة الوطنية فأصبحت تراثا ثقافيا وإيديولوجيا سيوجه سياسة الدولة الثقافية نحو التعريب ووضع تصور لتعميم استعمال اللغة العربية "([22])، هذا التصور الذي لم يلتق بالواقع إلا في مجالات معينة مرتبطة بالإنتاج الثقافي والإيديولوجي، خصوصا مجال الإعلام، أما المجالات الأخرى الاقتصادية تحديدا، فإن اللغة العربية ظلت بعيدة وعاجزة عن إيجاد موطأ قدم لها ضمن تلك المجالات رغم توظيفها من طرف منتجي الثقافة النخبوية كلغة حداثية قادرة على استيعاب التطورات المتسارعة في مجال الفنون والآداب ، إلا أنها كانت ومازالت ذات مردودية اقتصادية وتكنولوجية ضعيفة في مجالات التحديث والتصنيع ونقل التكنولوجيا، وهي المجالات التي راهنت عليها الدولة الجزائرية عقب الاستقلال من اجل التقدم والازدهار، وهذه المراهنة على مجالات تسير وتدار باللغة الفرنسية هي التي جعلت من عملية التعريب التي مست الجامعة وقطاعات أخرى تفقد معناها، كما غذّت النزعة الاستعلائية لفئة المتفرنسين اتجاه زملائهم المعربين مما ساهم في تأزيم العلاقة بين الطرفين، حيث على المستوى الثقافي مثلا يعرف الحقل الثقافي الجزائري شرخا حادا بين ما يكتب بالعربية وما يكتب بالفرنسية رغم عمليات الترجمة التي يقوم بها بعض المثقفين لانتاجات زملائهم الذين يكتبون بلغة أخرى، سواء من الفرنسية إلى العربية أو العكس، رغم ما يشوب عمليات الترجمة من انتقائية وزبائنية في غالب الأحيان، حيث أن اختيار النصوص المترجمة لا يستند عادة إلى القيمة الفكرية والأدبية للنص المترجم بمقدار ما يستند إلى محددات أخرى غير ثقافية غالبا. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن اللغة الفرنسية في الجزائر تتجاوز وضعها كلغة عملية لتندرج ضمن التناولات السياسية للقوى الخارجية، وتحديدا لفرنسا التي تسعى ومن خلال الفرانكوفونية إلى بسط نفوذها بشكل أكبر داخل المجتمع الجزائري، فالفرانكوفونية كسياسية لغوية وضعتها الحكومة الفرنسية بغية التمكين للثقافة والفكر الفرنسي، أي لإشعاع فرنسا في غيرها من البلدان، تتجاوز مسالة اللغة الفرنسية في حد ذاتها والتي لازلنا نعتبرها غنيمة حرب، لتتجلى كوسيلة لفرض الهيمنة تتوسل باللغة، وعن طريقها يتم تحصيل منافع اقتصادية ومصالح سياسية معينة.

الحالة السابقة الذكر التي وجدت اللغة العربية نفسها في ظلها رغم الدعم السياسي الذي حظيت به من أعلى هرم السلطة والذي تجلى في عملية التعريب التي مست الجامعة ومجالات أخرى مرتبطة بالإعلام والنشر، وقانون تعميم استعمال اللغة العربية ( المعطل التنفيذ )، هذه الحالة قد فسحت المجال واسعا أمام اللغة الفرنسية لتكون لغة الاقتصاد ولغة الإدارة، والاهم من هذا وسيلة للرقي الاجتماعي والوظيفي كما كانت عليه خلال الفترة الاستعمارية، هذا الوضع يجعل من المسألة اللغوية في الجزائر مجالا للصراع الاجتماعي، بنفس القدر الذي يشكل به الثراء اللغوي للجزائر وبعيدا عن التوظيفات السياسية مجالا لازدهار الإبداع الثقافي وللتعبير عن الذات، سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية الحاملة لثقافة عربية أو امازيغية كما كان الشأن مع الجيل الأول للروائيين الجزائريين (مولود فرعون، مالك حداد، كاتب ياسين ) الذين كتبوا نصوصهم باللغة الفرنسية وبها عبروا عن ذواتهم وهويتهم.


- علي الكنز، حول الأزمة، دار بوشان، الجزائر، 1990، ص 29.[1]

- نفس المرجع، ص 31.[2]

- محمد ساري، مرجع سابق، ص 50.[3]

-علي الكنز، مرجع سابق، ص 31.[4]

[5] - فاطمة الزهراء زيراوي، المثقف والثورة التحريرية، مجلة بحوث، العدد 2، جامعة الجزائر، الجزائر 1994، ص ص 61-75.

- محمد ساري ، مرجع سابق، ص 50.[6]

- عمار بلحسن، مرجع سابق، ص 185.[7]

- محمد ساري، مرجع سابق، ص 50.[8]

- عمار بلحسن، نفس المرجع، ص 167.[9]

-علي الكنز، مرجع سابق، ص 31.[10]

- عبد القادر جعلول، عن عمار بلحسن،مرجع سابق، ص 61.[11]

[12] - عمار بلحسن، المشروعية والتوترات الثقافية .. الدولة المجتمع والثقافة في الجزائر، مجلة الثقافة، العدد2، وزارة الاتصال، الجزائر اكتوبر1993، ص ص 116 – 145.

- عمر مهيبل، من النسق إلى الذات، الدار العربية للعلوم/ منشورات الاختلاف، بيروت/ الجزائر، 2007، ص 75.[13]

[14] - أنظر، عبد الرحمان بوزيدة، تحليل ثقافي للازمة، مجلة الثقافة، العدد2، وزارة الاتصال، الجزائر، أكتوبر 1993، ص ص 29-41.

- عبد الرحمان بوزيدة، مرجع سابق.[15]

- المرجع السابق.[16]

[17] - عمار بلحسن، المشروعية والتوترات الثقافية .. الدولة المجتمع والثقافة في الجزائر، مرجع سابق.

- عمر مهيبل، مرجع سابق، ص 75.[18]

- المرجع السابق، ص 76.[19]

[20]- مصطفى ماضي، المجتمع الجزائري يعيش قطيعة لغوية والاستثمار في النشر مغامرة، مجلة الحدث، العدد 36، درويش بريس، باريس، مارس/أفريل 2004، ص ص 76 – 77.

- علي الكنز، مرجع سابق، ص 21.[21]

- عمار بلحسن، المرجع السابق.[22]

الرواية الجزائرية المعاصرة، محاولة تحديد منهجي

لماذا نفرد دراسة حول الرواية الجزائرية المعاصرة، وما هي مميزات هذه الرواية التي تجعلها متميزة عن المتن الروائي الجزائري الحديث؟

ثم ما هي المحددات المنهجية التي تجعلنا ندرج نصا روائيا معينا من النصوص الروائية الجزائرية ضمن الرواية المعاصرة؟

هل نكتفي بالمحhouiya1دد الزمني وحده، أم أن لهذه الروايات خصائص شكلية ومضمونية متفردة عن مجموع النصوص الرواية الجزائرية؟

هي رواية حديثة، فإن الحديث عن الرواية المعاصرة يحمل الكثير من الالتباس من الناحية المنهجية، في حالة ما إذا أخذنا بالمحدد الزمني لوحده؛ بالإضافة إلى صعوبة إن لم نقل استحالة تحديد تاريخ معين نطمئن إليه منهجيا للفص

ما نشير إليه بداية هو أن الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية هي رواية حديثة النشأة، إذ لا يتجاوز عمرها النصف قرن، ذلك إذا سلمنا بالافتراض القائل بأن أول نص روائي جزائري مكتوب بالعربية ويحمل كل المواصفات الفنية المتعارف عليها تقديا هو رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة التي صدرت سنة1971.

وانطلاقا من هذه المقولة التي صارت تحمل صفة المسلمة نتيجة لا جدية النقد واطمئنانه للمقولة السائدة دون البحث عن ما يزحزحها ويفككها لإعادة تأسيس مقولات أخرى أكثر اقترابا من الحقيقة، انطلاقا من هذه المسلمة لا يمكننا بأي حال من الأحوال الحديث عن نصوص كلاسيكية في الرواية الجزائرية .

ونظرا لما سبق، ولأن الرواية الجزائرية

ل بين الرواية المعاصرة وباقي المتن الروائي الجزائري الحديث.

وهذه الصعوبات تتمثل فيما يلي:

1- التداخل الجيلي:

والمقصود بالتداخل الجيلي هو استمرار الكتابة الروائية بالنسبة لروائيي الجيل السبعيني، وتداخلها مع الكتابة الروائية للجيل التسعيني ( جيل الأدباء الشباب ) ؛ فالرواية الجزائرية حين ننظر إليها بمنظور الأجيال الأدبية نجدها تنقسم فقط لجيلين هما جيل السبعينات ( جيل الرواد والآباء المؤسسين ) وجيل التسعينات

( جيل الأدباء الشباب)، حيث نلاحظ فروق بين هذين الجيلين في النظر للكتابة الروائية وفي طبيعة المواضيع المطروحة روائيا؛ على اعتبار أن فترة الثمانينات هي فترة فراغ رغم النصوص الروائية الكثيرة التي صدرت في هذه العشرية، فترة فراغ لأنها كانت استمرار بشكل من الأشكال لفترة التسعينات على المستوى الفني وعلى مستوى المشاريع الإيديولوجية التي انخرط فيها الروائيون الجزائريون، فقد ظلت نفس الأسماء من جيل الرواد ( وطار ، بن هدوقة، مرتاض...) هي الحاضرة وبقوة، وحتى الأسماء المهمة التي بدأت تنشر أعمالها الأولى في عشرية الثمانينات ( واسيني الأعرج، أمين الزاوي..) لم تأتي – في تلك الفترة – بجديد على مستوى الرؤية الفنية، وإن كانت قد استطاعت المضي بالشكل الروائي إلى فضاءات أرحب عن طريق التجريب والانفتاح أكثر على التجارب الروائية العربية والغربية.

إن روائيي الجيل السبعيني مازالوا حاضرين – من خلال انتجاتهم – في الوقت نفسه الذي دخلت فيه الساحة الروائية أسماء جديدة تحاول طرق مواضيع جديدة وبأساليب مغايرة في الكتابة تمثل الجيل الجديد من روائيي التسعينيات ( الأدباء الشباب)، وهذا ما نقصده بالتداخل الجيلي.

2 – غياب النقد:

إن النقد الأدبي في الجزائر يظل شبه غائب عن الساحة الأدبية، ومن ثم فهو عاجز بصفة كبيرة عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري، وهو – أي النقد الأدبي – في حالات حضوره القليلة لا يقوم في واقع الأمر سوى بمهمتين أساسيتين:

- اجترار الآراء النقدية في قالب نظري محض لا يجيد تطبيق مقولاته النظرية على المتن  الروائي الجزائري إلا نادرا، وهو حين يفعل ذلك يظل تركيزه على أسماء معروفة ومعينة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ( الطاهر وطار، واسيني الأعرج، رشيد بوجدرة )، رغم وجود العديد من التجارب الروائية الأخرى الجديرة بالدراسة.

- التركيز على تجارب روائية فردية دون وضعها في السياق العام لتطور وصيرورة الرواية الجزائرية بشكل عام.

وهذا الوضع يضع أي باحث في هذا الموضوع أمام فقر معرفي يكون عائقا كبيرا أمام إتمام بحثه.

إن حديثنا عن النقد مركز أساسا على النقد الأكاديمي الذي أعطى فرصة – بسبب غيابه – للنقد الصحفي الانطباعي الذي يقتصر على الأخبار في الغالب دون تحليل، وحتى حين يحاول الكاتب الصحفي تحليل نص روائي ما فهو يفعل ذلك من منطلق شخصي لا من منطلق أكاديمي يستند لإطار نظري معين يعطي تحليله مشروعية معرفية.

إذن، فقد ظل النقد الأدبي الأكاديمي المتخصص عاجزا بنسبة كبيرة عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري باستثناء بعض الدراسات الأكاديمية القليلة التي حاولت تناول الرواية الجزائرية بنوع من الشمولية مع التركيز على مواضيع معينة دون غيرها ومن ضمن هذه الأعمال القليلة نذكر:

- واسيني الأعرج:

1- اتجاهات الرواية العربية في الجزائر، الجزائر 1987

2- الطاهر وطار تجربة الكتابة الواقعية، الجزائر 1989

- مخلوف عامر:

1- مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر ( صدر بدمشق سنة 1998 )

2- الرواية والتحولات في الجزائر ( صدر بدمشق سنة 200 )

3- توظيف التراث في الرواية الجزائرية ( صدر سنة 2005 )

- عبد الحميد بورايو:

1- القصص الشعبي في منطقة بسكرة (دراسة 1986م).

2- الحكاية الخرافية في المغرب العربي (دراسة 1992م)

3- منطق السرد (دراسة 1994م)

4- دراسة في القصة الجزائرية الحديثة (1998م)

5- البطل الملحمي والبطلة الضحية في الأدب الشفوي الجزائري (دراسة 1998م)

بالإضافة إلى كتابات كل من آمنة بلعلي، السعيد بوطاجين، علال سنقوقة، محمد داود، جعفر يابوش...الخ.

هذا الوضع الرديء للنقد الأدبي جعل الكثير من النصوص الروائية الجزائرية غير مدروسة نقديا، ونحن نعلم مقدار أهمية النقد في إضاءة النصوص الروائية، وكذا الدور الكبير الذي يلعبه النقد في التعريف بالنصوص الجيدة والكشف – عن طريق وسائله المنهجية – عن السياقات السوسيوابداعية التي أنتجت هذه النصوص.

ومن هنا فإن غياب النقد الأكاديمي وتأخره مقارنة مع تطورات الحقل الروائي الجزائري، تؤثر تأثيرا شديدا على هذا الأخير الذي يظل مهمشا إن لم تكن هناك ممارسة نقدية موازية.

إن التداخل الجيلي بين الروائيين الجزائريين، وكذا غياب النقد الروائي وتأخره عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري، يضعنا أمام مأزق منهجي ونحن نحاول وضع محددات موضوعية نستطيع انطلاقا منها حصر النتاج الروائي المندرج ضمن الرواية الجزائرية المعاصرة.

مما قد لا يقع فيه كبير اختلاف هو أن النصوص الروائية لجيل التسعينات تندرج ضمن الرواية الجزائرية المعاصرة، هذا الجيل الذي سميناه أيضا جيل الأدباء الشباب والذي دخل مجال النشر في أواخر عشرية التسعينات، ويمكن تحديد تاريخ ولادة هذا الجيل بسنة 1998 وهي السنة التي شهدت صدور روايتين لاثنين من أبرز ممثلي هذا الجيل هما بشير مفتي وحميد عبد القادر، وأما الروايتين فهما " المراسيم والجنائز" لبشير مفتي الصادرة عن منشورات الاختلاف و" الانزلاق " لحميد عبد القادر الصادرة عن دار الشهاب.

من الناحية التاريخية نستطيع القول إن ولادة جيل الأدباء الشباب كانت سنة 1998 حيث توالت بعدها عملية النشر في مجال الرواية للكثير من الأدباء الذين ينشرون أعمالهم الأولى والتي في معظمها تتميز ببعض الخصائص المشتركة، فهذه السنة بالإضافة لكونها سنة صدور الروايتين المذكورتين إلا أنها أيضا كانت بداية لانبعاث الحقل الروائي من جديد وبنفس جديد أيضا، حيث كان الحقل الروائي الجزائر طيلة عشرية التسعينات تقريبا يعاني من ركود وغياب شبه تام لأي نص روائي جديد نظرا للظروف الصعبة التي مرت بها الجزائر والتي جعلت الكثير من المثقفين يركنون لصمت رهيب وعدم قدرة على فهم ما جرى ويجري في بلاد تنهار فيها كل الأحلام والأماني دفعة واحدة أمام همجية الإرهاب، فقد اغتالت يد الإرهاب الكثير من المثقفين وهجر الكثير منهم أيضا نحو الخارج، أما الذين بقوا بالجزائر فقد غرقوا في بحر من الصمت أمام هول المأساة الوطنية، أما من الناحية الفنية فيمكن ذكر رواية "ذاكرة الجنون والانتحار" لحميدة العياشي الصادرة سنة 1986 عن دار لافوميك، كارهاص بتطليق الرواية الجزائرية للشواغل الإيديولوجية التي سيطرت عليها طوال فترة السبعينات والثمانينات، رغم أن العشرية التي تلت صدور هذه الرواية كانت عشرية صمت نتيجة الظروف الصعبة التي مر بها المجتمع الجزائري، مما أخر تبلور النهج الجديد للرواية الجزائرية إلى غاية سنة 1998، التي نتخذها في هذه الدراسة كتاريخ ميلاد الرواية الجديدة في الجزائر، رواية جيل الأدباء الشباب، هذا الجيل الذي لم يفتح عينيه على وهج الاستقلال ولا عاش تلك اليوتوبيات الاشتراكية التي صاغت التوجهات الإيديولوجية للرواية الجزائرية منذ لحظة الميلاد الأولى على يد جيل الرواد ( بن هدوقة، وطار )، إنه جيل لم ينخرط عبر الكتابة الرواية في خطابات الجماعة المشتركة، لأنه ولد ( أدبيا ) في مرحلة تحول وانكسار لأوهام وأحلام السابق، وتخلخل كل تلك الشعارات التي غذت نتاجات الجيل السابق.

وهذا الواقع السوسيولوجي المغاير هو الذي أنتج رواية مغايرة نستطيع أن نتناولها كرواية ضد الرواية السبعينية، وكنصوص تمارس قطيعة حادة مع نصوص الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية من الناحية الجمالية والفنية ومن ناحية الرؤى الإيديولوجية التي تتبناها هذه الرواية.

مقارنة بين رواية جيل السبعينات وجيل الأدباء الشباب

مقارنة بين رواية جيل السبعينات وراية جيل الأدباء الشباب:

سواء على مستوى تحولات الحكاية أو على مستوى المضمون الإيديولوجي الذي تحمله الأعمال الروائية فإننا ونحن نجري مقارنة نجد الكثير من الفروق بين رواية السبعينات وراية الأدباء الشباب في الجزائري، هذه الفروق هي التي تعطي مبررا للتجييل ( من الجيل ) الأدبي، ويمكن استشفاف هذه الفروق السياسية على المستوى الشكلي والفني للحكاية، وعلى المستوى المحمولات الإيديولوجية التي تسفر عنها هذه الأعمال في النقاط التالية:

1 – 1 - على المستوى الفني:

1- تميل رواي0000ة جيل الأدباء الشباب نحو التمركز في وعي المؤلف الضمني أو البطل المركزي، بينما تميل رواية جيل السبعينات إلى الابتعاد عن المركز متجهة إلى المحيط.
2 - تكشف رواية جيل الأدباء الشباب عن أسلوب واحد ولغة واحدة، بينما تكشف رواية جيل السبعينات عن تعدد في الأساليب واللغات الغيرية وفتح المجال لأكثر من سارد.
3 - تعتمد رواية الأدباء الشباب على تعميق شعرية السرد بعناصر شعرية وغنائية تستعير لغة الشعر في العمل السردي، في حين أن رواية جيل السبعينات غالبا ما تهتم بالخلق الموضوعي لتعميق شعرية السرد دون الإفراط في الغنائية التي تعبر عن مناجاة نفسية.
4 - رواية الأدباء الشباب تركز على طرح إشكالية الفرد في عزلته وهواجسه النفسية، في حين أن رواية السبعينات تركز على العلاقات الاجتماعية بشكل أكثر.

5 - رواية الأدباء الشباب تسمح بظهور العناصر المرآتية والفردية ، بينما رواية جيل السبعينات تميل إلى التركيز على العناصر الدرامية والملحمية في السرد التي تستحضر الجماعية أكثر مما تستحضر الفرد وهواجسه اليومية التي لا تلقي بالواقع الاجتماعي.
6 - تعتمد رواية جيل الأدباء الشباب على راوي ضمني واحد في حين أن رواية جيل السبعينات تعتمد على عدد من الرواة الضمنيين بغية فسح المجال لأكثر من رأي .
7 – رواية جيل الأدباء الشباب تنتفي منها الحكاية بشكلها الكلاسيكي الذي يحل على حبكة وعقدة وحل، في حين أن رواية جيل السبعينات ظلت وفية ولو بشكل نسبي للبناء الكلاسيكي للحكاية.

1 – 2 - على المستوى الإيديولوجي:

1- رواية السبعينات مرتبطة إيديولوجيا بالخطاب الرسمي للنظام، في حين أن رواية الأدباء الشباب ترفض أن تكون مجرد أداة لتبرير اختيارات النظام الحاكم.

2 – روايات جيل السبعينات صدرت ضمن رعاية الدولة وبتمويل مالي من طرف الدولة، في حين أن رواية الأدباء الشباب صدرت معضمها من طرف دور نشر خاصة وجمعيات ثقافية غير مرتبطة رسميا بتمويل الدولة إلا ما يحدده قانون الجمعيات.

3 – رواية جيل السبعينات تتبنى الواقعية الاشتراكية  كمرجعية إيديولوجية بما تحيل عليه هذه المرجعية من أفكار اليسار والاشتراكية، في حين أن رواية الأدباء الشباب لا يمكن حصرها إيديولوجيا في بوتقة جاهزة سلفا، مع ميلها ولو بشكل " مراوغ " للتعبير عن أفكار ليبرالية، تحيل على الحداثة والاختلاف.

4 – رواية جيل السبعينات معبرة عن مجتمع في طور التحول والبناء لهذا فهي تحمل نظرة تفاؤلية بالمستقبل، في حين أن رواية الأدباء الشباب تعبر عن تحولات مجتمع في حالة فوضى وتقهقر ومسكون بالعنف بكل أنواعه، وهذا ما يبرر نزوعها نحو التعبير عن التشاؤم والإحباط.

رواية الأدباء الشباب

ما يمكن الإشارة إليه قبل التطرق لرواية جيل الشباب الذين يمثلون عينة الدراسة لهذه الرسالة، هو أن الرواية الجزائرية وحين نتناولها من منظور الأجيال الأدبية يمكن تقسيمها لجيلين فقط، نظرا لأن جيل الثمانينات لم يكن سوى استمرارية بشكل من الأشكال لجيل السبعينات سواء على المستوى الفني، أو على مستوى طبيعة الرؤية للعالم التي تبناها كلا "الجيلين " في أعمالهم الإبداعية، ولم يسجل أي تطور جذري خلال سنوات الثمانينات يمكن اعتباره قطيعة مع رواية السبعينات([1])، لهذا نقول وبشيء من الحذر المنهجي عن الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية تحبحر الصمت ياسمينة صالحديدا، أنها قد عرفت لحد الآن جيلين فقط إذا اعتبرنا أن الجيل الأدبي لا يحيل على معنى زمني بمقدار ما يحل على طرائق تعبير وتطور فني ورؤيوي للعمل الأدبي " لأن ظهور هذه الأجيال مرتبط ارتباطا أساسيا بحدوث ظواهر اجتماعية معينة. ولكن يبدو واضحا أن الأجيال الأدبية تضم أفرادا يسهل على الباحث تعداهم "([2])، ورغم أن فترة الثمانينات من القرن العشرين قد عرفت بالجزائر تغيرات سياسية واقتصادية عميقة، غير أن الرواية الجزائرية وباستثناءات قليلة ظلت غارقة في الرؤية التي أنتجها الآباء المؤسسون للرواية الجزائرية دون أن يتمكنوا من إنتاج نصوص تشكل قطيعة مع تلك النصوص والرؤى، هذه القطيعة لم تحدث إلا مع نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي حين برز جيل من الروائيين الشباب يكتبون الرواية لأول مرة غالبا وينتجون نصوصا ذات حساسيات أدبية ومعرفية مغايرة، وهذا ما يسميه داود محمد " بانبثاق حقل روائي جديد ".

هذا الانبثاق لحقل روائي جديد بالجزائر كان نتيجة لتلك التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر على جميع الأصعدة تقريبا بداية من سنة 1989، تلك التحولات التي كانت " بنوعية وقوة غير معهودتين من قبل. فكالإعصار المدمر عمت موجة الإرهاب مختلف أقطار البلاد، وقد كان الفاعل الثقافي الهدف المفضل والمطلوب من لدن هذه القوة الهدامة العمياء. وفي مثل هذا الموقف وجدت الذات الكاتبة نفسها في ملتقى قوى مضادة ومعادية مختلفة، بيد أنها تشترك في محاولة تهميش المثقف أو إسكاته على أقل تقدير"([3])، هذه الظروف المستجدة التي كانت نتيجتها إسكات وتهميش المثقف الجزائري بالإضافة لتعرضه للتصفية الجسدية، والقتل المعنوي، كانت محفزا للأدباء الجزائريين من أجل المقاومة عن طريق فعل الكتابة، والوقوف عن طريق الكتابة كشهداء على تلك المرحلة المتمزقة من تاريخ الجزائر المعاصر.

حيث شهدت فترة نهاية التسعينات مجموعة من النصوص الروائية سواء بالعربية أو بالفرنسية تناولت المصائر الفردية والجماعية في ظل ظروف اجتماعية وأمنية تجعل من الموت المفجع طقس يومي منذ بداية العنف المسلح ضد كل فئات الشعب الجزائري وضد الدولة الجزائرية ورموزها.

ما يميز هذه النصوص المغايرة هو كون معظم منتجيها شباب يكتبون الرواية لأول مرة بعد أن تمرسوا على الكتابة في الصحافة لفترة معينة ( حميد عبد القادر، بشير مفتي، ياسمينة صالح، كمال بركاني...الخ ).

وهذا الجيل من الروائيين الجزائريين الذي اشترك مع روائيي الجيل السابق في الحقل الروائي الجزائري جنبا إلى جنب تميزت كتابته عن الجيل السابق بعدة ميزات نوردها في النقاط التالية([4]):

- نشرت هذه الأعمال كلها ضمن دور نشر خاصة( البرزخ، الفضاء الحر، القصبة، الشهاب، منشورات مارينو)، أو عن طريق جمعيات ثقافية ( رابطة كتخرائط بشير مفتي اب الاختلاف، رابطة إبداع، الجمعية الثقافية الجاحظية )، أي لم تحتضنها مؤسسات الدولة بصفة مباشرة، مما يمنحها استقلالية كبيرة في النشر والتوزيع، ومن ثمة استقلالية في طرح المواضيع بحرية أكبر.

- هذه النصوص تحمل في مضمونها أطروحات جديدة، تعيد النظر في العديد من القضايا الفكرية والإيديولوجية التي سادت وتكرست في الساحة الثقافية، كما أنها عملت على إعطاء قراءات مغايرة للتاريخ تشتبك مع القراءة الرسمية لهذا التاريخ.

- جل تلك النصوص الروائية التي صدرت خلال أواخر عشرية التسعينات وبداية الألفية الجديدة تجرب كتابة جديدة يمكن تسميتها "بعنف النص "، لأنها تعيد النظر في الكتابة التقليدية المعروفة بتلاحق أزمنتها وأحداثها، فهذه النصوص الجديدة تتميز بتكسير زمن الحكي والتشظي على مستوى الذاكرة والذات الكاتبة.

- هذه الكتابة الجديدة التي ينتجها الروائيون الشباب تتميز باعتنائها الكبير بفئة معينة من المجتمع الجزائري وهي فئة المثقفين، هذه الفئة التي شكلت كبش فداء للصراع الدائر بين الدولة والجماعات الإسلامية المسلحة.

- جل تلك الروايات تميل لأن تكون بوحا ذاتيا تتماهى فيه حياة الكاتب الروائي مع شخصية الراوي في العمل الإبداعي، فجل تلك الروايات لم تكن في النهاية سوى سيرة ذاتية ولو بشيء من التحوير لحياة الكاتب نفسه.

هذه الملاحظات الأولية التي ادرجناها في شكل خصائص تميز رواية جيل الشباب، تنطبق بنسبة كبيرة على كل الروايات المختارة كعينة للدراسة.

ولكن قبل الانتقال لتحليل سوسيولوجي لتلك الروايات يجدر بنا التطرق لنقطة منهجية مرتبطة بالمصطلح الذي أطلق على نتاج هؤلاء الأدباء الشباب، وهو مصطلح الأدب الإستعجالي هذه التسمية / المصطلح كان الروائي الطاهر وطار هو أول من أطلقها على نتاج جيل بأكمله من الروائيين الجزائريين، حيث أن هذه التسمية رغم ما أثارته من لغط كبير بين مختلف الفاعلين داخل الحقل الثقافي الجزائري، غير أن النقاد لم يقتربوا منها كثيرا ولم يساهموا في توضيح المصطلح وتحديد مجال استعماله وخصائص الآداب التي يمكن إدراجها ضمن هذه التسمية/ المصطلح.

صحيح أن جل تلك الروايات التي أصدرها الأدباء الشباب تعتبر " كتابة استعجالية شهادة ضد الكارثة. إن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الكاتب لتجاوز محنته وتلطيف الأجواء التراجيدية التي تعيشها فئات المجتمع المختلفة "([5])، غير أن رمي هذه الكتابة بالاستعجالية يحمل في صميمه معنى يحيل على التسفيه.

المصطلح سواء في المجال الأدبي أو أي مجال متصل بالنشاط الفكري للإنسان تقوم وظيفته على اختزان وبطريقة مختزلة وتجريدية قضايا أدبية جوهرية لها علاقة وطيدة بالتراكم المعرفي الحاصل نتيجة النشاط الفكري الإنساني، فالمصطلح كدال على مدلولات معينة لا يطلق هكذا جزافا أنما يكون نتيجة بحث ومعرفة وحصر للظاهرة موضوع الحديث حتى يكون المصطلح معبرا بشكل نسبي عن مدلوله، كما أنه لا يتبلور بصورة نهائية إلا بعد مناقشة من طرف المشتغلين في الحقل المعرفي الذي يندرج ضمنه المصلح، وهذا ما لم يحدث مع مصطلح الأدب الاستعجالي الذي أطلق بشكل جزافي على النتاج الأدبي لجيل الأدباء الشباب دون أن يحضا باهتمام نقدي ولا بدراسات معمقة تؤكده أو تنفيه.

وانطلاقا مما سبق نتساءل: هل يحق لنا استعمال مصطلح الأدب الاستعجالي للدلالة على النتاجات الأدبية لجيل الأدباء الشباب في مجال الرواية ؟.

إن مصطلح " الاستعجالي لا يستند ـ حسب رأي ـ إلي سند نقدي يؤهله لأن ينهض بجملة من القيم تعمق مدلوله أو تبطل مسوغاته.

لذا أعد هذه التسمية تسمية مغرضة ناجمة عن حس انطباعي حول فيض من الكتابات أفرزتها الساحة ،لا علاقة لها بالمصطلح النقدي الرصين "([6])، هذا الرأي الذي أبداه باديس فوغالي رغم انطباعيته وعدم قيامه على دراسة معمقة، إلا أنه يعبر عن رأي شائع لدا الكتاب الشباب في الجزائر الذين يرفضون المصطلح ويرون فيه رمي لكل نتاجاتهم الأدبية بالسطحية والتسرع، وبالتالي بضعف القيمة الفنية وسطحية المحتوى المعرفي الذي تحمله في طياتها، ولهذا فنحن نميل حين نتحدث عن رواية الجيل الجديد من الكتاب الجزائريين إلى استعمال مصطلح " رواية الأدباء الشباب " كإحالة على الزمني والواقعي الذي يتمايز عن الجيل السابق ( جيل السبعينات)، حيث أن النتاجات الأدبية للفترة الراهنة التي انطلقت مع نهاية الثمانينات وعبرت عن نفسها ووهجها الخاص مع جيل الأدباء الشباب بداية من نهاية التسعينات قد شهدت تحولات عميقة وجذرية على المستوى الرؤيوي سواء من الناحية الجمالية أو الإيديولوجية، وهذا ما يجعلها متميزة عن النتاجات الأدبية السابقة. حيث " تحرر وعي الكتابة ابتداءً من نهاية الثمانيات ،وهو ما تجلى على صعيد الأفق النفسي للكاتب ، حيث أصبح لا يركن إلى حضن الأوثان ، كوثن الثورة ، بالمعنى التقليدي الخطابي لها في الكتابة ، يمكن القول أنّ الثقافة الوافدة شجّعته كثيرًا ، خاصة التجريب في السرد ومنه الغرائبية والعجيب والفانتاستيكي في أمريكا اللاتينية على التحوّل، من العبادة والوقوف المستمر على الطابوهات المحرمة إلى العصيان والتمرد على كل ماهو دائم وواجب الطاعة "([7])، وهذا ما جعل من جل الروايات المندرجة ضمن الأدب الجديد الذي ينتجه الأدباء الشباب تحمل بصمة عن التحولات السوسيولوجية العميقة التي عرفها المجتمع الجزائري، حيث نلحظ أن فرنسا مثلا لم تعد عدوا بمقدار ما تحولت إلى مجال متاح للمثقافة ومهرب من " جحيم الوطن" الذي أنتجته سنوات الإرهاب خلال عشرية بأكملها، كما أن الانفتاح على الليبرالية السياسية والانتقال نحو نظام اقتصادي يتنكر للاختيار الاشتراكي الذي اعتمده النظام منذ الاستقلال إلى غاية أواخر الثمانينات قد سمح بدخول ثيمات جديدة في المتن الروائي الجزائري كاستجابة أدبية للتحولات السوسيولوجية التي يعرفها المجتمع الجزائري بداية من أحداث الخامس أكتوبر 1988 التي لها تأثير كبير ساهم " في خلاط الذاكرة الوطنية ، والخروج من طاعة المعبود الواحد الذي حكم الذهن الإبداعي منذ الاستقلال كما دفع المبدعين إلى عدم الإيمان بالدعاوى الرسولية الاقصائية "([8])، هذه الأوضاع المستجدة أنتجت أدبا متمايزا عن سابقه خصوصا لدا فئة الشباب الذين ولجوا عالم الإبداع موازاة مع التحولات السياسية والاقتصادية والثقافية التي عرفتها البلاد، ويتجلى هذا التمايز في تلك النزعة الفردية والميل للتعبير عن العزلة والتيه والضياع وطرح الأسئلة الوجودية التي لا أجوبة حاسمة لها، هذه الميزات التي نادرا ما نعثر عليها لدى الجيل السابق.

إن جيل الأدباء الشباب الذي يغرق عبر نصوصه الروائية في حميمية " سيرذاتية " تعبر عن قلق وجودي ولا استقرار نفسي يتميز بهذه الخاصية تحديدا عن جيل السبعينات الذي أنتج روايات " طغت على أجوائها مسحة من التفاؤل بحتمية البناء التاريخي والاجتماعي لوطن يبحث عن ذاته ويتفاءل بمستقبل جديد وزاهر "([9])، هذا المستقبل الذي يبدو ضبابيا وبلا ملامح لدى الجيل الحالي من الروائيين، حيث ن جد هذه النزعة السلبية والتشاؤمية التي يعبر عنها بشير مفتي في رواية المراسم والجنائز : " لست فيلسوفا حتى أقول أن عندي وجهة نظر تأملية...ولا مؤرخا فأوثق الأحداث تعاقبيا وأملك مفتاح هذا التاريخ الشرس لأقرأه من بعد قراءة واعية... لست إلا شاهدا، ومرغما على أن أكون كذلك..."([10])، فالشهادة على الوضع المتشضي الذي عاشته الجزائر بداية من عشرية التسعينات وما صاحب هذا الوضع من انفلات رهيب للوضع الأمني ذهب ضحيته آلاف الجزائريين من كل الفئات الاجتماعية، هي الميزة الأساسية التي تشترك فيها جل تلك الأعمال التي أصدرها الأدباء الشباب، وربما ما حدا بروائيي الجيل السابق ( جيل السبعينات ) إلى وصم تلك الأعمال بالاستعجالية.


- [1]

[2]- روبير إسكاربيت، سوسيولوجيا الأدب، ترجمة وتقديم: آمال انطوان عرموني، ط3، عويدات للنشر والطباعة، بيروت، 1999، ص 12.

- حسان راشدي، مرجع سابق.[3]

- أنظر داود محمد، الأدباء الشباب والعنف في الوقت الراهن، مرجع سابق. [4]

- داود محمد، المرجع السابق.[5]

[6] - باديس فوغالي، وجهة نظر حول مصطلح الأدب الاستعجالي.

http://badisfoughali.maktoobblog.com/1293506

[7] - علال سنقوقة، تحولات الحكاية في السرد الجزائري

http://www.elaphblog.com/posts.aspx?U=449&A=1117

- نفس المرجع.[8]

- داود محمد، مرجع سابق.[9]

- بشير مفتي، المراسم والجنائز، منشورات الاختلاف، الجزائر 1998، ص 11[10]

جيل السبعينات وميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية

يعد نص " غادة أم القرى " الصادر سنة 1947 فاتحة التأريخ لجنس الرواية في الجزائر، رغم أن البعض يعود بهذا التواريخ قرن كامل إلى الوراء وتحديدا لسنة 1847 مع صدور نص (حكاية العشاق في الحب والاشتياق) لمؤلفها الجزائري محمد بن إبراهيم التي يعتبرها بعض النقاد الجزائريين أول نص روائي جزائري وعربي([1])، ويصرون على اعتبارها الرواية العربية الأولى بدل رواية زينب لمحمد حسين هيكل التي صدرت سنة 1914 ، ولكن بعيدا عن الخوض في هذه المسألة التاريخية التي هي من اختصاص نقادtaher-wetar ومؤرخي الأدب الذين يملكون القدرة على الفصل فيها، نحاول في هذا الفصل إعطاء صورة موجزة عن ميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية وخصائصها.

لقد كان نص رضا حوحو الذي كان إرهاصا بميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، توالت بعض المحاولات الإبداعية من طرف " روائيين " جزائريين، دون أن يتمكنوا من الولوج فعلا لعالم الرواية بما تقتضيه من بناء فني وعوالم تحيل على الواقع والمتخيل، فقد ألف عبد المجيد الشافعي رواية الطالب المنكوب سنة 1951، كما ألف نور الدين بوجدرة رواية " الحريق " سنة 1957، وألف محمد منيع رواية " صوت الغرام " سنة 1967، غير أن هذه المحاولات الأولى تميزت بكثير من الضعف الفني ومن السذاجة، فهذه الأعمال " تبقى مجرد محاولات قصصية تندرج ضمن ما يمكن أن يطلق عليه بإرهاصات الرواية العربية في الجزائر. فهي وإن كانت لا تخلو من نفس روائي غير أنها تفتقد الشروط الفنية التي يقتضيها جنس الرواية"([2]) مما جعل جل النقاد والمؤرخين للأدب الجزائري الحديث يرجعون تاريخ ميلاد الرواية الجزائرية إلى سنة 1971، تاريخ صدور رواية " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة.

وقبل الحديث عن جيل السبعينات في الرواية الجزائرية الذي لا يزال لبعض ممثليه حضور قوي ومؤثر في الحقل الروائي الجزائري يجدر بنا أن نتساءل عن سبب تأخر ظهور الرواية الجزائرية باللغة العربية رغم مرور عشريتين عن ظهور مثيلاتها المكتوبة بالفرنسية.

تبدو الأسباب تاريخية أساسا وناتجة عن الاستعمار الفرنسي، وعن الواقع التعليمي والثقافي للجزائر أثناء الفترة الاستعمارية، وهذه الأسباب يمكن إجمالها في النقاط التالية:

- الدور السلبي للاستعمار الفرنسي:

إذا كان هناك تطور فكري عرفته أقطار المشرق العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وافتقدته الجزائر خلال نفس الفترة فإن مرد ذلك بالأساس يعود إلى طبيعة الاستعمار الذي عرفته الجزائر، والمغاير تمام المغايرة لما عرفته باقي الأقطار العربية، فقد بقيت بتلك الأقطار – رغم الاستعمار – نواة دولة مركزية تمثل وجودا فعليا ضعيف ومتهالك وعميل في كثير من الأحيان، ولكنه حفظ الحد الأدنى من واجبات الدولة اتجاه المجتمع الذي يضمن حدا من الحراك الفكري والسياسي، وهذا الأمر يختلف تماما عما حصل في الجزائر التي زال فيها كل وجود للدولة الوطنية، كما حورب الشعب في كل مقوماته وصار التعليم باللغة الوطنية جريمة، مع غياب مؤسسات التعليم بالمفهوم المتعارف عليه، بالإضافة لتفتيت المجتمع ومحاولة القضاء على البنيات القبيلة التي كانت سائدة قبل الاستعمار، وفي ظل هذه الظروف يصير أي كلام عن الإبداع الأدبي والفكري من ترف القول، والبحث عن ميلاد جنس أدبي حديث وحداثي في ظل تلك الظروف يندرج ضمن هذا الترف الفكري الذي لا يلتقي مع الواقع المعاش في الجزائر المستعمرة، وما ولادة الرواية الجزائرية باللغة الفرنسية وغيابها باللغة العربية، إلا ميلاد استثنائي كان نتيجة ظروف استثنائية عاشها أفراد استثنائيين تمكنوا من ولوج المدرسة الفرنسية والاحتكاك بالثقافة والفكر الغربي، كان نتيجته إنتاج إبداعي في جنس الرواية يوظف اللغة الفرنسية كوسيلة توصيل وتعبير عن هموم الإنسان الجزائري.

- انعدام نماذج روائية جزائرية بالعربية يمكن تقليدها والنسج على منوالها

- صعوبة فن الرواية لأنه يحتاج إلى صبر وأنات وتأمل طويل.

- عدم توفر اللغة الطبيعية المرنة التي تصور البيئة الكاملة في الرواية، وذلك نتيجة هيمنة اللغة الإصلاحية والخطابية التي أرستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبر برامجها التعليمية، وقد بينا سابقا الدور المعرقل الذي لعبه نهج الجمعية في طريق ظهور الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية.

ونتيجة لهذه الأسباب فقد كانت سنوات السبعينات من القرن الماضي هي سنوات الانطلاقة الفعلية للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، فبالإضافة لرواية " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة فقد نشر الطاهر وطار روايتيه : " اللاز " و"الزلزال"، هذه الروايات الثلاث تحديدا رسخت الفن الروائي في الحقل الثقافي الجزائري، وبعدها لم يعد سؤال ماهية الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية مطروحا، فقد كانت روايات بن هدوقة والطاهر وطار فاتحة لبروز جيل بأكمله من الروائيين الجزائريين الذين يكتبون الرواية بلغة عربية تنفلت من الأطر التقليدية للغة العربية المتوارثة، وتعالج الواقع الاجتماعي والسياسي بلغة حداثية وبرؤية عميقة وتمكن من الفن الروائي، حيث حاول الروائيين الجزائريين أن " يوفروا لأعمالهم الرواية قدرا من الفنية يتفاوت بتفاوت زاد كل منهم ورصيده من الممارسة الروائية، وقد اجتمع تراكم من النصوص الروائية في هذه الفترة بلغ ( 16 ) ستة عشر نصا روائيا وهو النتاج الذي حدا ببعض الباحثين إلى اعتبار أن السبعينيات عقد الرواية الجزائرية وتبلور اتجاهاتها "([3]).

وهنا نتساءل عن الظروف السوسيولوجية والسياسية التي جعلت من عقد السبعينات عقد تبلور الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، فجدير بنا أن نذكر هنا تلك العوامل " النشطة " التي دفعت بالرواية الجزائرية إلى التبلور والنضج الفني، وتحيل هذه العوامل المنشطة إلى الظروف السياسية والاجتماعية والى تلك التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر المستقلة، فقد كانت فترة السبعينات هي " فترة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد كانت استجابة الروائي الجزائري – على وجه الخصوص – لتلك التحولات القاعدية مشروطة بالمثيرات الثورية والوطنية التي روج لها النظام في تلك الحقبة وقد جعل من الثورية التاريخية مرجعية لمشروعية سلطته "([4])، حيث قام الحزب الحاكم الوحيد على قولبة كل النشاطات الفكرية والإبداعية بشكل يخدم مصالحه وتوجهاته واختياراته السياسية والاقتصادية والإيديولوجية، حيث قام من خلال مؤسساته الثقافية التي كانت تشرف على التنشيط الثقافي ومجالات النشر والتوزيع، على توجيه الأعمال الإبداعية في الرواية والسينما والشعر وغيرها من الفنون والآداب نحو خدمة الأهداف التي رسمها.

 خصائص رواية جيل السبعينات:بن هدوقة

لقد عالجت الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية منذ انطلاقتها بداية سنوات السبعينات مختلف الإشكالات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المجتمع، و " ارتبطت بمختلف السياقات السياسية والتاريخية التي عرفتها الجزائر المستقلة "([5])، وبالإضافة لكون رواية جيل السبعينات هي " رواية البورجوازية الصغيرة المثقفة، كما أنها لم تكن تخرج عن جدلية التاريخ والواقع المعيشي،ـ والمكتوب في الرواية هو المثقف المأزوم بإشكالية الواقع " ([6])، فقد تناولت المصائر الفردية والجماعية للإنسان الجزائري، وصيرورة هذه المصائر في أطار مسار الثورة التحريرية ( رواية اللاز مثلا )، أو الثورة الاجتماعية التي أعقبت الاستقلال ( رواية " ريح الجنوب " و " الزلزال " ). فقد " كان الارتباط بالواقع المرجعي هو دائما المحور الأساسي لهذه الكتابات التي تنطلق منه وتعود إليه، باعتباره أساسيا في كل النماذج المكتوبة، لكن ضمن تصور إيديولوجي يشيد بالثورتين لارتباطهما معا، كما كان يعتقد آنذاك "([7])، وهذه الإشادة بالثورة التحريرية كفعل تاريخي جليل مكّن الجزائر من الاستقلال، والثورة الاجتماعية ( الثورة الثقافية، الثورة الزراعية ) أوقع الرواية الجزائرية المكتوبة في التماهي مع الخطاب السياسي والإيديولوجي للنظام الحاكم، كما أن هذا النظام عمل على استقطاب وتوظيف الإنتاج الإبداعي والفكري لخدمة مصالحه الإستراتيجية، ولتبرير اختياراته من خلال مؤسسات الدولة الثقافية والأيديولوجية ( وزارة الثقافة ومجلاتها، مؤسسات النشر والتوزيع التابعة للدولة ، اتحاد الكتاب، الجرائد الوطنية وملاحقها الثقافية ...)، ونتيجة لهذا التوجيه الإيديولوجي المحكم من طرف النظام السياسي للعملية الإبداعية فإننا نجد أن القاسم المشترك بين جل تلك الأعمال الروائية التي صدرت أثناء عشرية السبعينيات باللغة العربية قد اشتركت في التركيز على نقطة مهمة تتعلق بالتعبير عن " معاناة وطموحات الإنسان الجزائري وكفاحه المسلح في سبيل إقامة مجتمع الكفاية والعدل "([8]) وهو نفس الخطاب الذي أنتجه وسوقه النظام السياسي الذي تبنى الخيار الاشتراكي المسكون بفكرة النضال التحرري كوسيلة مثلى لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث نلاحظ أن " الخطاب الروائي الذي تضمنه هذه النصوص، قد تماهى إلى حد بعيد مع الخطاب الإيديولوجي الذي ساد خلال السبعينات ويرجع ذلك إلى الطبيعة الشعبوية للسلطة الحاكمة آنذاك "([9])، التي عملت على تأميم المجتمع بأكمله لصالح مشروع الدولة.

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، ومن خلال قراءة لنصوص كثيرة من نتاجات جيل السبعينات يمكن أن نوجز بعض الخصائص المشتركة للنص الروائي السبعيني في النقاط التالية:

- إعلاء الجوانب الفكرية على الفنية.

- إعطاء الأولوية لوظيفة الأدب ( من منظور ماركسي ) على حساب طبيعته.

- حضور بعض القضايا القومية في المتن الروائي السبعيني.

- حضور التاريخ الجزائري الحديث كثيمة بارزة في النص الروائي.

- الحضور المكثف لبعض الظواهر الاجتماعية التي يعيشها الفقراء.

- توظيف البطل الإشكالي في العمل الروائي.

- إسناد دور البطولة في العمل الروائي لمثقفي البورجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى.

- استخدام اللغة البسيطة القريبة من العامية والخالية من ملامح البيان العربي.

- اعتماد الشروط الموضوعية في تحريك الأحداث الروائية واستبعاد الصدف والمفاجآت في سير الأحداث.

- تبني الواقعية الاشتراكية كمنهج في الكتابة الروائية.

- غياب الروايات النهرية التي تسرد حياة أجيال من البشر في شكل ملحمي.

- العودة للثورة التحريرية كموضوع رئيسي.

- طغيان الرؤية الاشتراكية التي تبناها النظام السياسي في الجزائر.

- حضور الآخر / الغرب كنقيض للانا وكمرآة لها أيضا.

- التماهي مع الخطاب السياسي للنظام الحاكم وتقديمه إبداعيا من خلال العمل الروائي.

- غياب الرواية البوليسية نتيجة التركيز على الريف الذي ينحدر منه جل الروائيين الجزائريين، وهذه الأخيرة تستدعي المدن الكبيرة حيث " تزدهر " الجريمة.

الرواية كجنس أدبي تأخذ " الواقع المفكر الذي مر على الوعي والإدراك ، ' نخلته' الإيديولوجية" (([10]، ومن هذا المنطلق فإن غرق رواية جيل السبعينات في التعاطي الإيديولوجي، مع الواقع هو مظهر وسيمة أساسية لهذه الرواية التي تظل لحظة انطلاق مبهرة للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية.


أنظر حول هذا الموضوع : - 1

- محمد بشير بويجرة، الرواية الجزائرية بين التأسيس والتأصيل، مقاربة ابيستيمولوجية لخطاب حكاية العشاق في الحب والاشتياق، مجلة دراسات جزائرية، منشورات مخبر الخطاب الأدبي في الجزائر، جامعة وهران، العدد 01 ، جوان 1997.

- عبد القادر شرشار، بواكير الرواية العربية في التراث المغاربي، مقاربة حول الإرهاصات الأولى للكتابة في الجزائر، مجلة دراسات جزائرية، منشورات مخبر الخطاب الأدبي في الجزائر، جامعة وهران، العدد 02، سنة 2005.

[2] - حسان راشدي، ظاهرة الرواية الجزائرية الجديدة، مجلة التواصل، العدد: 19، جامعة عنابة، الجزائر جوان 2006، ص 30-47.

- حسان راشدي، مرجع سابق.[3]

- حسان راشدي، مرجع سابق.[4]

[5] - داود محمد، الأدباء الشباب والعنف في الوقت الراهن، مجلة إنسانيات، العدد 10، منشورات crasc وهران، الجزائر ، 2000، ص 27 – 39.

- إبراهيم عباس، الرواية المغاربية ، مرجع سابق، ص 104.[6]

- داود محمد، نفس المرجع.[7]

- حسان راشدي، مرجع سابق.[8]

- داود محمد ، الأدباء الشباب والعنف في الوقت الراهن، مرجع سابق.[9]

- عمار بلحس، الأدب والايدولوجيا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1948، ص 127.[10]

الجمعة، سبتمبر 10، 2010

المثقف والسلطة من خلال اربع روايات جزائرية

كمظهر أولى من مظاهر المثقف الجزائري كما عبرت عنه الروايات المأخوذة كعينة للدراسة، نلاحظ أن المثقف الذي يعتمد على الكتابة كوسيلة توصيل لرؤاه ومفاهيمه حول ذاته والعالم، يحس أنه في ظل الظروف التي يعيشها، لا جدوى من الكتابة، بمعنى آخر لا جدوى لدوره الاجتماعي الذي تعتبر الكتابة وسيلته للتواصل مع الآخرين، فنحن نقرأ في رواية " متاهات ليل الفتنة " : ما معنى أن يكتب المرء في مجتمع لا يرقأ، بل تحكمه ديكثاثورية الشفوية.

خاطب احميدة نفسه:hmida250_726003418

هل نكتب لنغير. لكن ماذا نغير؟!.

إننا نكتب لنزداد عزلة على عزلة

إننا نكتب لنزداد جنونا على جنون "([1])، فالكتابة في مجتمع تحكمه الشفوية، هي عبث في نظر الكاتب الذي يظل يمارس عمله الذهني الذي يتخذ من الكتابة وسيلة توصيل، ولكنه يعيش وضعا تراجيديا نتيجة إحساسه بأن ما يكتبه لن يساهم في تغيير الأمور، فالمجتمع الذي يتوجه له الكاتب بنتاجه الفكري وجهده الذهني لا يقرأ وتحكمه في الغالب أساليب الاتصال الشفوية، وهذا ما يعني أن المثقف/ الكاتب يكتب لنفسه، ولقلة قليلة من القراء الذين يشاركونه تعاطي القراءة والكتابة.

الإحساس بلا جدوى الكتابة وفشل عملية التغيير عن طريق الكتابة كما يتوهم بعض الكتاب الحالمين، الذين يعتقدون بأنهم قادرون على تغيير العالم بقصيدة أو قصة أو مقالة ينشرونها في جريدة، هذا الإحساس باللاجدوى هو نفسه الذي نجده عند فيروز بطلة رواية "المراسيم والجنائز " التي تقول في نفس الصدد: " هل نجحت؟ لا؟! .. لم انجح طبعا متى كانت الكتابة تغير شيئا "([2])، فالكتابة بالإضافة لكونها عاجزة عن التغيير، فهي تتجلى كرمز للفشل وكمهرب من لحظات الوجع واليأس، وهذا ما عبر عنه رشيد عياد بطل رواية " شرفات الكلام ": " واكتشف أن من يفقد كل الأمل عليه أن يكتب رواية "([3]).

وهذا الإحساس بلا قيمة ما يفعله المثقف ليس لصيقا بالمثقف فقط إنما هو موجود أيضا حتى لدى بعض الشخصيات التي ترتبط بعلاقات مع الشخصيات المثقفة، حيث نجد أن والد عبد الحفيظ في رواية "حالات " يتحسر على الحالة التي صار عليها أبنه ويحمل القراءة والانشغال بالكتابة والسياسة مسؤولية تدهور الحالة النفسية للبطل، حيث يقول: "كم مرة قلت له : لا تقرأ كثيرا، ولا تكتب هذا الشعر، فالشعر لا يطيقه إلا الشيوخ الحكماء.. كم مرة قلت له: لا تهتم بالسياسة إنهم شرهون جدا.. كم مرة قلت له: يا ولدي لن تفلح حيث عجز أكثر الأنبياء"([4]).

من خلال الأمثلة السابقة ، والتي هي أمثلة تمثيلية لباقي الروايات التي تلخص نظرة المثقف لعمله الذهني، ومدى قدرته على الفعل من خلال الكتابة، والتأثير، نلاحظ أن المثقف في الرواية، كما في الواقع يمارس فعل الكتابة بحزن، لأنه يدرك بينه وبين نفسه، كما يدرك المحيطون به أنه لن يستطيع تغيير الأمور عن طريق الكتابة، فالكتابة تظل مجرد طقس ثقافي وترف نخبوي يقوم به المثقف ليعبر من خلال عن ذاته، وعن رؤاه دون أن يكون لهذا الفعل تأثير اجتماعي ملموس.


- احميدة العياشي، متاهات ليل الفتنة ( رواية )، منشورات البرزخ، الجزائر،200، ص 97. [1]

- بشير مفتي، المراسيم والجنائز( رواية )، منشورات الاختلاف، الجزائر 1998، ص50.[2]

- مراد بوكرزازة، شرفات الكلام رواية منشورات الفارابي 2001، ص 13.[3]

- عبد الله عيسى لحيلح، حالات ( رواية ) منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية سنة 2008، ص 50.[4]

conter