الخميس، مارس 21، 2013
نخبتنا المزيفة
بتاريخ 9:39 م بواسطة عمار بن طوبال
ظل المثقف في الجزائر المستقلة أسير خطيئته الأولى، خطيئة الإلتحاق المتأخر
بالثورة، أي كونه تابعا للعسكري المغامر وللسياسي الشعبوي، ونتيجة دراماتيكية الإحساس
بالذيلية، لم ينوجد المثقف الجزائري الشريك للسياسي، أي حامل أفكار التطوير والتغيير،
والقادر على الإنوجاد في المجال العام بصفته مثقفا وفقط، أي بعيدا عن حشر السياسي له
داخل هذا المجال الذي تتصارع فيه الرساميل الرمزية من أجل تحصل أكبر قدر من التأثير
في صياغة السياسة العامة للبلد وفي توجيه الحراك الاجتماعي الوجهة التي ترتضيها.
لم يتأسس الوضع الرمزي للمثقف الجزائري على قاعدة متينة تقيه شر الحاجة
إلى الدولة ومؤسساتها في تحصيل عيشه، مما خلق وضعية للمثقفين تكاد تنفرد بها الجزائر
دون بقية الأقطار العربية والإفريقية، وهي كون المثقف موظفا بالضرورة عند الدولة، أي
مقولب داخل مؤسساتها، وتحديدا داخل المؤسسة الجامعية التي أنتجته، وبالتالي فهو مدين
للدولة التي علمته ووظفته، مما يجعله عاجزا عن حشر أنفه فيما قد يغضب السياسي أو العسكري،
أو بعبارة مختزلة يوظفها عامة المواطنين: الدولة. وعجزه عن أن يحشر أنفه فيما لا يعنيه،
ناتج عن خوف وعن طمع؛ خوف من أن يفقد الرفاهية والمكانة الاجتماعية التي توفرها الوظيفة
التي يشغلها داخل الجامعة أو مؤسسات الدولة التي تحتاجه كمستشار أو خبير يقدم معرفة
بمقابل، وطمع في تعزيز تلك المكانة وتحصيل المزيد من أدوات الرفاه الاجتماعي مما يحول
المثقفين الموظفين إلى فئة ذات امتياز داخل المجتمع، وكلما تعززت تلك المكانة الاجتماعية،
وقد تعززت كثيرا في السنوات الأخيرة، كلما ازداد عجز المثقف عن أن يكون مثقفا بالمعنى
الغرامشي للمثقف، أي أن ينحاز للروح الاجتماعي ويدافع عن الحق والحرية وكل القيم النبيلة
التي يجب توفرها في المجتمع لكي يتقدم، وان يندد بالخروقات ويفضح التجاوزات التي تحدث
من طرف الفئات المهيمنة والشخصيات والطبقات ذات النفوذ، والتي تتغلغل بشكل كبير داخل
مؤسسات الدولة وتساهم في صياغة الساسة العامة للدولة، بمعنى أن المثقف الحقيقي والجدير
بهذه الصفة غالبا ما يجد نفسه ضد الدولة ممثلة في بعض مؤسساتها وما يصدر عن هذه المؤسسات
من قرارات.
في ظل تموضع المثقف داخل مؤسسات الدولة ( مؤسسات التربية والتعليم بمختلف
مستوياتها، الصحافة العمومية، مراكز البحث ... ) واشتغاله على رتق إيديولوجياتها الوطنياتية
متخليا عن دوره مقابل ما توفره له هذه المؤسسات من رفاهية اجتماعية نكون بإزاء حالة
من التخلي الطوعي عن الدور الإجتماعي للمثقف، مع الإصرار على الاحتفاظ بالصفة، مما
ينتج لنا تناقضا صارخا بين ما ينتظره المجتمع من مثقفيه وفئته المتنورة، وبين ما تستطيع
هذه الفئة المقولبة تقديمه، وهي غالبا لا تقدم سوى ثرثرة علموية لا تسهم سوى في تزيف
الوعي بالواقع لدى المتلقين. الوضع الذي يعمق حالة فقدان الثقة، لدى فئات واسعة من
المواطنين، في هؤلاء المتعلمين الذين يجيدون التكلم بطلاقة ويتسابقون على موائد السلطة،
على اعتبار إنهم فئة تسلقية ومصلحية توظف معارفها من اجل تعزيز مكانتها الإجتماعية
في حين هي تدعي عكس ذلك.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "نخبتنا المزيفة"
أترك تعليقا