الأحد، أغسطس 11، 2013

عقدة الأستاذ


كلما اقتربت من أستاذ، بشكل يجعله يتصرف معي دون تكلف، أتيقن من سيطرة عقدة الأستاذ عليه، إنها العقدة التي تحكم سلوكياته وتحدد ملفوظاته في المجال العام، وتجعله يجتهد في الحفاظ على صورة لم يساهم في رسمها إنما وجدها " كادر جاهز " لابد له كأستاذ أن يكون بداخله، ولأجل نصاعة الصورة داخل الكادر المعد اجتماعيا، عليه أن يجتهد في التكلم بحساب والتصرف بحساب، من أجل أن لا يقع في غير المتوقع منه كأستاذ، يفعل كل هذا بجد واجتهاد في المجال العام الذي ينتمي إليه وفي محيطه الاجتماعي القريب، لكن بمجرد ما يبتعد قليلا عن تضييق الكادر الاجتماعي المحشور بداخله، يتحرر بشكل مفرط وكأنه ينتقم من كل الضيق الذي عاناه داخل الكادر الاجتماعي المعد له كأستاذ، إنه ينتقم من الاختناق، غير المعلن، الذي ضيق عليه مجال القول والفعل بشكل افقده روح التهور، وكل قدرة على أن يخطئ دون توقع بصبصة آلاف العيون التي تنتظر عد أخطائه، إنه يتقولب وينضبط بإفراط، لا لشيء سوى لأنه أستاذ، والمجتمع ينتظر منه، كأستاذ، أن يسلك سلوكا محتشما ومحترما، ويقول قولا حكيما، أي أن يلغي الجانب الخطاء فيه كإنسان، وهو يستسلم، دون مقاومة لإغراء تلك الانتظارات والتوقعات الاجتماعية لأنها، ورغم تقييدها له، تمنحه مكانة رمزية مريحة.

السندريللا: سعاد حسني


منذ أن غنت في برنامج إذاعي: أنا سوسو أخت القمر، وهي تعلو وتعلو وتحلو وتشع قمرا في العيون ونورا في القلوب، معشوقة عبد الحليم والخميسي وصلاح جاهين وغيرهم عشرات ممن احترقوا بروح السندريللا النطاطة كفراشة لا تستقر على موطأ قدم ولا ترتاح لحضن، هي التي كبرت أمام الكمرا. مثلت غنت ورقصت، أبهرت وألهمت عبر ثمانين فيلما خلال اثنين وثلاثين سنة هو عمرها الفني بين أول فيلم ( حسن ونعيمة 1959 ) وآخر فيلم ( الراعي والنساء 1991) الذي شاركها فيه البطولة أحمد زكي الذي كان أحد عشاقها النادرين والذي هدد بالإنتحار ذات مرة لأن علي بدرخان مخرج فيلم الكرنك لم يختره لمشاركة السندريللا بطولة الفيلم سنة 1976. تزوجت سعاد حسني خمس مرات وطلقت دون إنجاب، ودون استقرار لفترة طويلة مع أي من أزواجها الخمسة، المنتمون جميعهم للحقل السينمائي، وزوجتها الشائعات مئات المرات، فقد كانت كما قالت مرارا: "تعيسة الحظ مع الرجال" تماما كتعاسة طفولتها التي كادت تخلو من البهجة والمسرات، فهي لم تكمل تعليمها الذي يمكنها من ولوج عالم النجاح الذي طمحت إليه، لكنها، ومنذ البداية، آمنت بنفسها وبالنور الذي في قلبها: يخبرها بأنها ستكون امرأة ذات شأن. وكان شانها المنتظر في السينما أمام الكمرا التي ستتوجها نجمة مصر والعرب الأولى، هي التي لم تخلق سوى لتكون ممثلة تزرع البهجة والأمل على الشاشة: جمال هاديء لوجه صاف البشرة متسق الملامح في بشاشة عفوية ترفع الكلفة مباشرة بينك وبين صاحبه، وجه شفاف عامر بالانفعالات إن صمتت وبالصدق في نبرات الصوت حين تتكلم. بهذه المواصفات مثلت وغنت ورقصت، هي التي لم تكن مطربة ولا راقصة ولكن عمق إحساسها بالمعنى الذي يجسده موقف ما في الفيلم، كما في الواقع جعلها تكون دائما مقنعة وهي تغني: " بانو على أصلكم" أو " بمبى بمبى " او "يا واد يا تقيل"، بنفس درجة الإقناع الذي أظهرته وهي تنزع ثوب الطالبة وترتدي ثوب الراقصة دفاعا عن كرامة أمها الرقاصة في "خلي بالك من زوزو".
لم يكن صعود ظاهرة سعاد حسني عبر السينما التجارية في بداية مشوارها، مانعا لها من أن تنتقل، وبسلاسة، للسينما الهادفة مع مخرجين كبار وجدوا في العينين الزائغتين والنظرات الحائرة لسعاد حسني التعبير الأمثل عن قلق وحيرة جيل 1967، فمثلت الخوف مع سعيد مرزوق، ومع زوجها، وطليقها لاحقا، علي بدرخان مثلت أنجح أفلامها النخبوية: " الكرنك "، عن رواية نجيب محفوظ، والذي شكل، بكل ما عبر عنه من ألم وعذاب جيل تمت التضحية به لصالح نزعة وطنية زائفة، إدانة شديدة اللهجة لنظام جمال عبد الناصر القمعي. ومع علي بدرخان أيضا مثلت آخر أفلامها: " الراعي والنساء ". الذي كان فشله سببا في حالة الاكتئات التي لازمتها وأوصلتها بعد عشر سنوات قضتها وحيدة ومريضة في لندن، أوصلتها لأن تقلد قصة قرأتها وتأثرت بها عن جنرال مصري انتحر برمي نفسه من شرفة شقة لندنية في عمارة شاهقة العلو، وقد علمت سعاد حسني أن لها صديقة مقيمة بنفس العمارة، فقصدتها مقتفية آثار خطى الجنرال المنتحر، تاركة لنا صوتها الطفولي يغني: خلي بالك من زوزو.


حول الثقافة الفيسبوكية


يتحول الفايسبوك إلى أداة تعليم وتثقيف لدى فئات واسعة من الأفراد الذين يجدون مقتطفاته المعرفية والمعلوماتية سهولة اكتساب وحفظ. غير أن الفايسبوك والانثرنث عموما، هي أداة تثقيف معلوماتي، أي أنها لا تعطي المعرفة بمقدار ما تزود الفرد بالمعلومات المختصرة والمجزأة في بيانات يمكن استظهارها وقت الحاجة، حتى دون الحاجة لذاكرة تحفظها بما أن تخزينها الالكتروني يمكن من العودة إليها بشكل مستمر. وخطورة هكذا ثقافة مؤسسة على كم هائل من المعلومات والبيانات تكمن في أنها تكسب صاحبها وهم المعرفة، لأنها تمكنه من الحديث في أي موضوع دون شعور حاد بالنقص الذي يخلقه الجهل. ولأن غالبية الفايسبوكيين ذووا ثقافة متشابهة، معلوماتية وبياناتية أساسا، فهم يتواطئون على تسطيح أي نقاش من خلال حصره في مجموعة معلومات تلقى هنا وهناك حول الموضوع المثار للنقاش، دون أي بعد معرفي أو عمق نظري يعبر عن الفكر والعقل الذي يقف خلف الكلام المنشور، فهم يكتبون كلمات عابرة، سطحية وبسيطة، وبعيدة عن التركيز، والأسوأ من كل هذا غير منسجمة فكريا؛ بمعنى أن الفايسبوكي الواحد يقع في عشرات التناقضات يوميا من خلال تعليقاته ومنشوراته دون أن ينتبه لذلك، لأنه لا ينطلق من أفكار ورؤى واضحة تشكل أفكاره ويبثها عبر ما يكتب، إنما ينطلق كما قلت من معلومات متفرقة، ومتناقضة أحيانا، هي التي تشكل جل رصيده المعرفي الذي لم يتشكل من خلال وسائل التثقيف العميقة والجادة والتي تمنح للفرد انسجام فكري ومعرفي حين يتحدث، تلك الوسائل التي على رأسها الكتاب، تغيب وتستبعد بشكل متسارع لدى الفيسبوكيين، فالفيسبوكيون العرب يعتقدون أن ما يتداولونه يوميا من معلومات يشكل رصيد معرفي يمكنهم المحاججة به، في حين أن تلك المحاججات القائمة على ثقافة الفايسبوك السطحية، وتلك النقاشات التي يدخل فيها هؤلاء الشباب بفخر وثقة العارفين، غالبا ما تضعهم في موضع سخرية أمام الفئات المثقفة التي تشعر بالأسى من ضحالة فكر هؤلاء الذين لا يكفون عن ادعاء المعرفة بأشياء يجهلونها تماما.


السبت، أغسطس 03، 2013

الصوم كطقس اجتماعي





لطالما كان صوم رمضان دليل انتماء الفرد الروحي والأخلاقي للجماعة في المجتمع الجزائري الذي يربط إسلام الفرد فيه بصوم رمضان أكثر من أية فريضة دينية اخرى، فيمكن لأي فرد في مجتمعنا ان يكون تارك صلاة وناكر زكاة ورافض حج ولو على مقدرة، وأن يسكر جهارا ويفاخر بزناه، دون ان يلقى استهجانا حادا كالذي يلقاه إذا جاهر بإفطار رمضان. لأن المجتمع الجزائري، بإسلامه الشعبي الذي لا يأبه كثيرا بأحكام واجتهادات الفقهاء في جزئيات الدين، ظل مجتمعا له مقدساته الدينية الخاصة التي ينتقيها من ضمن مجموعة مقدسات اسلامية عامة، ويؤكد عليها، ولعل أبرزها الصوم الذي يعتبر دليل بلوغ الذكر المسلم ودخوله فئة المكلفين، لهذا غالبا ما كانت الأسرة تحتفل بالصوم الاول للذكر كاحتفالية بطقس من طقوس العبور نحو فئة جديدة تعزز انتماءه للجماعة وترسخ تمسكه بقيمها واخلاقياتها.
وكان الخروج عن الجماعة من طرف بعض المارقين وقطاع الطرق غالبا ما يعلن بتصرفات تسفه قيم الجماعة، لعل أبرزها الجهر بإفطار رمضان كإعلان لفك الارتباط بالجماعة وقيمها ومقدساتها، وهو ميزة قطاع الطرق وشذاذ الآفاق والمشتردين والمنبوذين. كما أن إفطار رمضان من طرف بعض الشباب الطائش ولو سرا، وذلك ما يحدث غالبا، يكون مدعاة لاستهجان جماعي وشعور أهل المفطر بالعار، وهو بداية قطيعة بين الجماعة والمفطر، تصل غالبا إلى قطيعة حادة ونبذ للمفطر في حالة اصراراه على تسفيه مقدسات الجماعة بشكل علني.
إن الصوم في المجتمع الجزائري ليس مجرد فريضة دينية بمقدار ما هو طقس اجتماعي ذو دلالات رمزية عميقة مرتبطة بالهوية وبالانتماء، رغم أن سطوة الكثير من الطقوس الاجتماعية على النفوس، قد بدأت تخف وتتلاشيء تدريجيا نتجية التحولات العميقة التي عرفها المجتمع خلال العشريات الاخيرة، خاصة في المدن وضواحيها حيث نشهد تفتيت مستمتر للأسرة الممتدة التي تعتبر حاملة لقيم ومعاني تلك الطقوس وحارسة لها.
يبقى الصوم في المجتمع الجزائري ومجتمعات المغرب العربي عموما هو القيمة الإسلامية الأعلى شأنا، واكثر ما يتمسك به الفرد والجماعة من قيم الدين الإسلامي الحنيف، على عكس المجتمعات المشرقية التي تقدم الصلاة على الصوم.

الجمعة، أغسطس 02، 2013

العلمانية في الشارع

أتصور أن الإسلاميين، وقد أخذتهم الدهشة، يقولون فيما بينهم: أيعقل أن يخرج من بين ظهرانينا كل هؤلاء الكفار، يقصدون العلمانيين.
إن مزية الربيع العربي، إذا كانت له مزية، أنه اظهر للمواطن العادي الذي كان مأخوذا بالدعاية الإسلاموية ضد الخصوم، وخاصة العلمانيين، أن هناك فئات واسعة من المواطنين يتبنون الفكر العلماني، دون أن يكونوا كفارا وأعداء للدين كما صورهم خصومهم الملتحون، إنهم مواطنون يصلون معهم بالجامع، ويجلسون معهم في المقاهي ويركبون وإياهم نفس حافلات النقل العمومي، لكن رؤيتهم لطبيعة النظام السياسي تختلف، وهم يعبرون عن تلك الرؤية في اللحظة الحرجة التي تمر بها بعض الدول العربية، خاصة في مصر وتونس، حيث التيار العلماني صار قادرا على الحشد في الشارع بشكل يساوي أو يفوق قدرة الإسلاميين، وهذا تحول كبير في علاقة العلمانيين بالجماهير، حيث أنه ولوقت قريب كان الشارع حكرا على الإسلاميين، وعلى الدولة التي تنظم المظاهرات العفوية لتدعيم مواقفها، لكن حالة المخاض السياسي والاجتماعي التي تمر بها دول الربيع العربي، مكن العلمانيين من طرح أنفسهم جماهيريا بشكل غير مسبوق بدل الاكتفاء بالتنظيرات النخبوية المفصولة عن الواقع، والنزول للشارع بشكل كشف الوجه الحقيقي للعلمانية كمطلب سياسي واجتماعي لا يعني بالضرورة التعارض مع الدين، أو تسفيه معتقدات المؤمنين، كما كان يصورهم خصومهم الإسلاميون.
إن هذا التحول المهم، سيعمل بكل تأكيد على فتح المجال واسعا أمام العلمانية غير المتطرفة، وأمام العلمانيين الحقيقيين الحاملين لرؤى ومشاريع دولة، لا العلمانيين الذين لا زاد لهم سوى تسفيه وسب الخصوم، والتجني على المعتقدات الدينية بإلصاق سبب التخلف بها، مما نتج عنه رفض لكل ما يمت للشريعة بصلة، بشكل شوه صورة العلمانية الحقة في نظر المجتمع.
لهذا فالمسؤولية الملقاة على عاتق من يؤمنون بالعلمانية كنظام سياسي واجتماعي  يضم الدين في جوهره دون أن يتجاوزه بالدعوة لإلغاءه، تكمن أساسا في تدعيم التواصل الحاصل بين العلمانيين وباقي فئات الشعب من خلال بسط جوهر العلمانية، ونفي التعارض المزعوم بينها وبين الدين من جهة، والعمل على تحييد العناصر العلمانية المتطرفة التي تسيء للفكرة أكثر مما تخدمها بسبب حصرها للعلمانية في الجانب المضاد للدين بشكل جعل خصوم العلمانية ينجحون في تكفير وتفسيق العلمانيين في نظر فئات واسعة من المواطنين عن طريق إلصاق تهمة العداء للدين بهم. 

conter