السبت، أبريل 25، 2009

لوسيان غولدمان وعلم اجتماع الرواية


اعتمادا على كتابات جورج لوكاتش وخصوصا كتابيه : " نظرية الرواية " و " التاريخ والصراع الطبقي " التي تحتضن: " الفرد الإشكالي، التشيؤ، الوعي الممكن.." والتي تم إخصابها لاحقا بمقولات أخرى تسمح بها " البنيوية التكوينية"، وانطلاقا من المقولات العامة للفكر البنيوي القائلة بأن " كل تفكير في العلوم الإنسانية إنما يتمّ من داخل المجتمع لا من خارجه، وبأنه جزء من الحياة الفكرية لهذا المجتمع، وبذلك فهو جزء من الحياة الاجتماعية "([1])، ومن منظور ماركسي، انشغل لوسيان غولدمان ( 1913 – 1970 ) بتأسيس نظرية خاصة في علم اجتماع الرواية كما كان يؤكد بثقة كبيرة وهو يصوغ مقولاته النظرية حول هذا الفرع المعرفي الذي رأي أن علم اجتماع الأدب لم يقترب منه كثيرا، سواء علم الاجتماع الماركسي، أو علم الاجتماع الوضعي، ومستفيدا أيضا من مؤلف روني جيرار:" كذب رومانسي وحقيقة روائية" الذي وجد فيه تقاطعات كثيرة مع الأفكار التي اعتمدها لوكاتش في " نظرية الرواية "، هذه الأفكار التي شكلت المنطلق النظري لعمل لوسيان غولدمان.
لوسيان غولدمان الذي ولد في بوخارست، وانتقل عام 1934 إلى باريس حيث هيأ رسالة دكتوراه في الاقتصاد السياسي. وقبل أن يستقر به المقام هناك فر عام 1940 إلى سويسرا هربا من الاحتلال الألماني لفرنسا، وهناك حيث بقي في أحد معسكرات اللاجئين إلى سنة 1943 توسط الفيلسوف (جان بياجيه) في تحريره وإعطائه منحة دراسية لرسالة الدكتوراه، ليقوم بتعينه لاحقا مساعداً لـه في جامعة جنيف، حيث تأثر بأعماله حول البنيوية التكوينية التي صاغها بياجيه على مبعدة من المفاهيم الماركسية، لكن غولدمان سيقوم بترحيل البنيوية التكوينية لاحقا من مجال علم نفس الذكاء إلى مجال علم الاجتماع مطعما إياها بالمقولات الماركسية.
وبعد تحرير فرنسا عاد غولدمان إلى باريس، حيث اشتغل كباحث في المركز الوطني للبحث العلمي، وأنجز رسالة دكتوراه في الأدب بعنوان (الإله المختفي: دراسة للرؤيا المأساوية لأفكار باسكال ومسرح راسين) عام 1956، حيث أثارت دراسته تلك ضجّة كبيرة في النقد الحديث في فرنسا. ثم وضع كتابه (أبحاث جدلية) عام 1959. وكان قد نشر كتابه (العلوم الإنسانية والفلسفية) عام 1952. وفي عام 1964 أصبح مديراً لقسم علم الاجتماع الأدبي بجامعة بروكسل الحرة، فأصدر كتابه (من أجل علم اجتماع للرواية) عام 1964، ثم وضع (البنيات الذهنية والإبداع الثقافي) عام 1967، و (الماركسية والعلوم الإنسانية) عام 1970 وهو تاريخ وفاته وهو في قمة عطاءه الفكري.
غولدمان ورواية الرأسمالية:
انطلق لوسيان غولدمان في نظريته حول ميلاد الجنس الروائي وتطوره من فرضية أساسية، صارت لاحقا بمثابة المسلمة فيما يخص الرواية الأوروبية، تربط بين الشكل الروائي والمجتمع الرأسمالي " ووفقا لهذه الفرضية فإن الشكل الروائي ينقل إلى المستوى الأدبي الحياة اليومية في المجتمع الفرداني، الذي يلازم، بالضرورة، الإنتاج الرأسمالي من اجل السوق"(
[2])، ووفقا لهذه الفرضية التي صاغها غولدمان فإن " بنية جنس الروائي وبنية التبادل، تتبديان متماثلتين غاية التماثل، إلى حد نستطيع معه الحديث عن بنية واحدة ووحيدة تتجلى على صعيدين متباينين. وعلاوة على ذلك، فإن تطور الشكل الروائي الذي يتطابق مع عالم التشيؤ لا يمكن أن يفهم -ًُ كما سنرى فيما بعد – إلا بالقدر الذي سيربط فيه بتاريخ مماثل لبنى هذا الأخير "([3])؛ إن فكرة التناظر أساسية بالنسبة لغولدمان فهو يأخذ بها أولا ليقيم تناظرا بين تطور الشكل الروائي وبنية الاقتصاد الرأسمالي وتطوره، ويأخذ بها أيضا وهو يحدد العلاقة العضوية التي تربط البنية الفكرية للعمل الأدبي / الروائي بوعي اجتماعي معين تتبناه فئة أو طبقة اجتماعية معينة.
وهذا التناظر بين الشكل الروائي والحياة الاقتصادية، أو الانتقال من الواقع الملموس المتسم بالتشيؤ وصنمية السلعة كما يتجلى في علاقات التبادل، إلى الواقع المتخيل الذي تصوغه الرواية كشكل أدبي، يتم حسب غولدمان انطلاقا من النشاط المتضافر لأربعة عوامل مختلفة هي التي تحدد الانتقال من البنى الاقتصادية إلى المظاهر الأدبية وهي(
[4]):
1 ـ ولادة مقولة الوساطة في فكر أعضاء المجتمع البورجوازي، انطلاقا من السلوك الاقتصادي ومن وجود القيمة التبادلية، هذه القيمة التي تنزع لأن تكون قيمة مطلقة بدلا من أن تكون وسيطة.
2 ـ وجود أفراد إشكاليين ينزعون في تفكيرهم وسلوكياتهم نحو القيم النوعية على حساب القيم الكمية كما تتجلى في عمليات التبادل، ولكن يبقى فكرهم وسلوكهم مغلوباً أمام القيم الكمية. فالكتّاب والفلاسفة ( وهم النماذج الغالبة التي تتكون منها فئة الأفراد الإشكاليين ) لا يستطيعون الهروب من تأثير السوق.
3 ـ تطوّر الشكل الروائي انطلاقاً من استياء عاطفي غير ممفهم، نتيجة السعي المباشر إلى قيم نوعية، إما في مجموع المجتمع، وإما لدى الفئات الوسطى فقط التي ينضوي معظم الروائيين في عدادها.
4 ـ في المجتمع الليبرالي المتجه نحو السوق تظل القيم مرتبطة بوجود التنافس. وانطلاقاً من هذه القيم تتطور الرواية كسيرة لفرد إشكالي يشبه مؤلفه، ثم يتحول الشكل الروائي لينتهي إلى الانحلال التدريجي، وإلى تلاشي الشخصية الفردية.
وانطلاقا من هذا التناظر بين البنيتين الروائية والاقتصادية يحدد غولدمان المراحل الأساسية التي مرت بها الرواية الأوروبية استرشادا بتطورات الاقتصاد الرأسمالي، وتطور الرواية عند غولدمان مرتبط بكيفية تجلي البطل الإشكالي في الرواية التي هي سيرة ذلك البطل الباحث عن إعطاء معنى لحياته، " فالرواية التي لها بنية سيرة ( حضور البطل الإشكالي ومصاعبه في إعطاء معنى لحياته ) توافق طور " الرأسمالية الليبرالية " ، وهو طور يمتد، وكما يرى غولدمان، من مرحلة استقرار اقتصاد السوق إلى عام 1910، ويتسم بنزوع فكرة الكلية إلى التلاشي من الوعي الجماعي، من دون أن يمنع ذلك عن الفرد الأسباب التي تتيح تفتح شخصيته وتطورها "(
[5])، في هذه المرحلة من تطور الشكل الروائي تمثل البطل الإشكالي في الرواية كبطل يتبنى تصورا نقديا ومعارضا " فهو شكل من أشكال المقاومة للمجتمع البورجوازي اخذ في التطور، وهي مقاومة فردية لم تستطع أن تعتمد – داخل زمرة – إلا على سيرورات نفسية ووجدانية غير ممفهمة "([6]) وهذه المقاومة الفردية للانحطاط وضياع القيم الأصلية الذي رافق صعود البورجوازية، وكذا التطورات اللاحقة للرأسمالية، كانت نتيجة لغياب المقاومات الواعية من طرف فئات اجتماعية معينة تتعامل مع الوضع الذي تفرضه البورجوازية برفض ايجابي، كما كان يرجو ويرتقب كارل ماركس من الوعي المعارض للطبقة البروليتارية. ولكن التنديد الذي حملته الرواية في تلك المرحلة والرفض لكل ما يحول دون تفتح الشخصية الإنسانية وتطورها الطليق، لم يستمر لاحقا، نتيجة التهديد المتصاعد لذلك الاستقلال الذاتي النسبي للشخصية، حين بدأت الرأسمالية تأخذ الشكل الاحتكاري الامبريالي، وهذا التطور الذي عرفته الرأسمالية انعكس على الرواية في أزمة بنيوية عنوانها اضطراب الشخصية، شخصية البطل الذي يمد الرواية بموضوعها من خلال سيرته " فبعد أن كانت الرواية تصبغ على الفرد اتساقا موضوعيا عبر إدراجه في كلية تتجاوزه، جاءت مرحلة جديدة عبرت عنها، في لحظة الاستهلال، أعمال جويس وكافكا، وتطورت متصاعدة في " غثيان سارتر، و" غريب كامو"، وصولا إلى " الرواية الجديدة " في فرنسا الخمسينات. وتتصف رواية المرحلة الجديدة باختفاء مضطرد للشخصية، يبدأ من ضياع الاسم ويصل إلى غياب يقين الفرد في وجوده الذاتي، ليفضي في النهاية إلى انحلال البنية القاعدية للرواية الكلاسيكية، والذي هو إجابة مطابقة على انحلال الشخصية الروائية "([7]).
في حوار له مع نتالي ساروت وألان روب غارييه سنة 1962 يؤكد غولدمان أطروحته النظرية التي تقول بعلاقة تجانسية بين تاريخ البنى التشيئية وتاريخ البنى الروائية من خلال دراسته التناظرية للبنيتين: " يبدو لي أن المرحلتين الأخيرتين من تاريخ الاقتصاد والتشيؤ في المجتمعات الغربية تطابق فعليا مرحلتين كبيرتين في تاريخ الأشكال الروائية: المرحلة التي سأميزها بمرحلة انحلال الشخصية، وهي المرحلة التي تتضمن أعمالا في منتهى الأهمية كأعمال جويس وكافكا وموزيل والغثيان لسارثر والغريب لكامو وربما إلى حد كبير أعمال نتالي ساروت بوصفها واحدة من أكثر مظاهر هذه المرحلة جذرية. والمرحلة الثانية التي بدأت لتوها العثور على تعبيرها الأدبي والتي يعتبر روب غرييه واحدا من أكثر ممثليها أصالة وألمعية، وهي المرحلة التي يميزها ظهور عالم مستقل للمواضيع له بنيته الخاصة وقوانينه الخاصة ويمكن، عبره وحده، للواقع الإنساني أن يعبر عن نفسه إلى حد ما "(
[8])؛ هذا الواقع الإنساني الذي عبرت عنه الرواية في مراحلها المتعددة، والتي وضحها غولدمان استنادا لتطور النظام الرأسمالي، هو واقع يعيشه الفرد، بطل الرواية، وهو البطل الإشكالي الذي حدده لوكاتش جيدا، وجعل منه قوام نظريته حول الرواية، فالبطل الإشكالي يعيش وضعا يعجز عن استيعابه وتمثله، أي يعجز عن الانسجام معه نتيجة لكون جوهر هذا البطل الإشكالي مسكون بالبحث عن قيم لم تعد موجودة في واقعه "وهذا البطل ليس سلبيا ولا إيجابيا , فهو بطل متردد بين عالمي الذات والواقع ، يعيش تمزقا في عالم فض. إذ يحمل البطل قيما أصيلة يفشل في تثبيتها في عالم منحط يطبعه التشيؤ والاستلاب والتبادل الكمي . لذلك يصبح بحثه منحطا بدوره لا جدوى منه"([9])، وطبيعة علاقة البطل الإشكالي مع واقعه الاجتماعي حددها غولدمان اتكاء على ما توصل إليه لوكاتش، من خلال التصنيف الذي قدمه للرواية والتي قسمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية([10]):
أ – رواية المثالية المجردة التي تتميز بنشاط البطل أو بوعيه الضيق للغاية بالقياس إلى تعقد العالم ( "دون كيخوتة" لسيرفانتيس و " الأحمر والأسود " لستاندال).
ب – الرواية النفسية التي تنزع إلى تحليل الحياة الباطنية، وتتميز بسلبية البطل وبوعيه الواسع إلى الحد الذي لا يرضيه معه ما بمقدور عالم العرف أن يقدمه إليه ( والى هذا النوع قد تنتمي رواية " أوبلوموف " ورواية التربية العاطفية" )
ج – الرواية التربوية المنتهية بانحسار ذاتي outo limitaion الذي لا يشكل، رغم أنه تنازل عن البحث الإشكالي، لا قبولا لعالم العرف ولا تخليا عن سلم القيم الضمني هذا الانحصار الذاتي الذي يجب تخصيصه بعبارة " النضج الفحولي" ( ويلهلم مايستر" لجوتة، أو " der grune heinrich " لكوتفريد كيللر).
فالبطل يكون مثاليا كلما كان الواقع اكبر من الذات ومن طموحاتها القصوى في تحقيق قيمها ومثلها كما هو الحال في النوع " أ "، في حين يكون البطل رومانسيا واثقا من قدراته الذاتية رغم معاندة الواقع لتحول تلك القدرات إلى واقع ملموس، ورومانسية البطل كما هي في النوع " ب "، تتمظهر كلما كانت الذات أكبر من الواقع، وكلما كانت الأحلام والطموحات كبيرة، أي كلما كانت قيمة القيم تنبع من الداخل دون أن تجد ما يصدقها في الواقع. أما النوع " ج " أي الرواية التعليمية فهي رواية التصالح مع الواقع، حيث يميل البطل إلى تكييف نوازعه الذاتية وطموحاته مع الواقع من اجل تفادي الصدام مع هذا الواقع، وهي رواية كما يؤكد غولدمان تنزع لتنازل البطل عن بحثه الإشكالي عن القيم الأصلية رغم عدم تسليمه بالقيم الموجودة والواقعية.
إن الحديث عن غولدمان يقودنا إلى التطرق لبعض المفاهيم التي وظفها، وبنى على أساسها مشروعه في علم اجتماع الرواية ومنهجه النقدي، فبالرغم من صفة " تلميذ لوكاتش " التي ارتضاها لنفسه، إلا أنه وخلافا لأستاذه يبدو أكثر توغلا في دراسة بنية الأعمال الأدبية وأكثر تعمقا في استنطاق دلالاتها و تشكيلاتها، وكذا التجليات الإبداعية للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع الأوروبي.
بنى غولدمان فرضيته الأساسية التي يتعامل معها كمعطى نظري يقترب من القانون في يقينه، والتي تربط بين تطور الشكل الروائي وتطور الاقتصاد الرأسمالي والإنتاج من اجل السوق على أربع مقولات أساسية:
- الإنسان الفرداني.
- مفهوم القيمة.
- التشيؤ وصنمية السلعة.
- دلالات الانتقال من الكيف إلى الكم.
ترتبط المقولة الأولى، أي الإنسان الفرداني " بالمجتمع الليبرالي والذي هو طور من الأطوار الأولى للمجتمع الرأسمالي، أعطى، وليس بعيدا عن ضرورات التنافس وعقود العمل والاعتراف المتبادل بين البشر، أنسانا يعي فرديته، ويمارس حرا عقود البيع والشراء "(
[11])، فالفردانية كمفهوم هي وليدة الليبرالية، وهي واحدة من القيم التي دافعت عنها الطبقة البورجوازية، ورسختها كقيمة مناقضة لقيم العائلة والعشيرة والجماعة التي كانت سائدة في المرحلة الإقطاعية.
في حين المقولة الثانية " تحيل مباشرة على السلعة، التي تتعين كقيمة استعمالية وقيمة تبادلية في آن، وان كان الإنتاج من اجل السوق يفصل بين القيمتين ويختزن القيمة الأولى إلى حدها الأدنى "(
[12])، والقيمة مقولة ماركسية بامتياز خصها كارل ماركس بعناية كبيرة وهو يعمل على تحليل جوهر النظام الرأسمالي وآلياته التي تنتج التشيؤ، وتقود الفرد إلى الاغتراب، وحضت لاحقا باهتمام كبير من طرف الماركسيين الذين نقلوها من مجال التداول الاقتصادي البحت إلى مجالات معرفية أخرى لا تلغي الاقتصاد من حيز اهتمامها وانشغالاتها، كما هو الحال بالنسبة لعم الاجتماع.
أما المقولة الثالثة التي وظفها غولدمان وافردها اهتماما خاصا في نطاق عمله المضني لإقامة تناظر بين البنى الروائية والبنى الاقتصادية، فهي " تعالج 'الوعي الزائف'، الذي لا ينفصل عن تحولات السلعة، التي تتجلى، في الإنتاج من اجل السوق، موضوعا مستقلا عن البشر ومسيطرا عليهم أيضا"(
[13])، وهي مقولة درسها لوكاتش بكثير من التفصيل في كتابه: " التاريخ والصراع الطبقي"، حيث يؤكد لوكاتش بان الوعي الطبقي يبقى إمكانية قابلة للتحقق حين يتمكن الإفراد المنتمين لنفس الطبقة انطلاقا من أفكار ومشاعر معينة، من فهم واستيعاب الوضع الذي يعيشون فيه و كإمكانية موحدة حين " يتعين على الوعي الطبقي أن يرى الغاية النهائية التي يسعى إليها تعبيرا عن تطلعات المجتمع بأسره "([14])، تقرر هذه المقولة عند نقلها إلى المستوى الروائي، واعتمادا على فرضية غولدمان الرئيسة القائلة بتماثل البنى، بأن الذات المبدعة للعمل الروائي ( أو الأدبي بصفة عامة، والفلسفي والفني بصفة أعم ) هي ذات جماعية، بالرغم من كون خالص العمل ( رغم صوفية عبارة الخلق ) هو ، وبالمعنى التجريبي فرد استطاع نتيجة جملة أسباب التعبير عن الطموحات القصوى للجماعة/ الطبقة، وهذه الأسباب يلخصها غولدمان في اتجاهين:
" فالأديب يفعل ما فعل إما لأنه ينتمي، اجتماعيا، إلى فئة محددة، بإمكانه التعبير عن أفكارها، أو لأن سيرته الذاتية، وبسبب وقائع معينة، تتوافق مع تجارب فئة اجتماعية، لا ينتمي إليها بالضرورة "(
[15])، وهذه الأسباب التي أوردها غولدمان، والتي عن طريقها فسر السبب الكامن وراء قدرة الفرد على التعبير الإبداعي عن تطلعات الذات الجماعية، تبقى فرضية من فرضيات علم اجتماع الرواية.
في حين تترجم المقولة الأخيرة، والتي تستمد جذورها من الفكر الهيجيلي مباشرة، " معنى الانزياح من الكيف إلى الكم، الذي يترجم أحوال وعي لا يعرف الارتقاء، أو يعرف الارتقاء ويجهله معا "(
[16])، وهي حالة البطل الإشكالي في الرواية الذي يظل معلقا بين تطلعه للسمو والارتقاء لعالم الكيف الذي يحتفل بالجوهر والصفاء، وبين خضوعه مجبرا لقيم الكم التي تجبره على التعامل بها أثناء عملية التبادل.
من خلال استعراضنا لأهم الأفكار التي جاء بها غولدمان والتي ظل يؤكد على أنها تمثل منطلقا لعلم اجتماع الرواية، والتي حاول من خلالها التأكيد على التناظر بين البنى الاقتصادية والبنى الروائية، مستفيدا من أعمال لوكاتش ورونيه جيرار، بعد أن أدرجها في منظور ماركسي محض، نشير في النهاية إلى ملاحظة أساسية أوردها فيصل دراج وهو يتناول بالتحليل والنقد أفكار غولدمان: " على الرغم من الجهد النظري التركيبي الذي يقوم به غولدمان، فإنه لا يجب على قضية إلا ليصمت عن أخرى، فمفهوم " اللاوعي المعرفي " يظل صامتا أمام الأسباب التي تدفع مبدعا معينا إلى الأخذ بتصور معين للعالم والعزوف عن تصور آخر، بقدر ما يبقى كامل الصمت أمام خصوصية الذات المبدعة، كما لو كان هذا " اللاوعي " يشرح آلية أفعال عامة، بعيدا عن أي تخصيص "(
[17])، فلوسيان غولدمان يتعامل وفقا لهذا المنظور مع بعض مقولاته كمسلمات، دون أن يعمل على إثباتها.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] - محمد عزام، تحليل الخطاب الأدبي على ضوء المناهج النقدية الحداثية، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق،2003، ص 230.
- فيصل دراج ، نظرية الرواية والرواية العربية، المركز الثقافي العربي الرباط،، 1999، ص 42.[2]
2- لوسيان غولدمان، مدخل الى قضايا علم اجتماع للرواية، تر: محمد معتصم، مراجعة: محمد البكري، عيون المقالات، العدد 6/7، المغرب، 1987، ص 65 - 81
[4] - انظر ، نفس المرجع.
- فيصل دراج، مرجع سابق، ص 46 [5]
- لوسيان غولدمان مرجع سابق.[6]
- فيصل دراج، مرجع سابق، ص 46.[7]
- لوسيان غولدمان، عن، فيصل دراج، مرجع سابق، ص 47.[8]
[9] - جميل حمداوي، مدخل إلى البنيوية التكوينية.
http://www.almishkah.net/detail.php?n_no=2060&t=1
- انظر لوسيان غولدمان، مرجع سابق.[10]
- فيصل دراج، مرجع سابق، ص 43.[11]
- مرجع سابق، ص 43.[12]
- نفس المرجع، ص 43[13]
- نفس المرجع، ص 49.[14]
- نفس المرجع، ص 49.[15]
- مرجع سابق، ص 43.[16]
- نفس المرجع، ص 51.[17]

الخميس، أبريل 23، 2009

ألبوم صور




























الأربعاء، أبريل 22، 2009

الهوية المأزومة في الخطاب الثقافي الجزائري


يتميز الخطاب الثقافي المنتج من طرف المثقفين الجزائريين وهو يتناول مسألة الهوية، بالتأزم وعدم القدرة على خلق خطاب جامع ومتفق عليه نسبيا حول هوية اجتماعية واضحة للمجتمع الجزائري، حيث نلحظ أن مسألة الهوية في الجزائر تمثل " إشكالية قصوى ضمن فسيفساء المشهد الثقافي ككل" وهذا ما يتجلى في انقسامية المثقفين الجزائريين حين يتعلق الأمر بنظرتهم لهوية المجتمع الجزائري، وقبل التطرق إلى محددات الهوية الجزائرية، يجدر بنا الإشارة إلى أهمية تكوّن هوية واضحة المعالم ودور هذه الهوية في توفير الشرعية السياسية للنظام الحاكم من جهة، ودورها في دعم السلم الاجتماعي من جهة ثانية. حيث يمكن توضيح المسألة بالشكل التالي:أ – لا وجود لشرعية سياسية حقة وبالتالي لدولة وطنية شرعية إلا بوجود شرعية ثقافية.ب- ولا وجود للشرعية الثقافية إلا بوجود هوية اجتماعية واضحة.

وهذه الهوية الواضحة اجتماعيا والتي تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين أو أفراد الأمة وكذا مختلف الفاعلين السياسيين داخل المجتمع، تساهم أكثر ما تساهم في دعم السلم الاجتماعي الذي يظل مرتبطا بتوافر الشرعيتين السابقتين وهما الشرعية السياسية والشرعية الثقافية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مادية أساسا مرتبطة بمستوى الرفاه الاقتصادي والتقدم الحضاري الذي يبلغه المجتمع في مرحلة معينة من مراحله التاريخية.
هناك عدة عوامل تاريخية، محلية وكونية، ساهمت في بلورة ثوابت معينة للهوية الجزائرية تتمثل هذه الثوابت في ثلاث محددات رئيسة هي:
- الدين الإسلامي.
- اللغة العربية.
- الأصل الأمازيغي.
والخلاف ليس حول هذه الثوابت الثلاثة التي تحضى بقبول نسبي من طرف جموع المواطنين باستثناء بعض الفئات/ التيارات غير مسموعة الصوت التي تلغي عنصر معين من هذه العناصر الثلاثة لصالح عنصر آخر، كالتيار الذي يرفض البعد الامازيغي البربري للهوية الجزائر على اعتبار أن أصل الأمازيغ يعود في نهاية التحليل التاريخي إلى العنصر العربي، كما يزعمون؛ أو التيار البربري الذي يرفض العروبة كمحدد للهوية الجزائرية معتبرا أن الجزائريين ذوي الأصول العربية القحة لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة جدا من جموع السكان، وأن غالبية الجزائريين ذوو أصول بربرية رغم أنهم قد تعربوا خلال مراحل تاريخية مختلفة.
وكلا التياران الرافضان لعنصر واحد من ضمن العناصر الثلاثة المشكلة للهوية الجزائرية
لا يختلفان حول اعتبار الإسلام محددا رئيسا للهوية الجزائرية بالإضافة لعناصر أخرى أو عنصر آخر يحدده كل تيار حسب قناعاته ومرجعيته الفكرية والإيديولوجية، ولكن كلا التيارين في النهاية لا يمثلان سوى أقلية لا تأثير ملموس لها في الواقع الجزائري، ولا قدرة لها على تسويق رؤاها بشكل فعال نظرا لكون تلك الرؤى تتعارض مع القناعات العامة لجموع أفراد المجتمع، كما أنها تصطدم مع الخطاب الرسمي حول الهوية الجزائرية الذي يقر بالمرجعيات الثلاث المحددة سلفا.
ذن والحالة فإن الاختلاف حول الهوية الجزائرية والذي جعلها تشحن بكثير من التناحرية في صياغتها وفي تأثيرها الاجتماعي على الواقع الجزائري، ليس حول تعيين المحددات الثلاث للهوية الجزائرية، إنما حول التوليف والتركيب بينها، فالجزائر بهكذا هوية " لا تتميز عن بقية البلدان العربية الإسلامية الأخرى إلا بأمازيغيتها، إذ أن العروبة والإسلام هو قاسم مشترك مع بقية الدول العربية الإسلامية، وبالتالي فهل العروبة والامازيغية المتعايشة تعني تواجد شعبين في وطن واحد أم تعني تواجد ثقافتين لدى شعب واحد؟".
وهل الإسلام وحده هو العنصر الذي تنصهر ضمنه العروبة والامازيغية؟.
وهل الإسلام كعنصر موحّد قد أنتج فهما موحدا لدى العنصرين الامازيغي والعربي المتعايشين معا في الجزائر؟.
وهل نكتفي بالمحددات الثلاثة للهوية الجزائرية دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن محددات أخرى حتى لو كانت ثانوية؟.
يبدو موضوع الهوية الجزائرية بهذا الشكل مجالا خصبا للتساؤل، أكثر مما هو مجال للبحث عن إجابات مقنعة، واستحالة الوصول إلى إجابات " مقنعة " تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين والفاعلين في الساحة السياسية والثقافية، ينجر عنها "محاولات" لتقديم أطروحات حول الهوية، تتسم بالانغلاق على الذات والركون لمرجعيات محددة سلفا تستمد منها العناصر الأساسية لبناء شرعية ثقافية وسياسية معينة، والنتيجة "أن كل طرح من هذه الطروح يؤسس بطريقة مختلفة تماما للشرعية الثقافية وللشرعية السياسية عن غيره من الطروح وحولها يقع الانقسام وازدواج الشرعية الثقافية والسياسية" وهذا ما يخلق انقساما و" كسرا دالا في
تنفصل الدولة بالمجتمع، وتصدعا في إيديولوجيا المشروعية وظهور أسئلة جديدة "، هذه الأسئلة التي تثار دوما حول الهوية الجزائرية، ما هي في النهاية سوى نتيجة الغلق الذي مارسته السلطة السياسية حول هذا الموضوع، ولجوءها لتحديد هوية المجتمع وفق رؤية سياسية تضمن لها بعضا من الشرعية التي تحس أنها مهددة من طرف من يطرحون بعض الأسئلة
" الخبيثة "، والباحثة عن قراءة مغايرة للهوية.
الهوية في النهاية وبرؤية سوسيو-تاريخية ليست معطى ثابت، حيث أن التغير يظل لصيقا بها نتيجة لما يتعرض له أفراد المجتمع من تأثيرات خارجية تساهم في قولبة "هوياتهم" وإعادة إنتاجها بفعل التأثير والإغراء الذي تمارسه بعض تلك المؤثرات، فهناك الكثير من " المؤثرات الكونية الجديدة التي لا يزال العقل الجزائري المتأمل يقف مشدوها إزاءها لا يجد نقطة ارتكاز يمكنه الانطلاق منها لمساءلة الآخر " وبالتالي إبداء الموقف إزاءه، رغم توافر الهوية ثلاثية المحددات التي يستند إليها الفرد الجزائري وهو يلتقي بالمؤثرات الثقافية الوافدة، على قوة شحن عاطفي وعلى الامتداد التاريخي والتجدر الاجتماعي، إلا انه يشعر دوما بأن هويته المأزومة لا تسعفه في تبني رد فعل ايجابي اتجاه الآخر، وهذا ما يجعله يلجأ في الغا
لب نحو رد فعل انفعالي ومتطرف سواء بالقبول التام لتلك المؤثرات وتبنيها، أو برفضها التام متقوقعا على ثوابته التي يشعر بالخوف الكبير عليها من كل وافد، نظرا لما تتسم به هذه الثوابت من ضعف وهشاشة تجعلها عاجزة عن مساءلة الآخر من موضع الندية.
إن هذا الوضع المأزوم للهوية الجزائرية المتسمة بكثير من الهشاشة غير الظاهرة، والخطيرة في الوقت نفسه، يضع النخبة السياسية ممثلة في السلطة وفي التيارات المعارضة، في قفص الاتهام بسبب فرضها لهوية تتسم بجهوزية مسبقة من جهة، وعملها على توظيف عناصر الهوية الوطنية في صراعات سياسوية نتج عنها تحميل هذه الهوية بشحنة تناحرية هددت بشكل فعلي السلم الاجتماعي؛ مع أن النخبة الثقافية الجزائرية تتحمل نص
يبا وافرا من حالة التأزم الهوياتي الذي يستشعره الإنسان الجزائري، فهي قد عجزت عن صياغة خطابات مقنعة حول الهوية الجماعية للشعب الجزائري كما أنها هي نفسها ونتيجة تميزها بانقسامية حادة على المستوى الإيديولوجي واللغوي قد وظفت عناصر الهوية الوطنية كأدوات صراع، بغية تحصيل مشروعية ورأسمال رمزي يمكنها من فرض تصوراتها على الفئات الأخرى المغايرة، ولهذا نجد " أن جيلا كاملا من الكتاب والأدباء انخرط بشكل لا إرادي – وإن كان بعضهم يعتقد عكس ذلك – في سيرورة الإقصاء والتوازي والمغالاة في أدلجة النقاش حول الهوية والتمادي في توظيف عناصرها ومكوناتها الأساسية ( الدين، اللغة، الانتماء الحضاري ) في تنوعها وتعددها بطريقة ميكيافيلية، هدفها النهائي السعي إلى إلغاء الآخر كشرط أولاني لإثبات الأنا "، وهذا التناحر الثقافي حول الهوية قد انتقل للمجتمع ونتج عنه سنوات المحنة التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينات بكثير من الدراماتيكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ


نشرت هذه المقالة باسمي الحقيقي ( عمار بن طوبال ) بملحق الأثر الثقافي الذي يصدر أسبوعيا عن جريدة الجزائر نيوز، وأعيد نشرها هنا بمدونتي

الاثنين، أبريل 20، 2009

بؤس اليسار العلماني

مشكلتنا نحن العلمانيين العرب أننا دوما ضد إرادة الجماهير وضد الاعتراف بأن لهذه الجماهير وعي قائم بذاته قادر على التمييز وعلى اختيار ما يتساوق ورغباتها وتطلعاتها. نحن دوما نتهم الجماهير العربية بأنها غوغاء وبأنها لا تعي تحديات الراهن، لا لشيء سوى لأن التجارب الديمقراطية القليلة التي عرفتها المجتمعات العربية أفرزت دوما وأبدا انحياز الجماهير لصف الخصم اللدود والتاريخي، وهم الإسلاميين، فحتى تلك التيارات الإسلامية الأكثر تشددا تجد لها أنصارا في صفوف الجماهير التي نسميها غوغاء أكثر مما يجده العلمانيون الذين ظلوا للأسف الشديد متعالين على الهموم الحقيقة للجماهير في الوقت الذي يزعمون أنهم يتكلمون باسمها ويدافعون عن حقوقها ويتمثلون تطلعاتها.
كانت هذه هي أزمة الأحزاب الشيوعية على امتداد العالم العربي وهي نفسها أزمة التيارات الديمقراطية العلمانية في العالم العربي، إنها لا تثق في عقول الجماهير ولا تعبر عن وعيها البسيط أو المركب اتجاه الحياة والسياسة ، والجماهير تكافئها بالمثل وتتجاهلها حين تتاح لها فرصة فعل ذلك عن طريق انتخابات حرة ونزيهة.
العلمانيون هم الدين يزورون الانتخابات للأسف وليس الإسلاميين، كما أن الوعاء الانتخابي للعلمانيين في العالم العربي متراجع بشكل مستمر، فحتى محاولات التجييش وسوق الجماهير كقطيع الغنم نحو تبني الاختيارات القومية والاشتراكية والعلمانية المبطنة التي تبنتها الأنظمة العربية الاشتراكية، لم تنتج قناعة جماهيرية بتوجهات الدولة الاشتراكية ولهذا شهدنا سقوط تلك الجماهيريات الشعبية والاشتراكية تباعا ولم تبقى سوى سوريا ولبيبا تعلنان ولاءهما للاختيارات الاشتراكية. سوريا عن طريق نظام قمعي يفرض اختيارات الدولة بالقوة وليبيا في شكل كاريكاتوري استعاض عن ديكتاتورية الطبقة العاملة بديكتاتورية الزعيم القائد العظيم ملك ملكوك إفريقيا معمر القذافي الذي استعاض عن أفكار كارل ماركس بأفكار بسيطة وسطحية دونها في كتيبه الأخضر.
كان سقوط الاتحاد السوفيتي ضربة موجعة لكل اليساريين رغم انه كان متوقعا نظرا للوجه اللاانساني الذي أبان عنه النظام الستاليني وأتباعه اللاحقين. ومع هذا فتحن نشهد بعيدا عن العالم العربي الذي يظل بحاجة للاشتراكية ولفكرة العدالة الاجتماعية. نشهد إعادة إحياء للماركسية تحت ما يسمى بالنيوماركسيزم في الغرب وفي أمريكا وأروبا تحديدا، وهذا وفاءا لماركس ونقدا له في نفس الوقت.
وأيضا نشهد عودة قوية لروح تشي غيفارا في أمريكا اللاتينية التي تعود وبقوة لأحضان الخيار الاشتراكي والنضالي ضد التفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي الذي تتعرض له فئات واسعة من أفراد الشعب.
ماركس أكد أن الاشتراكية يجب أن تقوم في مجتمع رأسمالي ورسيا القيصرية وكل الدول التي اتبعت النهج الاشتراكي لم تكن كذلك، فقد حدث تحايل على مبادئ ماركس وانجلز وبليخانوف وروزا ليكسومبورغ وغيرهم من المنظرين الكبار للاشتراكية الماركسية، وهذا التحايل على المبادئ المركسية كان أكثر بروزا في العالم العربي حيث اجتهد الماركسيون في إنتاج خطاب تلفيقي يربط بين الإسلام والاشتراكية على المستوى النظري، دون أن يولوا أي أهمية للواقع المادي الذي لم يكن مهيأ بالشكل الكافي لتبني الخيار الاشتراكي نظرا لتركيبة المجتمع الطالع لتوه من بداوة موغلة في الزمن.
لهذا يبدو لي الشيوعيين العرب أناس بائسون يعيشون خارج الزمن التاريخي مسكونون بأوهام لا يلتقون بمقابلها المادي والموضوعي إلا في خيالاتهم وهذا البؤس النظري والعقم حين يتعلق الأمر بإعطاء البديل الممكن التطبيق في المجتمعات العربية المسلمة تبديه بجلاء تلك النقاشات حول اليسار والماركسية والعلمانية، ومن خلال بعض المشاركات في هذه النقاشات البيزنطية والبائسة عبر الكثير من المنتديات والمدونات التي فتحت هذا الموضوع، لاحظت كم هم تافهون أدعياء اليسار وكم هم مسكنون بالأوهام.
للأسف مرة أخرى الإسلاميون أو الذين يتبنون موقفا وسطا وطريقا ثالثا بين اليسار واليمين يقدمون الجديد الجيد والمفيد والذي يلامس هموم المجتمع الحقيقية ويجتهد في إيجاد الحلول لها.
هل يعني هذا أن نعلن وفاة الرفاق الشيوعيين؟!
ونسلم الأمر للإسلاميين الذين يحضون بتأييد شعبي وجماهيري لا ينضب؟! .
يبدو هذا الاختيار ممكنا في ظل الظروف الراهنة وفي ظل المأزق التاريخي لليسار العربي ولكن الانتقال من النظرية إلى الواقع واستبطانه وإقامة بناء نظري يستجيب له ويعبر عنه بدل حصر الواقع جبرا في إطار النظرية التي لا تلتقي به إلا نادرا هو العمل المهم والجليل الذي ينتظر اليسار العربي والعالمي، وهو الوعد الجديد للماركسية، وليس للشيوعية التي تنافي الدين وترميه في مزبلة التاريخ فالدين مكون أساسي، هو مخدر الشعوب كما قال ماركس ولكنه جزء من هوية الشعوب العربية الإسلامية يستحيل القفز عليه كما يستحيل أن نعيش بدون ضوابط أخلاقية تنظم حياتنا وتكون إلزامية حين تفقد القوانين الرادعة فعاليتها، فالأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة تفتح آفاقا أرحب للاشتراكية والاهم من آفاق الاشتراكية المفتوحة على جحيم أزمة الرأسمالية هو العودة القوية لضرورة أخلقة المعاملات الاقتصادية، وهذه الأخلقة (من الأخلاق ) للاقتصاد لا توفرها غير القيم الدينية.

السبت، أبريل 11، 2009

النظام الأبوي وتوظيف الشرف كآلية قمع

أظن أن تحرير المرأة يبدأ من تحرير المجتمع فالمجتمع العربي كله مستعبد الرجل والمرأة. الرجل مستعبد اقتصاديا وسياسيا. فالزوج يتعرض للاهانة في الخارج، اهانة نظام سياسي حرمه حقه حتى في الكلام واهانة نظام اقتصادي يعمل على تفقير الطبقة الوسطى أكثر فأكثر، وهذا الزوج نفسه يستعبد زوجته كنوع من إثبات الرجولة والفحولة المسلوبة خارج البيت، انه ظالم ومظلوم في الوقت نفسه.
ولتوضيح هذه الفكرة نعود إلى ما كتبه الدكتور هشام شرابي ( 1927 – 2005 ) وخصوصا كتابه النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي ، انه كتاب ومن خلال المفاهيم الموظفة يقدم وصفا وتحليلا مذهلا لإشكالية تخلف المجتمع العربي وكيف عملت الأبوية والأبوية المستحدثة على استعباد أفراد المجتمع ( رجال ونساء ) لصالح أب متعالي عن النقد والمحاسبة ممثلا في النظام السياسي بداية من رئيس الدولة إلى شيخ القبيلة إلى رب الأسرة، أبوية تضطهد المرأة في المستوى الأدنى للاضطهاد بوسائل جد ذكية لأنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها بشكل لا مرئي حيث تعمل آليات الأبوية على جعل المرأة هي من تساهم في اضطهاد المرأة، الأم تقمع وعي ابنتها حين تشربها قيم الخضوع والتسليم بالمكتوب وتقديس الرجل ( الأب / الأخ / الزوج / الحمو…) قائمة طويلة من الرجال الذين يجب أن تخضع لهم المرأة، هذه المرأة نفسها تكون في وضع المتسلط حين تبلغ مكانة معينة، تلك المكانة التي يوصلها إليها الزمن وليس قدراتها الذهنية ولا وضعها الاجتماعي، عندما تكون أما وحماة فهي تمارس قمعها وأبويتها بذهنية ذكورية لا معلن عنها على بناتها وزوجات أبناءها من خلال قيامها بدور حارسة القيم ، قيم الشرف والأخلاق التي تستعبد المرأة باسمها ( ونتيجة هذا التوظيف الذكي لمبررات القمع من خلال ربط القمع بالمحافظة على الأخلاق والقيم النبيلة، يخضع له الأفراد دون قدرة ولا رغبة في التمرد عليه، لأن من يتمرد على الأخلاق والشرف وكل القيم النبيلة سيكون في نظر المجتمع مارقا وهي تهمة كفيلة بتحطيم حياة الإنسان العربي المسكون بحضور الجماعة بداخله)
فالمرأة على اعتبار أنها حاملة قيمة الشرف بالنسبة للعائلة والعشيرة تحمل مسؤولية حفظ الشرف، ونحن حين نقارب مفهوم الشرف نلاحظ فرقا مهما فيما يتصل بهذا المفهوم لدى كل من الرجل والمرأة، وهو أن الشرف قيمة معنوية بالنسبة للرجل يتمثل النبل والشهامة والأخلاق القويمة في حين نجد أن الشرف يتجلى كقيمة مادية بالنسبة للمرأة تتمثل أساسا في عذريتها وهي بنت وفي فرجها عموما وهي امرأة.ازدواجية القيم هذه هي آليات استعباد تنتج ويعاد إنتاجها عن طريق تلك الأبوية المحدثة التي تكلم عنها الراحل هشام شرابي .
وقد أنتجت هذه الأبوية التي تتحكم في الواقع الاجتماعي والقيمي للمجتمع العربي مجموعة قيم مغلوطة يتم قبولها بتسليم سلبي من طرف أفراد المجتمع، حيث أن أهم ما يميز المجتمع العربي هو غياب المعارضة كفعل تغييري اتجاه الواقع، إن عنصر المعارضة مفقود أيضا بسبب موانع ترجع إلى الشعور الجمعي، كالأخوّة الكاذبة، والتديّن التمظهراتي، والاتجاه الأخلاقاوي الساذج، والقائم على تقسيم الناس إلى فاعلين ومنفعلين وسادة ومسودين وفقا للرؤية الأبوية، سواء في المجال السياسي الذي يعتبر مثالا يحتدا بالنسبة للمجالات الأخرى، أو في المجالات الادني المقتدية بالمجال السياسي في تبني ممارسات قمعية و اقصائية اتجاه الأغلبية. ومن هنا فإن فقدان المعارضة الحقيقية على المستوى السياسي في هرم السلطة هو نتاج لغياب المعارضات داخل الأسرة، والاضطهاد السياسي الذي يعانيه أفراد المجتمع العربي بشتى إشكاله من خلال غلق المجال السياسي واحتكاره من طرف عصبة معينة، ما هو إلا انعكاس للاضطهاد الحاصل على المستويات الدنيا للممارسة السياسية في الأسرة وفي مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تهمش المرأة
( رغم استحضارها الدائم كديكور ) وتسطح وعي الأفراد من خلال تشريبهم قيم الخضوع والتسليم بما يفرض عليهم وما يقدم لهم دون معارضة.
وغياب المعارضة ناتج بالأساس عن غياب النقد، وهذا الغياب للوعي النقدي ناتج عن قصور العملية التربوية والتعليمية، فباعتبار المدرسة واحدة من المؤسسات الايدولوجية للدولة ووسيلة هيمنة توظفها الفئات المهيمنة والمتسلطة، فإن التعليم قد ساهم ومن خلال مناهجه ( المنتقاة بعناية ) في تسطيح الوعي النقدي لدى أفراد المجتمع، لان الوعي النقدي يعني أساسا انخراط الفرد في عمليات التحويل والتغيير في مجتمعه، من خلال تفكيك تلك القيم والمفاهيم المغلوطة واستبدالها بقيم ايجابية تساهم في رقي المجتمع دون إقصاء أو تهميش.

حول خطاب تحرير المرأة

كان الرجال هم من طالبوا أولا بتحرير المرأة في العصر الحديث، من أوائل الكتب التي حملت هذه الفكرة كتاب قاسم أمين (1863- 1908 ) تحرير المرأة 1899 وكتابه الثاني المرأة الجديدة 1901 ، كتاب الطاهر الحداد (1899 – 1935) الصادر سنة 1930 " امرأتنا في الشريعة والحياة ، وصولا إلى جمال البنا ( 1920-..) صاحب كتاب "المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء".
هذه النداءات بضرورة تحرير المرأة في العالم العربي انطلقت مع بداية القرن العشرين وحمل لواءها رجال على المستوى الفكري، رغم أن الدعوة كانت سياسية أيضا في مصر حيث كان سعد زغلول قد أولى أهمية كبرى لضرورة إشراك المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية وهو الذي طالب بالسفور بشكل جماعي وعلني، وقبله كان الكثير من المصلحين قد أشاروا إلى ضرورة تمكين نصف المجتمع من لعب دوره في الحياة الاجتماعية بشكل فعال، على غرار محمد عبده وخير الدين التونسي .
لتلحق بعض النساء بالركب ابتداء من باحثة البادية ملك حنفي ناصف (1886- 1918 ) صاحبة كتاب " النسائيات " الذي صدر سنة 1914 و نبوية موسى
(1886- 1951) صحابة مجلة " الفتاة " التي صدر العدد الأول منها في سنة 1937م. بالإضافة إلى صفية زغلول، وكذا الأميرة نازلي التي وإن لم تترك أثرا فكريا فإن دورها ودعوتها لضرورة إخراج المرأة من وضعية التخلف التي تعيشها كان له أثر كبير على خطابات تحرير المرأة، بالإضافة إلى هدى شعراوي
(1879 – 1947 ) مؤسسة الاتحاد النسائي المصري 1923 والتي أنشأت مجلة l'Egyptienne العام 1925 و مجلة المصرية العام 1937، وصاحبة كتاب " عصر الحريم ". وكذلك أمينة السعيد(1910-1995) ،الكاتبة المصرية المعروفة ورئيسة تحرير مجلة حواء.
ثم اختطف الجمعيات النسائية مشعل تحرير المرأة، وهنا وقع الانحراف؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الدعوات "الرجالية" لتحرير المرأة تركز على تعليمها ومحنها حقوق شرعية مسلوبة من طرف المجتمع كالإرث والحق في التعليم و العمل، والحق في اختيار الزوج وغيرها من الحقوق التي اقرها الشرع ، صارت الجمعيات النسائية جمعيات الصالونات تحديدا تركز على تحرير المرأة من الثياب قبل تحريرها عقلا وروحا. حين نقرأ المنتجات الفكرية لبعض النساء العربيات المنضويات تحت لواء المطالب النسائية " الفيمينيزم " من أمثال نوال السعداوي في مصر، توجان فيصل في الأردن، فاطمة المرنيسي في المغرب، نفيسة الاحرش في الجزائر وغيرهن من شقيقاتهن العربيات في باقي الأقطار، ماذا نجد: دعوة للحرية والمساواة بشكل مطلق إلى درجة الاصطدام مع عادات المجتمع بشكل حاد خصوصا أثناء التطرق لبعض الأمور المحسومة شرعا مثل تعدد الزوجات،
والإرث، مما جعل هذه الجمعيات النسائية وكذا المطالب الفكرية المندرجة ضمن خطاب تحرير المرأة وكذا خطابات المساواة تصطدم بالمؤسسة الدينية بشكل حاد، وفي نفس الوقت تصطدم بالمجتمع الذي يشكل الدين مرجعيته الأساسية في كثير من الأمور خصوصا ما يتعلق بالأحوال الشخصية للأسرة، هذا الوضع الاصطدامي مع المجتمع جعل الجمعيات النسائية في كثير من الأحيان تفشل في تفعيل مطالبها وبالتالي انحصر دورها في المطالبة بالمشاركة الفعالة للمرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال مناهضة التمييز على أساس الجنس والتنديد بالعنف ضد المرأة، والنشاطات الجوارية الهادفة لتوعية النساء بحقوقهن سواء عن طريق منشورات معينة أو لقاءات مباشرة مع النساء.
ورغم الجهد الكبير الذي تبذله الجمعيات النسائية لأجل تحقيق وضع أفضل للمرأة العربية إلا أن النتائج لا تزال دون مستوى طموحات تلك الجمعيات التي تعاني كثيرا من عدم التجدر الاجتماعي وسط فئة النساء نتيجة كون النساء الناطقات باسم هذه الجمعيات يشكلن في الغالب جزءاً من النخب النسائية ذات الامتيازات الاجتماعية ( وظيفة مرموقة، شهادة عليا، وضع مادي مريح ...)، كذلك بسبب عدم ثقة جماهير النساء في هؤلاء اللواتي يتصدرن التحدث باسمهن، وهن يلاحظن أن هؤلاء المطالبات بحقوقهن يمثلن نماذج مغايرة في الغالب لتطلعات عموم نساء المجتمعات العربية، حيث وبملاحظة سوسيولوجية بسيطة نجد أن نسبة معتبرة من زعيمات الحركات النسائية ي
تميزن بكونهم إما عوانس أو مطلقات (متوسط العمر غالبا فوق 45 سنة )، وجلهن يندرجن ضمن التيار العلماني الذي يجابه بعداء وسوء فهم كبيرين من طرف المجتمعات العربية. مما خلق حالة من فقدان المشروعية لدى هذه الجمعيات وضعف نسبة التمثيل الحقيقي وبالتالي ضعف القدرات التفاوضية لأجل تحقيق مطالب أخرى، مما يجعل هذه الجمعيات في حاجة دائمة لدعم سياسي لا تستطيع بدونه تحقيق أي شيء ملموس على مستوى الواقع الاجتماعي.حين نقارن بين المطالب الأولى بتحرير المرأة والتي حمل لواءها رجال واصطلاحيون وصاغوها في شكل أطروحات فكرية تتسم بكثير من القدرة على الإقناع وبالتالي تمتلك إمكانية التجسيد الاجتماعي، وبين المطالب النسائية الممثلة في جمعيات تقدم نفسها على أساس أنها ممثلة لمصالح المرأة المهضومة في مجتمع ذكوري، نجد أننا لم نحقق الكثير على المستوى الاجتماعي، حيث صار موضوع ترقية وتمكين المرأة مجرد خطاب سياسي يوظف بعيدا عن المطالب الحقيقية والعميقة للنساء اللواتي يعانين فعلا من ظلم اجتماعي مزدوج، ظلم سياسي ولاقتصادي يخضع له كل أفراد المجتمع ( رجال ونساء ) وظلم قيمي من خلال القيم والعادات والتقاليد التي تحتقر المرأة وتسفه إمكانياتها وقدرتها على الفعل المستقل والمشاركة الفعالة للرجل في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية

الاثنين، أبريل 06، 2009

9 أفريل.. صوتنا وصوتهم

انتهت الحملة الانتخابية التي خاضها " المرشحون الستة "، لتؤكد على أن نتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية محسومة سلفا، نظرا للوجه الشاحب الذي ظهر به كل المرشحين، ما عدا مرشحة حزب العمال السيدة لويزة حنون التي استطاعت تقديم خطوط عريضة لما يمكن تسميته برنامج انتخابي واستطاعت من خلال كسب تأييد حقيقي من بعض فئات الشعب الجزائري، وما عداها فالكل بدا باهتا ومجترا لخطابات لا تقنع حتى الأطفال الصغار، بما في ذلك الرئيس المنتهية ولايته والمرشح الذي سيفوز بالانتخابات وبنسبة كبيرة جدا السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي قال في آخر يوم من الحملة الانتخابية بأنه لن يكون هناك عفو شامل إلا عبر استفتاء شعبي مبررا ذلك باحترام الإرادة الشعبية التي داس عليها حين عدل الدستور في دقائق هي عمر التصفيقات التي علت واختنقت تحت قبة البرلمان الجزائري المجتمع بغرفتيه لأجل تزكية القفز على الإرادة الشعبية.
انتهت الحملة التي كانت في اتجاه واحد وقبل التاسع أفريل اتضح من سيحكم الجزائر لخمس سنوات أخرى ( إلا أن يشاء الله أمرا آخر ).
في هذه الحملة العجيبة الغربية سمعنا ورأينا كل المتناقضات وكل التصريحات والوعود، وعايشنا جوا خانقا رغم أن الشعب الجزائري في معظمه يرى أن الانتخابات لا تعنيه بتاتا، ولكنه كان مجبرا على سماع كل شيء إلا صوته هو الذي لم يسمعه من صرفوا الملايير من الخزينة العمومية لأجل جر هذا الشعب العاصي لصناديق الاقتراع يوم التاسع افريل
ولكن الحملة الانتخابية الباردة لم تغير من الواقع شيئا، فالشعب الجزائري لا مبالي بهذه الانتخابات ونسبة التصويت الضعيفة، إذا لم يقم النظام بتزويرها ستكون الصوت الوحيد للشعب الجزائري في هذه المسرحية المسماة انتخابات.
صوت الرافضين لان تداس كرامتهم، وصوت الناس البسطاء المسروقة أحلامهم والمجهضة كل أمانيهم في عيش كريم.
يوم التاسع افريل سيكون صوتنا،
بعد أن سمعنا أصواتهم جميعا، سمعنا أصوات المرشحين وأصوات المطبلين لهم وأصوات المنتفعين من ريع النظام.
إذن فقد حان الوقت لنسمع صوتنا ونقول رأينا ببلاغة وفاعلية
في زمن تكمم أفواهنا بعدما صار كلامنا محروما من أن يسمع إلا إذا كان فيه تسبيح بحمد فخامته وإشادة بإطلالته المباركة علينا كل يوم عبر شاشة اليتيمة.
في هكذا زمن رديء وقاتل ومحبط إلى درجة لا تحتمل ماذا عسانا نقول ونحن نرى ( عبر شاشة اليتيمة وعبر صحف التطبيل والشياتة ) بأن الأمة قد اجتمعت على ضلال، وكلها تطبل وتزمر وتسبح صبح مساء بحمد فخامته، وكأن التاريخ لم يجد بمثله على مر العصور والأزمان.حين كتب علي رحالية بالخبر الأسبوعي مقالا بعنوان: "أنت قدامي وأنا موراك يا الزين يا الزين" أحسست وعايشت سخرية لاذعة ومرة من معشر المطبلين لفخامته وانكسار للأصوات التي تحكم العقل وتقول له كفاية انتهى دورك أحفظ ماء وجهك ودافع عن تاريخك لا عن الجزائر وتنحى ، فالجزائر حبلى بغيرك وبمن هو أقدر منك على تولي حكمها.نحن هؤلاء الأصوات الناشزة في زحمة الزغاريد والبارود والضراط لا نملك إلا أن نقولها كلمة : كفاية..لن نمنحك شرعية الحكم مع علمنا انك ستظل في الحكم باصواتنا او بدونها.كلمة قد لا تسمع الآن ولكنها حتما صوت الضمير الحي وصوت الوطنية التي تتنزه عن ملء الجيوب باسم الوطن وحب الوطن والهيام بعشق الشعب المطحون تحت وطأة الواقع الذي لم يكن له كبير يد في إيجاده بهذا الشكل المأساوي.قد يسمع صوتنا الآن، أو في يوم ما سيأتي حتما ولو بعد انقضاء العهدة الثالثة لفخامته التي يصورها المطبلون على أنها ستنقل الجزائر إلى الجنة مباشرة بعد 9 افريلإن غدا لناظره لقريب فلننتظر ولينتظروا، والتاريخ سيقول كلمته لنا أو علينا نحن الذين لا صوت لنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ياقوت القلوب: نتائج
لكحل بن قدور: آه يا وطني

الأربعاء، أبريل 01، 2009

الحق في الاختلاف

أزمة المثقف الرئيسية انه يرى نفسه مؤهلا للحديث باسم الجماعة، بسبب كونه الأقدر على تجريد الأمور والنظر بعقلانية للأشياء، وصياغة الرموز الاجتماعية واللغوية التي يعبر من خلالها عن ضمير هذه الجماعة.
ولكنه نتيجة إيمانه بهذا الدور الرسولي يقع في مطب التعصب للرأي في كثير من الأحيان ويرى نفسه صاحب الحق المطلق والناطق باسم الحقيقة.
لقد ولى الزمان الذي كان المثقف يتولى مهمة توصيل الحقيقة للناس لأنه الآن لم يعد يعرفها أكثر منهم، إنما صار مجرد صاحب رأي ضمن مجموعة أراء لا تكاد تنتهي حول نفس القضية.
لهذا نحن مطالبون الآن وسبب تمييع المعلومة والمعرفة وجعلها مشاعة بين كل الناس سواء كانوا متعلمين أو أميين بالتواضع قليلا وفتح المجال أمام الاختلاف وتقبل كل الآراء ومناقشتها كراء نسبية لا كيقينيات ثابتة ولا تحتمل النقد أو النقض.فالكتاب والناث والتلفزيون والإذاعة والشارع والمسجد كلها تقدم معارف ومعلومات يستطيع الإنسان، مثقفا أم متعلما أم أميا أن يستفيد منها في تكوين رأي خاص حول القضايا التي تهم الفرد والجماعة والإنسانية لهذا فالتعصب للرأي لم يعد مبررا والاختلاف وتقبل الاختلاف هو المبدأ الذي يجنبا الدخول في صراعات وحروب دونكشوتية وعبثية لأجل الدفاع على رأي أو مبدأ يحتمل الصواب بمقدار ما يحتمل الخطأ.

conter