الخميس، سبتمبر 01، 2016

الوحم الشيشة والسلفية

اتصل بي صديق من الفرقة الناجية، صديق قديم، قريب جدا لم يؤثر تحوله إلى سلفي متلحين على علاقاتنا التي بقيت خارج تلك التصنيفات الإقصائية، مع أنه أيضا لم يكن سلفيا بذلك المعنى المتجهّم، فقد ظل كما عرفته منذ أيام الثانوية ضحوكا فحشوشا يطرب لأحاديث البلاوي، خاصة لما تكون ضمن المجالس الحميمية الآمنة التي تجمعنا بين الحين والآخر. اتصل بي ودون أحاديث جانبية قال: نفحتلي على شيشة ودورت كل جيجل لم أجد محلا يبيع الرنجيلة، وحتى على الكورنيش لا أثر للخيم التي تقدم الشيشة هذا العام، ولأننا نملك ماض مجيد مع التشياش الذي بدأناه سويا قبل 11 سنة، كان يعتقد أنني الوحيد الذي أستطيع مساعدته في أمر الحصول على شيشة، وبما أنني انقطعت عن التشياش منذ سنين بعد انقطاعي عن التدخين فلم تكن لدي أية فكرة عن أماكن تواجد الرنجيلة. أنهينا الاتصال على أساس أنني اذا ما تذكرت أو عرفت شيئا يمكن أن يفيده في أمر نفحته سأعاود الاتصال به، غدا ليلا وبنفس التوقيت تقريبا عاود الاتصال لنفس الأمر، لكنه كان يبدو متوترا بعد أن جاب جيجل وضواحيها زنقة زنقة بحثا عن الشيشة دون فائدة، لكنه هذه المرة صارحني بحقيقة الأمر: المرا راهي تتوحم ونفحتها على شيشة واليوم قالتلي لو ما نجيبهاش غير ما ندخلش للدار. بعد وصلة ضحك أنهاها بقوله: واش يدير الميت في يد غسالو، أخذت الأمر بجدية باعتباره متعلق بالإبن المستقبلي لصديق العمر ولا يمكن التخلي عنه في مثل هذا الأمر، ولحسن الحظ كان العمدة، أخي الأصغر، قريبا مني واستمع للحديث وكان يعرف مكان تواجد الشيشة بإحدى المقاهي الشاطئية بتاسوست، فأخبرني وأخبرت صديقي السلفي الذي اتجه مباشرة لعين المكان وساهمنا جميعا في أنقاذ طفل لم يولد بعد من أن يولد مقعر الرأس على شاكلة قرعة الرنجيلا في حالة لم يتم تلبية طلبات أمه المتوحمة، المشكلة أن أختي الكبرى، التي كان يفترض أن تتفهم أمر التوحم أكثر منا، قالت ساخطة، بنات هاذ الجيل جاحو حتى في الوحم ديالهم، والله وجيت أنا في بلاصتو ما طاحتلها. قالت ذلك غاضبة فعلا بعد أن كانت تضحك لطرافة الموقف.

أساطير جزائرية: الزوالي




الزوالي شعار شعبوي،وهو إدعاء انتماء للذين قامت عليهم وبهم ومن أجلهم الثورة، ثورة الكادحين والفلاحين الذين مجدهم الخطاب الرسمي منذ الاستقلال باعتبارهم يشكون الجماهير التي قامت الثورة على أكتافها وقامت الدولة لخدمتها لاحقا، لهذا كان الانتساب للزوالية مفخرة من لدن الطامعين في المناصب والارتقاء السياسي أولئك القادرين على بيع الأوهام للشعب في المناسبات السياسية، فكل سياسي يزعم انه ابن زوالي، وكل من ارتقى يذكر أنه ابن زوالي كمفخرة، فالزوالي دائما فحل وما يرضاش الذل كما تقول الأغنية الشهيرة التي يدندن بها الزوالية الحقيقيين الذين يسهل على الطامحين والطامحين وأهل المصلحة أن يبيعوهم الوهم في كلمات تدغدغ رجولة مجروحة تحت وطأة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يستنزف الكرامة يوميا.
الزوالي هو المقتنع بأن من حقه، ولو تحايلا، أن ينتفع من الخدمات الاجتماعية للدولة ( السكن، التعليم، العلاج، منحة التمدرس، قفة رمضان، منح الشيخوخة، والمعاقين والأمراض المزمنة ....الخ) وكل ما تمنحه الدولة لمواطنيها كنوع من التوزيع غير العادل للريع البترولي في مقابل ضمان ولائهم السياسي للنظام القائم، مؤمنا بأن كل ذلك هو جزء من "حقه في البترول". لهذا يكون الانتساب للزوالية وسيلة، تكاد تكون وحيدة بالنسبة للكثيرين، من أجل الحصول على ذلك "الحق" الذي يحتكر القريبون من مراكز السلطة والنفوذ الحق في أن يغرفوا منه وينتفعوا أكثر من غيرهم أضعافا مضاعفة ( قروض، رشاوي وعمولات، اختلاسات، ورواتب مضخمة ومدعمة بالمنح والعلاوات ...).
الزوالي أيضا هو ذلك الذي يرى في الوظيفة العمومية ( على هشاشة راتبها) مجرد شهرية وفي الشهرية حقه في الدولة، أو الريع الذي تحتكر حق توزيعه الدولة، لهذا يتحول الزوالي إلى مفهوم سوسيولوجي متجاوزا كونه مجرد توصيف لوضع اقتصادي سمته الهشاشة والبؤس تنتمي إليه فئات واسعة من أفراد المجتمع، إنه مفهوم مركزي في خطاب سياسي ظل لعقود متمركزا على الفلاحين والكادحين ( الزوالية)، أيضا مفهوم في سياق العلاقات الاجتماعية بين مختلف الفئات والطبقات التي تربطه بالقيم الريفية الأصيلية: الشرف، النيف، الرجلة ... كتعويض رمزي عن المهانة الواقعية التي يعانيها الزوالية، وهو تعويض قوي التأثير على العلاقة بين الطبقات، فالمجتمع الجزائري واحد من المجتمعات القليلة التي يستطبن فيها المواطن العادي، ذلك المطحون طبقيا في الكثير من المجتمعات، إحساسا قويا بالمساواة، لهذا نجد الأغنياء وأهل السلطة والمستربلون بالجاه والوجاهة أكثر تأكيدا على الروابط القرابية والجهوية "دون ترفّع" واضح على الفقراء وأهل منطقة الانتماء، هذا الوضع يعطي تفسيرا لعمليات الواسطة الكثيرة والمتعددة التي يقوم بها المتنفذون ومالكوا السلطة أو وسطاؤها لصالح أقربائهم ومعارفهم وأبناء منطقتهم، مهما كان مستواهم الاقتصادي، والأهم مهما كانت القرابة الدموية هشة، لأن الواسطة تقدم لابن الدشرة، ابن المنطقة، بغض النظر عن هويته.

عن الإسم

ث
بات الاسم، الإثم، الوشم، والصم الذي تشكل كلمة كانت هي المبتدأ فقالت التاريخ والمزايا والسجايا، وصفات الانتماء الذي يطيل كل واحد في شرحها وهو يتحدث عن الأصول العائلية التي ينتسب إليها إسما ودما. يظل ذلك الثبات رغم ما يعتريه من قدامة ميزة حداثية، والتغيير، كما يعاش افتراضيا عبر تغيير الاسم والهوية الافتراضية كل مرة تجديدا وهروبا من ماضي قصير لم يعد يعني صاحبه، يظل فوضى ما بعد حداثية حيث الدال يراوغ المدلول وينقلب عليه، وحيث الكلمات حمّالة أوجه لا تستقر على معنى إلا لتنقضه مرتحلة نحو معنى آخر يلوح لها من بعيد كعاشقة لعوب تغري بالوعد دون أن تحققه. ليس الثبات قدامة مرذولة، ولا الركون للمحدد آنفا وأبدا رجعية وانغلاق، حين يتعلق الأمر بالاسم، وصمنا الذي على الوجه، ورسمنا الذي على بطاقة الهوية، لا نكون بإزاء اختيارات كثيرة، فقط قد نبحث عن اسم رديف ليبقى الاسم الأصل متواريا حيث الرسميات وصدارة الشكليات المترصنة، الإسم وشم بادي للعيان ينهى عن النسيان وهو يؤبّد الهوية التي يحملها صاحبه، فالاسم كما وصفه النفري: مبتدأ الفتنة، وهو تمام اكتمالها حين يختصر الكل في كلمة تخبر عن التفاصيل كلها وتنوب عنها. ويبقى للاسم الثاني اسم الشلة، اسم الدلع اسم، العائلة الثاني الذي ينادى به الشخص تحببا، هو القريب من النفس هو حامل الدلالة الاجتماعية الأعمق وهو الأكثر لصوقا بالأنا حتى وإن راوغه نسيان، أو خالطه كذب وبهتان ونحن نتجاوزه إلى غيره حين ننخرط في بعض العلاقات العابرة التي نهيء لها اسما ووسما وصفات عابرة، مؤقتة، غير حقيقة، وإن كانت منا وفينا، تلك العلاقات العابرة التي نغيير فيها الاسم، نكذب في محددات الهوية لننخرط في النزوى واللهو مسكونين بإحساس العبور بين الكلمات التي نقولها ولا نعنيها، والوعود التي نعرف أننا لن نعمل على تحقيقها، فهي تقال فقط لذاتها، تقال لنزين بها بهاء اللحظة وجبروت النزوى التي تمضي إلى تمامها مجللة بالأكاذيب والوعود التي لا إسم لها.


conter