الاثنين، مارس 03، 2014
عن العنوسة التي تزحف على أعمارهن
بتاريخ 4:20 م بواسطة عمار بن طوبال
ارتفاع نسبة العنوسة بهذا الشكل المفرط وفي كل الدول العربية بغض النظر عن المستوى المعيشي للفرد والوضع السياسي، راجع أساسا لطبيعة التغير الاجتماعي غير المدروس وغير الموجه، ولطبيعة التحديث المتبع في هذه الدول منذ حصولها على استقلالها إلى الآن،حيث تم تفتيت النظام الأصلي للمجتمعات العربية والقائم على قيم أساسية كالتكافل والروابط الاسرية الشديدة المتانة والتي كانت توفر من ضمن ما توفره علاقات مصاهرة متبادلة بين العائلات، حيث أن العائلة هي التي تدبر أمور الزواج للفتيات وللأولاد بنسبة أقل، دون أن يكون هناك نظام بديل يحضى بالقبول النسبي من طرف فئات المجتمع المختلفة، حيث أن تغير النظام الاجتماعي، مع بقاء قيمه التقليدية تعاند التغير بنجاح، ادى إلى وجود شرخ حاد بين الواقع المحدثن بقيمه المدينية المنفتحة في الظاهر وبين القيم التي يؤمن بها الفرد في العمق ويعتبرها أصيلة ويجب الدفاع عنها وتنبيها والاحتكام إليها فيما يخص القرارات المصيرية للفرد كالزواج، وطرق اختيار شريك الحياة، فتسرب الكثير من الأفكار حول الفردانية وتحقيق الذات والاستقلال الاقتصادي للأفراد بحياتهم الخاصة لم يرافقه تبني ذهني واخلاقي للقيم الرافدة لتلك الافكارن فالمجتمع الذي يدعو المرأة للتعلم ويشجعها العمل والكسب لا يمنحها الحق في الاستقلال الاقتصادي والمعيشي بشكل انفرادي، كما يمنحه للرجل، إنما يطالبها، وبشكل نكوصي على الأفكار السابقة، بأن تظل مرتبطة بالعائلة وتابعة لها، وفي نفس لوقت الذي الذي يطالبها بالانخراط في الحياة العملية يشنع عليها الاختلاط الذي تفرضه تلك الحياة العملية، ويعتبر تواجدها داخل مجال التواد الرجالي مساسا بالشرف واتهام ضمني، يظهر كلما كانت المراة في موضع اختيار، فعملها وسط الرجال يمكن جعله تهمة عند عائلة الحبيب الرافضة لارتباطه بها، كما ان تواجدها بالجامعة وارتقاءها في التعلم رغم أنه يحدث بمباركة وتشجيع العائلة وبرضى نسبي من طرف المجتمع، إلا ان صورة الطالبة الجامعية في المخيال الجمعي ليست جيدة بالمرة.إن عملية التحديث العرجاء التي تمت خلال النصف قرن الماضي والتي ركزت على الجوانب المادية للمجتمع والتي كانت من نتائجها الإقحام المتزايد للمرأة في المجال العام، قد أوقعت المرأة او بالأحرى صورة المرأة في نظر المجتمع، في وضع مأزقي، حيث أن المجتمع يطالبها بأن تكون عضوا فعالا بالمجتمع من خلال التعلم والعمل، لكنه ينظر بريبة شديدة للنتائج الحتمية لتواجد المرأة في المجال العام، وأعتقد أن التفسيرات البسيطة لظاهرة العنوسة بإرجاعها للظروف المعيشية وغلاء المهور، هي تفسيرات سطحية، إذا لم نربطها بالقيم الاجتماعية السائدة في وقتنا الراهن والتي هي قيم مأزومة نتيجة كونها قيم نكوصية تشدنا لماض لا نلتقي به في واقعنا الحالي.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "عن العنوسة التي تزحف على أعمارهن"
أترك تعليقا