الاثنين، مارس 03، 2014

عن حاجة الرواية إلى أبطال إشكاليين

بتاريخ 4:09 م بواسطة عمار بن طوبال




يندد البعض بالرواية التي تصور حيوات مأزومة وأبطال إشكاليين، وتنقل رؤية سوداوية عن الواقع ويرون بأن الرواية ما كان يجب لها أن تغرق في سودواية تجعل القاريء لا يجد فيها سوى شخصيات شاذة ومأزومة وعاجزة عن الفعل والتغيير، شخصيات مطرودة من ملكوت الرضا إلى خلاءات لا إسم لها، مستنزفة الروح وذاهلة عن الطرق التي أمامها، لكن، وبقراءة متأنية لما ينشر سنويا من روايات نجد أن الروايات الإشكالية التي تقارب تلك الشخصيات المأزومة والمطحونة تحت وطأة الواقع، روايات قليلة. صحيح أنها قد تكون فارقة وأكثر أهمية، وبالتالي الأكثر صدى، لأنها نصوص روائية مصرة على مقاربة تمزق الشخصية الروائية باعتبارها تعبيرا عن تمزقات اجتماعية وسياسية ومحاولة لفهمها وتقدير تأثيراتها على الفرد الذي غالبا ما ينسحق تحت وطأتها ، والرواية تصور وتكتب ذلك الانسحاق والضياع الذي يعيشه فرد مطرود من رحمة الجماعة.

في مقابل هذه الروايات التي لا يقدر إلا لقلة قليلة من المبدعين الكبار على كتابتها، نجد روايات اخرى كثيرة، وربما هي أكثر مقروئية تخرج عن سوداوية الروايات الإشكالية لتصف واقعا متدرجا في ألوانه، وهي روايات غالبا ما يغمرها النسيان سنوات قليلة بعد إصدارها. فتاريخ الرواية يحفظ لنا روايات الأبطال الإشكاليين المأزومين كنماذج وكعيون أدب ويضرب في الغالب صفحا عن باقي الروايات التي يدرجها مؤرخو الأدب غالبا ضمن الأدب التجاري رغم ما تحققه في وقتها من نجاحات، والسبب في هذه الانحياز نحو الروايات العميقة التي تعالج اوضاعا مـأزومة وإشكالية، يكمن في اعتقادي في طبيعة الجنس الروائي ذاته؛ إن الرواية كجنس لا يتطور إلا في فترات المخاض والتمزق الاجتماعي التي تعبر عنها الرواية، دون بقية الأجناس الأدبية، باقتدار ، نتيجة لما تملكه من حرية وقدرة على الغوص في النفس الانسانية وفي الواقع الاجتماعي وما يحدث بينهما من تبادلية تأثير وتأثر.
إن كل انتقال من شكل روائي سائد إلى شكل جديد، يسعى لكسب مشروعيته، غالبا ما كان يحدث في فترات أزمة مجتمعية حادة، ولنأخذ الروائية الجزائرية كمثال، رواية ما قبل التسعينات ورواية التسعينات وما بعدها، ونبحث عن تأثير الأزمة في الأدب سنجد تغييرا جوهريا قد مس طبيعة الرواية الجزائرية سواء من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون، وقد نناقش لاحقا طبيعة تلك التغيرات التي مست الرواية في شكلها ومضمونها، تلك التغيرات كانت نتيجة لسبب رئيسي هو أزمة العشرية السوداء التي تناولتها الرواية من خلال شخصيات تائهة وفاقدة لليقين وللقدرة على التغيير الذي تطمح له.
إن اولئك الأبطال الشواذ، وتلك الشخصيات الضالة والضائعة هي مطلب للرواية، كجنس، قبل ان تكون اختيارا من طرف الكاتب الذي لا يملك إلا لاستجابة لذلك الشرط الروائي.

ردود على "عن حاجة الرواية إلى أبطال إشكاليين"

أترك تعليقا

conter