الثلاثاء، مارس 18، 2014

الجزائري ورفض النظام

بتاريخ 8:44 م بواسطة عمار بن طوبال



ترى نسبة كبيرة من الجزائريين ، كما رأت ذلك دائما منذ اواخر الثمانينات، وجوب تغيير النظام، دون أن يكون لها تصور واضح حول طبيعة النظام الذي ترغب في تغييره وتعتبره نظاما سيئا يدير البلد وفق آليات وذهنية معرقلة للتقدم الذي يطمح إليه الجزائريون. مع أن غالبية المواطنين يركزون على نقطتين جوهريتين: الفساد الذي يرعاه النظام، وحكام الظل الذين لا نعرفهم على وجه التحديد، أي أولئك المقررين الفعليين في مصير البلاد. طبعا يذهب البعض أبعد من هذا في تصوره لطبيعة التغيير التي يرى أنها يجب أن تكون جذرية قوامها الإنقلاب على كل ما يمت للقديم بصلة من مؤسسات وسلوكات، وهو التصور الذي سعى الفيس لتحقيقه عن طريق حشد جماهيري غير مسبوق ضد النظام، حشد بشر بالنظام البديل الذي قوامه الدولة الإسلامية.
وللحقيقة فغالبية الجزائريين حتى المتعاطفين مع التصور الاسلامي غير مستعدين للذهاب بعيدا في تصور الدولة الإسلامية المطروح من طرف تيارات الإسلام السياسي المختلفة، صحيح أن الجزائري المتدين بطبعه يسعى لتطبيق الشريعة في بعض المناحي الأخلاقية شديدة الصلة بالأسرة وبعض التعاملات الاقتصادية التي يسعى لأن تكون حلالا بشكل إجباري يفرضه القانون. لكن الرؤية السياسية البديلة التي يبشر بها البعض بديلا للنظام القائم المندد به والمرفوض والمطلوب رأسه منذ اكثر من ربع قرن، غير مقنعة لغالبية الجزائريين الذين يتخوفون على حريتهم من نظام كهذا ، بالإضافة إلى أن أصحاب التصور الإسلامي لنظام الحكم لم يتجاوز طرحهم في الغالب شعارات من قبيل الإسلام هو الحل والدولة الإسلامية ودولة الخلافة على منهج السلف الصالح، دون تقديم آليات حكم فعلية يمكن اختبارها ميدانيا. كما أن التصور المناقض للرؤية الإسلامية الذي يسوق له التيار العلماني والذي قوامه الحداثة بكل ما يتفرع عنها من قيم اجتماعية تنشد الحرية والفردانية و قوانين وضعية ناظمة لتعاملات الأفراد فيما بينهم من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة ثانية. هو تصور لا يلقى ترحيبا، ويقابل بريبة مسبقة تستند على تهم نجح الإسلاميون في إلصاقها بخصومهم العلمانيين: وهي التغريب ومعاداة الدين والدعوة للانحلال والتفسخ، والجزائري الذي يكتفي غالبا على المستوى الفكري والمعرفي بالكليشيهات الجاهزة عادة ما لا يتعب نفسه في البحث من أجل تكوين معرفة معمقة حول تصور كل طرف لطبيعة النظام المرتجى أو المطروح بديلا، وهذا ما يجعل التصور العلماني مرفوض بقوة الصورة النمطية المشكلة عن العلمانية ككل في المخيال الجمعي.
إننا كجزائريين نتفق بنسبة كبيرة على وجوب رفض النظام والمطالبة بتغيره، لكننا في المقابل لا نملك تصورا حول طبيعة النظام الذي نرغب في أن يكون بديلا للنظام القائم، صحيح أن الطرحين الإسلامي والعلماني لطبيعة نظام الحكام يلتقيان في طابعمها الإيديولوجي، وانهما لا يقدمان بديلا مقنعا للنظام لأن النظام القائم لا يرفضه الجزائريون بسبب طابعه الإيديولوجي، فإيديولوجيا هو نظام مرضي عنه من طرف الأغلبية، لأنه في الوقت الذي يشكل فيه ضمانة التحديث وسبيلا لتبيئة قيم الحداثة وما تحمله من روح علمانية، هو نظام حامي للتقاليد المسنودة دينيا، كما أنه نظام سعى منذ الإستقلال ليدمج الخطاب الديني ضمن مجال اختصاصه باعتباره راعيا للدين وحاميا له، لكن وفق تصور شعبوي للدين يحصره في الممارسات التعبدية وبعض الاحكام المتعلقة بالأسرة والميراث.
فالنظام وفق هذا التصور غير مرفوض إيديولوجيا، إنه مرفوض كممارسة، وكحكم فاشل في طريقة تسييره، ومرفوض كأشخاص، ومرفوض كمرجعية قوامها الشرعية الثورية، ومرفوض كمؤسسات تسير وفق رؤية غير عقلانية أساسها الولاء والمحسوبية، ومرفوض كرؤية أبوية ترتاب أمام الحرية في شقها السياسي الذي تعبر عنه معارضة حقيقية وصحافة حرة. وهو مرفوض كذلك كقوانين صيغت بشكل يخدم فئات معينة تشكل الكتلة الإجتماعية للنظام ( المجاهدين وذوي الحقوق، إطارات الدولة ذووا التكوين الفرانكوفوني، وبدرجة أقل الفلاحين والنساء ).
إن رفض النظام لجملة تلك الأسباب لا يستدعي الثورة عليه من أجل تغييره، بمقدار ما يستدعي إصلاحه من الداخل وفق نضال واعي وموجه نحو جزئيات معينة كالنضال من أجل ٍرفض أو تعديل قوانين نرى أنها غير فعالة أو غير عادلة. لكن الغريب في رفض الجزائريين للنظام انهم يرفضونه ككل دون الدخول في تفصيلات ما يرفض فيه وما يمكن قبوله وتعديله، دون أن يكون لهم تصور بديل للنظام المرفوض، ولا رؤية واضحة لكيفية تغيير النظام بعد فشل محاولة أكتوبر 88 وما تلاها من محاولة الفيس.
في نضاله ضد النظام يخلص الجزائري لروحه وتكوينه النفسي والفكري الذي يجعله ينظر دوما للظاهر من الأشياء، دون التساؤل عن الجوهر وعن أساسات قيام وتشكل ذلك الظاهر الذي نوجه له سهام النقد والرفض. أذكر أن الصحافة والأحزاب وبعض الشخصيات الوطنية والعامة قد نددت عقب عدة مناسبات انتخابية ( رئاسيات 2004، تشريعيات 2007 ....) بالتزوير التقني الذي سمح به قانون الانتخابات الذي تضمن عدة هفوات، دون أن يناضل أحد، بالشكل الكافي على الأقل، من أجل تغيير القانون. فالجزائريون لا يناضلون ضد القوانين التي صاغها النظام لخدمة مصالحه وتقويته، وهو نضال جزئي يمكن أن يحقق اهدافه بقليل من الصبر والإرادة، إنما ينشغلون فقط بالرفض المطلق للنظام، رفض غير ممفهم وفاقد لآليات تحققه.



ردود على "الجزائري ورفض النظام"

أترك تعليقا

conter