الجمعة، مارس 21، 2014

خطابات المعارضة والمواطن البسيط

بتاريخ 9:36 م بواسطة عمار بن طوبال

المواطن البسيط لم تفارق مخيلته بعد دموية العشرية السوداء، وهو غير معني كثيرا بمطالب التعددية والديموقراطية وحرية التعبير، وهو غالبا ما يتكفي بالحد الادنى منها، إنه قادر على التعايش مع سلطة لا تمنعه من إقامة شعائره الدينية ولا تقمع رغبته في شرب الخمر وإقامة الحفلات الصاخبة، ويكفيه مع توفر حد أدنى من الحرية حد أعلى من الامان والأمن الذي يلجأ دائما لقياسه مقارنة مع العشرية السوداء، وهو قياس شعبوي وغير سليم، لكن عمق التجربة الدموية التي عاشتها الجزائر خلال السعينيات يجعل استحضارها لدى الأجيال التي عايشتها متكررا وملحاحا، وكأن  في الاستحضار الدائم حذر من تكرارها وتنبيه لفضاعتها.
في حين تركز الطبقة السياسة أو ما بقي منها في جانب المعارضة، وبعض المعارضين الجدد الغير مهيكلين سياسيا، بالإضافة إلى النخب الفكرية والثقافية، على الديموقراطية وعلى سقف أعلى من الحرية، وعلى مطالب لا يفهمها كثيرا المواطن البسيط المعادي بطبعه كجزائري لكل " تفلسف " وادعاء نخبوي، تتعين تلك المطالب بالتعددية السياسية الحقيقية، وحرية التعبير  بشكل يجعل من التعبير عن الرأي والاعتقاد محمي بقوة قانون له فعالية وسلطة. يطالبون أيضا بحرية القضاء وبالتداول السلمي على السلطة وبتمثيل حقيقي للشعب في البرلمان، وبانتخابات نزيهة، تضمن نزاهتها قوانين غير منحازة وإعلام عمومي لا يساهم في التعتيم على أصوات وآراء لصالح صوت ورأي ينتمي للنظام.
هذه مطالب تبدو للمواطن العادي بأنها " من ترف السياسة "، وأنه " ما يفهمش فيها"، فكل ما يعنيه ان يلاحظ تحسنا ماديا يلمسه من خلال الطرق والعمارات والمنشآت التي انجزت خلال السنوات الأخيرة أيضا تحسينا في مستوى المعيشة رافق الزيادات في الأجور وتخفيف حدة البطالة ولو من خلال بطالة مقنعة.
طبعا المواطن العادي الذي يكفيه من الأشياء ظاهرها، لا يهمه كثيرا  أن الجزائر قد صرفت خلال عهدات بوتفليقة الثلاثة ضعفي ما صرفته منذ استقلالها إلى غاية 1999، وان الأموال المنفقة لا تتلاءم تماما وحجم الانجازات المتبجح بها من لدن النظام وشياتيه، أي أن هناك فساد وسوء تسيير وفشل في استثمار الطفرة النفطية وما وفرته من موارد  كانت ستساعد أي بلد على التأسيس لانطلاقة تنموية حقيقية، وليس لمجرد مشاريع مؤقتة المردودية.
في ظل التناقض الحاد والصارخ بين وعي عامة المواطنين بالوضع الراهن الذي يستدعي النضال من أجل تغيير نظام لم ينجح إلا في تغيير قشور الواقع المهتري سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتلمعيها بشكل يخطف ابصار من لا ينظرون نحو العمق، ووعي النخبة السياسة والثقافية التي ترى بأن النظام بلغ حدا من الفشل وتكريس الفشل والرداءة والفساد بحيث لم يعد من الممكن السكوت عليه إذا أردنا ان نقدم لأولادنا وطنا يفتخرون بالإنتماء إليه، يبقى التغيير المنشود مرهونا   بوعي زائف ومميع بالواقع تستبطنه الغالبية الصامتة من المواطنين رغم مزيج السخط والرضى التي تستشعره هذه الغالبية إزاء بعض القضايا المهمة ذات الصلة بمستقبل البلاد،  والتي يعول عليها النظام ككتلة يمكن استمالتها بقليل من الوعود والإصلاحات الشكلية والمشاريع ذات المردودية الظاهرة والسريعة ( غالبا ما ترتكز على السكن والعمل )، ومن جهة ثانية بوعي نخبوي حاد بمتطلبات التقدم الذي لن توضع الجزائر على سكته دون انتقال ديموقراطي حقيقي يبدأ بإزالة النظام القائم، دون أن يجد هذا الوعي وما ينتج عنه من خطاب / خطابات تجذرا إجتماعيا وكتلة اجتماعية قادرة على حمله والدفاع عنه والضغط على النظام بتكسير قواعده الاجتماعيه واستمالتها نحو الطرح/ البديل.
 إن عجز النخبة السياسة والثقافية عن خلق كتلة اجتماعية تتبنى أفكارها ناتج حسب ما أرى عن ضبابية تلك الأفكار ولا واقعيتها في نظر غالبية المواطنين، فالنخبة المناضلة ضد النظام متفقة على وجوب تغيير هذا النظام، وبعضها ينادي بتغيير عنيف، لكنها لم تتفق، وبالأحرى لم تقدم طرحا واضحا لطبيعة النظام البديل ولأساليب الحكم المغايرة لما هو موجود حاليا، وكأن الأمر سينتهي بإسقاط النظام، وبعد ذلك نفكر في المرحلة القادمة، وهذه شعبوية لا تختلف عن شعبوية خطاب السلطة، مما يجعل النخبة المعارضة تلتقي مع النظام في نظرتها القاصرة للواقع وعجزها، نتيجة فقر تجربتها السياسية، عن صياغة تصور واقعي يمكنه ان يقنع المواطن العادي الذي لا يهتم بالكلاميات المرسلة التي يتقنها المعارضون والمتثقفون وهم يتحدثون عبر وسائل الإعلام بصوت لا يكف عن التنديد بالنظام الفاشل، لكنهم يدورون ويلفون حول البديل دون ان يهتدوا إليه، وهذا ما يجعل خطابهم غير مقنع، بل ومرفوض من قبل المواطن العادي المتهم من طرفهم بأنه خانع وغير واعي ويمكن استغفاله بسهولة.

يستبطن المواطن العادي ضمن هذه التجاذبات بين النظام ومعارضيه  نوعا من الرضى على الوضع القائم حين تتم مقارنته بوضع سابق لا تزال ذكراه دامية في القلوب، ورغم حدة الإنتقادات التي يوجهها المواطن العادي للنظام، وحدة الاحتجاجات الشعبية التي يكون مطلبها غالبا اجتماعيا ومحددا يمكن تلبيته أو الوعد بتحقيقه في القريب العاجل، فالمواطن البسيط غير مستعد للانسياق وراء بعض المطالب تغازل مشاريع الربيع العربي ساعية لاستنباتها في الجزائر، وهو ينظر نحو بعض التصريحات التي تهدد النظام باللجوء إلى العنف من أجل إحداث التغيير المطلوب بأنها مطالب ليست خالصة لوجه الوطن، لهذا فهي تقابل بارتياب وإنكار مما يعمق أزمة المعارضة السياسية والنخب الثقافية السابحة في فلكها، ويبعدها أكثر عن التجذر الإجتماعي الضروري لأي تغيير فعلي وحقيقي، فالتغيير لن يكون أبدا نخبويا فقط، صحيح أن النخبة تقود وتنتج الرؤى والتصورات حول التغيير المرتجى، لكن المواطنين العاديين كتكلة ضاغطة فعلا هم من يقومون بالتغيير الحقيقي.

ردود على "خطابات المعارضة والمواطن البسيط"

أترك تعليقا

conter