الأحد، مارس 02، 2014

عن الثقافة المهملة للمدينة والناس

بتاريخ 9:09 م بواسطة عمار بن طوبال




ثقافة أية مدينة هي ناسها وهي مقاهيها العتيقة وهي لهجتها التي تكشف كل غريب إذا نطق، هي مأثور القول وهي الحكايات القديمة التي تنبعث متجددة وزاخرة بالإضافات مع كل جيل، ثقافة كل مدينة هي روح مثقفيها، وهي مؤسساتها الثقافة وإرثها وتاريخها، وهي الفن الذي ابتدأ في الأعراس ومواسم الجني صوتا يلهج بنداء الرجاء في أغاني النساء وامتد صوتا طروبا يهديء الروح ويفتح باب الذكرى الملتاعة لتاريخ راح، ولأيام خلت ومحبوب لم يف بكل وعوده فانقطعت سبل الوصال وتباعدت احضان المودة عند منعطف ما.
ثقافتنا هي صخب الأطفال الطالعين من مدارسهم هرولة نحو الخارج الفسيح ولهفة على ماتشات ما بين الأحياء وعلى كل الشيطنة التي انكبتت داخل جدران مدرسة جعلناها بوعينا البائس سجنا يحترم فيه النظام ويمجد الانضابط الصارم أمام العَلَم والنشيد كل صباح، وهي الخربشات على جدران المدارس ومؤسسات الدولة وداخل المراحيض العمومية؛ خربشات ضد كل ما يبعد الروح عن بهجتها، وصوتا يعلو، حين ينكتب سرا، ضد سلطة سرقت منا الصوت الجهور وأسلمتنا للهمس الصموت بالقمع والترهيب والقولبة التي كانت المدرسة والمسجد والجريدة الواحدة التي تصدر بعناوين متعددة أداتها ووسيلتها المثلى.
ثقافتنا هي تاريخ لم يكتب وحكايات عن ثورة لم تدون احداثها فتنازعتها الذاكرات التي غزاها الشيب والنسيان وانسربت في مأثور الحكي حكايات بطعم الاضافات ورونق الخيال المؤثث بتمجيد زائف وتخوين غير مؤسس يتشربه الأحفاذ حكيا وأمثالا سائرة بين الناس ونكتا وأخبارا لا أصل لها؛ وكل ما لا أصل له يؤصله الزمان ويشرعنه التداول والانتشار في ثقافة تؤمن بالمشافهة وتمجد كل ما لا يوثق، هي الخائفة من الكتابة والمرتعبة أمام كل ما يدون وكل ما يكون دليل إدانة أمام أجيال ستأتي بطيش جديد ونزق مغاير، وثقافة تتعاطى خفيف القول الذي افتك نفسه من أدلوجات القهر، ثقافة مرهفة الإحساس بذاكرة نضرة وقصيرة.

ردود على "عن الثقافة المهملة للمدينة والناس"

أترك تعليقا

conter