بين الفرد والمجتمع العربي شبه اتفاق ضمني
مفاده أن للفرد الحرية في عمل أي شيء يريده شرط أن لا يجهر به، لأن الجهر يستدعي تدخل
المجتمع لفرض الانضباط وتطبيق القواعد السلوكية التي تضمن انسجام أخلاقيات المجتمع،
هذا ما يخلق بداخلنا ازدواجية مقيتة، خصوصا في علاقاتنا الحميمية والجنسية، فأن أمارس
الجنس ولا اخفي الأمر فتلك كارثة، أما أن أمارسه فعلا وأذمه قولا فتلك هي الفطنة وهي
عين ما يرضي المجتمع. وضع المرأة أكثر تعقيدا لأنها متهمة بالنظرة والهمسة، متهمة بالسيجارة
التي تدخنها سرا ومتهمة بريبيريتوار هاتفها وما يحتويه من أرقام، متهمة بقائمة أصدقائها
على الفيس بوك او عبر المسنجر، فهي موضوع طلب جنسي من الرجل المختفي خلف تكنولوجيا
مقيتة تضمن له أن يدعي الطهر علنا ويمارس العهر سرا، أنا شخصيا لست من الذين يطيقون
النزعة الطهرانية المفرطة لأني لا أريد أن أكون ملاكا فرغباتي من حقها أن تتحقق ولست
أنكر عليها ذلك أو اخفي سعيي لتحقيقها لحظة ما أحس بها، لأني كمثقف أؤمن بقيم الفردانية
والحداثة والعلمانية، أجدني في صراع نفسي مرير بين ما أؤمن به وما تشربته من خلال قراءاتي
وبين ما يريده المجتمع مني. إني ممزق بين رفض عادات وتقاليد أراها بائسة وتحمل نتائج
الرفض اجتماعيا من خلال التفسيق التمجين والتغريب الذي اتهم به والذي يصل أحيانا لحد
التكفير، وبين أن انصاع لما هو مطلوب مني اجتماعيا، أي أن أمارس التقية الاجتماعية
واغرق في اللهو والزهو سرا، وأصلي في الصف الأول جهرا، مبديا، ومؤكدا طهرانية حياتي،
تلك الطهرانية التي أعلم ويعلم المقربون مني أنها غير صادقة.
نحن مجتمع يسكنه جوع دائم للخروج على التقاليد
للامتلاء من متع الحياة المحرمة، ونحن نسعى لذلك سرا ما استطعنا، لكننا نفتقد للشجاعة
الكافية لنقول علنا داخل محيطنا القريب ( العائلي والعشائري والمهني ) إننا مارسنا
الجنس وشربنا الخمر مثلا، فنحن نسعى من خلال استراتجيات حياتية عديدة لرسم صور متماسكة
عنا تستجيب لتوقعات الآخرين اتجاهنا ولانتظاراتهم منا وتصوراتهم عنا، وكأننا لا نعيش
إلا لنفعل ونحقق ما يريده الآخرون منا. وهذا ما نفعله باقتدار عجيب، لكن نفعله علنا
فقط، أما سرا فذاك سر لا تعلمه إلا رغباتنا المشتعلة في الزوايا المعتمة.