الأحد، يناير 25، 2015
أزمة الحداثة في الجزائر: أفراد علمانيون ومجتمع متأسلم
بتاريخ 11:48 م بواسطة عمار بن طوبال
ليس قصدي هنا بالأفراد العلمانيون من يتبنون فكرة ويكونون قادرين على إعطاءها مدلولات فكرية وفلسفية، إنما من يكون سلوكهم العفوي والمنفعي، في مفارقته لمعيارية الدين، سلوكا ذو طبيعة علمانية في جوهره أي أنه يبتغي المصلحة والبراغماتية ويستدعي نوعا من الإنتظام في ما يسمح به أو يعاقب عنه القانون، أولا، قبل أن يكون مدفوعا بثنائية الحلال والحرام التي يتعين على أساسها السلوك المؤطر، والمرضي عنه دينيا، من جهة، وبقيم الشرف وأخوة الدين التي يتعين على أساسها الإنتماء، من جهة ثانية، وهي القيم التي يتم التأكيد عليها على المستوى الخطابي في حين تُتَجاوز وبشكل سافر ومستمر على المستوى السلوكي، في حين أن المقصود بالمجتمع المتأسلم لا يمكن تحديد إلا من خلال عملية الانتقال من الفردي إلى الجماعي، بكل ما يحتقبه، ويسفر عنه ذلك الانتقال من تناقضات، فالإنسان الجزائري، ونتيجة تربية مؤطرة بمفهوم العيب الذي لا يوجد، أو لا تكون له قوة القمع إلا ضمن جماعة، بمجرد انتقاله إلى فضاء اجتماعي يكون فيه تحت رقابة معينة ينتج خطابات تنتسب للدين وترضي القيم الأبوية والدينية مع أنها في حقيقتها تتعارض في كثير من الأحيان مع ما يقوم بممارسته على أرض الواقع سواء كان مدركا لذلك التعارض، وغالبا ما يكون كذلك، أو كان غير مدرك، مع أن سلوكه المعلن ضمن جماعات انتمائه المختلفة يسعى هو الآخر، وبشكل تمظهري غالبا، إلى إرضاء توقعات الآخرين الدينية إزاء السلوكيات الفردية في المجال العام، مع أن نفس الأفراد الذين يعلنون خطابات، وينهجون سلوكيات مرضي عنها إجتماعيا على أساس أنها لا تندرج ضمن الحرام، وغالبا أيضا لا تندرج ضمن العيب، يقومون على مستويات أخرى تغفل أو تغيب فيها العين الملاحظة للجماعة بسلوكيات ويعبرون بألفاظ وخطابات تتحدد أساسا من خلال المصلحة الذاتية ومن خلال النزوعات والأهواء الفردية التي غالبا ما يتم قمعها أو تخفيف حدة ظهورها بشكل كبير لما يكون الفرد ضمن جماعة.
يبدو أن دراسة الطبيعة الذهنية والنفسية للإنسان الجزائري التي تجعله ينتج ويتبنى خطابات تتعارض مع ما يمارسه ويتمثله من سلوكات، وينحرف عن قناعاته الفردية عندما يندرج في جماعة، وخاصة في جماعات الإنتماء الأصلية ( العائلة، العشيرة، زملاء العمل ....) هي ما نحتاجه بشكل ملح لفهم أسباب ارتباك الحداثة في مجتمعنا وفشل عمليات التحديث التي ظلت تراوح مكانها منذ سنوات طوال، وذلك بغية الكشف عن آليات معاندة الحداثة في الثقافة الجزائرية.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "أزمة الحداثة في الجزائر: أفراد علمانيون ومجتمع متأسلم"
أترك تعليقا