السبت، سبتمبر 18، 2010

وداعا محمد أركون

بتاريخ 10:19 م بواسطة عمار بن طوبال

رحل محمد أركون، رحل الرجل الذي نذر حياته لفك السياج الدوغماتي المغلق الذي ينسجن بداخله العقل الإسلامي منذ قرون طويلة، رحل دون أن ينفك ذلك السياج العقائدي المسكون بآلاف التأويلات المتضاربة للنص الديني المقدس (قرآن، حديث نبوي)، ولا فضل للرجل الذي أثرى المكتبة العربية بعديد الكتب القيمة سوى انه ساهم من موقعه كأستاذ للفكر الإسلامي وكباحث يوظف أحدث ما توصلت إليه مناهج العلوم الإنسانية في دراسة الفكر الإسلامي عبر سيرورته التاريخية، لا فضSatelliteل له سوى أنه ساهم في خلخلة اليقينيات التي اطمئن لها العقل الإسلامي دون أن يساءل نفسه عن صحتها أو يسائلها ليكشف ما تمور به دواخلها التي تكونت عبر مئات السنين. ويكفيه فضلا وهو يرتحل نحو الذاكرة الجمعية للمثقفين العرب أنه ساهم في إحداث هذه الخلخلة.

محمد أركون المفكر الجزائري، وأستاذ الفكر الإسلامي بجامعة السوربون، يعتبر مشروعه الفكري الموسوم بالإسلاميات التطبيقية محاولة متفردة لدراسة التاريخ الإسلامي بما يحمله من تراث ومرجعيات دينية واجتماعية، واحدا من أهم المشاريع الفكرية التي قيض لمثقف عربي القيام بها في النصف الثاني من القرن العشرين.

ولكن مالذي قدمه أركون كمثقف عربي مهاجر وحاصل على الجنسية الفرنسية للفكر العربي، وللمجتمعات العربية بصفة عامة، يمكن الاستشهاد هنا على أهمية مشروع أركون الفكري وضرورته الراهنة والمستقبلية بما قاله مترجم كتبه للعربية المفكر السوري هاشم صالح:

" كثيرا ما طرح علي هذا السؤال: لماذا كل هذا الإلحاح على أركون؟. ألا تعتقد بأنك تبالغ في أهميته؟، وما هو الشيء الذي قدمه للفكر العربي الإسلامي؟.

واعترف بأن التساؤل كان يحيرني ويدهشني في كل مرة، فقد كنت اعتقد بأن الترجمات التي قدمتها حتى الآن ( حوالي العشرة كتب وآلاف الصفحات..) كافية للبرهنة على أهمية هذا المشروع وضرورته بالنسبة للعرب والمسلمين ككل، وأ نا واثق أن هذه الأهمية، سوف تتجلى للناس أكثر فأكثر بمرور الأيام، وإلا فاني أكون قد أضعت خمسة وعشرين عاما من عمري عبثا "([1])، فمحمد أركون الذي صبغ من خلال كتاباته العديدة، ومن خلال مجلته الأكاديمية "ارابيكا"، صبغ بصبغته الخاصة الدراسات الإسلامية في أوروبا، وفي العالم العربي أ يضا، هذه الدراسات التي بدأت تجد لها أنصارا ومريدين يحتذون حذو أركون، ويوظفون منهجه التركيبي لما يمتلكه المنهج الاركوني من قدرة على الولوج لجوهر الإشكاليات المطروحة على الفكر الإسلامي المعاصر، وأيضا لقدرة المشروع الفكري الاركوني على تفكيك تلك الأحكام المسبقة التي تسيّج العقل الإسلامي داخل نظام دوغماتي مغلق يصعب الفكاك منه، لأجل الانطلاق بعيدا عن تأثير التراث الكابح لعملية التحديث والنهضة والعلمنة التي يدعوا لها أركون من خلال مشروعه الفكري، وفي نفس الوقت إبراز النقاط المضيئة في التراث الإسلامي، الذي يشتغل عليه أركون ليس كموضوع تاريخي محض ، إنما كعامل لا يزال حيا ومؤثرا في حياتنا الفكرية والسياسية الراهنة.


[1] - هاشم صالح، محمد أركون ومشروعه، جريدة الشرق الأوسط، العدد 8949، الجمعة 29 ربيع الأول 1424 هـ 30 مايو 2003.

ردود على "وداعا محمد أركون"

أترك تعليقا

conter