الجمعة، سبتمبر 10، 2010
المثقف والسلطة من خلال اربع روايات جزائرية
كمظهر أولى من مظاهر المثقف الجزائري كما عبرت عنه الروايات المأخوذة كعينة للدراسة، نلاحظ أن المثقف الذي يعتمد على الكتابة كوسيلة توصيل لرؤاه ومفاهيمه حول ذاته والعالم، يحس أنه في ظل الظروف التي يعيشها، لا جدوى من الكتابة، بمعنى آخر لا جدوى لدوره الاجتماعي الذي تعتبر الكتابة وسيلته للتواصل مع الآخرين، فنحن نقرأ في رواية " متاهات ليل الفتنة " : ما معنى أن يكتب المرء في مجتمع لا يرقأ، بل تحكمه ديكثاثورية الشفوية.
هل نكتب لنغير. لكن ماذا نغير؟!.
إننا نكتب لنزداد عزلة على عزلة
إننا نكتب لنزداد جنونا على جنون "([1])، فالكتابة في مجتمع تحكمه الشفوية، هي عبث في نظر الكاتب الذي يظل يمارس عمله الذهني الذي يتخذ من الكتابة وسيلة توصيل، ولكنه يعيش وضعا تراجيديا نتيجة إحساسه بأن ما يكتبه لن يساهم في تغيير الأمور، فالمجتمع الذي يتوجه له الكاتب بنتاجه الفكري وجهده الذهني لا يقرأ وتحكمه في الغالب أساليب الاتصال الشفوية، وهذا ما يعني أن المثقف/ الكاتب يكتب لنفسه، ولقلة قليلة من القراء الذين يشاركونه تعاطي القراءة والكتابة.
الإحساس بلا جدوى الكتابة وفشل عملية التغيير عن طريق الكتابة كما يتوهم بعض الكتاب الحالمين، الذين يعتقدون بأنهم قادرون على تغيير العالم بقصيدة أو قصة أو مقالة ينشرونها في جريدة، هذا الإحساس باللاجدوى هو نفسه الذي نجده عند فيروز بطلة رواية "المراسيم والجنائز " التي تقول في نفس الصدد: " هل نجحت؟ لا؟! .. لم انجح طبعا متى كانت الكتابة تغير شيئا "([2])، فالكتابة بالإضافة لكونها عاجزة عن التغيير، فهي تتجلى كرمز للفشل وكمهرب من لحظات الوجع واليأس، وهذا ما عبر عنه رشيد عياد بطل رواية " شرفات الكلام ": " واكتشف أن من يفقد كل الأمل عليه أن يكتب رواية "([3]).
وهذا الإحساس بلا قيمة ما يفعله المثقف ليس لصيقا بالمثقف فقط إنما هو موجود أيضا حتى لدى بعض الشخصيات التي ترتبط بعلاقات مع الشخصيات المثقفة، حيث نجد أن والد عبد الحفيظ في رواية "حالات " يتحسر على الحالة التي صار عليها أبنه ويحمل القراءة والانشغال بالكتابة والسياسة مسؤولية تدهور الحالة النفسية للبطل، حيث يقول: "كم مرة قلت له : لا تقرأ كثيرا، ولا تكتب هذا الشعر، فالشعر لا يطيقه إلا الشيوخ الحكماء.. كم مرة قلت له: لا تهتم بالسياسة إنهم شرهون جدا.. كم مرة قلت له: يا ولدي لن تفلح حيث عجز أكثر الأنبياء"([4]).
من خلال الأمثلة السابقة ، والتي هي أمثلة تمثيلية لباقي الروايات التي تلخص نظرة المثقف لعمله الذهني، ومدى قدرته على الفعل من خلال الكتابة، والتأثير، نلاحظ أن المثقف في الرواية، كما في الواقع يمارس فعل الكتابة بحزن، لأنه يدرك بينه وبين نفسه، كما يدرك المحيطون به أنه لن يستطيع تغيير الأمور عن طريق الكتابة، فالكتابة تظل مجرد طقس ثقافي وترف نخبوي يقوم به المثقف ليعبر من خلال عن ذاته، وعن رؤاه دون أن يكون لهذا الفعل تأثير اجتماعي ملموس.
- احميدة العياشي، متاهات ليل الفتنة ( رواية )، منشورات البرزخ، الجزائر،200، ص 97. [1]
- بشير مفتي، المراسيم والجنائز( رواية )، منشورات الاختلاف، الجزائر 1998، ص50.[2]
- مراد بوكرزازة، شرفات الكلام رواية منشورات الفارابي 2001، ص 13.[3]
- عبد الله عيسى لحيلح، حالات ( رواية ) منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية سنة 2008، ص 50.[4]
ردود على "المثقف والسلطة من خلال اربع روايات جزائرية"
أترك تعليقا