السبت، سبتمبر 11، 2010
جيل السبعينات وميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية
يعد نص " غادة أم القرى " الصادر سنة 1947 فاتحة التأريخ لجنس الرواية في الجزائر، رغم أن البعض يعود بهذا التواريخ قرن كامل إلى الوراء وتحديدا لسنة 1847 مع صدور نص (حكاية العشاق في الحب والاشتياق) لمؤلفها الجزائري محمد بن إبراهيم التي يعتبرها بعض النقاد الجزائريين أول نص روائي جزائري وعربي([1])، ويصرون على اعتبارها الرواية العربية الأولى بدل رواية زينب لمحمد حسين هيكل التي صدرت سنة 1914 ، ولكن بعيدا عن الخوض في هذه المسألة التاريخية التي هي من اختصاص نقاد ومؤرخي الأدب الذين يملكون القدرة على الفصل فيها، نحاول في هذا الفصل إعطاء صورة موجزة عن ميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية وخصائصها.
لقد كان نص رضا حوحو الذي كان إرهاصا بميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، توالت بعض المحاولات الإبداعية من طرف " روائيين " جزائريين، دون أن يتمكنوا من الولوج فعلا لعالم الرواية بما تقتضيه من بناء فني وعوالم تحيل على الواقع والمتخيل، فقد ألف عبد المجيد الشافعي رواية الطالب المنكوب سنة 1951، كما ألف نور الدين بوجدرة رواية " الحريق " سنة 1957، وألف محمد منيع رواية " صوت الغرام " سنة 1967، غير أن هذه المحاولات الأولى تميزت بكثير من الضعف الفني ومن السذاجة، فهذه الأعمال " تبقى مجرد محاولات قصصية تندرج ضمن ما يمكن أن يطلق عليه بإرهاصات الرواية العربية في الجزائر. فهي وإن كانت لا تخلو من نفس روائي غير أنها تفتقد الشروط الفنية التي يقتضيها جنس الرواية"([2]) مما جعل جل النقاد والمؤرخين للأدب الجزائري الحديث يرجعون تاريخ ميلاد الرواية الجزائرية إلى سنة 1971، تاريخ صدور رواية " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة.
وقبل الحديث عن جيل السبعينات في الرواية الجزائرية الذي لا يزال لبعض ممثليه حضور قوي ومؤثر في الحقل الروائي الجزائري يجدر بنا أن نتساءل عن سبب تأخر ظهور الرواية الجزائرية باللغة العربية رغم مرور عشريتين عن ظهور مثيلاتها المكتوبة بالفرنسية.
تبدو الأسباب تاريخية أساسا وناتجة عن الاستعمار الفرنسي، وعن الواقع التعليمي والثقافي للجزائر أثناء الفترة الاستعمارية، وهذه الأسباب يمكن إجمالها في النقاط التالية:
- الدور السلبي للاستعمار الفرنسي:
إذا كان هناك تطور فكري عرفته أقطار المشرق العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين، وافتقدته الجزائر خلال نفس الفترة فإن مرد ذلك بالأساس يعود إلى طبيعة الاستعمار الذي عرفته الجزائر، والمغاير تمام المغايرة لما عرفته باقي الأقطار العربية، فقد بقيت بتلك الأقطار – رغم الاستعمار – نواة دولة مركزية تمثل وجودا فعليا ضعيف ومتهالك وعميل في كثير من الأحيان، ولكنه حفظ الحد الأدنى من واجبات الدولة اتجاه المجتمع الذي يضمن حدا من الحراك الفكري والسياسي، وهذا الأمر يختلف تماما عما حصل في الجزائر التي زال فيها كل وجود للدولة الوطنية، كما حورب الشعب في كل مقوماته وصار التعليم باللغة الوطنية جريمة، مع غياب مؤسسات التعليم بالمفهوم المتعارف عليه، بالإضافة لتفتيت المجتمع ومحاولة القضاء على البنيات القبيلة التي كانت سائدة قبل الاستعمار، وفي ظل هذه الظروف يصير أي كلام عن الإبداع الأدبي والفكري من ترف القول، والبحث عن ميلاد جنس أدبي حديث وحداثي في ظل تلك الظروف يندرج ضمن هذا الترف الفكري الذي لا يلتقي مع الواقع المعاش في الجزائر المستعمرة، وما ولادة الرواية الجزائرية باللغة الفرنسية وغيابها باللغة العربية، إلا ميلاد استثنائي كان نتيجة ظروف استثنائية عاشها أفراد استثنائيين تمكنوا من ولوج المدرسة الفرنسية والاحتكاك بالثقافة والفكر الغربي، كان نتيجته إنتاج إبداعي في جنس الرواية يوظف اللغة الفرنسية كوسيلة توصيل وتعبير عن هموم الإنسان الجزائري.
- انعدام نماذج روائية جزائرية بالعربية يمكن تقليدها والنسج على منوالها
- صعوبة فن الرواية لأنه يحتاج إلى صبر وأنات وتأمل طويل.
- عدم توفر اللغة الطبيعية المرنة التي تصور البيئة الكاملة في الرواية، وذلك نتيجة هيمنة اللغة الإصلاحية والخطابية التي أرستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبر برامجها التعليمية، وقد بينا سابقا الدور المعرقل الذي لعبه نهج الجمعية في طريق ظهور الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية.
ونتيجة لهذه الأسباب فقد كانت سنوات السبعينات من القرن الماضي هي سنوات الانطلاقة الفعلية للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، فبالإضافة لرواية " ريح الجنوب " لعبد الحميد بن هدوقة فقد نشر الطاهر وطار روايتيه : " اللاز " و"الزلزال"، هذه الروايات الثلاث تحديدا رسخت الفن الروائي في الحقل الثقافي الجزائري، وبعدها لم يعد سؤال ماهية الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية مطروحا، فقد كانت روايات بن هدوقة والطاهر وطار فاتحة لبروز جيل بأكمله من الروائيين الجزائريين الذين يكتبون الرواية بلغة عربية تنفلت من الأطر التقليدية للغة العربية المتوارثة، وتعالج الواقع الاجتماعي والسياسي بلغة حداثية وبرؤية عميقة وتمكن من الفن الروائي، حيث حاول الروائيين الجزائريين أن " يوفروا لأعمالهم الرواية قدرا من الفنية يتفاوت بتفاوت زاد كل منهم ورصيده من الممارسة الروائية، وقد اجتمع تراكم من النصوص الروائية في هذه الفترة بلغ ( 16 ) ستة عشر نصا روائيا وهو النتاج الذي حدا ببعض الباحثين إلى اعتبار أن السبعينيات عقد الرواية الجزائرية وتبلور اتجاهاتها "([3]).
وهنا نتساءل عن الظروف السوسيولوجية والسياسية التي جعلت من عقد السبعينات عقد تبلور الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية، فجدير بنا أن نذكر هنا تلك العوامل " النشطة " التي دفعت بالرواية الجزائرية إلى التبلور والنضج الفني، وتحيل هذه العوامل المنشطة إلى الظروف السياسية والاجتماعية والى تلك التحولات العميقة التي عرفتها الجزائر المستقلة، فقد كانت فترة السبعينات هي " فترة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد كانت استجابة الروائي الجزائري – على وجه الخصوص – لتلك التحولات القاعدية مشروطة بالمثيرات الثورية والوطنية التي روج لها النظام في تلك الحقبة وقد جعل من الثورية التاريخية مرجعية لمشروعية سلطته "([4])، حيث قام الحزب الحاكم الوحيد على قولبة كل النشاطات الفكرية والإبداعية بشكل يخدم مصالحه وتوجهاته واختياراته السياسية والاقتصادية والإيديولوجية، حيث قام من خلال مؤسساته الثقافية التي كانت تشرف على التنشيط الثقافي ومجالات النشر والتوزيع، على توجيه الأعمال الإبداعية في الرواية والسينما والشعر وغيرها من الفنون والآداب نحو خدمة الأهداف التي رسمها.
لقد عالجت الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية منذ انطلاقتها بداية سنوات السبعينات مختلف الإشكالات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المجتمع، و " ارتبطت بمختلف السياقات السياسية والتاريخية التي عرفتها الجزائر المستقلة "([5])، وبالإضافة لكون رواية جيل السبعينات هي " رواية البورجوازية الصغيرة المثقفة، كما أنها لم تكن تخرج عن جدلية التاريخ والواقع المعيشي،ـ والمكتوب في الرواية هو المثقف المأزوم بإشكالية الواقع " ([6])، فقد تناولت المصائر الفردية والجماعية للإنسان الجزائري، وصيرورة هذه المصائر في أطار مسار الثورة التحريرية ( رواية اللاز مثلا )، أو الثورة الاجتماعية التي أعقبت الاستقلال ( رواية " ريح الجنوب " و " الزلزال " ). فقد " كان الارتباط بالواقع المرجعي هو دائما المحور الأساسي لهذه الكتابات التي تنطلق منه وتعود إليه، باعتباره أساسيا في كل النماذج المكتوبة، لكن ضمن تصور إيديولوجي يشيد بالثورتين لارتباطهما معا، كما كان يعتقد آنذاك "([7])، وهذه الإشادة بالثورة التحريرية كفعل تاريخي جليل مكّن الجزائر من الاستقلال، والثورة الاجتماعية ( الثورة الثقافية، الثورة الزراعية ) أوقع الرواية الجزائرية المكتوبة في التماهي مع الخطاب السياسي والإيديولوجي للنظام الحاكم، كما أن هذا النظام عمل على استقطاب وتوظيف الإنتاج الإبداعي والفكري لخدمة مصالحه الإستراتيجية، ولتبرير اختياراته من خلال مؤسسات الدولة الثقافية والأيديولوجية ( وزارة الثقافة ومجلاتها، مؤسسات النشر والتوزيع التابعة للدولة ، اتحاد الكتاب، الجرائد الوطنية وملاحقها الثقافية ...)، ونتيجة لهذا التوجيه الإيديولوجي المحكم من طرف النظام السياسي للعملية الإبداعية فإننا نجد أن القاسم المشترك بين جل تلك الأعمال الروائية التي صدرت أثناء عشرية السبعينيات باللغة العربية قد اشتركت في التركيز على نقطة مهمة تتعلق بالتعبير عن " معاناة وطموحات الإنسان الجزائري وكفاحه المسلح في سبيل إقامة مجتمع الكفاية والعدل "([8]) وهو نفس الخطاب الذي أنتجه وسوقه النظام السياسي الذي تبنى الخيار الاشتراكي المسكون بفكرة النضال التحرري كوسيلة مثلى لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث نلاحظ أن " الخطاب الروائي الذي تضمنه هذه النصوص، قد تماهى إلى حد بعيد مع الخطاب الإيديولوجي الذي ساد خلال السبعينات ويرجع ذلك إلى الطبيعة الشعبوية للسلطة الحاكمة آنذاك "([9])، التي عملت على تأميم المجتمع بأكمله لصالح مشروع الدولة.
وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، ومن خلال قراءة لنصوص كثيرة من نتاجات جيل السبعينات يمكن أن نوجز بعض الخصائص المشتركة للنص الروائي السبعيني في النقاط التالية:
- إعلاء الجوانب الفكرية على الفنية.
- إعطاء الأولوية لوظيفة الأدب ( من منظور ماركسي ) على حساب طبيعته.
- حضور بعض القضايا القومية في المتن الروائي السبعيني.
- حضور التاريخ الجزائري الحديث كثيمة بارزة في النص الروائي.
- الحضور المكثف لبعض الظواهر الاجتماعية التي يعيشها الفقراء.
- توظيف البطل الإشكالي في العمل الروائي.
- إسناد دور البطولة في العمل الروائي لمثقفي البورجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى.
- استخدام اللغة البسيطة القريبة من العامية والخالية من ملامح البيان العربي.
- اعتماد الشروط الموضوعية في تحريك الأحداث الروائية واستبعاد الصدف والمفاجآت في سير الأحداث.
- تبني الواقعية الاشتراكية كمنهج في الكتابة الروائية.
- غياب الروايات النهرية التي تسرد حياة أجيال من البشر في شكل ملحمي.
- العودة للثورة التحريرية كموضوع رئيسي.
- طغيان الرؤية الاشتراكية التي تبناها النظام السياسي في الجزائر.
- حضور الآخر / الغرب كنقيض للانا وكمرآة لها أيضا.
- التماهي مع الخطاب السياسي للنظام الحاكم وتقديمه إبداعيا من خلال العمل الروائي.
- غياب الرواية البوليسية نتيجة التركيز على الريف الذي ينحدر منه جل الروائيين الجزائريين، وهذه الأخيرة تستدعي المدن الكبيرة حيث " تزدهر " الجريمة.
الرواية كجنس أدبي تأخذ " الواقع المفكر الذي مر على الوعي والإدراك ، ' نخلته' الإيديولوجية" (([10]، ومن هذا المنطلق فإن غرق رواية جيل السبعينات في التعاطي الإيديولوجي، مع الواقع هو مظهر وسيمة أساسية لهذه الرواية التي تظل لحظة انطلاق مبهرة للرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية.
- محمد بشير بويجرة، الرواية الجزائرية بين التأسيس والتأصيل، مقاربة ابيستيمولوجية لخطاب حكاية العشاق في الحب والاشتياق، مجلة دراسات جزائرية، منشورات مخبر الخطاب الأدبي في الجزائر، جامعة وهران، العدد 01 ، جوان 1997.
- عبد القادر شرشار، بواكير الرواية العربية في التراث المغاربي، مقاربة حول الإرهاصات الأولى للكتابة في الجزائر، مجلة دراسات جزائرية، منشورات مخبر الخطاب الأدبي في الجزائر، جامعة وهران، العدد 02، سنة 2005.
[2] - حسان راشدي، ظاهرة الرواية الجزائرية الجديدة، مجلة التواصل، العدد: 19، جامعة عنابة، الجزائر جوان 2006، ص 30-47.
[5] - داود محمد، الأدباء الشباب والعنف في الوقت الراهن، مجلة إنسانيات، العدد 10، منشورات crasc وهران، الجزائر ، 2000، ص 27 – 39.
- إبراهيم عباس، الرواية المغاربية ، مرجع سابق، ص 104.[6]
- داود محمد ، الأدباء الشباب والعنف في الوقت الراهن، مرجع سابق.[9]
- عمار بلحس، الأدب والايدولوجيا، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1948، ص 127.[10]
2 تعليق على "جيل السبعينات وميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية"
نشكركم على هدا الموضوع
موضوع حساس وهادف خاصة بالنسبة للآونة الأخيرة والتي غاب فيها معنى الأدب ، حيث نرى كما هائلا من الأعمال الرديئة يتدفق من ينبوع الساحة الأدبية دون حسيب او رقيب، والسؤال المطروح أين النقاد وأهل الإختصاص؟ لماذا دور النشر تقبل هكذا أعمال وتقوم بنشرها؟
نتمنى ان تكون مدونة تعالج هذه الظاهرة، الا وهي إختلاط الحابل والنابل وسط الساحة الأدبية
أترك تعليقا