الجمعة، مايو 15، 2009

التصوف النخبوي والسلطة السياسية

بتاريخ 2:11 ص بواسطة عمار بن طوبال


علاقة المثقف بالتصوف تجلت من خلال تجربة التصوف الإسلامي في الجانب الفردي لهذا التصوف، وانفصلت هذه العلاقة بتحول التصوف من حالة فردية إلى تصوف جماعي مهيكل ضمن مؤسسة تشكل الزوايا إطارها التنظيمي، ومن هنا فإن الفكرة القائلة بمهادنة التصوف الإسلامي للسلطة السياسية تبدو فكرة غامضة بعض الشيء ولا تستند على دعائم قوية ، فإذا كان ابتعاد المتصوفة عن السلطة مقولة يمكن المجادلة حولها، فان النقد الذي وجهه المتصوفة للسلطة كان قويا وذا تأثير كبير مما دفع بهذه السلطة إلى التضييق عليهم وإعدام الكثير من رموز التصوف الإسلامي فضلا عن تكفيرهم.

ولكن يجب أن نميز بين نوعين أساسيين من التصوف يختلفان اختلافا جذريا في كيفية تعاطيهما مع السلطة السياسة، وهما التصوف الجماعي والتصوف الفردي.
فالتصوف الجماعي الذي هو مرحلة أخرى من مراحل التصوف لاحقة على التصوف الفردي، قد اوجد بعض التحالفات مع السلطة السياسة موظفا سلطته الروحية في التأثير على العامة لصالح النظام القائم وموظفا مؤسساته الطرقية والزوايا في هذا المجال، وبالتالي فهذا النوع من التصوف لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتباره معارضا ولا حتى ناقدا للسلطة السياسية بل انه تصوف قابل للتعايش مع أي شكل من أشكال الأنظمة السياسية حتى ولو كانت أنظمة مغتصبة للسلطة والأرض أو محتلة، كما حدث في الجزائر أثناء الفترة الاستعمارية، حيث بعد كسر شوكة الطرق الصوفية التي قادت المقاومة الشعبية تم تحويل تلك الطرق والزوايا المهيمنة على المجال الروحي إلى أداة تبرير للوجود الاستعماري في الجزائر.

وإذا كان موضوع تحالف الزوايا في الجزائر مع الاستعمار موضوع شائك ويشكل نقطة خلاف كبيرة بين المهتمين والدارسين فان الرأي الغالب هو القائل بوجود هذا التحالف
.
أما النوع الثاني من التصوف وهو التصوف الفردي فقد كان له دور كبير في المعارضة السياسية.

وهذا النوع من التصوف هو الأسبق ظهورا في الساحة الإسلامية، وقد ارتبطت حالات التصوف بميل حاد نحو نقد تجاوزات السلطة السياسية والتنديد بلا شرعيتها، حدث ذلك مع الصحابي أبي ذر الغفاري ومع للحلاج والجنيد ومحي الدين بن عربي وغيرهم

حيث أظهر هؤلاء جميعا معارضة قوية وشرسة للنظام القائم، فأبو ذر الغفاري ظل حتى وفاته معارضا للدولة الأموية في بداية نشأتها واعتبر معاوية بن أبي سفيان مغتصبا للحكم وليس خليفة.

أما الحلاج فإنه شكل مثالا عن مقاومة المتصوفة للاستبداد السياسي من خلال تبني أفكار راديكالية اتجاه النظام الحاكم.

فالحلاج الذي كان على علاقات متقدمة بحركة القرامطة الثائرة ضد الخلافة رفض الانخراط في زمرة مداحي الخليفة نظرا للظلم الاجتماعي الواقع ضد فئات واسعة من الأمة باسم الخلافة، وانتصارا منه لتلك الفئات الاجتماعية المظلومة انظم لحركة القرامطة المعارضة والتي أقامت أول دولة “اشتراكية” في التاريخ. والتي كانت بالإضافة إلى حركة الزنج أو ثورة العبيد التي زامنتها، قادرة على تشكيل تهديد حقيقي للخلافة.

لست هنا بصدد مناقشة أفكار القرامطة التي آمن بها الحلاج ودافع عنها لان الكثير من الأفكار الثورية والنبيلة سرعان ما تنحرف عن مسارها، ولكن ما أردت قوله

هو أن الفكرة التي تسعى إلى الربط بين المتصوف /المثقف من جهة و مهادنة السلطة / النظام القائم مع الاحتفاظ بحق نقده من جهة ثانية هي فكرة تعوزها الكثير من الدلائل ويمكن المجادلة حولها خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتصوف الفردي الذي شكل وعلى امتداد تجربة التصوف الإسلامي نموذجا لمعارضة السلطة، سواء السياسية أو الدينية في بعض الأحيان، وقد دفع المتصوفة / المثقفون ثمن هذه المعارضة غاليا.

1 تعليق على "التصوف النخبوي والسلطة السياسية"

أترك تعليقا

conter