الثلاثاء، مايو 26، 2009
في المسألة اللغوية
بتاريخ 11:15 م بواسطة عمار بن طوبال
منذ البداية – أي ما قبل الاستقلال – لم تكن العلاقة بين المثقفين المعربين من جهة والمفرنسين من جهة أخرى، علاقة وفاق أو تكامل كما يفترض أن تكون، بل إنها كانت علاقة تضاد وصدامية في كثير من الأحيان، رغم بعض الصداقات الشخصية التي كانت تربط بين أطراف من هذه الفئة وأطراف من الفئة الأخرى.فالازدواجية اللغوية هي خصوصية من خصوصيات المجتمع الجزائري الذي يعيش انكسارا لغوية وقطيعة لغوية داخل النخبة، نخبة معربة ونخبة مفرنسة وطبيعة هذه العلاقة بين المثقفين الجزائريين قد أدت بعد تعريب الجامعة إلى الوصول لصيغة توفيقية رعتها الدولة، لم تحسم الخلاف والاختلاف وإنما حددت مجال لكل فئة، الثقافة والإعلام والتعليم للمعربين، والصناعة والفلاحة والهياكل القاعدية للمفرنسين، "باختصار مهندسون مفرنسون وعقائديون معربون "لقد كانت اللغة العربية في وضعية المغلوب على أمره خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وكان تداولها جد منحصر ومحدد بين فئة قليلة جدا من المتعلمين الذين تلقوا تعليمهم في المدارس التابعة للزوايا أو سافروا للمشرق، أو في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بداية الربع الثاني من القرن العشرين؛ في المقابل عملت الإدارة الاستعمارية على التمكين للغة الفرنسية بين الجزائريين من خلال المدرسة الكولونيالية، ومن خلال جعل الفرنسية وسيلة للرقي الاجتماعي بين الأهالي، هذه الحالة التاريخية التي عاشتها اللغة العربية في الجزائر المستعمرة، جعلت من الدفاع عن العربية كمحدد من محددات الهوية الجزائرية، مطلبا شعبيا ومطلبا سياسيا للحركة الوطنية، فقد " ارتبطت عملية الدفاع عن العربية بالدفاع عن التراث والدين الإسلامي والهوية الوطنية في كل برامج الحركات الوطنية والثورة الوطنية فأصبحت تراثا ثقافيا وإيديولوجيا سيوجه سياسة الدولة الثقافية نحو التعريب ووضع تصور لتعميم استعمال اللغة العربية "، هذا التصور الذي لم يلتقي بالواقع إلا في مجالات معينة مرتبطة بالمجال الثقافي والإيديولوجي، خصوصا مجال الإعلام، أما المجالات الأخرى الاقتصادية تحديدا، فإن اللغة العربية ظلت بعيدة وعاجزة عن إيجاد موطأ قدم لها ضمنها رغم توظيفها من طرف منتجي الثقافة النخبوية كلغة حداثية قادرة على استيعاب التطورات المتسارعة في مجال الفنون والآداب ، إلا أنها كانت ومازالت ذات مردودية اقتصادية وتكنولوجية ضعيفة في مجالات التحديث والتصنيع ونقل التكنولوجيا، وهي المجالات التي راهنت عليها الدولة الجزائرية عقب الاستقلال من اجل التقدم والازدهار، وهذه المراهنة على مجالات تسير وتدار باللغة الفرنسية هي التي جعلت من عملية التعريب التي مست الجامعة وقطاعات أخرى تفقد معناها، كما غدت النزعة الاستعلائية لفئة المتفرنسين اتجاه زملائهم المعربين مما ساهم في تأزيم العلاقة بين الطرفين، حيث على المستوى الثقافي مثلا يعرف الحقل الثقافي الجزائري شرخا حادا بين ما يكتب بالعربية وما يكتب بالفرنسية، رغم عمليات الترجمة التي يقوم بها بعض المثقفين لانتاجات زملائهم الذين يكتبون بلغة أخرى، سواء من الفرنسية إلى العربية أو العكس، رغم ما يشوب عمليات الترجمة من انتقائية وزبائنية في غالب الأحيان، حيث أن اختيار النصوص المترجمة لا يستند عادة إلى القيمة الفكرية والأدبية للنص المترجم بمقدار ما يستند إلى محددات أخرى غير ثقافية غالبا. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن اللغة الفرنسية في الجزائر تتجاوز وضعها كلغة عملية لتندرج ضمن التناولات السياسية للقوى الخارجية، وتحديدا لفرنسا التي تسعى ومن خلال الفرانكوفونية إلى بسط نفوذها بشكل أكبر داخل المجتمع الجزائري، فالفرانكوفونية كسياسية لغوية وضعتها الحكومة الفرنسية بغية التمكين للثقافة والفكر الفرنسي، أي لإشعاع فرنسا في غيرها من البلدان، تتجاوز مسألة اللغة الفرنسية في حد ذاتها والتي لازلنا نعتبرها غنيمة حرب، لتتجلى كوسيلة لفرض الهيمنة تتوسل باللغة، وعن طريقها يتم تحصيل منافع اقتصادية ومصالح سياسية معينة. الحالة السابقة الذكر التي وجدت اللغة العربية نفسها في ظلها رغم الدعم السياسي الذي حظيت به من أعلى هرم السلطة والذي تجلى في عملية التعريب التي مست الجامعة ومجالات أخرى مرتبطة بالإعلام والنشر، وقانون تعميم استعمال اللغة العربية ( المعطل التنفيذ )، هذه الحالة قد فسحت المجال واسعا أمام اللغة الفرنسية لتكون لغة الاقتصاد ولغة هرم السلطة، والاهم من هذا وسيلة للرقي الاجتماعي والوظيفي كما كانت عليه خلال الفترة الاستعمارية، هذا الوضع يجعل من المسألة اللغوية في الجزائر مجالا للصراع الاجتماعي، بنفس القدر الذي يشكل به الثراء اللغوي للجزائر وبعيدا عن التوظيفات السياسية مجالا لازدهار الإبداع الثقافي وللتعبير عن الذات، سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية الحاملة لثقافة عربية أو امازيغية كما كان الشأن مع الجيل الأول للروائيين الجزائريين (مولود فرعون، مالك حداد، كاتب ياسين ) الذين كتبوا نصوصهم باللغة الفرنسية وبها عبروا عن ذواتهم وهويتهم.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
2 تعليق على "في المسألة اللغوية"
مساء الخير
أعتقد أن أخطر ما في هذه المسألة هو ذلك التعالي الذي يمارسه المفرنسون على المعربين وكأنما هم أصحاب الثقافة والحضارة ، وأظن أن هذا ما أفرزته الثقافة الفرنسية التي ظلت سائدة عند طبقة معينة في الجزائر ناهيك عن الحلم الفرنسي الذي يتمسك به معظم شبابنا باعتباره الرافد الأول للحضارة ، وان لم يتمكنوا من السفر لفرنسا فالتكلم بالفرنسية واتباع نمط معيشة الفرانكفونيين هو الملاذ المتاح لهم ...
لكني رغم ذلك أقف لأحيي أمثال مالك حداد الذي كان يتأسف لأنه يكتب باللغة الفرنسية ويعتبر ذلك نوعا من المنفى ...
أؤلئك من فهموا تحدي اللغة كمقوم أساسي لثقافة أي أمة...
تحياتي الخالصة
زبيدة
التنافر اللغوي ليس سوى تنافر ثقافي بين النخب المفرنسة و المعربة
فالمفرنسين و معرفتهم للمعربين بعيون فرنسية جعلتهم يتشبثون اكثر فاكثر بالفرنسية و يخافون دوما من العربية و المشرق و حتى الاسلام في بعض الاحيان
اما المعربين فكذلك هم يرون المفرنسين و الحضارة الغربية بعيون عربية و في بعض الاحيان قديمة قدم التراث العربي الاسلامي مما جعلهم اكثر تشكيكا فيهم و اكثر ابتعادا عنهم ..
--------
رغم ان المعربين لم يصلوا قط الى الحكم في هاته الدول فكان المفرنسون هم المتحكمين دوما في مراكز صنع القرار
كما لا ننسى القضية الامازيغية و هي ورقة ضغط رابحة في يد المفرنسين لكبح المعربين
أترك تعليقا