الاثنين، مايو 18، 2009

التماثل الاجتماعي وتغييب الفردانية

بتاريخ 12:48 ص بواسطة عمار بن طوبال


هناك ميل فطري لدينا كجماعات وكأفراد للتقولب الذي يلغي الخصوصيات الفردية أو يحجبها لصالح التماثل الجماعي، وهذا الميل لا يزال مسكوتا عنه في خطاباتنا الفكرية المنتجة حول المجتمعات العربية، وإنطاقه يحتاج لدراسات معمقة لم تنجز بعد.هذا الميل الجماعي للتقولب يقابله في بعض الأحيان وليس دائما نزوع فردي نحو التفرد والتميز، ولكن هذا النزوع لا يعلن عن نفسه أمام الجماعة بمقدار ما يعلن عن نفسه أمام الذوات المفردة.الجماعة بالنسبة لنا سلطة تحيل دوما على العنف بمعناه المادي والرمزي، وهي سلطة جبارة لا يمكن مجابهتها، مثلها مثل الدولة والقبيلة والمؤسسة الدينية والعصبة التي تتمظهر من خلالها الجماعة وتمارس تأثيرها الكبير على الفرد إلى درجة إلغاء ذاتيته والحجر على أفكاره حين تتعارض مع أفكار الجماعة التي تمثلها المؤسسات الاجتماعية والسياسية و الأعراف والعادات والتقاليد.الدولة تسعى لقولبة المجتمع عن طريق وسائلها الإيديولوجية (المدرسة، الإعلام الرسمي ).المؤسسة الدينية أيضا تسعى لفرض قولبة خاصة بها تقوم على ثنائيات حدية صارمة: الفضيلة مقابل الفساد، الدين مقابل الإلحاد ، الخير مقابل الشر.ثنائيات لا تترك مجالا للخيار لدى الجماعة، كما أنها تجعل الفرد يحجم عن رفضها علنا على الأقل.
هذا الغياب للفردانية في ثقافتنا العربية ساهم بشكل فعال في الحد من القدرة على الإبداع والابتكار سواء على مستوى الإبداع الأدبي و الفني أو على مستوى السلوكيات اليومية التي تظل مؤطرة بما ترتضيه الجماعة رغم حالات الخروج الكثيرة عن موديل الجماعة في اللباس والعلاقات الخاصة والأفكار أيضا، ولكن هذا الخروج لا يتم بشكل طبيعي، لأنه يقابل عادة بتجريم الجماعة من خلال القيم والأعراف السائدة أحيانا، وبالتسفيه أحيانا أخرى، وهذا ما يضع الفرد في مواجهة غير متكافئة تنتهي غالبا بانكفائه على ذاته وخضوعه لمتطلبات الجماعة.
الثقافة العربية تمجد قابلية الفرد للذوبان في الجماعة والاحتماء بها لدرجة لم يتأسس عندنا بشكل واضح المعالم مفهوم الفردانية، وهذا الوضع إن لم يشكل عائقا كبيرا في طريق التنمية في الفترات السابقة التي اتسمت بوجود بنيات تقليدية تحكم كل مفاصل الدولة والمجتمع في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، فإنه في وقتنا الحاضر ومع الاصطدام بقيم عالمية تفرض حضورها بقوة في واقعنا وديارنا، قد صار عائقا في طريق التنمية بمعناها الذي يتجاوز المجال الاقتصادي، وفي طريق الابتكار والإبداع الذي يتأسس على مفاهيم مثل الحرية والاختلاف التي تعد مفاهيم وقيم أساسية في أزمنة الحداثة التي تستدعي الفردانية وكل ما يتساوق معها من مفاهيم، وتنفر من القولبة والتماثل.

3 تعليق على "التماثل الاجتماعي وتغييب الفردانية"

.
gravatar
زبيدة موساوي يقول....

مساء الخير أخي عمار
****

لماذا الشعوب العربية قابلة للذوبان في الجماعة والاحتماء بها لدرجة لم يتأسس عندنا بشكل واضح المعالم مفهوم الفردانية ؟

***
إشكالية جديرة بالمناقشة ..
شخصيا كما عهدتني لا أحب مناقشة المسائل من منطلق نظري وإنما من الحياة اليومية المعاشة ..أي أن الجماعة أو سلطة الجماعة هي أمر يدعو الفرد للاحساس بالأمان الاجتماعي بحيث كلما كانت الجماعة على أمر كان هو مطمئنا أن هناك من يسانده ولو من بعيد ..
ولكن - و ضع سطرين تحت لفظة لكن - كيف يمكن أن نخرج لدائرة الابداع دون الايمان بروح الفردانية بل إننا لو عدنا للتاريخ لوجدنا أن كل شيء بدأ بصوت فرد واحد ولو دفع الثمن باهضا لكنه بالنهاية يفيد الجماعة التي عارضته في يوم ما فتنزه عن جهلهم وتجاوز الأمر فالأمر ليس بدافع عاطفي بقدر ما هو بدافع البحث عن قيمة الفردانية في نفسه ..
أي أنه مهما كنا في خدمة الجماعة فنحن بالنهاية نبحث عن انفسناعن ذاتنا داخل تلك الجماعة ...
من جهة أخرى فإن الفرد العربي أو أيا كان اذا صار رأي الجماعة خانقا له فإنه سينسحب من تلك الجماعة..ولكن المفارقة أنه سيبحث عن بناء جماعة جديدة خاصة به ..
بالنهاية اذن هي جدلية قائمة بذاتها وفي غاية الأهمية .وقديما قيل إرضاء الناس غاية لا تدرك ..

*****
أخي عمار أشكرك جزيلا لتواصلك الدائم رغم غيابي الفترة الماضية على التدوين بسبب الامتحانات وظروف أخرى خاصة ..ولكن كما ترى أحرص دوما على متابعة جديدك ولو لم اترك دوما تعليق بل إنه عندي زهو خاص باعتباري المعلق الأول دوما على مدونتك هذه ..

دام تألقك
تحياتي الخالصة ومودتي
زبيدة موساوي

.
gravatar
عمار بن طوبال يقول....

زبيدة

الفرد العربي دائم الاحتماء بالجماعة

وحين يتمرد ويخرج عن العرف الاجتماعي فغنه يحس بينه وبين ذاته ان عشريته التي تسكنه تدينه كلها

اعطيك مثال عن مدة هيمنة الجماعة على الفرد بمجتمعنا
في منطقة القابئل هناك نظام اجتماعي يوظف لمعاقبة المارقين عن اعراف القبيلة يسمى الماقطعة
حيث كل فرد يخرج عن الجماعة تقاطعه الجماعة بايعياز من عقال القبيلة
وهي اقسة عقوبة يتعرض لها الفرد
والماقطعة هي التي انتجت الزفري او العامل الاجير
حيث اثناءؤ الفترة الاستعمارية كان اؤلئك المبعدون عن قبائلهم او الذين قرروا هجرة قومهم بعد تعرضهم لمقاطعة
يسافرون للمدون بحثا عن امكانية العيش بعيدا عن مجتمع يلفظهم ولا يجيدون اماهم سوى بيع عرقهم للسادة المعمرين مقابل الاكل والمبيت
طبعا كان هذا الامر قبل تفتيت النظام القبلي بالجزائر والقضاء على البنيات الاصلية التي كانت تشكل نظام اجتماعي منسجم واستبدالها ببنيات اخرة تفسح مجالا اوسع للفرد
ومع هذا يظل الفرد اسيرا لعشيرته رغم كل ما يدعيه من تحرر من هذه العشيرة
فنحن مثلا اي احد منا يسافر لمدينة غريبة عنه يبحث اولا عن ابناء قبيلته او منطقته ليحتمي بهم حتى لو لم يكن يعرفهم
حتى بالجاكعة وانتي درستي العاصمة وقد تكونين لاحظتي هذا الامر
نجد ابناء المناطق الواحدة يشكلون شلل متنجاسة
اما العلاقات مع بقية الوافدين من مناطق اخرى فانها تظل في حدود الزمالة او الصداقة الاستثنائية في مقابل علاقة الترابط العضوي التي تجمع ابناء المنطقة الواحدة

عزيزتي
دائما اسعد بتواجدك هنا
فكونك المعهلقة الوحيدة على مدونتي هذه يجعلني احس بقربك من هذا العالم الذي لا يجمع سوانا هنا في هذه المدونة
ألم أقل لك قبلا انه مكان خلوة؟؟؟

تحياتي

.
gravatar
زبيدة موساوي يقول....

صباح الخير أخي عمار

إن كان الأمر كذلك في منطقة القبائل فالأمر جد مخيف
ولو كان محي مع الاستقلال لكني متأكدة أنك تتكلم من منطلق ترسبات باقية لحد الآن في المجتمع الجزائري ..

أظن أن الأمر أكثر فضاعة في المشرق خاصة في الخليج والعراق ..فسلطة العشيرة في العراق مثلا شيء لا يطاق رغم إيجابياته ..
تعرف أنه في عشائر العراق المرأة إذا خطبها شخص ليس من أقاربها يستشار في ذلك أولا أبناء عمها إن كان أحدهم ليس راغبا بها وتصور لو كان أحد راغب بها ..انتهى الأمر على الخاطب الأول وعلى الفتاة من قبله التي ليس لها أي رأي في كل هذا ؟؟؟

معك حق فيما قلته على أن الشباب الجزائري أول ما يخرج لولاية أخرى يبحث عن أقاربه وأهله ليحتمي بهم ولو بشكل غير مباشر ..

لكن بصدق ما حصل معي كان العكس فلقد كانت معي شلة من البنات من وادي سوف وحاولن مرارا وتكرار أن أنضم لهن لكني كنت أترك العلاقة معهم مناسبتية حتى أتهممنني بأني متكبرة ومغرورة وناكرة لأهل منطقتي ..وكنت متقربة جدا خاصة من بنات العاصمة والغرب ( مليانة والشلف وتيسمسيلت ) وبنات القبائل ولم أكن أفههم وقتها لم كان في داخلي هذا التمرد واكتشفت فيما بعد أنه بحث عن الاختلاف لأنه ان سافرت للعاصمة وبقيت في اطار منطقتي وعاداتها فلم أستفد شيئا بالواقع ..
والمفارقة أنني الآن لا اعرف اي معلومة عن شلة بنات وادي سوف ولكني على علاقة وطيدة جدا وعائلية بصديقاتي من الغرب حتى أني زرت مرتين الشلف منذ تخرجي عام 2002..

باختصار كان بداخلي دوما تمرد ولكنه متصالح بنفس الوقت مع الجماعة ...

تحياتي الخالصة لك

زبيدة

أترك تعليقا

conter