السبت، نوفمبر 26، 2016
فقه الموسطاشات
بتاريخ 1:26 م بواسطة عمار بن طوبال
الموسطاشة ابتكار جزائري لوصف حالة غير سوية لامرأة منظورا إليها بعين رجالية لا تقتصد في الإدانة متجاوزة الموجود والواقعي نحو المثال والمرتجى كلما تعلق الأمر بعلاقة بين المرأة والرجل في ظروف غير التي استبطنها الوعي الرجالي الذي لا يزال محكوما بتراتبية العلاقة، حيث الرجال رجال بما كسبوا وبما أنفقوا وبما كانت لهم من سلطة ونفوذ ومسموع الكلام اتجاه الحريم النسائي المحيط بهم، وحيث النساء نساء بما وهبن من جمال ودلال وبما اكتسبنه من خبرة ودراية بسبل الاعتناء بمتطلبات الرجل.
وحين يكون المثال المستبطن في المخيال الجمعي مفارقا لما يلتقي به الفرد في واقعه ومحيطه وعلاقاته، فإنه إما يتأقلم مع الواقع والموجود، وإما يرفضه ويدينه، رغم أنه مجبر على التعامل معه، منتصرا، بشكل هروبي، للمثال الخيالي المستبطن في عمق الوعي والمخيال الجمعي، ويبدو أن الحل الثاني هو الذي يلجأ إليه الأفراد في المجتمعات التي لم تحسم خياراتها اتجاه الحداثة وما تفرضه متطلبات العيش المشترك في مجتمع مجبر على تجاوز موروثاته القيمية والثقافية بشكل كبير إذا أراد التصالح مع واقعه
إن الرجل وهو يلتقي بحداثة عرجاء تفتح أمام حياته المثقلة بوعي بدوي سبلا جديدة وغير مألوفة فيختلط مع النساء ويعاملهن بشكل يومي وتنفتح أمامه فرص الخلوة والاختلاء، ولكنه يصدم حين يجد النموذج الانفتاحي الذي في ذهنه عن المجتمعات المختلطة يتصادم من جهة مع ما توفره له بيئته من علاقات مع الطرف الآخر، ومن جهة ثانية يتصادم مع النموذج المثالي الماضوي الذي يستبطنه عن بنت الفاميلية.
من عمق هذه التصادمات التي يحتقبها وعي الرجل الجزائري ولد مفهوم الموسطاشة ، كمفهوم إجرائي لإدانة وضع غير سوي، ثم لاحقا تم سحب المفهوم على حالات كثيرة جعلت منه تهمة وصفة في نفس الوقت يمكن إطلاقها على الكثير من النساء المختلفات عن بعضهن البعض بشكل حاد. فالموساطشة كلمة ذات ثراء دلالي ملفت؛ إنها من جهة تلك التي لا تؤمن بالحب إلا إذا كان مرتبطا بمصلحة ما: زواج، انفاق، هدايا، علاقات لقضاء المصالح ... وكل من يحاول الخروج عن هذه النفعية في العاطفة يجابه بالعبارة السحرية:نحبك كي خويا.
إن الموساطشة في المجتمع الجزائري هي رسم كاركاتوري لواقع المرأة الجزائرية التي تفتقد أكثر ما تفتقد للأنوثة التي بها وعن طريقها تستطيع أن تكون امرأة وسط الرجال، أي أنثى يتنافس الرجال للفوز برضاها لا للسخرية منها كما هو حاصل الآن ويحصل بشكل أكثر اتساعا بمرور الوقت وازدياد انكشاف الوضع الذهني والنفسي الغير محبب للجزائرية عن طريق اتساع وسائل الاتصال وبالتالي التمكن أكثر من رسم صورة أكثر تنوعا لنسائنا اللواتي تتسم الموسطاشات منهن بميزة أساسية تتعين بكون ما يمتلكنه من إمكانيات ومؤهلات أقل بكثير مما يبدينه من أطماع وطموحات.
الموسطاشة قد تكون جميلة جدا، مع أن الكثيرين يعتقدون أن العبارة تحيل بشكل مباشر على القبيحات شكلا، ولكن التوصيف يتجاوز الشكل ليشمل صفات نفسية وخصائص اجتماعية، تتعين في حالة المرأة الجميلة بالطمع وقلة والوفاء والاعتقاد بأن الجمال وحده يغني عن كل ما عداه، فتكون الجميلة موسطاشة حين تسعى بجمالها لبلوغ مكانة ليست مؤهلة لبلوغها: منصب عمل، تحصيل منافع مادية بتوظيف وبذل الجمال أو الإيحاء بإمكان بذله، زواج غير متكافئ مع رجل له من الثقافة والمؤهلات الاجتماعة ما يجعله ستحق أفضل منها .... وكثير من الحالات غير السوية التي يكون انخراط المرأة الجميلة فيها مدعاة لوصفها بأنها موسطاشة. مع أن حالات الجميلات الموسطاشات قليلة مقارنة بالحالات الأبرز لنساء لم يؤتيهن الله جمال وجه ولا رقة خلق ولا خفة روح، فهو أقرب لخشونة الرجل في السلوك والقول وبرودة العواطف، ومن هذا الشبه نشأ مبرر التسمية الذي يحيل على الموسطاش وهو ميزة الرجل، ورمز رجولة تحيل على الحدة والخشونة، هذه الحدة والخشونة التي يكون توفرها مستحبا في الرجل، في حين تصير عيبا منفرا إذا توفرت في المرأة، وطبيعة التكوين النفسي للمرأة الجزائرية التي فرضت عليها الظروف التاريخية ( الحروب المتعددة خاصة ) أن تتسم ببعض الخشونة لمواجهة ظروف قاسية، ولكن تلك الخشونة انطبعت فيها واستقرت حتى بعد زوال الظروف الداعية لوجودها، ومع الانفتاح الاجتماعي وتزايد سبل الاتصال انكشف صفات السلب في الجزائرية خاصة وأن تلك الصفات غالبا ما تقارن بنماذج ميدوية تسوقها الأفلام والمسلسلات والروايات، وتقدمها بشكل مغري ومشتهى، عجزت إبداعاتنا الجزائرية: روايات، أفلام ومسلسلات، أغاني، عن إنتاج وتسويق البديل عنها، بل إنها عمقت الصورة السلبية عن المرأة الجزائرية، كامرأة غير عاطفية ونفعية، ووصولية، وغير ذات حس فني ولا ذوق تتميز به في المأكل والملبس، أي المرأة الموسطاشة بتعبير شباب الفايسبوك.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "فقه الموسطاشات"
أترك تعليقا