السبت، نوفمبر 12، 2016

السيد ظروفي: الأديب الشاب الواعد

بتاريخ 12:23 م بواسطة عمار بن طوبال



يبدو أن الكتابة الأدبية صارت كالدابة الشاردة الكل يعتقد أن له الحق في امتطائها، لدرجة أن صار كل من يجيد رصف مجموعة كلمات بعضها لبعض يعتقد أنه كاتب، وأنه سيظهر يوما على العالم بمؤلفاته العظيمة.
أقول هذا الكلام وأنا أطالع بعض الخربشات التي لا يمكن وصفها سوى بأنها غبية وتافهة لأحد المعتوهين الذي أتاني منذ أيام للمكتبة ليحدثني عن مشروعه الكبير لإصدار كتاب يناقش أعقد قضايا الأمة العربية، مستشيرا أياي عن أفضل الناشرين وأكثرهم احترافية من أجل نشر كتابه الذي أكد لي أنه سيكون له تأثير كبير، الأمر الذي دفعني إلى طلب الإطلاع عليه إن كان ذلك ممكنا، وهو ما حدث، حيث زودني صاحبنا بنسخة الكترونية مكتوبة على الوورد من كتابه الذي اتضح انه لا يتجاوز 40 صفحة، وأنه يحكي عن المواقع المحرمة وما شابهها بأسلوب دروس الوعظ والإرشاد المصاغة بأساليب إنشائية فجة طلقها حتى تلاميذ المتوسط والثانوي.
هذا السيد الذي يعتقد أنه نبي أتى لتطهير النفوس من التيه والضلال لا يختلف عن إحدى السيدات التي أتتني المكتبة أيضا تبحث عن نصوص مسرحية جزائرية، وقدمت نفسها لي بأنها روائية وكاتبة قصة وشاعرة وناقدة، وقد طلب منها، ولا أدري من ذا الذي طلب منها، أن تكتب المسرحية أيضا لهذا تريد أخذ فكرة عن كيفية كتابة المسرحية لكي تنسج على منوالها، لأكتشف بعد حديث قصير معها بأن هاذ المخلوقة لا تزال ثقافتها الأدبية في مرحلة مكر مفر مقبل مدبر كجلمود صخر.

هذه المخلوقة التي تعتقد بأن الرواية هي حديث عن المشاكل الاجتماعية كالطلاق والخيانة، ذكرتني بالسيد ظروفي كأول أديب مدرح عرفته في حياتي، وهو شخصية طريفة جدا من أدعياء الأدب والفكر الذين قد يكون عشقهم للأدب أصيلا، لكن قدرتهم على كتابته معدومة ومستحيلة، كان السيد ظروفي صحفيا، ويقدم نفسه دائما كصحفي مع أنه في الحقيقة مجرد راقن بجريدة، وحين كنا نلتقي بمقهى الآغا قبل إغلاقه كان يصر دوما على أن يقرأ لنا نصوصه  القصصية التي تجعلنا ندخل في هيستيريا ضحكلا ينتهي إلا بعد ان يرمقنا الحضور بنظرات استهجان واستغراب، لأنها غالبا ما تبدأ بداية رومانسية حالمة بأسلوب شفاف وتنتهي بمشاكله الاجتماعية كغريب عن العاصمة لا يجد مكانا للمبيت وحين يشعر بالتعب لا يستطيع الذهاب للفندق الحقير الذي ينام فيه لأن الفندق الذي هو في أصله حمام لا يفتح للزبائن إلا بعد الخامسة مساءا، وكانت كل قصصه تحكي بأسلوب  تقريري تلك المأساة اليومية التي يعيشها، ونظرا لكثرة شكواه من الظروف فقد أسميناه السيد ظروفي، وهو الإسم الذي أتذكره له بعد أن نسيت إسمه الحقيقي، وللعلم فالسيد ظروفي كان يؤمن بأنه يوما ما سيصبح كاتبا كبيرا لأنه قرأ مرة أن غابرييل غارسيا ماركيز كان يعيش نفس الظروف الصعبة، وتشبيه نفسه بماركيز مصيبة أخرى تنضاف لبلاويه التي لا تنتهي كأديب شاب وواعد حسب التعبير الساخر لأحد أصدقائنا.

ردود على "السيد ظروفي: الأديب الشاب الواعد"

أترك تعليقا

conter