السبت، ديسمبر 24، 2016

قوامات بما انفقن

بتاريخ 12:35 ص بواسطة عمار بن طوبال

هناك تغيرات اجتماعية متسارعة تحدث بسبب الإقتحام المتزايد للمرأة لسوق العمل، المراة الجزائرية التي لا تؤمن بالعلم لذاته بمقدار ما تتخذه وسيلة للتحرر الاجتماعي والخروج عن سلطة العائلة، قد استطاعت عبر الشهادة الجامعية، وعبر الوظيفة لاحقا من قلب ميزان العلاقات داخل الأسرة بشكل هاديء ولكن فعال، وخاطف لم يستطع الرجال مقاومته لأنه لم ينتبهوا أصلا لسيرورة حدوثه خلال جيل واحد، فخلال 15 سنة الأخيرة صارت أرقام التعليم وسوق العمل ونصيب الفرد من الدخل كلها لصالح المرأة، في وقت تراجع الرجال إلى الخلف بعد أن اساءوا الاختيار عبر حسابات خاطئة جعلتهم يرون في التعليم مجرد شهادة غير نافعة، وسبيلا غير مؤكدة لتحقيق الذات، ويرون في سنوات الدراسة مضيعة للوقت الذي يمكن استغلاله في الـ navigation " عبر نشاطات قليلة الجهد عالية المدخول مع أنها غير دائمة، وعقلية الـ navigation التي تعتمد على القفازة هي التي جعلت الشاب الجزائري لا يبحث عن عمل قار إلا بعد ان يتورط في الزواج والعائلة ويجد نفسه مجبرا على تحمل مسؤوليات مادية لا قبل له بها عبر اعماله التي لا توفر سوى المصروف. وبما أنه لا يمتلك غالبا لا شهادة ولا مؤهلات تمكنه من الحصول على وظيفة جيدة، ولا يملك مسكن ولا أساسيات الحياة الأسرية، فهو قد صار، وبشكل متزايد، يلجأ للاعتماد على المرأة كمصدر أساسي لدخل الأسرة، مع رفضه على المستوى القيمي والخطابي لفكرة أن تصرف عليه زوجته، وهذه الازدواجية التي تجعل الرجل خجلا من نفسه وغير قادر على تغيير الوضع الذي فرضته تغيرات اجتماعية لم يسهم لوحده كفرد في ايجادها انما اندرج، حتى دون رغبة منه، في الخضوع لمنقطها، والانسياق خلف التغيرات المتسارعة والتي دعمتها قوانين منحازة، ونظام تشغيل منحاز جنسيا لصالح المرأة في القطاعات التي تستوعب أكبر عدد من الوظائف الجديدة سنويا ( التعليم والصحة والإدارة العمومية). لهذا لا نستغرب الإحصائيات التي تطالعنا بها الهيئات المتخصصة سنويا فيما يخص واقع الشغل بالجزائر والتي تقول بأن الجامعة قد تأنثت بشكل شبه كامل في الكثير من التخصصات، وحتى فيما يخص التخصصات التقنية التي كانت ذات ميزة رجالية واضحة نلحظ غزوا نسائيا ناعما لها، وأن 70 بالمائة من المحامين نساء و60 بالمائة من القضاة نساء ايضا وان نسبة الرجال في مستويات التعليم تقل كلما نزلنا في المستوى، فإذا كانت هيئة التدريس بالجامعة لا تزال تحفظ نوعا من التوازن بين الجنسين، فإن الثانويات والمتوسطات هي مجال احتكار نسائي واضح، وهو الاحتكار يرتفع في المستوى الابتدائي الذي لا نكاد نعثر فيه على الرجال إلا فيما نذر، ونفس الأمر بالنسبة لقطاع الصحة. هذه التغيرات وإن كانت لها إيجابيات على مستوى التحديث المجتمعي، ونشر قيم الحداثة التي لا يمكن أن تتأسس بعمق في البنية المجتمعية دون سند اقتصادي يرفدها ويمكن قيمها من التغلل كأمر واقع، وتفكيك الثقافة الابوية القامعة للحداثة في مجتمعنا، فإنها تؤدي على المستوى القريب إلى حدوث شروخات اجتماعية حادة بسبب الرفض القيمي لنتائج هذه التغيرات، حيث لا تزال القيم الثقافية والدينية والخطابات الاجتماعية التي تتبناها النساء انفسهن في الكثير من الحالات، هي خطابات تمجد القوامة الرجالية، ولا تعترف بالمحدد الاقتصادي كمصدر للسلطة داخل الأسرة، أي أنها ثقافة ترفض أن يكون امتلاك المرأة لمصدر دخل ثابت وانفاقه على العائلة سببا في انقلاب الأدوار داخل الأسرة وسبيلا لتفتيت السلطة والقوامة الرجالية، مع أن هذا التفتيت لتلك السلطة الغاربة التي صارت في وضع دفاعي بالنسبة للكثير من العائلات، هو واقع معاش وإن كان غير مصرح به ولا معترف به علنا نظرا لحساسية الاعتراف الاجتماعي بفكرة "عيشة راجل" في المجال الاقتصادي والسلطوي داخل الاسرة.

ردود على "قوامات بما انفقن"

أترك تعليقا

conter