الثلاثاء، ديسمبر 03، 2013
عن أحمد فؤاد نجم الذي لا يموت
بتاريخ 9:10 م بواسطة عمار بن طوبال
بذيء اللسان والقلم كان، ككل الغاضبين لاغتصاب الحق وغيبة الوعي، كان أحمد فؤاد نجم كما وصفه أنور السادات: الشاعر البذيء. وهو رغم، وبواسطة تلك البذاءة كان أكثر من عبر عن أوجاع الروح المصرية بلغة تمتح من محكي الشوارع وصراخ الحارات العتيقة، ومن دندنة صبية المقاهي في حارة خوش التي جعل منها نجم ورفيق دربه الشيخ إمام محج المثقفين وكعبة الغاضبين الراغبين في التنفيس عن إحباطهم الطبقي الذي عبرت عنه أشعار ذلك الفاجومي النحيف الجسد والقوى ألإرادة ذلك الذي في شعره قوة تسقط الأسوار كما وصفه لويس أراغون.
لم تكن حياة احمد فؤاد نجم، وهو ابن عائلة نجم المعروفة ببر مصر، إلا حياة صعاب تُتَجاوز، ومكابدات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد تماما كما مكابدات بروميثيوس الأبدية في إيصال الصخرة إلى أعلى الجبل. وهذا ما جعل في شعره ثورة غضب لا تخفي وإن تمت مداراتها أحيانا بخفة العبارة وحلاوة المزاح الممزوج بطعم المرارة؛ وهو الطعم نفسه الذي عمقته موسيقى الشيخ إمام، التي اتكأت على أشعار نجم، ليشكلا ثنائيا من أشهر الثنائيات الفنية في التاريخ العربي الحديث، رغم صدامية النهاية التي ميزت علاقتهما، لكن الترجمات الموسيقية التي قدمها الشيخ الضرير لأشعار الفاجومي، ستضل أهم ما يربطهما، واكبر من كل خلافات النهاية، تلك العلاقة التي ابتدأت في حارة خوش، وفي ذات الحارة نمت وتناسلت اعمالهما المشتركة، تلك الاعمال الثورية، الهادفة لإيقاظ الوعي الشعبي المصري من غيبوبته ومن لا وعيه بوضعه الطبقي في مجتمع يستنفذ كل القدرة على الصبر والاحتمال التي يتسم بها الغلابى والمقهورين، في بلاد خابت فيها كل اماني ثوارها ووعود ساستها، فانقلبت وعود الثورة والوحدة العربية التي بشرت بها ثورة يوليو والتي آمن بها نجم، إلى دكثاثورية واستبداد، وقمع للحريات وتكميم للأفواه، وهو ما عاناه نجم وشريكه الشيخ إمام كثيرا وطويلا، ولعل الشيخ إمام هو أول موسيقى عربي يسجن بسبب تأليفاته الموسيقية، فكما يقول عنه رفيقه نجم: " أول موسيقي تم حبسه في المعتقلات من أجل موسيقاه وإذا كان الشعر يمكن فهم معناه فهل اكتشف هؤلاء أن موسيقى إمام تسبهم وتفضحهم".
والفضح، وببذاءة لا تخجل من نفسها وعباراتها، هو ما قام به أحمد فؤاد نجم خلال المرحلة التي يسميها كمال عبد الملك في كتابه عن نجم بمرحلة: بلاغة العنف الثوري " ، والتي هي قمة تطور الوعي السياسي لنجم، والذي رافقه تطور وتثوير لأساليب الكتابة الشعرية التي ظلت وفية للعامية المصرية كقالب لغوي قادر على احتواء كل ما جادت به قريحة الشاعر البذيء أو الشاعر البندقية كما أسماه الراحل علي الراعي.
إن ثورية ما كتبه احمد فؤاد نجم، قد جعلت منه واحدا من اكثر المثقفين العرب تعرضا للإعتقال. لكن 18 سنة من الاعتقالات لم تكسر فيه روح الدهشة والحلم والأمل، والإيمان بالقدرة على التغيير، فكونه مثقفا ملتزما ذو رؤية يسارية عميقة التجدر وشديدة التأثير في سلوكياته ونتاجاته الإبداعية، جعله لا يكف عن النضال السياسي، سواء من خلال حزب الوفد الذي انتمى اليه قبل ثورة 25 يناير، او من خلال تصريحاته التي ظلت تلهم الكثير من الشباب العرب، وهو قد آمن بالشباب وبالفن، حتى آخر نفس.
أحمد فؤاد نجم، المناضل الشيوعي وعاشق الخمرة والنسوان، صاحب الثمان زوجات الذي اكتشف بعد رحيل العمر والقوة على أنه كان حمارا، كما عبر بنفسه عن خيبته من كل تلك الزواجات، ومن حبه الأول لابنة عمته التي حال الوضع الطبقي بينه وبنها، بسبب كونها من عائلة غنية، وهو مجرد بروليثاري يئن تحت وطأة فقر الجيب وغنى الوعي. هو يرحل عنا، ويبقى فينا حاضرا كما يبقى كل العظماء الذي ينيرون دروب الوعي الانساني بكتاباتهم، وهو عبر سيرة حياته الملحمية، وعبر ما خلفه من إرث شعري، سيظل واحد من تلك المنارات الثورية التي ستحرضنا دوما على أن نؤمن بأن الوضع القائم ليس قدران وإن خيانة الوعود الكبيرة لا يمكن ان تبرر، أو يدافع عنها تحت أية ذريعة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
3 تعليق على "عن أحمد فؤاد نجم الذي لا يموت"
يعيش السيسى خليفة عبد الناصر
انا بحب نجم بس اللى مزعلنى انة شتم السادات >>.......... sama el cece
لا تختصر الإنسان في كلمة أدخله في لعنة الأشقاء وفي زفرة من يحبون الرواية فتغرق بهم السفن ...
جردوه من آدميته فحمل نصف وجهه وفي جعبته مليون ألم ..
أترك تعليقا