الجمعة، ديسمبر 27، 2013

المتعلم وتقديس المرجعية

بتاريخ 10:35 م بواسطة عمار بن طوبال



التسليم بما يصدر عن مرجعية أعلى ( الأب، الإمام، الأستاذ، الكتاب، وسائل الإعلام المكتوبة خاصة ) هي ثقافة سائدة لدينا كعرب وكمسلمين، وهي ثقافة موغلة في القدم ومتكئة على الاستدعاء الدائم للمرجعية والأصل، وتقديس كل ما تقادم من المأثورات والأقوال والأحكام، إنها ثقافة تعادي التجديد وتعادي الإبداع المركون عنوة في زاوية مظلمة تسمى البدعة، والبدعة ضلالة في عرف العارفين الضالعين في مراتب التقديس المرجعي للأصل وللسلف الذي ما ترك شيئا لعقول الخلف.
فابتداء من القرآن كنص مقدس وكأول المكتوبات وأكثرها تأثيرا في التكوين العقلي والنفسي للفرد العربي المسلم، وعلى امتداد تدوين ( كتابة ) الحديث، وتصنيف العلم الذي ما كان يعني في العرف العربي القديم سوى العلم الشرعي المسيّج بالقداسة والغموض الذي يستعصي على أفهام العوام؛ أولئك الذين لا يطلب، ولا ينتظر منهم سوى التصديق والتسليم بما يقرؤون او يقرؤ لهم من نصوص متعالية متشحة بالقدسية، فالنص المكتوب بالعربية ظل دائما في الفكر الشعبي الذي لم نتخلص منه رغم كل عمليات التحديث، لصيقا بالقداسة، فالعربية لغة مشدودة عنوة إلى الدين وقداسته وإلى المعرفة اللدنية، أي تلك الرؤية العرفانية التي بثتها نصوص الصوفية في الوعي الجمعي عن طريق الزوايا واحتفاليا الموالد و" الوعدات " التي تتلى فيها نصوص لا يفهمها اؤلك المريدون المنتشون في حضرة السيد العارف اللائذ بالغياب إمعانا في تعميق الإحساس بالقداسة وبالرهبة امام إرثه المتداول حكايات اسطرتها الرواية المتعددة لها شفاهة وكتابة.
إن أول ما يتعلمه الطفل العربي، غالبا، هو القرآن، والنص القرآني، بقداسته، يشكل بالنسبة للطفل أول لقاء بالمكتوب / القدسي، ونتيجة المناهج التعليمية المرتكزة على التلقين الحرفي وعلى المعلم / العارف الذي لا يقول إلا صدقا في نظر المتلقين / التلاميذ / الطلبة، فقد نتجت، وتعمقت تلك القدسية الرهيبة التي يتعامل بها لطلبة مع ما يجدونه مبثوثا في ثنايا الكتب، وخاصة الكتب التعليمية تقدم من خلال نصوصها منتوجا معرفيا يزعم لنفسه تقديم معرفة وعلم يقيني لمن هو بحاجة لذلك العلم ( الطلبة )، وهذا ما يجعل التعامل مع الكتاب بالنسبة لطلبة لم يتعلموا القراءة والنقد خلال مراحل تعليمهم السابقة على الجامعة، تعاملا يشوبه الكثير من الارتياب والرهبة والاستعداد المسبق للتسليم بكل ما يقرأ، نتيجة التأثير الرهيب لصدمة الإلتقاء الأول بالكتابة من خلال نص مقدس يعتبر التساؤل حلو صحته او معناه المضمر نوعا من التجديف، وهو القرآن.

1 تعليق على "المتعلم وتقديس المرجعية"

أترك تعليقا

conter