الجمعة، ديسمبر 27، 2013

سلطة الكلام

بتاريخ 10:28 م بواسطة عمار بن طوبال



يميز باختين بين نوعين من الكلام: الكلام الآمر والكلام المقنع.
يمتلك الكلام الآمر سلطة داخلية، ومشروعية مسنودة غالبا، بالإستعداد الذي يبديه المتلقي لتقبله والتسليم بما جاء فيه. إن الكلام الآمر عادة ما يكون خطابا أخلاقيا وأبويا، إنه كلام الكبار والأساتذة والزعماء الملهمين وقادة الرأي العام.
على العكس من ذلك، فالكلام المقنع هو كلام عامة الناس، أو بتعبير أدق هو كلام أولئك الفاقدين للسلطة والمجردين من هيبة المشروعية التي تموضع كلامهم في رواق المقبولية، ولهذا فغالبا ما تكون الخطابات التي تصدر عن هؤلاء الفاقدين للسلطة، خطابات تفتقد للتقدير الإجتماعي، بغض النظر عن مستواها او أصالة ومصداقية ما تتضمنه.
إن هؤلاء، وحسب توصيف بورديو، يفتقدون للسلطة التي تنقل خطابهم من مجال الكلام المقنع إلى مجال الكلام الآمر نتيجة افتقادهم للرأسمال الرمزي الذي يموضعهم بشكل أفضل داخل الحقل / المجال الذي يصدرون ضمنه خطاباتهم، وسعيهم من أجل تحصيل رأس مال رمزي داخل الحقل يجعل خطاباتهم غالبا ذات نبرة نقدية واحتجاجية حادة اتجاه التسلط والأبوية، وهيمنة المرجعية. تلك المرجعية التي يتخذون، في مسيرة تحصلهم للرأسمال الرمزي، من توكيد الإنتماء إلى روحها، وتمثل بناءها النظري مقولاتها المفهومية، سندا ودليلا على أحقيتهم في ولوج الحقل الثقافي / الأكاديمي / السياسي / الديني ... الذي ينتجون خطاباتهم ضمنه. وفي نفس الوقت تكون تلك المرجعية موضوع نقد حاد وغير رحيم من طرفهم، على اعتبار انها تشكل الحصن المنيع الذي يصدر أصحاب المشروعيات المكرسة كلامهم الآمر من خلف أسواره.
لكن غالبا ما يكون ذلك النقد وتلك الهجمة على أسس وتمظهرات تلك المرجعية المكرسة للمشروعية، نقدا غير أصيل، وبالتالي فاقدا للقدرة على خلخلة تلك الأسس، وذلك بسبب كونه مجرد وسيلة تدافع على الخيرات الرمزية التي توفرها المرجعية، أي أنه من مصلحة أصحاب الكلام المقنع الذي يتسم بكونه أقل دوغمائية واكثر انفتاحا وتقبلا للرأي الآخر، أن يحافظوا على تلك المرجعية قائمة، لكن مع تركيز النقد الملحاح على استبداديتها وتهميشها للآخر، بشكل يضغط من اجل فتح الأبواب امام هؤلاء الوافدين الجدد بعد ان اكتسبوا الرأسمال الرمزي الكافي ليتحولوا من أصحاب كلام مقنع إلى اصحاب كلام آمر، أي إلى مالكين لمشروعية انتاج خطابات تمتلك قوة داخلية تمنحها هالة وهيبة لدى المتلقين.

ردود على "سلطة الكلام"

أترك تعليقا

conter