أرى انه قد حان الوقت للانتقال لمرحلة أخرى من مراحل تطور هذه الحركات الاحتجاجية، فعلى الحركات الاجتماعية الهادفة إلى التغيير والعاملة لأجل بلوغه أن تتجاوز مرحلة رد الفعل التي هي عليها الآن وتنتقل لمرحلة الفعل الواعي والهادئ والمتواصل الذي يؤسس لممارسة سياسية بديلة للممارسات المتكلسة التي أفلست في نظر الإنسان العربي البسيط المطحون تحت وطأة الواقع وتسارع الأحداث التي لا يدرك كيفية التعامل معها بفاعلية.
الحركات الاجتماعية نشأت في الوطن العربي كردات فعل عفوية عن الظلم والاضطهاد الممارس على الإنسان العربي سواء من طرف الأنظمة السياسية أو من طرف القوى الأجنبية وبالتالي فهي تتسم بالمرحلية والمناسباتية وهذا ما يجعلها عاجزة تماما ( في الوقت الراهن ) عن التأسيس لطروحات بديلة تكون لها إمكانية التطبيق وإمكانية طرح البديل المقنع سواء بالنسبة للنظام السياسي أو بالنسبة لجموع المواطنين الذي يؤيدون هذه الحركات دون أن تكون لهم ثقة كاملة في قدرتها على إحداث التغيير المطلوب والذي يعد مطلبا أساسيا لكل الفئات الاجتماعية المتضررة من الوضع الراهن.
ما يعاب على هذه التنظيمات أيضا هو عدم قدرتها على التأسيس ليوتوبياها الخاصة التي تحدد الهدف بدقة وترسم طريق الوصول إليه، إنها تكتفي في الغالب بالشعارات وبالرفض الذي هو ميزة الشارع العربي في هذه المرحلة المتشضية من تاريخنا الاجتماعي والسياسي. وهذا العجز عن تسويق يوتوبيا تعبوية تحضا بالحد الأدنى من القبول الجماهيري ومن الإمكانية الواقعية للتطبيق ناتج عن الفسيفساء الإيديولوجية التي تندرج ضمن هذه الحركات دون أن تنصهر فيها لتشكل لرؤية تتسم بالانسجام الإيديولوجي رغم تعدد المشارب الفكرية التي تنهل منها هذه الحركات، وهذه الحالة التي تعانيها هذه الحركات تفقدها الانسجام المطلوب لأي حركة شعبية ذات أهداف محددة وذات رؤية فكرية متسقة .
كما أن هذه الحركات الاحتجاجية الراغبة في منازعة السلطة السياسية بعضا من هيمنتها على المجال السياسي تفتقد للوسائل المادية التي تمكنها من تحقيق أهدافها، والرفض حين يفقد وسائله المادية التي تمكنه من التحول لفعل تغييري يكون مجرد وهم ورغبة لا تلتقي بمعادلها المادي في المجتمع ، وهذا للأسف حال الحركات الاحتجاجية في العالم العربي رغم كون دائرتها في اتساع ورغم الرغبة التي تبديها في مناوئة السلطة، والقدرة التي تكشف عنها باستمرار في تعبئة الجماهير، إلا أنها تظل في مرحلة جنينية قد تبشر بتغيير قادم دون أن ترسم ملامحه بدقة.