الخميس، مارس 26، 2009

حوار حول العلمانية

بتاريخ 12:37 ص بواسطة عمار بن طوبال


كانت الفكرة الرائعة للأخ عبد الله علي صاحب مدونة هكذا علمتني الحياة بعمل كرسي اعتراف يجلس عليه المدونون ليقولوا رأيهم في شتى الأمور، ويجيبوا على أسئلة المدونين الآخرين الشخصية أو الفكرية، كانت فكرة كرسي الاعتراف فرصة بالنسبة لي لأوضح رأيي حول الكثير من الأفكار التي ربما لم تكن واضحة أو لم تكن معلنة، وفي هذا الحوار مع الأخ عبد الله علي حول العلمانية بعض مما أراه يستحق التوضيح حول هذا المفهوم والفكرة المحاطة بكثير من سوء الفهم في عالمنا العربي الإسلامي.
وهذا نص الحوار كما هو مع إعادة تنسيقه وتصحيح الأخطاء الإملائية الواردة في الردود لأنها كتعليقات مكتوبة على عجل ودون مراجعة
عبد الله علي : العلمانية فكر قد يكون حديث وقد يكون قديم ما هو مفهومك للعلمانية وبشكل صريح؟
كريم الجزائري: العلمانية كفكرة قديمة وهي ملازمة أساسا للأديان السماوية والوضعية أيضا لكن تحولها إلى نظام سياسي واجتماعي حديث نسبيا وهو مرتبط بالنهضة الأوروبية وتحديدا مع عصر الأنوار أو قبله بقليل مع حركة التجديد الديني التي قادها مارثن لوثر وكالفين وغيرهم في أوروبا.
في تعريفها الشائع تعني فصل الدين عن الدولة، مفهوم العلمانية في العالم العربي محمل بالكثير من المغالطات وقد أشرت أنت لبعضها في أسئلتك التي سأجيب عليها.العلمانية كما افهمها هي جعل الدين والتدين علاقة فردية بين الإنسان والله وفتح المجال أمام الاجتهادات البشرية لتنظيم حياتنا السياسية والاجتماعية في الأمور غير الدينية، وفقا للحظة التاريخية التي نعيشها، وكما يقول الفقهاء بان النص ثابت والوقائع متعددة فتعددية الوقائع تعطي مشروعية لإتباع نظم وضعية تكون نتيجة جهد بشري .هذا هو فهمي للعلمانية
عبد الله علي: هل العلمانية وجدت قبل الإسلام أو بعد الإسلام وهل لها وجود في عهد النبي محمد صلى الله عيه واله وسلم أم بعده؟
كريم الجزائري: كما قلت لك العلمانية كفكرة قديمة وكنظام هي حديثة نسبيا، الإسلام في جوهره لا يتعارض مع العلمانية وسأعطيك أمثلة من عصر النبي وعصر الخلفاء الراشدين على اعتبار أن تلك الفترة التي رافقت وتلت نزول الوحي تعد مرجعا لنا كمسلمين. العلمانية كنظام في أوروبا قامت على مقولة أساسية للسيد المسيح مفادها: أعطوا ما لقيصر لقصير وما لله لله. ونفس معنى هذا الكلام ورد على لسان الرسول الكريم في حادثة تأبير النخل التي كان عليه الصلاة والسلام لا يتقنها فقال لأصحابه:انتم أدرى بشؤون دنياكم وهي مقولة تحدد مجال الوحي ومجال الاجتهاد البشري.
وبما أن الصحابة الكرام كانوا أدرى بمقاصد الإسلام والوحي نتيجة القرابة الزمنية التي تربطهم بالوحي والبني الكريم فقد اتبعوا هذا المبدأ العلماني مباشرة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال اجتهادهم في وضع نظام سياسي يتلاءم والظروف التاريخية التي تعيشها الأمة والدولة الإسلامية الفتية، هذا النظام تمثل في نظام الخلافة الذي هو اجتهاد بشري محض ولا علاقة للوحي به بتاتا وكان بإمكان الصحابة اختيار نظام آخر لو رأوا أن الخلافة كنظام حكم لا تتلاءم وظروفهم .
عبد الله علي: هل كل إنسان متحرر يعتبر علماني؟
كريم الجزائري: هذا خلط كبير يقع حول مفهوم العلمانية التي ترتبط في ذهن الإنسان العربي بالتحرر والتفسخ والانحلال وهذا فهم خاطئ لأن العلماني قد يكون متدينا كما قد يكون غير ذلك وقد يكون متفسخا أو متنسكا، فالعلمانية شيء بعيد كل البعد عن التحرر الأخلاقي لأنها كما تفضلت بالقول تحيل على النظم الاجتماعية ومكانة التدين في التنظيم المتبع من قبل الجماعة
عبد الله علي: هل يوجد أناس عقلانيين ومتحررين وليسو علمانيين بنظرك؟
كريم الجزائري: بكل تأكيد هناك أناس عقلانيين وأصوليين في نفس الوقت، الأصولية هنا ليس بالمعنى التقديحي الذي قد يفهمه البعض إنما بمعنى العودة إلى الأصول، هناك عقلانيون وهناك متحررون غير علمانيون لان العلمانية اعتقاد والتزام فردي في حين التحرر رغم مرجعيته الاعتقادية إلا انه يتجلى في السلوك
عبد الله علي: في موقف رأيته منك بالدفاع عن طائفة أمام شخص هنا بمكتوب وهو الكاتب “ابوعويصه” هل لهذه الطائفة أي تأثير على شخصك؟

كريم الجزائري: بالنسبة لبعض النقاشات التي دارت بيني وبين الأخ أبو عويصة حول الشيعة، لاحظت أن البعض قد اختلط عليه الأمر قليلا لأني كنت أدافع عن الشيعة وأنا سني، سبب الدفاع عن الشيعة واضح من خلال التهجم الكبير الذي شنه ويشنه الأخ ابوعويصة على هذه الطائفة من المسلمين. هناك محاولة وليست عند أبي عويصة فقط إنما لدى كثير من أهل السنة، محاولة لتجريم الشيعة كاستمرارية للصراعات الدامية التي شهدها التاريخ الإسلامي بين السنة والشيعة ومحاولة أيضا لعزل حزب الله اللبناني لأنه حزب شيعي ومحاولة لتسفيه ما تقوم به حركة حماس الفلسطينية لأنها مدعمة من إيران الشيعية، بهذه الخلفية السياسية كان دفاعي عن الشيعة لأني أرى في الحاضر أنهم يمثلون جبهة المقاومة سواء في العالم العربي مع حزب الله وحماس أو في العالم الإسلامي من خلال سعي إيران للانفلات من الشروط المجحفة التي تضعها أمريكا ومن خلفها المجتمع الدولي في وجه أية دولة لا تنتمي ثقافيا للحضارة الغربية، هذه الشروط التي تكرس حالة تخلف الأمة الإسلامية بأكملها.لا أخفيك أني منبهر بالتجربة السياسية الشيعية سواء في إيران ما بعد الثورة الإسلامية أو عبر تنظيمات المقاومة المدعومة من إيران وهي حماس وحزب الله، أما التأثير المذهبي فلا أراه عاملا مهما في ظل الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها الأمة الإسلامية بطائفتيها السنية والشيعية. وبالعودة لسؤالك الأول حول العلمانية أرى أننا في المجتمعات العربية أحوج ما نكون لفهم علماني لواقعنا وتاريخينا حتى نتمكن من تخليص التاريخ من شحنته التناحرية التي تجعل البعض يرى في إيران وحزب الله خطرا على الأمة العربية يفوق خطر إسرائيل والمخططات الأمريكية.

ردود على "حوار حول العلمانية"

أترك تعليقا

conter