قضية الصحراء الغربية، وموقع وموقف كل من الجزائر والمغرب منها موضوع يستحق المناقشة بعيدا عن رؤى السياسيين، لأنه رهن الاتحاد المغاربي وقضى على فكرة وجدة التي تبلورت قبل استقلال الجزائر والمغرب وتونس والتي كانت تهدف لإنشاء كيان موحد بعد نيل الاستقلال أنا كجزائري من جيل لا يؤمن كثيرا بشعارات الثورة ونصرة القضايا العادلة وكعبة الثوار التي رفعها النظام الجزائري عقب الاستقلال واثبت الواقع إفلاسها لاحقا أرى أن الجزائر تخسر كثيرا من خلال إصرارها على دعم البوليزاريو في صراعها من اجل الاستقلال عن المغرب. تخسر صداقة وجوار طبيعي مع بلد جار وشقيق وتخسر تكامل اقتصادي يمكن أن يجعل من منطقة المغرب العربي قوة اقتصادية كبرى في حالة تكوين تكتل على شاكلة الاتحاد الأوروبي، نظرا لما تزخر به المنطقة من ثروات بشرية وطبيعية .للجزائر حسابات اقتصادية وأيضا سياسوية تدفعها لدعم استقلال الصحراء الغربية وللمغرب حسابات أخرى تصب في نفس السياق الاقتصادي والسياسي وهذا ما يجعله يتمسك بمغربية الصحراء الغربية ، رغم أن القانون الدولي يؤكد على ضرورة احترام الحدود المتوارثة عن الاستعمار وهذا ما لم يحترمه المغرب. عقب استقلال المغرب والجزائر وموريتانيا تم اتفاق بينهم على اقتسام الصحراء الغربية في حالة خروج اسبانيا من هذا الإقليم، موريتانيا بسبب وضعها الاقتصادي والسياسي الهش تخلت عن نصيبها وكذا الجزائر بدل ضم المناطق المحاذية لها دعمت الانفصاليين. وبقي المغرب مصرا على أن الصحراء بكاملها ملكية مغربية ، وليس الصحراء فحسب إنما مناطق أخرى من الجزائر وهذا النزعة التوسعية القديمة والتي لم تعد تتلاءم مع مقتضيات العصر تسببت في الكثير من المشاكل سواء للمغرب أو لدول الجوار. وبعيدا عن حساسية الموضوع بالنسبة للجزائريين والمغاربة الذين صاروا لا يستطيعون التأقلم والتعامل مع بعض بما يقتضيه الجوار والعروبة والإسلام بسبب هذه القضية أرى أن من حق كل شعب أن يختار مصيره بنفسه، الصحراوين مصرون على الاستقلال والتاريخ لا يثبت أن الصحراء الغربية كانت تابعة للمغرب فحين استقل المغرب لم يطالب اسبانيا بالرحيل عن الصحراء الغربية لأنه لم يعتبرها أراض مغربية وقتها ، حتى مدينتي سبتة ومليلة لازالتا تحت الحكم الاسباني وهما مغربيتان تاريخا وجغرافيا. إن القضية أخذت وقتا طويلا ولابد لها من حل و الحل الديمقراطي هو الحل الوحيد الممكن في ظل الظروف والتوازنات السياسية الحاصلة في المنطقة، وفي ظل المطالب والشرعية الدولية أيضا ، وهذا الحل الديمقراطي يستلزم إعطاء الكلمة للمعنيين بالأمر ، فالصحراويون هم من يقررون إن كانوا يرغبون في الانضمام للمغرب أم يفضلون الاستقلال والرأي العام الصحراوي في غالبيته يفضل الاستقلال وهذا حقه المشروع .ومن المؤكد أن حل هذه القضية بشكل ديمقراطي سليم يفتح آفاقا أرحب للتعاون الاقتصادي بين دول المغرب العربي الكبير ويفتح صفحة جديدة بين الجزائر والمغرب، الجارتان اللدودتان.
الثلاثاء، مارس 31، 2009
السبت، مارس 28، 2009
كيف نتعامل مع تراثنا؟!!!
بداية علينا التأكيد على نقطة مهمة وهي انه لا تقديس للتراث بما انه نتاج مجهود بشري لأن التقديس يتعلق بالقرآن وما صح من الأحاديث النبوية فقط، أما طريقة فهم الوحي والسنة وما أنتج حولها من خطابات فقهية فهي محاولات بشرية يعتريها كل ما يعتري أي مجهود بشري من علات وتظل محتملة للخطأ ونسبية في صحتها.أما كيف نتعامل مع التراث بالرفض أم بالقبول أم بالتمحيص هنا أعود لفكرة رائعة أوردها محمد عابد الجابري في كتابه " نحن والتراث " حيث يقوم التعامل مع التراث على أساسين هما الوصل والفصل.الوصل هو أن نقرأ تراثنا قراءة تاريخية أي نحاول فهم الظروف التي واجدته بذاك الشكل من خلال دراسة الظروف السوسيو تاريخية السائدة في فترة إنتاج الخطاب الذي صار بالنسبة لنا تراثا، في حين أن الفصل يتمثل في القراءة التاريخانية ،أي تناول هذا التراث انطلاقا من واقعنا نحن مع اخذ بعين الاعتبار كل التغيرات التي لحقت به خلال رحلته التاريخية منذ لحظة إنتاجه إلى لحظتنا الراهنة.ومن خلال القراءتين اللتين اقترحهما الجابري وهو هنا يعتمد على المنهج الاركيولوجي أو حفريات المعرفة، نستطيع وضع التراث في داخل إطار واضح ومحدد المعالم على أساسه نستطيع التعامل معه دون انبهار ودون تبخيس لجهود السابقين، أي أننا نكون قادرين على النظر إليه نظرة علمية وعقلانية بعيدا عن النظرات الشوفينية التي يتقنها المتطرفون من الطرفين، طرف الرفض التام وطرف القبول التام.فالرفض والقبول بما وصلنا من تراث عربي أو إنساني بصفة عامة ليست هي القضية التي يجب أن تشغلنا لأنها أمر ثانوي تم تحويله إلى مركز اهتمام حوّل التراث إلى سلاح، وشحنه بجرعة تناحرية بين جموع المتعاطين معه بالرفض والقبول.إنما شغلنا الأساسي هو ضرورة التركيز على فهم عميق للتراث باعتباره جهد إنساني وباعتبار الظروف المنتجة له، وهذا عمل لم ينجز بعد رغم كثرة المشتغلين بحقل الدارسات الإسلامية، ما عدا اسنتثناءات نادرة ولكنها لامعة على غرارالمجهود المهم الذي قام به محمد اركون من خلال منهجيته الموسومة بالإسلاميات التطبيقية، حيث عمل على تناول الخطابات الإسلامية ما بعد المدرسية وخصوصا لدى مسكويه وابو حيان التوحيدي موظفا المناهج الحديثة في مساءلة التراث وفك السياج الدوغماتي المغلق الذي يحيطها بهالة كبيرة من التقديس. ربما نحن الآن بحاجة للعودة إلى محمد اركون أكثر من أي وقت مضى بغية استلهام منهجيته في الدراسات الإسلامية التي لا يزال يشتغل عليها بصبر كبير، لما لها من فائدة جمة في مساءلة التراث وفهمه الفهم الأصح ، وهذا الفهم كما يؤكد الجابري مرة أخرى، هو ما يحدث طريقة تعاملنا معه بعيدا عن أي تقديس أو تسفيه
أرسلت في 11:28 م
نساء ورجال..عواطف ورغبات؟!!!
هل حقيقة أن المرأة تحب بعواطفها والرجل يحب برغباته؟!!!
إن طرح للعلاقة بهذا الشكل فيه نوع من المثالية، فالمرأة أيضا تحب برغبتها وبجموح رغبوي أيضا، ولكن رغبة المرأة غير معلنة في حين الرجل لا يجد حرجا في إعلان رغبته.لان العاطفة موجودة لدى كلا الطرفين والرغبة أيضا موجودة عند كليهما.هنا أتذكر مقولة لستاندال الروائي الفرنسي يقول: في الحب رجل مهاجم والمرأة مدافعة. والحب أو ممارسة الحب بالمفهوم الغربي والفرنسي تحديدا تعني ممارسة الجنس أكثر مما تعني معايشة خفقات القلوب.
لأوضح الصورة أكثر من خلال الرجوع لكتاب رائع لعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنبسي بعنوان: الجنس كهندسة اجتماعية، خلاصة ما قدمته المرنيسي من طرح يرتكز على نقطتين هما الفعالية والتفعالية بين طرفي العلاقة الجنسية وهي بالعودة إلى أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين تنقد وتنقض النظرية الغربية في التحليل النفسي عند فرويد والتي هي مجرد صدى لرؤية مهمينة على الثقافة الغربية تنظر للمرأة على أساس أنها منفعلة ومستقبلة للفعل الجنسي أكثر مما هي فاعلة في هذه العلاقة الثنائية، وأنا بصراحة لا ادري مصدر هذه الرؤية في الثقافة العربية الحديثة التي ترى وبحسب ما ورد في السؤال أعلاه بان المرأة تحب بعاطفتها والرجل يحب برغبته، حيث أن في الثقافة الإسلامية وبالعودة للنص الديني نجد كثرة التحذير من فتنة النساء وهي فتنة جنسية أساسا. فتنة النساء كدال لو نقوم بتجريدها وتقديمها كمفهوم إجرائي يمكن تعريفها على أنها رغبة وقدرة المرأة على المبادرة بالفعل الجنسي وجر الرجل ( المفتون ) للانخراط معها في هذه العلاقة.
إن طرح للعلاقة بهذا الشكل فيه نوع من المثالية، فالمرأة أيضا تحب برغبتها وبجموح رغبوي أيضا، ولكن رغبة المرأة غير معلنة في حين الرجل لا يجد حرجا في إعلان رغبته.لان العاطفة موجودة لدى كلا الطرفين والرغبة أيضا موجودة عند كليهما.هنا أتذكر مقولة لستاندال الروائي الفرنسي يقول: في الحب رجل مهاجم والمرأة مدافعة. والحب أو ممارسة الحب بالمفهوم الغربي والفرنسي تحديدا تعني ممارسة الجنس أكثر مما تعني معايشة خفقات القلوب.
لأوضح الصورة أكثر من خلال الرجوع لكتاب رائع لعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنبسي بعنوان: الجنس كهندسة اجتماعية، خلاصة ما قدمته المرنيسي من طرح يرتكز على نقطتين هما الفعالية والتفعالية بين طرفي العلاقة الجنسية وهي بالعودة إلى أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين تنقد وتنقض النظرية الغربية في التحليل النفسي عند فرويد والتي هي مجرد صدى لرؤية مهمينة على الثقافة الغربية تنظر للمرأة على أساس أنها منفعلة ومستقبلة للفعل الجنسي أكثر مما هي فاعلة في هذه العلاقة الثنائية، وأنا بصراحة لا ادري مصدر هذه الرؤية في الثقافة العربية الحديثة التي ترى وبحسب ما ورد في السؤال أعلاه بان المرأة تحب بعاطفتها والرجل يحب برغبته، حيث أن في الثقافة الإسلامية وبالعودة للنص الديني نجد كثرة التحذير من فتنة النساء وهي فتنة جنسية أساسا. فتنة النساء كدال لو نقوم بتجريدها وتقديمها كمفهوم إجرائي يمكن تعريفها على أنها رغبة وقدرة المرأة على المبادرة بالفعل الجنسي وجر الرجل ( المفتون ) للانخراط معها في هذه العلاقة.
بهكذا تعريف يمكن قلب صيغة السؤال وجعله بالشكل التالي:
ما الذي يجعل الرجل يصرح برغبته الجنسية في حالات الحب في حين أن المرأة تلمح بها فقط ( يتمنعن وهن الراغبات: كما ورد في الحديث )؟!!! هنا نأتي للإجابات الجاهزة التي نحصل عليها من محيطنا الاجتماعي ومن بعض مطالعاتنا السطحية وهي أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل. وهذه الإجابات تحمل بعضا من للصحة ولكن ليس الطبيعة البيولوجية ولا الطبيعة النفسية التي يكثر الحديث عنها عند محاولة تقديم إجابة على السؤال السابق هي التي تجعل العلاقة تتم بهذا الشكل، إنما الطبيعة الاجتماعية والمتعلقة أساسا بنظرة الرجل والمجتمع للمرأة التي تبادر بطلب علاقة جنسية وهي نظرة غير محترمة أساسا، وهذا ما يجعل المرأة تبرز رغباتها بشكل عاطفي يبدو بريئا لذوي النوايا الحسنة في حين انه يحمل رغبة غير مصرح بها والدليل هو سرعة انخراط المرأة في الممارسة بمجرد أن يباشر الرجل بها.
أما عن الحب كعاطفة فأرى أن الرجل والمرأة يحسانه بنفس الدرجة، ربما المرأة تكون اقدر على التعبير العاطفي من الرجل ولكن في العمق وفي جوهره الحب هو نفسه أكثر عمقا وتملكا لذات المحب سواء كان رجلا أو امرأة.
أما عن الحب كعاطفة فأرى أن الرجل والمرأة يحسانه بنفس الدرجة، ربما المرأة تكون اقدر على التعبير العاطفي من الرجل ولكن في العمق وفي جوهره الحب هو نفسه أكثر عمقا وتملكا لذات المحب سواء كان رجلا أو امرأة.
فقط طرائق التعبير تختلف تبعا للاختلاف الموجود بين الرجل والمرأة في عدة نواحي.
أرسلت في 7:06 م
عن الشابي في مئويته
وكأنه كان يدرك أن العمر لن يمهله وقتا كافيا ليقول كلمته ويمضي لهذا تسارعت نبضات الإبداع لديه، في عمر باكر أينعت وريقات الشجن بداخله فاستدعى المحبرة، كما يستدعي الحياة عبر الكلمات. كان الشابي استثناءا فريدا في المتن الشعري العربي
استثناء عبر تلك الغنائية الحزينة والمتشائمة التي نستشفها عبر كلماته، واستثناء بالنسبة لعمر الإبداع العربي الذي يحيل على الكهولة لدى غالبية المبدعين العرب
لكن الشابي في وهج الشباب قال وكتب وأبدع ورحل وترك بصمة لا تمحي وأثرا لا يزول، حين نستعديه في ذكراه كما نفعل مع بعض الذين رحلوا، نتذكر في لحظة انه لم يرحل، انه ساكن في عمق الشعرية العربية الحديثة كعلم بارز وكمثال يحتدا وكصوت يهمس بداخلنا يحرضنا على عشق الحياة واقتراف الإبداع، وتجريب المغامرة والسفر نحو الأراضي القصية في جسد القصيدة العربية المثخن بانكسارات الماضي والحاضر والمثقل بوهج الحضور البهي الذي لا ينتهي، لأن الشعر شيء من الحياة، والحياة شيء من النفس الذي لم يزل شاهقا فينا يدعونا لاقتراف مزيد من الشعر ومزيد من الإبداع في الحياة ولأجل الحياة، كما ظل يفعل الشابي إلى آخر نفس وهو يغني الحياة، والحرية المرتجاة:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
استثناء عبر تلك الغنائية الحزينة والمتشائمة التي نستشفها عبر كلماته، واستثناء بالنسبة لعمر الإبداع العربي الذي يحيل على الكهولة لدى غالبية المبدعين العرب
لكن الشابي في وهج الشباب قال وكتب وأبدع ورحل وترك بصمة لا تمحي وأثرا لا يزول، حين نستعديه في ذكراه كما نفعل مع بعض الذين رحلوا، نتذكر في لحظة انه لم يرحل، انه ساكن في عمق الشعرية العربية الحديثة كعلم بارز وكمثال يحتدا وكصوت يهمس بداخلنا يحرضنا على عشق الحياة واقتراف الإبداع، وتجريب المغامرة والسفر نحو الأراضي القصية في جسد القصيدة العربية المثخن بانكسارات الماضي والحاضر والمثقل بوهج الحضور البهي الذي لا ينتهي، لأن الشعر شيء من الحياة، والحياة شيء من النفس الذي لم يزل شاهقا فينا يدعونا لاقتراف مزيد من الشعر ومزيد من الإبداع في الحياة ولأجل الحياة، كما ظل يفعل الشابي إلى آخر نفس وهو يغني الحياة، والحرية المرتجاة:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
أرسلت في 6:29 م
ناقصة عقل ودين ؟!!!
الرجال يرون المرأة ناقصة عقل ودين، دون أن يدركوا على وجه التدقيق ما قصده الرسول الكريم من قوله بان النساء ناقصات عقل ودين. هذا الحديث النبوي أصبع يوظف كأداة إعاقة في طريق المرأة المسلمة، وكتهمة جاهزة تشهر في وجها كلما تطلعت ابعد من انفها، وتوظيفه بهذا الشكل مسؤول بنسبة معتبرة عن الوضع الغير فعال الذي تعيش في ظله المرأة العربية.
لقد حمل الحديث النبوي من طرف التيارات المحافظاتية التي تسعى لتقميط المرأة وحجبها عن لعب أي دور اجتماعي وسياسي معين و معلن، حمل الحديث بشحنات إيديولوجية مرتبطة بالتحقير، تحقير المرأة وتسفيه ما قامت وما يمكن أن تقوم به، في حين أن هناك تفسير إجرائي بسيط ومهم أيضا لهذا الحديث النبوي الخطير. حيث أن النقص ليس أصلا في المرأة إنما هو عارض وزائل مثلا في حالة الحيض المرأة لا تصلي ولا تصوم، وفي حالة النفاس أيضا أي أن التركيبة الفيزيولوجية للمرأة تسقط عنها بعضا من التكليف لفترات معينة تزول بزوال السبب، هذا فيما يخص النقص في الدين ،أما النقص في العقل فهو أيضا مرتبط بتركيبة المرأة النفسية التي تغلب العاطفة، في حين الرجل يغلب العقل، وعلى هذا الأساس يمكن القول أيضا أن الرجل ناقص عاطفة بما انه يغلب عقله مع أن لا احد يقول بهذا.
وبعيدا عن الدراسات العلمية التي تؤكد أن ذكاء المرأة يفوق ذكاء الرجل والتي تؤيد هذا الفهم الإجرائي والعقلاني للحديث النبوي الموظف بخلفيات إيديولوجية، يمكن التنبيه أيضا إلا أن التوسع في توظيف هذا الحديث بهذا الشكل الذي يحجر على المرأة قد ازداد مع عصور الانحطاط وما تلاها من مراحل تخلف للمسلمين.
وهنا نصل إلى نقطة مهمة مرتبطة بتاريخانية الفهم الإسلامي، ففقه التضييق على المرأة من طرف النظام الأبوي العربي يقدم نفسه سواء كان مدركا لذلك أو غير مدرك، كآلية من آليات الدفاع عن الهوية الهشة والذات المهددة.
وبما أن المرأة هي حاملة قيمة الشرف بمعناه المادي ( الشرف بالنسبة للرجل هو قيمة معنوية مرتبطة بالنبل والشهامة ومكارم الأخلاق في حين بالنسبة للمرأة يتم اختصاره وتحديده في محدد مادي قد يضيق إلى درجة يصير فيها مساويا لعذرية المرأة لا غير) كما قلت بما أن المرأة تعتبر حاملة لقيمة الشرف بمعناها المادي وهي ليست حاملة لشرفها وحدها إنما لشرف أسرتها وعشيرتها جميعا فإنه وانطلاقا من الخوف على الشرف الذي يتمظهر كمحدد من محددات الهوية الجمعية للأمة المسلمة، انطلاقا من هذا الخوف ينتج فقه التضييق على المرأة آليات دفاع جمعي عن الهوية، هذه الآليات تحمل المرأة وزرا لم ترتكبه لمجرد أنها يمكن أن ترتكبه.
هذه الآليات الدفاعية التي ينتجها فقه التضييق على المرأة تلعب دورا مهما بالنسبة للنظام الأبوي المهمين على الواقع الاجتماعي العربي والإسلامي، مع ضرورة الإشارة إلى أن النظام الأبوي كايدولوجيا يتجاوز الرجل كفرد، ويساهم كل من الرجل والمرأة في تكريسه وتجديد آليات عمله، بخضوع لا واعي في غالب الأحيان.
الدور الأول الذي يعلبه خطاب تهميش المرأة والتضييق عليها هو إعطاء مشروعية للوضع القائم الذي هو وضع تاريخاني بله كونه وضع معتل وغير سوي نتيجة إعطاء مشروعية لثقافة التهميش.
الدور الثاني هو تبرير الفشل والإخفاقات الاجتماعية والسياسية لهذا النظام الأبوي ( الأب ليس بالمعنى البيولوجي إنما بالمعنى الإيديولوجي الذي يحيل على الزعيم والرئيس وشيخ القبيلة وصولا في نهاية المطاف إلى رب الأسرة الذي يحتل ذيل القائمة في تراتبية الأبوية كنظام اجتماعي له تمظهراته السياسية). الفشل يحيلنا على جزء من إشكالية أخرى وتساؤلها الرئيسي يمكن صياغته بالشكل التالي : هل قام الرجل بدوره في ظل غياب دور فعال للمرأة ؟
بداية أريد التأكيد على فكرة رئيسية مرتبطة بالوضع الراهن وهو أن الفشل في مواطن الفشل هو فشل اجتماعي/ جماعي ساهم فيه الرجل والمرأة، وللرجل دور ونصيب أوفر من الفشل نظير المجال الأوسع الذي يحتله.
ولكن في النهاية الرجل والمرأة كلاهما ضحية، وهما في ظل الدولة الحديثة ضحية المؤسسة ( المدرسة، المؤسسة الصناعية، الإدارة، وصولا إلى المؤسسة السياسية العليا المحتكرة للتفكير والقرار والعنف الشرعي).
فالدولة كمؤسسة مهمينة تمتلك وسائل جبارة لإخضاع المجتمع وتوجيهه تتحمل المسؤولية الكبرى في الفشل وفي القمع الذي يجعل الأفراد ( رجال ونساء ) غير فعالين في المجتمع، لان من مهام الدولة هي توفير المناخ المناسب للإفراد ( المواطنين ) لكي يقوموا بدورهم في ظل تساوي الفرص وفي ظل توفر مناخات مناسبة توفرها القوانين الناظمة لمختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا الدور الذي يفترض أن تقوم به الدولة كمؤسسة تتجاوز الأفراد وتحتويهم في نفس الوقت، هو دور معتل ويسير وفق حسابات لا عقلانية في غالب الأحيان.
أرسلت في 5:43 م
المساواة بين الجنسين
المساواة بين الرجل والمرأة كفكرة، تعتبر فكرة خاطئة بالأساس، لأنها ضد الفطرة الإنسانية وتلغي الاختلاف الذي يولد التكامل.
سأمثل الأمر رياضيا حتى تتضح الصورة أكثر
لنفترض أن المرأة هي y والرجل هو x، وبما أن x=x أي يساوي نفسه، والدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة تدعو لان يكون y=x، فإننا حين نقوم بعملية تبديلية لا نحس بعدم الانسجام أي أن المرأة المساوية للرجل يمكن الاستعاضة عنها برجل آخر وهذه الفكرة خطيرة في ذاتها لأنها حينما تتكرس في الذهنيات وتتحول إلى رمز على مستوى اللغة المتداولة تصير العملية التبديلية ممكنة وحين ننتقل بهذه العملية التبديلية من مستوى الرمز إلى الواقع الاجتماعي والعلاقات الإنسانية الحميمية تحديدا فإننا نصل إلى نتيجة خطيرة وهي العلاقات المثلية، وما تقنين العلاقات المثلية بالغرب المؤمن بالمساواة سوى ترجمة لهذه الفكرة التي تنادي بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة.
سأمثل الأمر رياضيا حتى تتضح الصورة أكثر
لنفترض أن المرأة هي y والرجل هو x، وبما أن x=x أي يساوي نفسه، والدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة تدعو لان يكون y=x، فإننا حين نقوم بعملية تبديلية لا نحس بعدم الانسجام أي أن المرأة المساوية للرجل يمكن الاستعاضة عنها برجل آخر وهذه الفكرة خطيرة في ذاتها لأنها حينما تتكرس في الذهنيات وتتحول إلى رمز على مستوى اللغة المتداولة تصير العملية التبديلية ممكنة وحين ننتقل بهذه العملية التبديلية من مستوى الرمز إلى الواقع الاجتماعي والعلاقات الإنسانية الحميمية تحديدا فإننا نصل إلى نتيجة خطيرة وهي العلاقات المثلية، وما تقنين العلاقات المثلية بالغرب المؤمن بالمساواة سوى ترجمة لهذه الفكرة التي تنادي بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة.
إذن ما هو الحل؟؟؟
أقول كما يقول مالك بن نبي بان الرجل ليس أفضل من المرأة والمرأة ليست أفضل ولا ادني من الرجل إنما المرأة مختلفة عن الرجل وهذا الاختلاف بين الجنسين هو أساس التكامل وهو أساس العلاقات الاحتياجية التي تنشا بين الجنسين.
بما أن كل طرف يحس بنقص يكمله الطرف الآخر وهذا التكامل لن يكون إلا في ظل الاختلاف.
ومن هنا لا داعي للحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة لأنها وكما يعلمنا التاريخ لن تكون إلا محض هرطقات.
أرسلت في 1:26 ص
الخميس، مارس 26، 2009
حوار حول العلمانية
كانت الفكرة الرائعة للأخ عبد الله علي صاحب مدونة هكذا علمتني الحياة بعمل كرسي اعتراف يجلس عليه المدونون ليقولوا رأيهم في شتى الأمور، ويجيبوا على أسئلة المدونين الآخرين الشخصية أو الفكرية، كانت فكرة كرسي الاعتراف فرصة بالنسبة لي لأوضح رأيي حول الكثير من الأفكار التي ربما لم تكن واضحة أو لم تكن معلنة، وفي هذا الحوار مع الأخ عبد الله علي حول العلمانية بعض مما أراه يستحق التوضيح حول هذا المفهوم والفكرة المحاطة بكثير من سوء الفهم في عالمنا العربي الإسلامي.
وهذا نص الحوار كما هو مع إعادة تنسيقه وتصحيح الأخطاء الإملائية الواردة في الردود لأنها كتعليقات مكتوبة على عجل ودون مراجعة
عبد الله علي : العلمانية فكر قد يكون حديث وقد يكون قديم ما هو مفهومك للعلمانية وبشكل صريح؟
كريم الجزائري: العلمانية كفكرة قديمة وهي ملازمة أساسا للأديان السماوية والوضعية أيضا لكن تحولها إلى نظام سياسي واجتماعي حديث نسبيا وهو مرتبط بالنهضة الأوروبية وتحديدا مع عصر الأنوار أو قبله بقليل مع حركة التجديد الديني التي قادها مارثن لوثر وكالفين وغيرهم في أوروبا.
في تعريفها الشائع تعني فصل الدين عن الدولة، مفهوم العلمانية في العالم العربي محمل بالكثير من المغالطات وقد أشرت أنت لبعضها في أسئلتك التي سأجيب عليها.العلمانية كما افهمها هي جعل الدين والتدين علاقة فردية بين الإنسان والله وفتح المجال أمام الاجتهادات البشرية لتنظيم حياتنا السياسية والاجتماعية في الأمور غير الدينية، وفقا للحظة التاريخية التي نعيشها، وكما يقول الفقهاء بان النص ثابت والوقائع متعددة فتعددية الوقائع تعطي مشروعية لإتباع نظم وضعية تكون نتيجة جهد بشري .هذا هو فهمي للعلمانية
عبد الله علي: هل العلمانية وجدت قبل الإسلام أو بعد الإسلام وهل لها وجود في عهد النبي محمد صلى الله عيه واله وسلم أم بعده؟
كريم الجزائري: كما قلت لك العلمانية كفكرة قديمة وكنظام هي حديثة نسبيا، الإسلام في جوهره لا يتعارض مع العلمانية وسأعطيك أمثلة من عصر النبي وعصر الخلفاء الراشدين على اعتبار أن تلك الفترة التي رافقت وتلت نزول الوحي تعد مرجعا لنا كمسلمين. العلمانية كنظام في أوروبا قامت على مقولة أساسية للسيد المسيح مفادها: أعطوا ما لقيصر لقصير وما لله لله. ونفس معنى هذا الكلام ورد على لسان الرسول الكريم في حادثة تأبير النخل التي كان عليه الصلاة والسلام لا يتقنها فقال لأصحابه:انتم أدرى بشؤون دنياكم وهي مقولة تحدد مجال الوحي ومجال الاجتهاد البشري.
وبما أن الصحابة الكرام كانوا أدرى بمقاصد الإسلام والوحي نتيجة القرابة الزمنية التي تربطهم بالوحي والبني الكريم فقد اتبعوا هذا المبدأ العلماني مباشرة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال اجتهادهم في وضع نظام سياسي يتلاءم والظروف التاريخية التي تعيشها الأمة والدولة الإسلامية الفتية، هذا النظام تمثل في نظام الخلافة الذي هو اجتهاد بشري محض ولا علاقة للوحي به بتاتا وكان بإمكان الصحابة اختيار نظام آخر لو رأوا أن الخلافة كنظام حكم لا تتلاءم وظروفهم .
عبد الله علي: هل كل إنسان متحرر يعتبر علماني؟
كريم الجزائري: هذا خلط كبير يقع حول مفهوم العلمانية التي ترتبط في ذهن الإنسان العربي بالتحرر والتفسخ والانحلال وهذا فهم خاطئ لأن العلماني قد يكون متدينا كما قد يكون غير ذلك وقد يكون متفسخا أو متنسكا، فالعلمانية شيء بعيد كل البعد عن التحرر الأخلاقي لأنها كما تفضلت بالقول تحيل على النظم الاجتماعية ومكانة التدين في التنظيم المتبع من قبل الجماعة
عبد الله علي: هل يوجد أناس عقلانيين ومتحررين وليسو علمانيين بنظرك؟
كريم الجزائري: بكل تأكيد هناك أناس عقلانيين وأصوليين في نفس الوقت، الأصولية هنا ليس بالمعنى التقديحي الذي قد يفهمه البعض إنما بمعنى العودة إلى الأصول، هناك عقلانيون وهناك متحررون غير علمانيون لان العلمانية اعتقاد والتزام فردي في حين التحرر رغم مرجعيته الاعتقادية إلا انه يتجلى في السلوك
عبد الله علي: في موقف رأيته منك بالدفاع عن طائفة أمام شخص هنا بمكتوب وهو الكاتب “ابوعويصه” هل لهذه الطائفة أي تأثير على شخصك؟
كريم الجزائري: بالنسبة لبعض النقاشات التي دارت بيني وبين الأخ أبو عويصة حول الشيعة، لاحظت أن البعض قد اختلط عليه الأمر قليلا لأني كنت أدافع عن الشيعة وأنا سني، سبب الدفاع عن الشيعة واضح من خلال التهجم الكبير الذي شنه ويشنه الأخ ابوعويصة على هذه الطائفة من المسلمين. هناك محاولة وليست عند أبي عويصة فقط إنما لدى كثير من أهل السنة، محاولة لتجريم الشيعة كاستمرارية للصراعات الدامية التي شهدها التاريخ الإسلامي بين السنة والشيعة ومحاولة أيضا لعزل حزب الله اللبناني لأنه حزب شيعي ومحاولة لتسفيه ما تقوم به حركة حماس الفلسطينية لأنها مدعمة من إيران الشيعية، بهذه الخلفية السياسية كان دفاعي عن الشيعة لأني أرى في الحاضر أنهم يمثلون جبهة المقاومة سواء في العالم العربي مع حزب الله وحماس أو في العالم الإسلامي من خلال سعي إيران للانفلات من الشروط المجحفة التي تضعها أمريكا ومن خلفها المجتمع الدولي في وجه أية دولة لا تنتمي ثقافيا للحضارة الغربية، هذه الشروط التي تكرس حالة تخلف الأمة الإسلامية بأكملها.لا أخفيك أني منبهر بالتجربة السياسية الشيعية سواء في إيران ما بعد الثورة الإسلامية أو عبر تنظيمات المقاومة المدعومة من إيران وهي حماس وحزب الله، أما التأثير المذهبي فلا أراه عاملا مهما في ظل الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها الأمة الإسلامية بطائفتيها السنية والشيعية. وبالعودة لسؤالك الأول حول العلمانية أرى أننا في المجتمعات العربية أحوج ما نكون لفهم علماني لواقعنا وتاريخينا حتى نتمكن من تخليص التاريخ من شحنته التناحرية التي تجعل البعض يرى في إيران وحزب الله خطرا على الأمة العربية يفوق خطر إسرائيل والمخططات الأمريكية.
وهذا نص الحوار كما هو مع إعادة تنسيقه وتصحيح الأخطاء الإملائية الواردة في الردود لأنها كتعليقات مكتوبة على عجل ودون مراجعة
عبد الله علي : العلمانية فكر قد يكون حديث وقد يكون قديم ما هو مفهومك للعلمانية وبشكل صريح؟
كريم الجزائري: العلمانية كفكرة قديمة وهي ملازمة أساسا للأديان السماوية والوضعية أيضا لكن تحولها إلى نظام سياسي واجتماعي حديث نسبيا وهو مرتبط بالنهضة الأوروبية وتحديدا مع عصر الأنوار أو قبله بقليل مع حركة التجديد الديني التي قادها مارثن لوثر وكالفين وغيرهم في أوروبا.
في تعريفها الشائع تعني فصل الدين عن الدولة، مفهوم العلمانية في العالم العربي محمل بالكثير من المغالطات وقد أشرت أنت لبعضها في أسئلتك التي سأجيب عليها.العلمانية كما افهمها هي جعل الدين والتدين علاقة فردية بين الإنسان والله وفتح المجال أمام الاجتهادات البشرية لتنظيم حياتنا السياسية والاجتماعية في الأمور غير الدينية، وفقا للحظة التاريخية التي نعيشها، وكما يقول الفقهاء بان النص ثابت والوقائع متعددة فتعددية الوقائع تعطي مشروعية لإتباع نظم وضعية تكون نتيجة جهد بشري .هذا هو فهمي للعلمانية
عبد الله علي: هل العلمانية وجدت قبل الإسلام أو بعد الإسلام وهل لها وجود في عهد النبي محمد صلى الله عيه واله وسلم أم بعده؟
كريم الجزائري: كما قلت لك العلمانية كفكرة قديمة وكنظام هي حديثة نسبيا، الإسلام في جوهره لا يتعارض مع العلمانية وسأعطيك أمثلة من عصر النبي وعصر الخلفاء الراشدين على اعتبار أن تلك الفترة التي رافقت وتلت نزول الوحي تعد مرجعا لنا كمسلمين. العلمانية كنظام في أوروبا قامت على مقولة أساسية للسيد المسيح مفادها: أعطوا ما لقيصر لقصير وما لله لله. ونفس معنى هذا الكلام ورد على لسان الرسول الكريم في حادثة تأبير النخل التي كان عليه الصلاة والسلام لا يتقنها فقال لأصحابه:انتم أدرى بشؤون دنياكم وهي مقولة تحدد مجال الوحي ومجال الاجتهاد البشري.
وبما أن الصحابة الكرام كانوا أدرى بمقاصد الإسلام والوحي نتيجة القرابة الزمنية التي تربطهم بالوحي والبني الكريم فقد اتبعوا هذا المبدأ العلماني مباشرة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال اجتهادهم في وضع نظام سياسي يتلاءم والظروف التاريخية التي تعيشها الأمة والدولة الإسلامية الفتية، هذا النظام تمثل في نظام الخلافة الذي هو اجتهاد بشري محض ولا علاقة للوحي به بتاتا وكان بإمكان الصحابة اختيار نظام آخر لو رأوا أن الخلافة كنظام حكم لا تتلاءم وظروفهم .
عبد الله علي: هل كل إنسان متحرر يعتبر علماني؟
كريم الجزائري: هذا خلط كبير يقع حول مفهوم العلمانية التي ترتبط في ذهن الإنسان العربي بالتحرر والتفسخ والانحلال وهذا فهم خاطئ لأن العلماني قد يكون متدينا كما قد يكون غير ذلك وقد يكون متفسخا أو متنسكا، فالعلمانية شيء بعيد كل البعد عن التحرر الأخلاقي لأنها كما تفضلت بالقول تحيل على النظم الاجتماعية ومكانة التدين في التنظيم المتبع من قبل الجماعة
عبد الله علي: هل يوجد أناس عقلانيين ومتحررين وليسو علمانيين بنظرك؟
كريم الجزائري: بكل تأكيد هناك أناس عقلانيين وأصوليين في نفس الوقت، الأصولية هنا ليس بالمعنى التقديحي الذي قد يفهمه البعض إنما بمعنى العودة إلى الأصول، هناك عقلانيون وهناك متحررون غير علمانيون لان العلمانية اعتقاد والتزام فردي في حين التحرر رغم مرجعيته الاعتقادية إلا انه يتجلى في السلوك
عبد الله علي: في موقف رأيته منك بالدفاع عن طائفة أمام شخص هنا بمكتوب وهو الكاتب “ابوعويصه” هل لهذه الطائفة أي تأثير على شخصك؟
كريم الجزائري: بالنسبة لبعض النقاشات التي دارت بيني وبين الأخ أبو عويصة حول الشيعة، لاحظت أن البعض قد اختلط عليه الأمر قليلا لأني كنت أدافع عن الشيعة وأنا سني، سبب الدفاع عن الشيعة واضح من خلال التهجم الكبير الذي شنه ويشنه الأخ ابوعويصة على هذه الطائفة من المسلمين. هناك محاولة وليست عند أبي عويصة فقط إنما لدى كثير من أهل السنة، محاولة لتجريم الشيعة كاستمرارية للصراعات الدامية التي شهدها التاريخ الإسلامي بين السنة والشيعة ومحاولة أيضا لعزل حزب الله اللبناني لأنه حزب شيعي ومحاولة لتسفيه ما تقوم به حركة حماس الفلسطينية لأنها مدعمة من إيران الشيعية، بهذه الخلفية السياسية كان دفاعي عن الشيعة لأني أرى في الحاضر أنهم يمثلون جبهة المقاومة سواء في العالم العربي مع حزب الله وحماس أو في العالم الإسلامي من خلال سعي إيران للانفلات من الشروط المجحفة التي تضعها أمريكا ومن خلفها المجتمع الدولي في وجه أية دولة لا تنتمي ثقافيا للحضارة الغربية، هذه الشروط التي تكرس حالة تخلف الأمة الإسلامية بأكملها.لا أخفيك أني منبهر بالتجربة السياسية الشيعية سواء في إيران ما بعد الثورة الإسلامية أو عبر تنظيمات المقاومة المدعومة من إيران وهي حماس وحزب الله، أما التأثير المذهبي فلا أراه عاملا مهما في ظل الظروف السياسية المعقدة التي تمر بها الأمة الإسلامية بطائفتيها السنية والشيعية. وبالعودة لسؤالك الأول حول العلمانية أرى أننا في المجتمعات العربية أحوج ما نكون لفهم علماني لواقعنا وتاريخينا حتى نتمكن من تخليص التاريخ من شحنته التناحرية التي تجعل البعض يرى في إيران وحزب الله خطرا على الأمة العربية يفوق خطر إسرائيل والمخططات الأمريكية.
أرسلت في 12:37 ص
الثلاثاء، مارس 24، 2009
التدوين وشرط الحرية
لأول مرة منذ قرون يتاح للمهمشين أن يصنعوا مركزهم وان يقولوا قولتهم ورأيهم بعيدا عن كل وصاية.
آليات التفكير والكتابة القديمة والكلاسيكية، وهي قديمة وكلاسيكية منذ فترة قصيرة فقط إذا اعتبرنا أن الناث والمدونات تشكل مرحلة قطيعة مع العهد والعهود السابقة، تصدر عن شروط مغايرة بشكل جدري للشرط التدويني الذي يحيل على الحرية المطلقة.
تلك الفترات السابقة كانت تتسم بتمركز شديد للرأي في يد فئة تصف نفسها ويصفها المجتمع بالنخبة، سواء كانت نخبة فكرية أم نخبة سياسية، إلا أن ميزتها الرئيسة هي احتكار الرأي والقول، من خلال احتكار وسائل التوصيل الإعلامي سواء كان إعلام حكومي أو خاص.
من خلال هذا الكسر الحاد للتمركز القولي ( نسبة للقول ) على الذات، تتموضع المدونات وتقدم نفسها كمجال للمباح والمستباح و كفضاء لحرية القول وإبداء الرأي بعيدا عن الوصاية، وأيضا بعيدا عن إغراءات المنفعة التي تميز مجالات إبداء الرأي الأخرى المكرسة.
هل يعني هذا أن المدونات قد صارت قادرة على خلق رأي عام أي أنها قادرة على تسويق أفكارها وصناعة نجوم رأي عام يمثلون مرجعية تدوينية أو اجتماعية للبقية.
الأمر لم يصل إلى هذه الدرجة بعد لأن التدوين هو فعل فردي بالأساس رغم أن قيمة العملية التدوينية لا يصنعها المدون المفرد بمقدار ما تصنع بالإحالة على الجمع، وهذا ما يجعلنا نقول أن المدونين يشكلون طبقة، أو دعنا نبتعد عن المفاهيم الماركسية ونقول أنهم يشكلون فئة اجتماعية لها أراء ولها طموحات أيضا وتتبع استراتيجيات لا تخلو من السعي لتحصيل منفعة معينة من خلال العمل التدويني
سواء كانت المنفعة ذاتية مرتبطة بإشباع رغبة معينة تنبع من الداخل (رغم طوباوية هذا الطرح ) أو كانت منفعة اجتماعية مرتبطة بالمصالح الشخصية والمادية التي قد يحصلها المدون في حالة استطاع النفاذ من ثقب الإبرة والعبور نحو ضفة المحتكرين، أي نحو منطقة التبادل السلعي للمنتجات الثقافية حيث الكلمة لها مقابلها النقدي.
ولكن التجربة تقول أن الذين نفذوا من ثقب الإبرة وقفزوا للصدارة من خلال تداولهم إعلاميا وفتح مجال النشر في الصحف ودور النشر أمامهم هم قلة قليلة جدا من المدونين، في حين ظلت الأغلبية الساحقة تكتب لأجل الكتابة وتمارس هوايتها مكتفية بتعليقات التشجيع أو الشتم التي تصلها، وببعض الصداقات التي فتحها المجال أمامها.
وهذه الفئة الباقية خصوصا من الذين يرون في كتاباتهم القدرة على المنافسة وبالتالي القدرة للانتقال إلى مجال يتسم بالتمركز والتركيز والاحتكارية ( صحف، مجلات، دور نشر، فضائيات ) هذه الفئة المتطلعة، لا تزال تكتب ولكنها تعيش إحساسا لا يقاوم بالإحباط والشعور باللاجدوى، وما استمرارها إلا لأنها تنتظر الفرصة التي لن تفوتها للقفز نحو الضفة الأخرى والانقلاب على شرط وجودها الأصلي المرتبط بالحرية والفردية والمسؤولية الذاتية واللامنفعية.
والحالة هذه سنرتقب اختفاء الكثير من المدونات العربية الجادة بنفس الدرجة التي تختفي بها مدونات الفرفشة والدردشة.
وتزايد عدد المدونات ليس دليل نجاح ولا دليل قدرة على احتلال ارض جديدة يثبتها المدونون، بمقدار ما هو ترجمة طبيعية لتزايد مستعملي الانثرنث وتزايد المجربين للتقنيات الجديدة والباحثين عن فضاء يجعل أسماءهم متداولة في محركات البحث، أي انه في النهاية ليس سوى إرضاء لنزوات ونرجسيات سرعان ما يدرك أصحابها لا جدواها، فيركنون للصمت أو يستمرون بحثا عن فرص أوسع للظهور.
وهنا لا يبقى سوى المقتنعون بأهمية التدوين كفعل انقلابي ضد الثقافة المكرسة رغم أن الكثيرين غيرهم يشاركونهم الفضاء التدويني دون أن تعني المشاركة هنا النظر للفعل التدويني نظرة مشتركة.
ورغم بقاء هؤلاء المقتنعين على دين التدوين، فإنهم بكل تأكيد لن يفوتوا فرصا تأتيهم ليكونوا مشاركين في فوضاءات أخرى غير تدوينية ومرتبطة بالمنطقة المحتكرة من طرف اؤلئك المكرسين إعلاميا وفكريا وهنا سنكون أمام احتمالين نظرا لاختلاف شروط وجود كل فئة، ( فئة المدونين من جهة وفئة الكتاب الآخرين من جهة ثانية ) الذي ينتج عنه اختلاف الرؤية والطرح واختلاف الإحساس بالحرية كشرط إبداعي يزعم كلا الطرفين أنهما يمتلكانه دون أن يشعرا بالقيود الذاتية والموضوعية، المرئية والشفافة التي تقلص من هامش الحرية المتاح.
الاحتمال الأول: والتجارب السابقة لانتقال مدونين نحو منطقة الاحتكار الإعلامي قد أثبته هو إفراغ روح التدوين المتسم بكثير من الحرية والمسؤولية الفردية المتعلقة بالضمير فقط، من محتواه، وتحول المدونين وهم يكتبون في الصحف ويتحدثون عبر القنوات الفضائية إلى مجرد مبررين وبراغماتيين وأناس أخلاقويين ينقلبون على قناعاتهم السابقة بشكل يدعو للحيرة.
الاحتمال الثاني: يجعلنا نأمل بان يستطيع أولئك الذين تمرسوا على الكتابة عبر المدونات من أن يطعموا الخطاب الثقافي والإعلامي العربي بأفكار جديدة وطروحات تتسم بحرية اكبر، وهذا يظل مجرد حلم لم يلتقي بالواقع بعد.
آليات التفكير والكتابة القديمة والكلاسيكية، وهي قديمة وكلاسيكية منذ فترة قصيرة فقط إذا اعتبرنا أن الناث والمدونات تشكل مرحلة قطيعة مع العهد والعهود السابقة، تصدر عن شروط مغايرة بشكل جدري للشرط التدويني الذي يحيل على الحرية المطلقة.
تلك الفترات السابقة كانت تتسم بتمركز شديد للرأي في يد فئة تصف نفسها ويصفها المجتمع بالنخبة، سواء كانت نخبة فكرية أم نخبة سياسية، إلا أن ميزتها الرئيسة هي احتكار الرأي والقول، من خلال احتكار وسائل التوصيل الإعلامي سواء كان إعلام حكومي أو خاص.
من خلال هذا الكسر الحاد للتمركز القولي ( نسبة للقول ) على الذات، تتموضع المدونات وتقدم نفسها كمجال للمباح والمستباح و كفضاء لحرية القول وإبداء الرأي بعيدا عن الوصاية، وأيضا بعيدا عن إغراءات المنفعة التي تميز مجالات إبداء الرأي الأخرى المكرسة.
هل يعني هذا أن المدونات قد صارت قادرة على خلق رأي عام أي أنها قادرة على تسويق أفكارها وصناعة نجوم رأي عام يمثلون مرجعية تدوينية أو اجتماعية للبقية.
الأمر لم يصل إلى هذه الدرجة بعد لأن التدوين هو فعل فردي بالأساس رغم أن قيمة العملية التدوينية لا يصنعها المدون المفرد بمقدار ما تصنع بالإحالة على الجمع، وهذا ما يجعلنا نقول أن المدونين يشكلون طبقة، أو دعنا نبتعد عن المفاهيم الماركسية ونقول أنهم يشكلون فئة اجتماعية لها أراء ولها طموحات أيضا وتتبع استراتيجيات لا تخلو من السعي لتحصيل منفعة معينة من خلال العمل التدويني
سواء كانت المنفعة ذاتية مرتبطة بإشباع رغبة معينة تنبع من الداخل (رغم طوباوية هذا الطرح ) أو كانت منفعة اجتماعية مرتبطة بالمصالح الشخصية والمادية التي قد يحصلها المدون في حالة استطاع النفاذ من ثقب الإبرة والعبور نحو ضفة المحتكرين، أي نحو منطقة التبادل السلعي للمنتجات الثقافية حيث الكلمة لها مقابلها النقدي.
ولكن التجربة تقول أن الذين نفذوا من ثقب الإبرة وقفزوا للصدارة من خلال تداولهم إعلاميا وفتح مجال النشر في الصحف ودور النشر أمامهم هم قلة قليلة جدا من المدونين، في حين ظلت الأغلبية الساحقة تكتب لأجل الكتابة وتمارس هوايتها مكتفية بتعليقات التشجيع أو الشتم التي تصلها، وببعض الصداقات التي فتحها المجال أمامها.
وهذه الفئة الباقية خصوصا من الذين يرون في كتاباتهم القدرة على المنافسة وبالتالي القدرة للانتقال إلى مجال يتسم بالتمركز والتركيز والاحتكارية ( صحف، مجلات، دور نشر، فضائيات ) هذه الفئة المتطلعة، لا تزال تكتب ولكنها تعيش إحساسا لا يقاوم بالإحباط والشعور باللاجدوى، وما استمرارها إلا لأنها تنتظر الفرصة التي لن تفوتها للقفز نحو الضفة الأخرى والانقلاب على شرط وجودها الأصلي المرتبط بالحرية والفردية والمسؤولية الذاتية واللامنفعية.
والحالة هذه سنرتقب اختفاء الكثير من المدونات العربية الجادة بنفس الدرجة التي تختفي بها مدونات الفرفشة والدردشة.
وتزايد عدد المدونات ليس دليل نجاح ولا دليل قدرة على احتلال ارض جديدة يثبتها المدونون، بمقدار ما هو ترجمة طبيعية لتزايد مستعملي الانثرنث وتزايد المجربين للتقنيات الجديدة والباحثين عن فضاء يجعل أسماءهم متداولة في محركات البحث، أي انه في النهاية ليس سوى إرضاء لنزوات ونرجسيات سرعان ما يدرك أصحابها لا جدواها، فيركنون للصمت أو يستمرون بحثا عن فرص أوسع للظهور.
وهنا لا يبقى سوى المقتنعون بأهمية التدوين كفعل انقلابي ضد الثقافة المكرسة رغم أن الكثيرين غيرهم يشاركونهم الفضاء التدويني دون أن تعني المشاركة هنا النظر للفعل التدويني نظرة مشتركة.
ورغم بقاء هؤلاء المقتنعين على دين التدوين، فإنهم بكل تأكيد لن يفوتوا فرصا تأتيهم ليكونوا مشاركين في فوضاءات أخرى غير تدوينية ومرتبطة بالمنطقة المحتكرة من طرف اؤلئك المكرسين إعلاميا وفكريا وهنا سنكون أمام احتمالين نظرا لاختلاف شروط وجود كل فئة، ( فئة المدونين من جهة وفئة الكتاب الآخرين من جهة ثانية ) الذي ينتج عنه اختلاف الرؤية والطرح واختلاف الإحساس بالحرية كشرط إبداعي يزعم كلا الطرفين أنهما يمتلكانه دون أن يشعرا بالقيود الذاتية والموضوعية، المرئية والشفافة التي تقلص من هامش الحرية المتاح.
الاحتمال الأول: والتجارب السابقة لانتقال مدونين نحو منطقة الاحتكار الإعلامي قد أثبته هو إفراغ روح التدوين المتسم بكثير من الحرية والمسؤولية الفردية المتعلقة بالضمير فقط، من محتواه، وتحول المدونين وهم يكتبون في الصحف ويتحدثون عبر القنوات الفضائية إلى مجرد مبررين وبراغماتيين وأناس أخلاقويين ينقلبون على قناعاتهم السابقة بشكل يدعو للحيرة.
الاحتمال الثاني: يجعلنا نأمل بان يستطيع أولئك الذين تمرسوا على الكتابة عبر المدونات من أن يطعموا الخطاب الثقافي والإعلامي العربي بأفكار جديدة وطروحات تتسم بحرية اكبر، وهذا يظل مجرد حلم لم يلتقي بالواقع بعد.
أرسلت في 11:18 م
الخميس، مارس 19، 2009
تجليات الشبق
الشبق كما يرى "العلماء" هو جوع يتعدى مرحلة الاتصال الجنسي بمعنى أن الشبق الجنسي ليس جوعا عضويا كالجوع إلى الطعام, بل يشبعه شيء آخر غير مجرد الإفراغ بعد انتهاء التواشج التوالج.
وهو نفس المعنى اللغوي لكلمة شبق في اللغة العربية حيث نجد في معنى كلمة شبق لدى ابن منظور بأن الشبق هو شدة شهوة الجماع، قال ابن منظور في لسان العرب: الشبق شدة الغلمة وطلب النكاح، يقال رجل شبق وامرأة شبقة وشبق الرجل بالكسر شبقا فهو شبق: اشتدت غلمته، وكذلك المرأة، وقد يكون الشبق في غير الإنسان.
والشبق في التحليل النفسي الفرويدي هو إحدى تجليات الليبيدو حيث يؤكد فرويد على أن الإنسان يولد ولديه طاقه غريزة أساسيه هي الشبق الذي يشكل قوة حيويه دافعه وطاقه نفسيه مشوبة برغبة جنسيه تلتقي بتعبيراتها الأكمل من خلال العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
ولهذا فهو يحدث فقط عن طريق التواصل المباشر، عكس الإثارة التي قد تحدث من نظرة أو مهاتفة أو حتى تخيل لذوي الخيال الواسع القادر على النفاذ إلى ما تحت الثياب.
ولكن الاستعمال العربي العام للكلمة يختلف، فأهل عمان يستعملون كلمة شبق بنفس المعنى الذي استخدمه "يسوع" وهو اللصق على الشيء، ومنه الصلب، فالذي يلصق على الصليب يقال له شبقت يداه على اللوح.وفي منطقة ميلة بالجزائر تستعمل كلمة شبق للدلالة على النظرات ذات التعبير الجنسي فيقال لمن يحدق بشراهة في امرأة : شبقت عيناه "، فالنظرة لغة ولهذا يتحدث المبدعون عن شبق اللغة كدلالة على التوصيل الذي يحيل على التواصل في الحالة الإنسانية الحميمية.
وشبق اللغة يقودنا لمحي الدين بن عربي الذي يقول:
نَكَحْـتُ نَفْسِي بِنَفْـسِي فَكُنْـتُ بَعْـلِي وعِـرْسِي
كتعبير عن حنين الأصل لفرعه الشارد، فالبيت الشعري يبدو محيلا على الشذوذ، ولكنه يحمل نظرة أعمق من هذه القراءة السطحية، حيث أن أصل المرأة هو الرجل لأنها خلقت من ضلعه، لهذا يلح الشيخ الأكبر عن الشبقية التي يكثر من إيراد مرادفاتها وتوابعها في نصوصه الشعرية سواء في فصوص الحكم أو في ترجمان الأشواق، بغية استدعاء التوحد بين الرجل والمرأة عن طريق التواصل الشبقي الذي يعيد الفرع الشارد إلى أصله كحالة من التماهي الصوفي، " فصورة اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة عودة الجزء إلى الكل، فيكمل الأصل، فتتماهى الصورة بالمثال المطلق، وهذا مظهر من مظاهر التجلي الكوني الأعظم للوحدة الكلية كما يراها الشيخ الأكبر في الفصوص." بنظرته الصوفية العميقة
وابن عربي يعتبر مبدعا في موضوع شبقية اللغة حيث انه قد بحث حتى في علاقة الحروف المشكلة للكلمة من منظور شبقي، وكيف أن طريقة التركيب والتوليف بين الحروف يمكن تشبيهها بوضعيات مطارحة الرجل للمرأة أثناء التواصل الجنسي.
وبالعودة للهجة أهل ميلة بالشرق الجزائري حين يستعملون كلمة شبق للدلالة على النظرة الجنسية أي الشبقة، وهو استعمال له أصله في لغة العرب، ولكن أهل ميلة يحرفون الكلمة فينطقونها "شبك " وهذا يوصلنا لكلمة قريبة من الشبق وهي الشبكة ولكن نأخذها هنا بمعناها المشرقي والمصري تحديدا والتي تعني ما يقدمه الرجل للمرأة قبل الزواج، أي قبل التواصل الشرعي، فبالشبكة يحل الشبق الذي سوف يسيل العرق في الليالي الملتهبة بعد أن يوصد الباب والشباك.
والشباك هنا دائم الحضور ومحايث للشبق حيث لازمت الشبابيك الحريم لحجبهن عن الرجال حتى لا يثرن فيهم رغبة، مع أن نساء الحريم دائما تستعملن الشباك للتجسس وللمواعدة الخفية التي تتم بإشارة يد أو نظرة عين تكون وعدا لعاشق يسير تحت النافذة ( الشباك ) ليقتحم خلوة الحريم في غياب السيد أو المحرم وغالبا ما يتم الاقتحام عن طريق الشباك( النافذة )، والطريق إلى اشتعال الشبق في ذلك الاقتحام الليلي الذي ينفذه عاشق مغامر يمر عبر تشابك الأيادي بمنتهي اللين ( كما يفعل العشاق الظرفاء في الأماكن العامة ) قبل اشتباك الشفاه عبر قبلات حارة (كما يفعل نفس العشاق الظرفاء في لحظات الخلوة الشرعية وغير الشرعية ).
سنعود للحريم ومخادعهن المحاطة بشبابيك لاحقا
ولكن لنعد للشبكة ولكن بمعناها العربي الأصيل أي شبكة الصيد التي تلتقي مع الشبكة المصرية ومع الشبق، حيث أن الشبكة المستعملة للصيد تتيح للصياد امتلاك ما يصطاده وهو نفس ما يحدث مع العريس بعد أن يقدم شبكة لعروسه، ولكن الفرق أن الصياد يوظف شبكته لامتلاك صيد ما بصفة مطلقة، في حين أن الشبكة بعد أن تقدم للعروس تجعل الامتلاك متبادلا بين الرجل والمرأة وهو امتلاك شبقي يشبع ما يصفه العلماء بالجوع العضوي والنفسي الذي يحسه كل طرف اتجاه الآخر، مع أن الصياد البدائي كان يستعل شبكته لإسكات جوعه هو الآخر، ولكن إنشاء المدن والمراكز الحضارية وما فرضته من مبادلات تجارية حّول وظيفة الشبكة من إشباع البطن إلى ملء الجيب، حيث أن الصيد صار يتم بهدف المبادلة التجارية، مع بقاء الشبكة وفية لدورها الأول وهو إشباع الشبق.ولكن وبما أن التطور لا ينتهي فقد أتى من يستفيد من الشبق ويوظفه في التجارة ولو بإدعاءات فنية، حيث ازدهرت منذ عصر النهضة الأوروبية لوحات العري وصارت تباع بالشي الفلاني، من طرف صيادي النور كما يسميهم أحمد راشدي أي الفنانين الغربيين الذين وظفوا العري بشكل مكثف في لوحاتهم مبرزين شبقية الأجساد العارية ومسبغين عليها كثيرا من النورانية حتى يرتفع ثمنها في بورصة اللوحات الفنية، وهذه النظرة التجارية التي استفادت من شبكة الصيد وتحول دورها من إشباع الجوع إلى ملء الجيب هي التي جعلت يوجين دولاكروا يرسم " نساء الجزائر " وتحقق تلك اللوحة شهرة خارقة حملت دولاكرا في حياته وبعد مماته إلى المجد، وقد وظف هذا الفنان الفرنسي كل قدراته الفنية( وبحسابات تجارية ) لإبراز شبقية أجساد ثلاث نساء حسناوات من حريم الجزائر، وبما أن الأمر له علاقة بتحول وظيفة الشبكة عن طريق توظيف الشبق فقد أتى الفنان العظيم بيكاسو ( وبحسابات تجارية أيضا ) ليركز على نساء دولاكروا الجزائريات ويستنسخ من تلك اللوحة التحفة أكثر من خمسة عشرة لوحة كلها تحمل اسم "نساء الجزائر " محاولا تحرير حسناوات دولاكروا من وضعية الحريم التي تفقد الشبق معناه الإنساني الحميمي والخاص جدا الذي يحيل على الرغبة المتبادلة وليس على التملك والرغبة المفردة من طرف السيد بالنسبة للجواري مثلا، رغم أن بيكاسو الهاجس بشبق أولئك النسوة لم يستطع سترهن، بل ركز على إبراز إثارة أجسادهن البضة التي يغمرها نور يأتي من الشباك المفتوح كناية ربما عن رغبته الجامحة في تحريرهن عن طريق الفن من وضعية الحريم.
وإذا كان بيكاسو قد سعى لتحرير المرأة ( موضع الشبق ) عن طريق الفن، فنحن نقرأ في ملحمة جلجاميش كيف أن أنكيدو ذلك الآدمي المتوحش الذي تربي بين الحيوانات واكتسب صفاتها، يسترد إنسانيته الضائعة من خلال إفراغ شحنة الشبق التي سكنت روحه وجسده من لحظة الميلاد الأولى، حيث نقرأ في الملحمة:"ستة أيام وسبعة ليال ضاجع المرأة، تنور ذهنه وقلبه".
وهذه النظرة إلى الشبق لدى البابليين ومثلهم بقية الشعوب والحضارات القديمة خصوصا الشرقية منها التي كان للشبكة والصيد دور كبير في نشوءها وارتقاءها لأنها قامت على ضفاف الأنهار والبحار والبحيرات، هي التي جعلت الشبق يرتبط بالتقديس والتأليه، فنجد " عشتار" آلهة الخصب لدى البابليين تحضى بتقديس كبير لكونها مانحة الخصب للأرض من خلال تواصلها الشبقي مع إله الخصب " دموزي "، وعشتار ما هي "الأخت غير الشقيقة" لفينوس آلهة الحب والرغبة عند اليونانيين التي تحضى بنفس درجة التقديس ويشهد لها بقدرتها الخارقة على الإغواء والإغراء الذي تمارسه ضد بقية الآلهة الذي حضوا بمكانة كبيرة في الحضارة الهيلينية.
وربطا بين قدسية الشبق في الاعتقادات القديمة لمعظم حضارات الشرق والغرب وبين شبقية اللغة، نصل إلى الملاحم الجنسية التي تركتها البشرية وأشهرها كتاب الكاماسوترا الذي " يعتبر على نحو واسع عملا قياسيا للحب في الأدب السنسكريتي. وضع النص الفيلسوف الهندي فاتسيايانا كخلاصة قصيرة للكثير من مؤلفات سابقة قديمة مختلفة تعود إلى تقليد يعرف باسم كاما شاسترا. كلمة كاما تعني الرغبة . بينما كلمة سوترا فتدلل على سلسلة من الحِكَمِ "، ونتيجة للحكم الجليلة التي احتواها كتاب الكاماسوترا فقد حضي بالتقديس لدى الهنود، كما حضي بتقدير وانبهار بقية العالم، على غرار كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزواوي ذائع الصيت، وغيره من كتب التراث الجنسي العربي المجهول في معظمه نتيجة المنع والقمع الذي مورس عليه، حيث تحولت الثقافة العربية بعد قرون الانفتاح الأولى إلى ثقافة قمعية خائفة على هويتها نتيجة الضعف الذي لحق بالحضارة العربية الإسلامية، وهذا ما جعل إبراهيم محمود يستحضر المغيب وينطق المقموع في خطاب الشبق العربي من خلال كتاب " الشبق المحرم : انطولوجيا النصوص الممنوعة "، وهذا الشبق الإبداعي في استنطاق الممنوع هو نفسه ما دفع آسيا جبار إلى كتابة " نساء الجزائر في مخدعهن "، مستلهمة تجربة دولاكرا في اصطياد النور الذي يشع من الأجساد الشبقة، وهذه رؤية فنية وليست علمية توظف شبكية العين (وليس شبكة الصيد ) في اقتناص و تصوير جو مشحون بالشبق يمر كلحظات خاطفة بحياتنا يستطيع الفنانون الإمساك بها ببراعة، ولهذا نقرأ في العدد الثاني من مجلة جسد التي تصدرها الإعلامية والشاعرة اللبنانية جمانة حداد مقالا طريفا بعنوان: " فنانو البين أب صيادو الشبق ".
وهو نفس المعنى اللغوي لكلمة شبق في اللغة العربية حيث نجد في معنى كلمة شبق لدى ابن منظور بأن الشبق هو شدة شهوة الجماع، قال ابن منظور في لسان العرب: الشبق شدة الغلمة وطلب النكاح، يقال رجل شبق وامرأة شبقة وشبق الرجل بالكسر شبقا فهو شبق: اشتدت غلمته، وكذلك المرأة، وقد يكون الشبق في غير الإنسان.
والشبق في التحليل النفسي الفرويدي هو إحدى تجليات الليبيدو حيث يؤكد فرويد على أن الإنسان يولد ولديه طاقه غريزة أساسيه هي الشبق الذي يشكل قوة حيويه دافعه وطاقه نفسيه مشوبة برغبة جنسيه تلتقي بتعبيراتها الأكمل من خلال العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
ولهذا فهو يحدث فقط عن طريق التواصل المباشر، عكس الإثارة التي قد تحدث من نظرة أو مهاتفة أو حتى تخيل لذوي الخيال الواسع القادر على النفاذ إلى ما تحت الثياب.
ولكن الاستعمال العربي العام للكلمة يختلف، فأهل عمان يستعملون كلمة شبق بنفس المعنى الذي استخدمه "يسوع" وهو اللصق على الشيء، ومنه الصلب، فالذي يلصق على الصليب يقال له شبقت يداه على اللوح.وفي منطقة ميلة بالجزائر تستعمل كلمة شبق للدلالة على النظرات ذات التعبير الجنسي فيقال لمن يحدق بشراهة في امرأة : شبقت عيناه "، فالنظرة لغة ولهذا يتحدث المبدعون عن شبق اللغة كدلالة على التوصيل الذي يحيل على التواصل في الحالة الإنسانية الحميمية.
وشبق اللغة يقودنا لمحي الدين بن عربي الذي يقول:
نَكَحْـتُ نَفْسِي بِنَفْـسِي فَكُنْـتُ بَعْـلِي وعِـرْسِي
كتعبير عن حنين الأصل لفرعه الشارد، فالبيت الشعري يبدو محيلا على الشذوذ، ولكنه يحمل نظرة أعمق من هذه القراءة السطحية، حيث أن أصل المرأة هو الرجل لأنها خلقت من ضلعه، لهذا يلح الشيخ الأكبر عن الشبقية التي يكثر من إيراد مرادفاتها وتوابعها في نصوصه الشعرية سواء في فصوص الحكم أو في ترجمان الأشواق، بغية استدعاء التوحد بين الرجل والمرأة عن طريق التواصل الشبقي الذي يعيد الفرع الشارد إلى أصله كحالة من التماهي الصوفي، " فصورة اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة عودة الجزء إلى الكل، فيكمل الأصل، فتتماهى الصورة بالمثال المطلق، وهذا مظهر من مظاهر التجلي الكوني الأعظم للوحدة الكلية كما يراها الشيخ الأكبر في الفصوص." بنظرته الصوفية العميقة
وابن عربي يعتبر مبدعا في موضوع شبقية اللغة حيث انه قد بحث حتى في علاقة الحروف المشكلة للكلمة من منظور شبقي، وكيف أن طريقة التركيب والتوليف بين الحروف يمكن تشبيهها بوضعيات مطارحة الرجل للمرأة أثناء التواصل الجنسي.
وبالعودة للهجة أهل ميلة بالشرق الجزائري حين يستعملون كلمة شبق للدلالة على النظرة الجنسية أي الشبقة، وهو استعمال له أصله في لغة العرب، ولكن أهل ميلة يحرفون الكلمة فينطقونها "شبك " وهذا يوصلنا لكلمة قريبة من الشبق وهي الشبكة ولكن نأخذها هنا بمعناها المشرقي والمصري تحديدا والتي تعني ما يقدمه الرجل للمرأة قبل الزواج، أي قبل التواصل الشرعي، فبالشبكة يحل الشبق الذي سوف يسيل العرق في الليالي الملتهبة بعد أن يوصد الباب والشباك.
والشباك هنا دائم الحضور ومحايث للشبق حيث لازمت الشبابيك الحريم لحجبهن عن الرجال حتى لا يثرن فيهم رغبة، مع أن نساء الحريم دائما تستعملن الشباك للتجسس وللمواعدة الخفية التي تتم بإشارة يد أو نظرة عين تكون وعدا لعاشق يسير تحت النافذة ( الشباك ) ليقتحم خلوة الحريم في غياب السيد أو المحرم وغالبا ما يتم الاقتحام عن طريق الشباك( النافذة )، والطريق إلى اشتعال الشبق في ذلك الاقتحام الليلي الذي ينفذه عاشق مغامر يمر عبر تشابك الأيادي بمنتهي اللين ( كما يفعل العشاق الظرفاء في الأماكن العامة ) قبل اشتباك الشفاه عبر قبلات حارة (كما يفعل نفس العشاق الظرفاء في لحظات الخلوة الشرعية وغير الشرعية ).
سنعود للحريم ومخادعهن المحاطة بشبابيك لاحقا
ولكن لنعد للشبكة ولكن بمعناها العربي الأصيل أي شبكة الصيد التي تلتقي مع الشبكة المصرية ومع الشبق، حيث أن الشبكة المستعملة للصيد تتيح للصياد امتلاك ما يصطاده وهو نفس ما يحدث مع العريس بعد أن يقدم شبكة لعروسه، ولكن الفرق أن الصياد يوظف شبكته لامتلاك صيد ما بصفة مطلقة، في حين أن الشبكة بعد أن تقدم للعروس تجعل الامتلاك متبادلا بين الرجل والمرأة وهو امتلاك شبقي يشبع ما يصفه العلماء بالجوع العضوي والنفسي الذي يحسه كل طرف اتجاه الآخر، مع أن الصياد البدائي كان يستعل شبكته لإسكات جوعه هو الآخر، ولكن إنشاء المدن والمراكز الحضارية وما فرضته من مبادلات تجارية حّول وظيفة الشبكة من إشباع البطن إلى ملء الجيب، حيث أن الصيد صار يتم بهدف المبادلة التجارية، مع بقاء الشبكة وفية لدورها الأول وهو إشباع الشبق.ولكن وبما أن التطور لا ينتهي فقد أتى من يستفيد من الشبق ويوظفه في التجارة ولو بإدعاءات فنية، حيث ازدهرت منذ عصر النهضة الأوروبية لوحات العري وصارت تباع بالشي الفلاني، من طرف صيادي النور كما يسميهم أحمد راشدي أي الفنانين الغربيين الذين وظفوا العري بشكل مكثف في لوحاتهم مبرزين شبقية الأجساد العارية ومسبغين عليها كثيرا من النورانية حتى يرتفع ثمنها في بورصة اللوحات الفنية، وهذه النظرة التجارية التي استفادت من شبكة الصيد وتحول دورها من إشباع الجوع إلى ملء الجيب هي التي جعلت يوجين دولاكروا يرسم " نساء الجزائر " وتحقق تلك اللوحة شهرة خارقة حملت دولاكرا في حياته وبعد مماته إلى المجد، وقد وظف هذا الفنان الفرنسي كل قدراته الفنية( وبحسابات تجارية ) لإبراز شبقية أجساد ثلاث نساء حسناوات من حريم الجزائر، وبما أن الأمر له علاقة بتحول وظيفة الشبكة عن طريق توظيف الشبق فقد أتى الفنان العظيم بيكاسو ( وبحسابات تجارية أيضا ) ليركز على نساء دولاكروا الجزائريات ويستنسخ من تلك اللوحة التحفة أكثر من خمسة عشرة لوحة كلها تحمل اسم "نساء الجزائر " محاولا تحرير حسناوات دولاكروا من وضعية الحريم التي تفقد الشبق معناه الإنساني الحميمي والخاص جدا الذي يحيل على الرغبة المتبادلة وليس على التملك والرغبة المفردة من طرف السيد بالنسبة للجواري مثلا، رغم أن بيكاسو الهاجس بشبق أولئك النسوة لم يستطع سترهن، بل ركز على إبراز إثارة أجسادهن البضة التي يغمرها نور يأتي من الشباك المفتوح كناية ربما عن رغبته الجامحة في تحريرهن عن طريق الفن من وضعية الحريم.
وإذا كان بيكاسو قد سعى لتحرير المرأة ( موضع الشبق ) عن طريق الفن، فنحن نقرأ في ملحمة جلجاميش كيف أن أنكيدو ذلك الآدمي المتوحش الذي تربي بين الحيوانات واكتسب صفاتها، يسترد إنسانيته الضائعة من خلال إفراغ شحنة الشبق التي سكنت روحه وجسده من لحظة الميلاد الأولى، حيث نقرأ في الملحمة:"ستة أيام وسبعة ليال ضاجع المرأة، تنور ذهنه وقلبه".
وهذه النظرة إلى الشبق لدى البابليين ومثلهم بقية الشعوب والحضارات القديمة خصوصا الشرقية منها التي كان للشبكة والصيد دور كبير في نشوءها وارتقاءها لأنها قامت على ضفاف الأنهار والبحار والبحيرات، هي التي جعلت الشبق يرتبط بالتقديس والتأليه، فنجد " عشتار" آلهة الخصب لدى البابليين تحضى بتقديس كبير لكونها مانحة الخصب للأرض من خلال تواصلها الشبقي مع إله الخصب " دموزي "، وعشتار ما هي "الأخت غير الشقيقة" لفينوس آلهة الحب والرغبة عند اليونانيين التي تحضى بنفس درجة التقديس ويشهد لها بقدرتها الخارقة على الإغواء والإغراء الذي تمارسه ضد بقية الآلهة الذي حضوا بمكانة كبيرة في الحضارة الهيلينية.
وربطا بين قدسية الشبق في الاعتقادات القديمة لمعظم حضارات الشرق والغرب وبين شبقية اللغة، نصل إلى الملاحم الجنسية التي تركتها البشرية وأشهرها كتاب الكاماسوترا الذي " يعتبر على نحو واسع عملا قياسيا للحب في الأدب السنسكريتي. وضع النص الفيلسوف الهندي فاتسيايانا كخلاصة قصيرة للكثير من مؤلفات سابقة قديمة مختلفة تعود إلى تقليد يعرف باسم كاما شاسترا. كلمة كاما تعني الرغبة . بينما كلمة سوترا فتدلل على سلسلة من الحِكَمِ "، ونتيجة للحكم الجليلة التي احتواها كتاب الكاماسوترا فقد حضي بالتقديس لدى الهنود، كما حضي بتقدير وانبهار بقية العالم، على غرار كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر للشيخ النفزواوي ذائع الصيت، وغيره من كتب التراث الجنسي العربي المجهول في معظمه نتيجة المنع والقمع الذي مورس عليه، حيث تحولت الثقافة العربية بعد قرون الانفتاح الأولى إلى ثقافة قمعية خائفة على هويتها نتيجة الضعف الذي لحق بالحضارة العربية الإسلامية، وهذا ما جعل إبراهيم محمود يستحضر المغيب وينطق المقموع في خطاب الشبق العربي من خلال كتاب " الشبق المحرم : انطولوجيا النصوص الممنوعة "، وهذا الشبق الإبداعي في استنطاق الممنوع هو نفسه ما دفع آسيا جبار إلى كتابة " نساء الجزائر في مخدعهن "، مستلهمة تجربة دولاكرا في اصطياد النور الذي يشع من الأجساد الشبقة، وهذه رؤية فنية وليست علمية توظف شبكية العين (وليس شبكة الصيد ) في اقتناص و تصوير جو مشحون بالشبق يمر كلحظات خاطفة بحياتنا يستطيع الفنانون الإمساك بها ببراعة، ولهذا نقرأ في العدد الثاني من مجلة جسد التي تصدرها الإعلامية والشاعرة اللبنانية جمانة حداد مقالا طريفا بعنوان: " فنانو البين أب صيادو الشبق ".
أرسلت في 1:51 ص
الاثنين، مارس 02، 2009
عن ميلاد الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية
كانت الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسة سابقة تاريخيا على نظيرتها المكتوبة باللغة العربية، حيث كانت سنوات الخمسينات من القرن الماضي فترة تاريخية شهدت ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي محاولة استبطان المجتمع الجزائري الذي كان يمر بمخاض اجتماعي وسياسي عسير كانت نتيجته سنة 1954 هي انفجار الثورة التحريرية التي وضعت حدا للتواجد الفرنسي بالجزائر؛ في هذه الفترة كانت اللغة العربية ( رغم نص رضا حوحو المؤسس ) لا تزال غارقة في خطاباتها الإصلاحية متأثرة بنهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإصلاحي والتربوي، الذي اعتمد على الشعر والمقالة في تبليغ رسالته التربوية الإصلاحية، ولم ينتبه للرواية كجنس أدبي ذو خطورة وحضور في المجتمعات التي تنفتح على الحداثة الاجتماعية والأدبية.
إذن، والحالة هذه، فإن جمعية العلماء المسلمين ونهجها الإصلاحي كان عاملا رئيسا في تأخر ظهور جنس الرواية باللغة العربية في الجزائر المستعمرة، رغم ظهور هذا الجنس باللغة الفرنسية على يد كتاب جزائريين أثناء نفس الفترة، وهذا الرأي هو ما يذهب إليه مخلوف عامر في كتابه: الرواية والتحولات في الجزائر، حيث يؤكد مخلوف عامر أنه منذ " بروز الحركة الوطنية كانت الأولوية –دوماً- للخطاب السياسي الأيديولوجي، فلم يكن أدباء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يهتمون بالناحية الجمالية، بقدر ما كانوا يهتمون بالدلالة السياسية والاجتماعية في كتاباتهم. فبقي الشعر في حدود القوالب التقليدية، وتخلّف عن شعر المهجر وتجديداته، ونال فن المقالة الحظّ الأوفر من الكتابة النثرية ثم كان المقال القصصي –فيما بعد- أقصى ما بلغه الفن القصصي قبل حرب التحرير" ([1] )، هذا الرأي هو نفس ما يذهب إليه واسيني الأعرج، وكذا رمضان حمود الذي يقول عن الجهود الأدبية لأعضاء وأنصار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: " إنهم بلغوا الأمانة التي استودعت في أيديهم إلى أيدينا بغير خيانة ولا تقصير لا أكثر ولا اقل والأمانة هي اللغة العربية لا غير "([2])، فالجمعية ربطت الأدب والنقد بأهدافها وفق رؤية إصلاحية ترى ضرورة الحفاظ على مقومات الهوية الجزائرية من لغة ودين بعيدا عن أية إضافة لما كان موجودا في المجال الأدبي المتوارث عن الأسلاف، وهذه الرؤية رغم ضرورتها الحضارية في ظل الظروف التي عاشتها الجزائر المستعمرة وخصوصا مع السعي الدءوب للاستعمار الفرنسي لمحو كل المقومات الهوياتية للشعب الجزائري وخصوصا اللغة والدين، غير أنها، أي هذه الرؤية الإصلاحية، وقفت حجر عثرة في طريق نهضة أدبية على غرار ما عرفته الأقطار العربية المشرقية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ورغم رفض بعض النقاد الجزائريين لهذه الفرضية التي تربط بين الدور الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وتأخر ظهور الجنس الروائي باللغة العربية في الجزائر إلى ما بعد الاستقلال، إلا أن الرأي الغالب يميل إلى التأكيد على هذه الفرضية(*)
مع أن جعفر يابوش في كتابه: " الأدب الجزائري الجديد، التجربة المآل" يرى عكس هذا الرأي ويؤكد على الدور الكبير الذي لعبته الجمعية ورجالاتها في النهضة الأدبية في الجزائر حيث يرجع الفضل في " تحريك الهمم وشحذ القرائح وسريان الأقلام إلى زعماء الحركة الإصلاحية في الجزائر، لأنها جعلت من صحافتها المكتوبة ومن منتدياتها الفكرية ومدارسها التعليمية، المجال الحر للتنافس بين الأدباء والمفكرين ومن مختلف المشارب الفكرية والمذاهب والنزعات الأدبية"([3]).
وهذا التأكيد على الدور الكبير لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في النهضة الأدبية هو ما يؤكد عليه أيضا الناقد عبد المالك مرتاض في أطروحته الموسومة بـ " فنون النثر الأدبي في الجزائر، 1931 – 1954 " حيث قام بجمع " مادة بحثه هذه من 32 مجلة وصحيفة جزائرية صادرة بين 1925 و 1956 مستخرجا منها 16 قصة و 01 رواية واحدة و11 عشرة نصوص مسرحية { هكذا }، ومعظم هذا الإنتاج نشر على مجلات جمعية العلماء المسلمين..." ([4]).
وإذا كان إعطاء حكم نهائي ومطلق على النهج الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودوره في تأخر ظهور جنس الرواية بالجزائر، وفي الوقوف حجرة عثرة في طريق التجديد الأدبي بسبب لغتها الدينية أولا، ونظرتها الماضوية فيما يتعلق بفنون الشعر والنثر العربيين ثانيا، فإننا نميل لتبني الرأي القائل بأن دور الجمعية لم يأت بإضافة نوعية بالقياس إلى ما كان يجري من حولها، سواء في المشرق العربي الذي شهد نهضة أدبية حقيقية، أو في الجزائر التي شهدت بعض المحاولات الروائية من طرف جزائريين يكتبون باللغة الفرنسية سرعان ما تحولت إلى ظاهرة أدبية خلال فترة الخمسينات، وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا من خلال الحديث عن نشأة الرواية الجزائرية ذات اللسان الفرنسي.
أسبقية الرواية ذات التعبير الفرنسي:
بالرغم من المحاولات الأولى البسيطة في التأليف الروائي باللغة العربية في الجزائر مع رضا حوحو ( غادة أم القرى 1947 ) وعبد المجيد الشافعي ( الطالب المنكوب ) ونور الدين بوجدرة ( الحريق )، إلا أن الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي تعتبر سابقة تاريخيا من حيث الظهور عن مثيلتها المكتوبة باللغة العربية، حيث شهدت سنوات الخمسينات من القرن الماضي ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي، في حين تأخر ظهور الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية إلى غاية سبعينيات القرن الماضي على يد عبد الحميد بن هدوقة بروايته " ريح الجنوب " سنة 1971، والطاهر وطار برواياته الأولى، خصوصا رواية " اللاز " التي تعتبر علامة فارقة في تاريخ المتن الروائي الجزائري.
تعبر سنة 1950 هي سنة ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي على يد كوكبة من الروائيين الجزائريين الذين تعلموا في المدرسة الفرنسية وحصلوا نصيب وافر من الثقافة الفرنسية دون إن يفقدوا إحساسهم المرهف بنبض مجتمعهم الذي كان يعيش وقتها حركية استثنائية على جميع الأصعدة السياسية والثقافة والاجتماعية، في هذه السنة ألف مولود فرعون رواية " ابن الفقير "، ليتبعها بروايات أخرى صدرت خلال عشرية الخمسينات وهي روايات: " الأرض والدم " عام 1953، " الدروب الوعرة " سنة 1957، كما ألف مولود معمري " الهضبة المنسية " عام 1952، ورواية " السبات العادل " عام 1955، لينشر بعد الاستقلال روايته الملحمية التي تحولت لفيلم سينمائي حصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي عام 1975، وهي رواية " الأفيون والعصا " سنة 1965 أما محمد ديب فقد نشر ثلاثيته الشهيرة في عشرية الخمسينات بداية بـ " الدار الكبيرة " عام 1952، ثم " الحريق " عام 1954 ، ليلحقها برواية " النول " عام 1957، ويواصل بعدها نشر باقي أعماله الرواية التي حضت بشهرة عالمية واسعة خصوصا في المجال الثقافي الفرانكفوني، وخلال نفس العشرية التي شهدت ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي، أي عشرية الخمسينات من القرن الماضي نشر كاتب ياسين روايته الشهيرة " نجمة " سنة 1956، كما نشر مالك حداد روايته " الانطباع الأخير " سنة 1958، ورواية " سأهبك غزالة " سنة 1959 ، ليتلوها لاحقا برواية " التلميذ والدرس " سنة 1960، وكذا رواية " رصيف الأزهار لم يعد يجيب " سنة 1961؛ أما الصوت النسائي الأكثر بروزا ضمن هذه الكوكبة فقد مثلته آسيا جبار، التي نشرت روايتها الأولى " العطش " عام 1957 ، لتتلوها برواية " الجازعون " سنة 1958، ورواية " أبناء العالم الجديد " سنة 1962.
إن ما يميز هذه الكوكبة من الروائيين الجزائريين والذين حصلوا جميعا على شهرة وحضور كبيرين على المستوى النقدي والإعلامي وكذا على نسبة عالية من المقروئية خصوصا لذا عموم القراء الناطقين بالفرنسية، ما يميزهم جميعا، هو كونهم خريجي المدرسة الفرنسية التي أتاحت للجزائريين تلقي نصيب من التعليم؛ وكذا ارتباطهم – رغم ثقافتهم الفرنسية – بهموم مجتمع " الأهالي " وتعبيرهم عن عمق المجتمع الجزائري مستعملين اللغة الفرنسية كوسيلة توصيل للرؤى الإبداعية التي يتبنونها ويدافعون عنها، وما ميز كتاباتهم أيضا، هو إعطاء صوت للجزائريين داخل المتن الروائي المكتوب باللغة الفرنسية، حيث أن الرواية الفرنسية عموما لم تهتم بوضع الجزائريين ولم تقترب منهم إلا نادرا، فقد ظل " لانديجان " في نظر المستعمر والرجل الغربي مجرد إنسان متوحش بليد وعدواني، يعطي صورة عن الشرق الاكزوتيكي الذي صوره فنانو أوروبا وروائيوها من خلال أعمال متخيلة لا تلتقي بالواقع إلا نادرا، أي أن الغرب خلق الشرق الذي يبحث عنه كما بين ذلك ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق، وهذه النظرة الغير الواقعية للأهالي هي التي وظفها الروائيون الفرنسيون – حتى الذين عاشوا بالجزائر – وهم يتناولون الأهالي في أعمالهم؛ وحول هذه النقطة بالذات تتميز الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية عن مجموع المتن الروائي الفرنسي، حيث أن الروائيين الجزائريين أكثر معايشة للواقع الجزائري ومشاكله وإشكالاته من زملائهم الفرنسيين " حيث أنهم لم يمارسوا الأدب إلا بعد التجارب التي اقتنوها في مختلف الحرف، لذلك جاءت موضوعاتهم الأدبية تعبر عن خبرة شخصية بالمشاكل اليومية. وهكذا نجد كاتب ياسين، مثلا، قد احترف الصحافة والعمل في المواني والزراعة قبل أن يمارس الأدب. أما محمد ديب فقد اشتغل محاسبا ونساجا ومعلما وصحفيا قبل أن يدخل ميدان الأدب. ومن المهم أن نلاحظ أنهم جميعا قد مارسوا حرفة التعليم..."([5])، ولهذا نجد أن الروائيين الجزائريين وهم يكتبون بالفرنسية لم ينسلخوا عن مجتمعهم ولا تجردوا من هويتهم، رغم إحساسهم بشيء من التمزق بين ثقافتين، ثقافة فرنسية ذات أفق عالمي اكتسبوها من خلال دراستهم في المدارس الفرنسية ومن خلال سفر معظمهم إلى فرنسا والعيش فيها لفترات معينة والتأثر بأسلوب الحياة الغربي، وبين ثقافة أصيلة عربية وبربرية لا تزال تؤمن بالغيبيات التي تحكم حياة الفرد، وتسيطر عليها " جميع التقاليد والعادات والطبائع والتصورات التي تريد أن تسجنه في قيود لا تنفصم "([6])؛ فنجد كتاب الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي في تلك الفترة المبكرة لميلاد الرواية الجزائرية قد تحدثوا وبكثير من الصدق عن معاناة الإنسان الجزائري وطموحاته، ونقلوا مشاكله اليومية من فقر وبطالة وهجرة وظلم ورغبة في الارتقاء و الانعتاق، من الواقع المعيش إلى العالم الروائي وفضاءه الإبداعي، متجاوزين النظرة الرومانسية والغنائية التي ميزت الرواية الفرنسية في تناولها للفرد الجزائري والتي ظلت تركز دوما على العناصر البدائية التي تستهوي القارئ الغربي وترضي ذائقته التي شكلتها المدرسة الإستشراقية.
إذن، والحالة هذه، فإن جمعية العلماء المسلمين ونهجها الإصلاحي كان عاملا رئيسا في تأخر ظهور جنس الرواية باللغة العربية في الجزائر المستعمرة، رغم ظهور هذا الجنس باللغة الفرنسية على يد كتاب جزائريين أثناء نفس الفترة، وهذا الرأي هو ما يذهب إليه مخلوف عامر في كتابه: الرواية والتحولات في الجزائر، حيث يؤكد مخلوف عامر أنه منذ " بروز الحركة الوطنية كانت الأولوية –دوماً- للخطاب السياسي الأيديولوجي، فلم يكن أدباء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يهتمون بالناحية الجمالية، بقدر ما كانوا يهتمون بالدلالة السياسية والاجتماعية في كتاباتهم. فبقي الشعر في حدود القوالب التقليدية، وتخلّف عن شعر المهجر وتجديداته، ونال فن المقالة الحظّ الأوفر من الكتابة النثرية ثم كان المقال القصصي –فيما بعد- أقصى ما بلغه الفن القصصي قبل حرب التحرير" ([1] )، هذا الرأي هو نفس ما يذهب إليه واسيني الأعرج، وكذا رمضان حمود الذي يقول عن الجهود الأدبية لأعضاء وأنصار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: " إنهم بلغوا الأمانة التي استودعت في أيديهم إلى أيدينا بغير خيانة ولا تقصير لا أكثر ولا اقل والأمانة هي اللغة العربية لا غير "([2])، فالجمعية ربطت الأدب والنقد بأهدافها وفق رؤية إصلاحية ترى ضرورة الحفاظ على مقومات الهوية الجزائرية من لغة ودين بعيدا عن أية إضافة لما كان موجودا في المجال الأدبي المتوارث عن الأسلاف، وهذه الرؤية رغم ضرورتها الحضارية في ظل الظروف التي عاشتها الجزائر المستعمرة وخصوصا مع السعي الدءوب للاستعمار الفرنسي لمحو كل المقومات الهوياتية للشعب الجزائري وخصوصا اللغة والدين، غير أنها، أي هذه الرؤية الإصلاحية، وقفت حجر عثرة في طريق نهضة أدبية على غرار ما عرفته الأقطار العربية المشرقية منذ أواخر القرن التاسع عشر.
ورغم رفض بعض النقاد الجزائريين لهذه الفرضية التي تربط بين الدور الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وتأخر ظهور الجنس الروائي باللغة العربية في الجزائر إلى ما بعد الاستقلال، إلا أن الرأي الغالب يميل إلى التأكيد على هذه الفرضية(*)
مع أن جعفر يابوش في كتابه: " الأدب الجزائري الجديد، التجربة المآل" يرى عكس هذا الرأي ويؤكد على الدور الكبير الذي لعبته الجمعية ورجالاتها في النهضة الأدبية في الجزائر حيث يرجع الفضل في " تحريك الهمم وشحذ القرائح وسريان الأقلام إلى زعماء الحركة الإصلاحية في الجزائر، لأنها جعلت من صحافتها المكتوبة ومن منتدياتها الفكرية ومدارسها التعليمية، المجال الحر للتنافس بين الأدباء والمفكرين ومن مختلف المشارب الفكرية والمذاهب والنزعات الأدبية"([3]).
وهذا التأكيد على الدور الكبير لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في النهضة الأدبية هو ما يؤكد عليه أيضا الناقد عبد المالك مرتاض في أطروحته الموسومة بـ " فنون النثر الأدبي في الجزائر، 1931 – 1954 " حيث قام بجمع " مادة بحثه هذه من 32 مجلة وصحيفة جزائرية صادرة بين 1925 و 1956 مستخرجا منها 16 قصة و 01 رواية واحدة و11 عشرة نصوص مسرحية { هكذا }، ومعظم هذا الإنتاج نشر على مجلات جمعية العلماء المسلمين..." ([4]).
وإذا كان إعطاء حكم نهائي ومطلق على النهج الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودوره في تأخر ظهور جنس الرواية بالجزائر، وفي الوقوف حجرة عثرة في طريق التجديد الأدبي بسبب لغتها الدينية أولا، ونظرتها الماضوية فيما يتعلق بفنون الشعر والنثر العربيين ثانيا، فإننا نميل لتبني الرأي القائل بأن دور الجمعية لم يأت بإضافة نوعية بالقياس إلى ما كان يجري من حولها، سواء في المشرق العربي الذي شهد نهضة أدبية حقيقية، أو في الجزائر التي شهدت بعض المحاولات الروائية من طرف جزائريين يكتبون باللغة الفرنسية سرعان ما تحولت إلى ظاهرة أدبية خلال فترة الخمسينات، وهذا ما سنتطرق إليه لاحقا من خلال الحديث عن نشأة الرواية الجزائرية ذات اللسان الفرنسي.
أسبقية الرواية ذات التعبير الفرنسي:
بالرغم من المحاولات الأولى البسيطة في التأليف الروائي باللغة العربية في الجزائر مع رضا حوحو ( غادة أم القرى 1947 ) وعبد المجيد الشافعي ( الطالب المنكوب ) ونور الدين بوجدرة ( الحريق )، إلا أن الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي تعتبر سابقة تاريخيا من حيث الظهور عن مثيلتها المكتوبة باللغة العربية، حيث شهدت سنوات الخمسينات من القرن الماضي ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي، في حين تأخر ظهور الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية إلى غاية سبعينيات القرن الماضي على يد عبد الحميد بن هدوقة بروايته " ريح الجنوب " سنة 1971، والطاهر وطار برواياته الأولى، خصوصا رواية " اللاز " التي تعتبر علامة فارقة في تاريخ المتن الروائي الجزائري.
تعبر سنة 1950 هي سنة ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي على يد كوكبة من الروائيين الجزائريين الذين تعلموا في المدرسة الفرنسية وحصلوا نصيب وافر من الثقافة الفرنسية دون إن يفقدوا إحساسهم المرهف بنبض مجتمعهم الذي كان يعيش وقتها حركية استثنائية على جميع الأصعدة السياسية والثقافة والاجتماعية، في هذه السنة ألف مولود فرعون رواية " ابن الفقير "، ليتبعها بروايات أخرى صدرت خلال عشرية الخمسينات وهي روايات: " الأرض والدم " عام 1953، " الدروب الوعرة " سنة 1957، كما ألف مولود معمري " الهضبة المنسية " عام 1952، ورواية " السبات العادل " عام 1955، لينشر بعد الاستقلال روايته الملحمية التي تحولت لفيلم سينمائي حصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي عام 1975، وهي رواية " الأفيون والعصا " سنة 1965 أما محمد ديب فقد نشر ثلاثيته الشهيرة في عشرية الخمسينات بداية بـ " الدار الكبيرة " عام 1952، ثم " الحريق " عام 1954 ، ليلحقها برواية " النول " عام 1957، ويواصل بعدها نشر باقي أعماله الرواية التي حضت بشهرة عالمية واسعة خصوصا في المجال الثقافي الفرانكفوني، وخلال نفس العشرية التي شهدت ميلاد الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي، أي عشرية الخمسينات من القرن الماضي نشر كاتب ياسين روايته الشهيرة " نجمة " سنة 1956، كما نشر مالك حداد روايته " الانطباع الأخير " سنة 1958، ورواية " سأهبك غزالة " سنة 1959 ، ليتلوها لاحقا برواية " التلميذ والدرس " سنة 1960، وكذا رواية " رصيف الأزهار لم يعد يجيب " سنة 1961؛ أما الصوت النسائي الأكثر بروزا ضمن هذه الكوكبة فقد مثلته آسيا جبار، التي نشرت روايتها الأولى " العطش " عام 1957 ، لتتلوها برواية " الجازعون " سنة 1958، ورواية " أبناء العالم الجديد " سنة 1962.
إن ما يميز هذه الكوكبة من الروائيين الجزائريين والذين حصلوا جميعا على شهرة وحضور كبيرين على المستوى النقدي والإعلامي وكذا على نسبة عالية من المقروئية خصوصا لذا عموم القراء الناطقين بالفرنسية، ما يميزهم جميعا، هو كونهم خريجي المدرسة الفرنسية التي أتاحت للجزائريين تلقي نصيب من التعليم؛ وكذا ارتباطهم – رغم ثقافتهم الفرنسية – بهموم مجتمع " الأهالي " وتعبيرهم عن عمق المجتمع الجزائري مستعملين اللغة الفرنسية كوسيلة توصيل للرؤى الإبداعية التي يتبنونها ويدافعون عنها، وما ميز كتاباتهم أيضا، هو إعطاء صوت للجزائريين داخل المتن الروائي المكتوب باللغة الفرنسية، حيث أن الرواية الفرنسية عموما لم تهتم بوضع الجزائريين ولم تقترب منهم إلا نادرا، فقد ظل " لانديجان " في نظر المستعمر والرجل الغربي مجرد إنسان متوحش بليد وعدواني، يعطي صورة عن الشرق الاكزوتيكي الذي صوره فنانو أوروبا وروائيوها من خلال أعمال متخيلة لا تلتقي بالواقع إلا نادرا، أي أن الغرب خلق الشرق الذي يبحث عنه كما بين ذلك ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق، وهذه النظرة الغير الواقعية للأهالي هي التي وظفها الروائيون الفرنسيون – حتى الذين عاشوا بالجزائر – وهم يتناولون الأهالي في أعمالهم؛ وحول هذه النقطة بالذات تتميز الرواية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية عن مجموع المتن الروائي الفرنسي، حيث أن الروائيين الجزائريين أكثر معايشة للواقع الجزائري ومشاكله وإشكالاته من زملائهم الفرنسيين " حيث أنهم لم يمارسوا الأدب إلا بعد التجارب التي اقتنوها في مختلف الحرف، لذلك جاءت موضوعاتهم الأدبية تعبر عن خبرة شخصية بالمشاكل اليومية. وهكذا نجد كاتب ياسين، مثلا، قد احترف الصحافة والعمل في المواني والزراعة قبل أن يمارس الأدب. أما محمد ديب فقد اشتغل محاسبا ونساجا ومعلما وصحفيا قبل أن يدخل ميدان الأدب. ومن المهم أن نلاحظ أنهم جميعا قد مارسوا حرفة التعليم..."([5])، ولهذا نجد أن الروائيين الجزائريين وهم يكتبون بالفرنسية لم ينسلخوا عن مجتمعهم ولا تجردوا من هويتهم، رغم إحساسهم بشيء من التمزق بين ثقافتين، ثقافة فرنسية ذات أفق عالمي اكتسبوها من خلال دراستهم في المدارس الفرنسية ومن خلال سفر معظمهم إلى فرنسا والعيش فيها لفترات معينة والتأثر بأسلوب الحياة الغربي، وبين ثقافة أصيلة عربية وبربرية لا تزال تؤمن بالغيبيات التي تحكم حياة الفرد، وتسيطر عليها " جميع التقاليد والعادات والطبائع والتصورات التي تريد أن تسجنه في قيود لا تنفصم "([6])؛ فنجد كتاب الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي في تلك الفترة المبكرة لميلاد الرواية الجزائرية قد تحدثوا وبكثير من الصدق عن معاناة الإنسان الجزائري وطموحاته، ونقلوا مشاكله اليومية من فقر وبطالة وهجرة وظلم ورغبة في الارتقاء و الانعتاق، من الواقع المعيش إلى العالم الروائي وفضاءه الإبداعي، متجاوزين النظرة الرومانسية والغنائية التي ميزت الرواية الفرنسية في تناولها للفرد الجزائري والتي ظلت تركز دوما على العناصر البدائية التي تستهوي القارئ الغربي وترضي ذائقته التي شكلتها المدرسة الإستشراقية.
ـــــــــــــــــــــــــ
- عامر مخلوف، الرواية والتحولات في الجزائر، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000، ص 10.[1]
2 - رمضان حمود، عن، جعفر يابوش، الأدب الجزائري الجديد التجربة والمآل، منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الجزائر، 2007، ص 16
- أنظر حول هذا الموضوع: *
- عامر مخلوف : - مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر ( صدر بدمشق سنة 1998 ) - الرواية والتحولات في الجزائر ( صدر بدمشق سنة 200 ) – توظيف التراث في الرواية الجزائرية ( صدر سنة 2005 )
وانظر أيضا: واسيني الاعرج توجهات الرواية العربية في الجزائر
جعفر يابوش، مرجع سابق، ص 17.[3]
- نفس المرجع، ص 18[4]
- أبو القاسم سعد الله، دراسات في الأدب الجزائري الحديث، ط5، دار الرائد للكتاب، الجزائر، 2007، ص 96.[5]
- مولود فرعون، الدروب الوعرة، ص 127، عن أوب القاسم سعد الله، نفس المرجع، ص 98.[6]
- عامر مخلوف، الرواية والتحولات في الجزائر، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2000، ص 10.[1]
2 - رمضان حمود، عن، جعفر يابوش، الأدب الجزائري الجديد التجربة والمآل، منشورات مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، الجزائر، 2007، ص 16
- أنظر حول هذا الموضوع: *
- عامر مخلوف : - مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر ( صدر بدمشق سنة 1998 ) - الرواية والتحولات في الجزائر ( صدر بدمشق سنة 200 ) – توظيف التراث في الرواية الجزائرية ( صدر سنة 2005 )
وانظر أيضا: واسيني الاعرج توجهات الرواية العربية في الجزائر
جعفر يابوش، مرجع سابق، ص 17.[3]
- نفس المرجع، ص 18[4]
- أبو القاسم سعد الله، دراسات في الأدب الجزائري الحديث، ط5، دار الرائد للكتاب، الجزائر، 2007، ص 96.[5]
- مولود فرعون، الدروب الوعرة، ص 127، عن أوب القاسم سعد الله، نفس المرجع، ص 98.[6]
أرسلت في 4:21 م
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)