الخميس، أبريل 24، 2008

جوهر المثقف ووظيفته الاجتماعية

بتاريخ 11:03 م بواسطة عمار بن طوبال

يري أنطونيو غرامشي بأن كل البشر مثقفون بمعنى من المعاني ، ولكنهم لا يملكون الوظيفة الاجتماعية للمثقفين، وهو قد أورد هذا الكلام من خلال تنظيره المتميز للمثقفين وتقسيمه إياهم إلى مثقفين عضويين ومثقفين تقليدين.
فأما المثقف التقليدي فهو ذلك الإنسان الذي يمتلك رصيد معرفي هام مدعوم في كثير من الأحيان بترسانة من الشهادات العلمية، ولكنه يعيش في أبراجه العاجية بعيدا عن هموم المجتمع وتطلعاته.وهم في الغالب كانوا مثقفين عضويين لطبقات زائلة أو فاقدة لهيمنتها أو في طريقها للزوال بسبب تطلعات الطبقات الأخرى التي تسعى للانعتاق من هيمنة الأقليات المتفردة بالسلطة والثروة. وبالتالي فهذه الفئة من المثقفين فاقدة لمشروعيتها الاجتماعية لأنها تنصلت من دورها في قيادة وتنوير المجتمع الذي تنتمي إليه.
أما المثقف العضوي فهو روح الطبقات المهيمن عليها والراغبة في الانعتاق والتحرر والحاملة لمشروع دولة ومجتمع يهدف لتحقيق العدالة والحرية والمساواة وكل القيم النبيلة للإنسانية.
ودور المثقف العضوي هو بلورة تلك التطلعات في مشروع فكري يكتسب مشروعيته من تمثيله لفئة أو طبقة معينة، وبالتالي فهو يمثل دور العقل والقائد لهذه الفئات ولسان حالها.

أنطونيو غرامشي قدم تحليلاته، التي ليس هنا مجال التوسع في عرضها، من منظور ماركسي يحتفل كثير بمفهوم الطبقات الاجتماعية المتصارعة، فالمثقف العضوي بالنسبة له يحمل ذلك المشروع التبشيري أو الرسولي، على عكس المثقف التقليدي الذي تجاوزته الأحداث وهمشته في أبراجه العاجية.
ولكن ما هي الضرورة المنهجية للحديث عن المثقف بالمنظور الغرامشي في سياق الحديث عن المثقف العربي، مع العلم أن كل نظرية سياسية أو اجتماعية تفقد الكثير من قابليتها للتطبيق ومن تماسكها عند نقلها من بيئتها الأصلية التي أنتجت لأجلها وفي ظل سياقاتها، على بيئة أخرى لها شروط سوسيوثقافية مغايرة.
الوظيفة الاجتماعية للمثقف هي المبدأ الجوهري الذي يحكم كل المثقفين باختلاف الزمان والمكان الذي وجدوا وسيوجدون فيه.وهذا ما يعطي مبررا لتوظيف المفهوم الغرامشي للمثقف في محاولة اقتراب من دور المثقف العربي.

فهل المثقف العربي مالك لتلك الوظيفة الاجتماعية التي جعلها غرامشي مرادفة لمعنى المثقف؟
بداية النهاية للمثقف العربي:
يؤكد على حرب من خلال نقده للنخبة وأوهامها على نهاية المثقف وهي مقولة عزيزة على فكر ما بعد الحداثة الذي تتبلور ملامحه بالغرب ويلقى بعض الصدى في العالم العربي وان كان لا يزال في مرحلته الجنينية لم يتبلور بعد في مشروع فكري كتلك المشاريع النهضوية التي صاغها المثقفون العرب بداية من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ووصولا إلى الجابري وحسن حنفي ومحمد اركون وغيرهم، فالمثقف العربي يعيش حاليا أزمة وجود يأتم معنى الكلمة لقد، تجاوزته الأحداث وهمشت دوره الطليعي بعد فشل كل تلك المشاريع التي بشر بها، وبعد أن انهارت منظومة المفاهيم التي عول عليها كثيرا في أحداث تغيير جذري بمجتمعه، سواء من خلال عمله الفكري المحض أو من خلال انخراطه في المجال السياسي ومحاولة توظيف السياسة كمطية للتغير المنشود نظرا لاقتناع هذا المثقف بما للسياسة من قدرة فعلية على التغير على عكس الأفكار المجردة التي قد تؤثر في بعض الأفراد ولكنها نادرا ما تتحول إلى " موضة " اجتماعية قادرة على إحداث التغيير.
إذا تحالف المثقف العربي مع رجل السياسة في بعض الحالات وكان في صفوف المعارضة أحيانا أخرى، وفي كلتا الحالتين تلبسته السياسة وأفقدته وعيه الحاد والحذر اتجاه الأشياء والعالم، لقد صار المثقف العربي وهو يتخبط بحثا عن دور منشود في مجتمعه بوقا يسعى لتبرير اختيارات رجل السياسة بسبب انخراطه في ذلك المجال. أو بوقا يعارض بكثير من الهستيريا كل ما يصدر عن رجل السياسة ويسفه مجهداته محاولا إبراز بطلانها، وهو في كلتا الحالتين يفقد روحه المتميزة بالنظر للأشياء بكثير من التعقل، ويفتقد لذلك المبدأ الذي يرهن وجوده كمثقف. فالسياسي يزعم تمثيله لكل الناس أو انتصاره لهذه الفئة أو تلك في حين المثقف يفترض فيه الابتعاد عن تلك الجموع التي يستهويها الصراخ لأجل تمجيد فلان أو تكفير علان كما يفعل اؤلئك الدعاة الذين يحتلون الفضائيات العربية. المثقف هو الحامل للمبادئ التي لا تتوقف كثيرا أمام
التفاصيل والجزئيات، بمقدار ما تنحاز للفرد/ الإنسان في مطلقيته، الإنسان الذي يريد ان يعيش حياته كما يراها ويريدها و يحيا الدين والأخلاق والقيم كقناعات فردية لا كإكراهات اجتماعية تفرضا هذه المؤسسة أو تلك
المثقف هو دائما ذلك المنحاز للإنسان، للشيء الجوهري والأساسي في الإنسان وهو كرامته وحريته وحقه في الاختلاف، هكذا كان سقراط وهو يتجرع السم دفاعا عن حقه في التفكير معطيا أروع الأمثلة لشباب أثينا كي يعملوا فكرهم ولا ينصاعوا للأفكار والأقوال الجاهزة. ومثله كان ابن رشد الذي كلفته حريته المنفى وإحراق كبته، أيضا فعل ذلك ايميل زولا في دفاعه عن درايفوس ( الضابط الفرنسي المتهم
بالعمالة لألمانيا) في الوقت الذي كانت السلطة وجموع المواطنين المخدوعين بالدعاية السياسية تطالب برأس الضابط الخائن، وفعلها الحلاج ذلك المتصوف النابغة الذي صلب دفاعا عن قناعاته وقد خيرته السلطة( الخليفة المتوكل) بين حياته وقناعاته فاختار الأخيرة لأنها من ستحفظ له كرامته وهي – أي تلك القناعات- من جعلت منه شهيدا ورمزا نذكره الآن بعد مئات السنين من استشهاده.
هذا هو المثقف في الجوهر، هو ليس ملاكا ولا شيطانا أنه إنسان مثل الجميع ميزته هي قدرته على التفكير وصياغة الملاحظات الحياتية في قالب مجرد قادر على تمّثل الحياة بعيدا عن إكراهات السياسة والأيديولوجيا؛ المثقفون لا يقفون ضد السياسة ولا ضد الايديولوجيا، ولكنهم شهداء على المبدأ الأيديولوجي والممارسة السياسية.
والمثقف العربي بانخراطه في الممارسة السياسية سواء في صفوف النظام/ السلطة أو ضمن أحزاب سياسية معارضة أو موالية، فقد مبرر وجوده أو بتعبير انطونيو غرامشي فقد دوره الاجتماعي بالرغم من أن غرامشي دعا لضرورة وجود حزب طليعي يقود التغير الاجتماعي والسياسي المرتقب. إلا أن الوضعية التي يعشها المجتمع العربي ومن خلال التجربة التاريخية التي بينت بان السلطة تكون قادرة من خلال آلياتها المتعددة على تدجين المثقف وإفراغه من محتواه في حالة انضوائه تحت لوائها؛ هذه الوضعية تفرض على المثقف العربي في حالة رغبته في إخلاصه للمبدأ الذي يدافع عنه وفي انحيازه لجوهر الإنسان أن ينأى عن الانخراط في السياسة ويظل شاهدا على الممارسة السياسية قادرا من خلال ما يملكه من قدرة على التحليل والنقد على التنبيه لانحراف هذه الممارسة وعلى الدعوة لعقلنتها وجرها نحو إعطاء المزيد من الحرية والحق في الاختلاف لجموع المواطنين الذين يزعم رجل السياسة انه يمثلهم.

ردود على "جوهر المثقف ووظيفته الاجتماعية"

أترك تعليقا

conter