الجمعة، مايو 02، 2008

.................

بتاريخ 9:17 م بواسطة عمار بن طوبال

أزمة المثقف في الرواية الجزائرية
مقاربة سوسيولوجية

إذا سلمنا بتعريف لوسيان غولدمان – ومن خلفه جورج لوكاتش- للرواية بأنها " بحث عن قيم أصيلة في عالم منحط بوسائل تعوزها الأصالة" نستطيع إعطاء تو
صيف سوسيولوجي للرواية الجزائرية بأنها رواية البطل المثقف وهو بطل إشكالي كما يصفه جورج لوكاتش. حيث وبالرجوع للتراث الروائي الجزائري _ على قلة تراكمه- نلاحظ أن معظم الروايات التي كتبت لحد ألان سواء باللغة العربية أو باللغة الفرنسية تتخذ من شخصية المثقف بطلا روائيا تدور حوله الأحداث.
و الاختلاف بين هذه الروايات ليس في طبيعة البطل وإنما في دور هذا البطل ومقدار تأثره أو تأثيره بالإحداث التي تدور من حوله.سواء كان هذا البطل مبشر
ممكن ايمايلك
ا بالتغير ويحمل رسالة يرغب بتوصيلها للمجتمع
( الروايات التي تحدثت عن الثورة الزراعية مثلا في فترة السبعينات) أو كان مستسلما لتسارع الأحداث والوقائع من حوله غير قادر على الـتأثير فيها, أو كان موقفه انتقادينا مما يدور حوله.
سأحاول من خلال هذه المقالة تقديم الخطوط العريضة لدراسة سوسيولوجية لأزمة المثقف في الرواية الجزائرية من خلال طرح إشكالية الرواية الجزائرية مع تحديد المفاهيم الأساسية التي تدخل ضمن إطار هذا الموضوع (الرواية – المثقف – الأزمة )
مبررات المقاربة السوسيولوجية
بعد مرحلة إثبات الجدوى والمشروعية المعرفية, صارت السوسيولوجيا تقدم نفسها كفروع متخصصة قادرة على م
واجهة مختلف تضاريس المجتمع باليات التحليل السوسيولوجي . فما من حقل معرفي إلا وصار مستهدفا من قبل السؤال السوسيولوجي. وفي ذلك تأكيد على حساسية وأهمية السوسيولوجيا كمعرفة تتسم – من جهة- بالحذر الابتستيمولوجي الذي تفرضه الصرامة القصوى في تسييج المواضيع, ومن جهة ثانية بشساعة دائرة الانشغال.
فالسوسيولوجيا تقترح نفسها كمعرفة متخصصة لمختلف الظواهر الاجتماعية, وفي شتى تمظهراتها.
وفي هذا الإطار تندرج سوسيولوجيا الرواية كفرع يوظف البراديغم السوسيولوجي في مساءلة وتحليل النص الروائي. إن المبرر العلمي لميلاد لميلاد هذا الفرع من السوسيولوجيا ينبرز بامتياز في اجتماعية الأدب عموما والرواية على وجه التحديد , لأن النص الروائي وبرغم طابعه التخييلي فهو نتاج خالص لفعل مجتمعي ينتجه فاعل اجتماعي محدد.

فأسئلة الرواية هي في النهاية وبعد التحليل ليست سوى أسئلة المجتمع, إذا فالعلاقة بين الأدب الروائي من جهة والمجتمع من جهة ثانية قائمة ولا يمكن تجاوزها, فالأدب ( الرواية) لا يكون أدبا إلا في ظل شروط اجتماعية محددة, فالأديب الروائي هو في البدء والختام فاعل اجتماعي والمتلقى للعمل الإبداعي هو فاعل اجتماعي آخر والنسق الذي تتم فيه هذه العملية ( الإبداع والتلقي) يبقى هو المجتمع.

مفاهيم
1- مفهوم المثقف:

أن نطلب من الرواية أن تعطينا تحديدا لمفهوم المثقف ما دام موضوع مقالتنا هو أزمة المثقف في الراية الجزائرية فالأمر قد يكون عسيرا بعض الشيء وذلك لأن الرواية ليس من مهمتها تحديد المفاهيم التي تتناولها.
ولكن بالرجوع إلى الكتابات النظرية حول موضوع المثقف فإننا نجد الكثير من التعريفات والتحديدات لمفهوم المثقف وكل واحد من هذه التعريفات مدفوع بنزعة براغماتية أو إيديولوجية تعريه من بعض الموضوعية التي يزعمها لنفسه.
ومن أكثر من اهتموا بالتنظير العلمي لموضوع المثقف نجد " أنطونيو غرامشي" الذي ينطلق من نظرة ماركسية في تحديد دور ومكانة المثقف في اطار البناء الاجتماعي العام, حيث يتموضع المثقف في إطار البنية الفوقية. غرامشي أتى بمفهومي المثقف العضوي والمثقف التقليدي والتفريق بين هاتين الفئتين من المثقفين يكون على أساس الفئة أو الجماعة التي ينتمي إليها كل مثقف ويعبر عنها. بالنسبة لغرامشي كل إنسان مهما كانت طبيعة عمله سواء كان ذهنيا أو يدويا هو مثقف لأنه حتى في الأعمال العضلية البحتة الأكثر انحطاطا هناك حد معين من إعمال الذهن والتفكير يجب توظيفه من أجل إتمام هذا العمل.
ولكن الفهوم الغرامشي للمثقف واسع وفضفاض ولا يصلح للتوظيف في موضوعنا أزمة المثقف في الرواية الجزائرية.
إجرائيا نقول إن المثقف هو فاعل اجتماعي وهو نتاج تاريخي, كما يؤكد على ذلك جون بول سارتر"إن المثقف هو الشاهد إذن على المجتمعات الممزقة التي تنتجه لأنه يستبطن تمزقها بالذات وهو نتاج تاريخي"1
إذن المثقف هو فاعل اجتماعي يستهلك وينتج المواد الفكرية أي أنه من ينشغل بالإبداع, العليم, التأليف, وإنتاج وتوليد الافكار المعبرة عن وعي الجماعة التي ينتمي إليها.
2- مفهوم الرواية:

هل يمكن إعطاء تحديد علمي دقيق لمفهوم الرواية؟
يبدو أن تقديم هذا المفهوم أمر من الصعوبة بما كان إن لم يكن مستحيلا وذلك نظرا للمعاني المتعددة التي اتخذها مصطلح الرواية عبر مسيرته التاريخية, وذلك لأن الرواية في كل عصر تأخذ صورة مميزة وتكتسب خصائص تجعلها غير مطابقة لخصائص الراية في عصر سابق " ففي العصور القديمة كانت الملحمة هي الرواية, وفي العصور الوسطى كانت القصة الطويلة الجغرافية ذات الطالع الفروسي هي الرواية, وفي بداية القرن التاسع عشر كانت القصة الطويلة الرومانسية هي الرواية"2
وهكذا تلون وتعدد معنى الرواية. كما أننا نجد في القواميس الحديثة اختلافات كثيرة في تحديد المعنى الاصطلاحي للرواية. ولكن وبالرغم من هذا التعدد الثري والاختلاف فإن "الميزة الوحيدة التي تشترك فيها جميع الروايات هي أنها قصصا طويلة..."3. يؤخذ على هذا التحديد أنه شكلي واختزالي لعناصر أخرى تشترك فيها الكثير مما اصطلح على تسميته رواية, كما أن الطول أمر نسبي قد يقع اختلاف كبير في تحديده, ولكن الملاحظ " أن ما يعتبره أغلب النقاد في العالم العربي لكل رواية لا يقل في الغالب عن عدد صفحاتها عن ثمانين صفحة من القطع المتوسط"4
3- الأزمة

"القديم يموت والجديد لا يعرف كيف يعيش" هذا هو توصيف أنطونيو غرامشي للازمة.وانطلاقا من هذا التوصيف نستطيع تلمس تمظهرات أزمة المثقف في الرواية الجزائرية من خلال الشرخ الذي حصل بين رواية السبعينات أو رواية الآباء المؤسسين( الطاهر وطار, عبد الحميد بن هدوقة, رشيد بوجدرة...) التي تميزت بتصالحها مع الواقع السياسي وحملها لهم أو وهم الرغبة في التغيير وراوية الأبناء المارقين(بشير مفتي, حميد عبد القادر, الخير شوار..) الذين يرفضون أبوة الكبار من جهة ويعانون من اغتراب مجتمعي حقيقي بعد أن ولى زمن اليوتوبيات الذي عاش عليه الجيل السابق من الروائيين.
إشكالية الرواية الجزائرية:
ما يلاحظ عن الرواية الجزائرية أنها واكبت المسيرة التاريخية للجزائر المستقلة وكانت المعبر عما يختلج في وعي المجتمع من طموحات وأمال عقب استرجاع الاستقلال الوطني. كما إنها -أي الرواية الجزائرية- كانت معبرة عن التغيرات العميقة التي عرفها المجتمع الجزائري سواء في المدن أو في الأرياف نتيجة السياسات المنتهجة من قبل الدولة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
غير ان هذا الارتباط العميق بالواقع المعيش والتقارب الذي حصل بين المبدعين و الاختيارات السياسية للدولة الجزائرية عقب الاستقلال قد أوقع الرواية الجزائرية في فخ الأدلجة وتبني الخطاب السياسي إبداعيا.

إننا نجد طوال فترة حكم الحزب الواحد تأطيرا للمجال الثقافي من طرف المجال السياسي, فالمثقف الجزائري عموما ظل تابعا للسياسي, وهو في أحسن الأحوال شريك غير متكافئ. ومن هنا كان لزاما على المثقف في مثل هذه الحالة أن ينتج خطابات تبرر وتعطي مشروعية لاختيارات رجل السياسة. فنحن نجد الكثير من الروايات التي كتبت في فترة السبعينات مثلا تناولت موضوع الثورة الزراعية وتأميم المحروقات, ليس بصفة نقدية أو انتقاديه وإنما بطريقة تمجيدية وتبريرية.
إذا فالرواية الجزائرية ظلت ولوقت ليس بالعيد رواية إيديولوجية كما أنها " رواية البورجوازية الصغيرة, كما إنها لم تخرج عن جدلية التاريخ والواقع المعيش والمكتوب في الرواية هو المثقف المأزوم بإشكالية الواقع"5
هذا المثقف الذي ظل حضوره محايثا لحضور الرواية فعظم النصوص الروائية الجزائرية تتخذ من شخصية المثقف محور تدور حوله مختلف الأحداث. فالمثقف هو المبشر بالتغيير القادم في رواية السبعينات وهو المنتقد لواقعه والناقد للتاريخ والهوية في رواية الثمانينات, وهو المأزوم والمهزوم تحت وطأة الواقع في رواية التسعينات من القرن العشرين.
إذن فالرواية الجزائرية المعاصرة ( رواية تسعينيات القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين) هي بامتياز رواية المثقف المأزومة. المثقف الذي يشكل عجزه عن التغيير جوهر أزمته فالمثقف في الرواية الجزائرية هو مثقف همشته الأحداث المتسارعة والمتصارعة من حوله . تلك الأحداث السياسية والاجتماعية والأمنية التي عجز المثقف عن التنبؤ بها والتعامل معها بله التأثير بها.
الرواية هي عالم عاكس للقيم والعلائق القائمة في مجتمع الكاتب تولد لنا من خلال نصوص كثيرة أزمة هامشية المثقف كبطل روائي .
فهل أزمة المثقف كبطل روائي ما هي انعكاس للمثقف كمنتج للنص الروائي؟
ما هي تمظهرات أزمة المثقف كما عبرت عنها الرواية الجزائرية؟
هل هناك فرق بين أجيال الروائيين الجزائريين في النظر إلى أزمة المثقف من خلال نصوصهم الروائية؟
وإن وجدت هذه الفروق فما هي أسبابها؟

ردود على "................."

أترك تعليقا

conter