السبت، أبريل 12، 2008

الكتابة الأدبية عن الجنس هل هي إبداع أم مجرد كتابة للإثارة فقط

بتاريخ 2:44 ص بواسطة عمار بن طوبال

ربما يبدو هذا التساؤل قديما ومستهلكا بعض الشيء نظرا لما أساله من حبر وما أثاره من معارك فكرية بين المناصرين والمعارضين لهذا النوع من الكتابة.
حجة المناصرين أن الثقافة العربية وعلى امتداد تاريخا الطويل، ابتداء من امرؤ القيس ووصولا إلى وقتنا الراهن تحفل بكثير من النصوص الخالدة التي كان الجنس هو موضوعها الأساسي، أو حاضرا فيها بقوة؛ كما أن اللغة العربية نفسها هي من أكثر لغات العالم احتفاء
بالجسد والشبق.
وحجة المعارضين أن هذا النوع من الكتابة مناف لأخلاق وقيم المجتمع، بالإضافة إلى أن الدين الإسلامي يأمرنا بالتحشم؛ وبالتالي يعتبرون مثل هذه الكتابات لا تندرج ضمن الأدب والإبداع إنما هي تعبير مرضي عن قلة أدب.
إذا، ينطلق الفريق الأول في دفاعه عن هكذا نوع من الكتابة مما هو كائن مستنجدا بتاريخ الأدب العربي نفسه، وموظفا الكثير من الأمثلة التي يعثر عليها في كل فترة من الفترات التي مر بها هذا الأدب سواء كانت فترة ازدهار أم فترة انحطاط.

في حين ينطلق الفريق الثاني مما يجب أن يكون، موظفا مقولات فقهية أوّلت النص الديني تأويلا خاصا، وواضعا نفسه – أي هذا الفريق- حاميا ومدافعا عن الأخلاق العامة، انطلاقا من نظرة اخلاقوية يعوزها الكثير من التفتح.
على المستوى الأدبي والنقدي وكذا من خلال الصحافة أثير هذا الموضوع كثيرا، وخصوصا حين يتعلق الأمر بأنثى كاتبة، فالذهنية الذكورية لمجتمعاتنا مازالت ترى بان المرأة حين تكتب فهي تكتب بجسدها ورغباتها قبل أن تكتب بعقلها.
لكن على مستوى التدوين وباعتبار هذا الفضاء الإبداعي لا يزال حديثا وفي طور التكون في العالم العربي، فإن مواضيع كثيرة مازالت في خانة المسكوت عنه، رغم ما يمنحه هذا الفضاء من حرية كبيرة في التعبير عن كل شيء. صحيح أن هناك الكثير من المدونات التي يعمد أصحابها إلى إثارة مواضيع جنسية وحميمة جدا، ولكن لم يفتح نقاش حول طبيعة هذه الكتابة، إنما الموجود هو ردود فعل سواء مشجعة أو رافضة، دون الغوص في جوهر الموضوع.
من الناحية السوسيولوجية يرتبط " الأدب الجنسي" – مع بعض التحفظ على هذه التسمية- بالفضاء المديني أي الحضري، نظرا لما يتيحه هذا الفضاء الجغرافي من حرية مقارنة بالفضاء الريفي أو البدوي الذي يتميز على عكس الأول بكثير من التحفظ والحشمة، فالمدينة تتميز بمجهولية الناس القاطنين فيها مقارنة بالريف حيث الجميع يعرفون بعضهم البعض؛ هذه المجهولية تمنح الفرصة للتعبير بحرية كبيرة عن الرغبات الجنسية سواء من خلال الكلام/ الكتابة أو من خلال الممارسة، رغم أن معظم التعبيرات الشبقية لسكان المدينة تتم بشكل لفظي سواء من خلال الكتابة أو النكت الجنسية أو المعاكسة التي يتسع مجالها كثيرا نظرا للاختلاط الموجود بالمدينة ووجود نساء ورجال غرباء عن بعضهم مع بعض في أماكن كثيرة؛ ولكن التعبير عن الرغبات الجنسية في المدينة غالبا ما لا يتعدى المستوى اللفظي، ليس لان سكان المدينة يتميزون بعفة تمنعهم من الوصول إلى ممارسة فعلية وإشباع هذا الشبق المتنامي، وإنما لأسباب موضوعية وقاهرة تكسر هذه الرغبات وتمنعها من التحقق، هذه الأسباب تكمن أساسا في ضيق الأمكنة، وهذه خاصية سوسيولوجية مرتبطة بالمدينة على عكس الريف أو البادية التي تتميز باتساع الفضاء الغير مأهول والذي يمكن استغلاله كأماكن خاصة باللقاءات الحميمية.
في بحثه عن " الجنس: وفرة الإثارة وشح الأمكنة" يقول الدكتور عبد الصمد الديالمي:
" في المدن الكبيرة، تتأرجح الأوساط الشعبية بين تأجج الرغبة الجنسية وبين قلة حظوظ إشباعها...
من بين ما يعنيه التحضر، الانتقال إلى مجال غير قبلي يتأسس على قيم جديدة تدور حول الفرد وحرياته. في هذا المجال، يتحرر الفرد من نظرة الآخرين ومن ضغط القرابة، وبالتالي تصبح معاكسة النساء أمرا ممكنا. أبعد من ذلك، يرى(جورج زيمل) أن معاكسة النساء ظاهرة حضرية بالأساس، بمعنى أن المعاكس يتعرض لنساء في كل الأماكن العمومية قصد استهلاكهن جنسيا. إنه الرجل الذي يجرب حظه مع كل النساء، ومع أكبر عدد ممكن من النساء. لا مجال هنا لشيء اسمه الحشمة، فلا أحد يعرفه في مجال حضري يتسم بالمجهولية"
إذا، هناك وفرة جنسية في مقابل شح في إمكانية إشباعها، وهذا ما يحول الإشباع من شكله الطبيعي الجسدي إلى شكل أخر، وهو محاول الإشباع عن طريق اللغة، أي توظيف جنسانية اللغة كوسيلة تنفيس عن تلك الرغبات المحمومة والممنوعة من جهة والممنوعة من التحقق من جهة ثانية، وهذا ما أنتج لنا ما يسمى في الغرب بالأدب المكشوف، وهذه الظروف نفسها هي التي أنتجت لنا في تراثنا العربي كما هائلا من الأدب الجنسي الذي ازدهر في حواضر الدولة الإسلامية خصوصا في عهد الخلافة العباسية.
وكنت في إدراج سابق تحت عنوان: الحب في الثقافة العربية قد تحدثت عن الفروق الموجودة بين شعر البوادي ( الشعر العذري كنموذج) والشعر الذي أنتجته الحواضر الإسلامية حول موضوع الحب ونظرة الإنسان المسلم البدوي للحب التي تختلف جذريا عن نظرة الحضري، ففي الشعر الذي أنتجته البادية نلحظ الكثير من العفة وكذا اقتصاد كبير في توظيف كلمات ومعاني ذات مدلول جنسي، على عكس الشعر الحضري الذي وصف وبالتفصيل ودون حشمة، الكثير من العلاقات الجنسية سواء السوية أو الشاذة، كما أنه- أي هدا الشعر- قد وظف القاموس الجنسي العربي أفضل توظيف.

وبالعودة إلى التراث الجنسي العربي نجد نصوصا كثيرة تناولت العلاقات الجنسية، عن لم نقل مجّدت هذه العلاقات، كما في حالة شعر أبي نواس الذي يظل مثالا نادرا " للالتزام في الأدب " حيث كانت حياته لا تنفصل عن شعره، ونظرا لما اتسم به من مجون فقد اودع كل هذا المجون في أشعاره. ولكن يبقى ابو نواس استثناء يؤخذ به دون أن يقاس عليه. ولكن هذا لا يعني أن الحسن بن هانئ هو من أوصل الجنسانية العربية إلى ذروتها، فالذين أوصلوا هذه الجنسانية إلى ذروتها هم فقهاء ورجال دين، وهنا تكمن المفارقة، وأيضا ينبرز الدليل الذي يوظفه أنصار هذا النوع من الكتابة ضد خصومهم الدين يعارضون باسم الدين وباسم نصوص فقهية.
ربما يكون الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي صاحب كتابي أسباب النزول وتفسير الجلالين، هو من أكثر من كتبوا عن الجنس، واستعراض بعض عنوانين كتبه في هذا المجال يعطي صورة أوضح عن الذهنية المنفتحة التي كان يتميز بها الفقهاء في الماضي ونظرتهم العقلانية للأشياء:

- نواضر الأيك في آداب النيك
- إرشاد اللبيب لمعاشرة الحبيب
- مقامة النساء
- رشف الزلال من السحر الحلال
- الوشاح في فوائد النكاح
- شقائق الاترنج
وغيرها من كتبه الكثيرة التي كان موضوعها الأساسي هو الجنس وبأسلوب يعتبر في أيامنا هذه فاضحا جدا، بدليل أن معظم كتبه التي حققت ونشرت تم منعها في الكثير من الدول العربية والإسلامية بحجة أنها أدب بورنو.
لا يمثل الإمام السيوطي استثناء في هذا المجال سواء بالنسبة لمجايليه أو السابقين عليه أو اللاحقين، مع أن الثقافة العربية وبداية من عصر الانحطاط الذي عاش السيوطي على مشارفه، بدأت تميل إلى نوع من " المحافظة الخائفة" وهي محافظة خائفة على الهوية وعلى ال
دين، وهذه ميزة من مميزات الضعف في أية ثقافة، فالثقافة التي تجد نفسها في موضع ضعف مقارنة مع ثقافات أخرى قوية وقادرة على إيصال مفهوماتها عن الأشياء للثقافات للأخرى. دائما ما تحتمي بمكونات هويتها من دين وأخلاق لكسر محاولات الغزو الثقافي الذي تتعرض له من الثقافات الأخرى القوية، وهذه هي نفس الحالة التي لا تزال ثقافتنا العربية الإسلامية تعيشها إلى الآن، أي أننا مازلنا في حالة احتماء من خطر خارجي يهدد هويتنا، وهذا الخوف هو الذي يمعنا من تمثّل بعض المحطات المهمة في تاريخنا وفي تراثنا.
رغم أن السيوطي قد انتقل بالأدب الجنسي العربي إلى مراحل أكثر تطورا مما كان عليه قبله بسبب مزجه بين الأدب والعلم في تناول موضوعاته،
وأيضا لأنه كتب معظم مؤلفاته بأسلوب نثري جذاب. إلا انه لم ينل شهرة كافية في هذا المجال، ربما لان كتبه الفقهية طغت على كتبه الجنسية وظل تراثه الجنسي مغمورا لفترات طويلة كباقي المؤلفات الجنسية الأخرى التي عملت ذهنية " المحافظة الخائفة " التي ميزت عصر الانحطاط على إلغاءها ومحاربتها.
يمكن إعطاء أمثلة كثيرة عن تفتح الثقافة العربية الإسلامية في عصور ازدهارها واحتضانها لمختلف صنوف الإبداع، واعتبارها الكتابة عن الجنس وتوظيف القاموس الجنسي العربي توظيفا مبهرا، نوعا من أنواع هذا الإبداع لا يختلف عن غيره في شيء، قد يكون أدبا راقيا أو منحطا، ولكن تقييمه لا يتم بنظرة أخلاقية ولا دينية إنما عن طريق تطبيق قواعد النقد التي تطبق على غيره من أنواع الكتابة الأخرى.

بداية من امرؤ القيس من خلال أشعاره التي وصف فيها علاقته الجسدية بحبيبته ووصولا إلى سوى النعيمي وكتابها الذي صدر مؤخرا تحت عنوان " برهان العسل " يحتل الأدب الجنسي مكانة مهمة في الأدب العربي، القديم خصوصا. ولكن هذا النوع من الأدب يواجه بكثير من الرفض، خصوصا من قبل الفقهاء والمحافظين الذين يرون فيه اعتداء سافرا على الأخلاق والآداب العامة، متناسين أن اللغة العربية هي لغة جنسية بامتياز وهي الأقدر من بين كل اللغات على تجسيد كل أطياف وألوان الجنس.
واني أطرح هذا الموضوع - الذي لم ارغب في التوسع فيه أكثر- للنقاش.
فهل الكتابة عن الجنس هي إبداع كغيره من أنواع الإبداع الأخرى أم أنها مجرد كتابة للإثا
رة؟

1 تعليق على "الكتابة الأدبية عن الجنس هل هي إبداع أم مجرد كتابة للإثارة فقط"

.
gravatar
عمار بن طوبال يقول....

هذا الموضوع هو ارهاص اولي لكتاب تتبلور فكرته في ذهني
وساعمل لاحقا على جمع المادة العلمية الكافية لاجل تأليفه
لهذا يبدو العرض مقتضبا بعض الشيء
ولي توسع في الموضوع لاحقا سواء من خلال ادراجات/رسائل جديدةفي نفس الموضوع او من خلال نشر الكتاب كاملا بعد الانتهاء من تاليفه

أترك تعليقا

conter