الاثنين، يونيو 26، 2017
عن بعبع الإلحاد
بتاريخ 11:31 م بواسطة عمار بن طوبال
الإلحاد في كل المجتمعات يظل عبارة عن حالات فردية، وحتى في عصر الأنوار الأوروبي الذي اعتبر عصر الالحاد بامتياز لم يكن عدد الملحدين أكبر من عدد المؤمنين ولا مقاربا لعددهم ولا حتى يمثل نسبة معتبرة، فالإلحاد، إذا استثنينا التجربة السوفياتية التي تبنت فيها الدولة وأجهزتها الايدولوجيا فكرة الإلحاد وعملت على جعله واقع اجتماعي، كان وسيظل حالات فردية، وهو كاعتقاد بلا جدوى الدين ورؤيته للعالم والآخرة، لا يجعل صاحبه متجاوزا للدين كثقافة، أي
كتمثلات اجتماعية وممارسات وعادات واعراف وصيغ تعبيرية متداولة، فالملحد الجزائري حين يقول الحمد لله، وبربي انشاء الله، يقصد صيغة تعبيرية تمثل الثقافة التي نشأ فيها، وهو بذلك يؤكد الانتماء الثقافي، وهذا الانتماء هو الذي يؤسس ما تسميه العلوم الاجتماعية بالمتخيلات الاجتماعية، أي الأسس التي يقوم عليها أي مجتمع والتي تجعل أفراده متشابهين في سلوكيات وفي رودود أفعال معينة، حتى ولو كانوا يسعون إلى أن يكونوا مختلفين، فالثقافة هنا كنمط تنشئة اجتماعية تشمل الدين وتتجاوزه، وهي التي تظل عميقة الأثر في حياة واعتقاد وسلوكيات الأفراد، بشكل يجعل أي قطيعة حادة وتامة معالقيم الثقافية غير ممكنة واقعيا مهما كان الحرص عليها، لهذا لا يشكل الملحد، كحالة فردية، ومعزولة في غالب الأحيان، تحديا لأواصر الانتماء في المجتمع الذي ينتمي إليه، إلا في جانبه الأكثر تحديدا ونصوصية وهو الدين؛ إنه حين لا يؤمن بالإنبياء والرسل والبعث والحياة الآخرة،، والجنة والولدان المخلدون، ويقدم بديلا عن تلك التصورات إنطلاقا من رؤى تمتح من العلم وتتأسس عليه، أو تنطلق من إيديولوجيات معينة ترى إلى الانساني المشترك وترفض الجماعاتي الضيق الذي يشكل الدين لبنته بالنسبة لأي جماعة، فهو بذلك يصدم المعتقدات الدينية للجماعة التي ينتمي إليها، وفي الوقت نفسه لا يتعارض مع القيم الثقافية العامة إلا في جوانب ضيقة، لأنه، كفرد من المجتمع، يظل حامالا لاسم له دلالته المتعارف عليها اجتماعيا والتي قد تكون دينية، ويستعمل لغة تسللت إليها تعابير ذات جلفيات ودلالات دينية، ويقوم بطقوس اجتماعية لها تأويلاتها الدينية المتعارف عليها، ولها نصوص تسند ممارستها، كصلة الرحم، زيارة المريض، التضامن الاجتماعي دو الطابع الجماعي، كما يشترك في ممارسة طقوس الختان والزوج والاحتفالات الاجتماعية ذات الطابع الديني كالمولد والأعياد ورمضان وطقوسه، بعيدا عن الصيام الذي يظل حالة فردية أيضا. كل هذه التمثلات الاجتماعية يعيشها الملحدون في المجتمعات المسلمة، كما يعيشها المثليون جنسيا، وأتباع الديانات غير الإسلامية، أي كل الأقليات التي لم تتأسس على قاعدة عرقية أو جغرافية، وهم موجودون بين ظهرانينا دوما، داخل بيوتنا، معنا في أماكن العمل، والدراسة، نلتقيهم في الشارع، نجالسهم في المقاهي، ونلعب معهم الدامة والدومينو، دون أن نشعر بأنهم يشكلون أي تهديد بالنسبة لنا، لكن بمجرد أن يقول أحدهم أنه ملحد، يتحول إلى شيطان رجيم ورمزا لتهديد الدين، وخطرا على وحدة المجتمع وهويته وقيمه، مع أنه قبل أن يذيع إلحاده كان صديقا حميما وولد فاميليا وفحل.
مشكلة الإلحاد وما يثيره من مشاعر غضب وعدائية اتجاه الملحدين، هو مشكل المتدينين وليس الملحدين الذين دائما ما توضع روؤسهم في سيبلا الجموع الغاضبة، إنه مشكلة المجتمعات المنغلقة التي تتمرس خلف ما تسميه محددات الهوية، وبها تدافع ضد كل ما تراه دخيلا ومهددا لتلك الهوية، مشكلة يتم اختلاقها لإظهار الإخلاص للدين، وحب التمظهر الديني، رغم كثرة السلوكيات المناقضة لجوهر الدين الحق، هي صفة تكبر في الفرد كلما كان بصدد اتخاذ موقف منظور إليه جماعيا، تمظهر يجعله يتمترس خلف الدين للدفاع عنه أو الوقوف ضد كل ما يتعارض معه، باسم الدين دائما، وهي حالة غير سوية، لكنها مطلوبة اجتماعيا لأن المجتمع لا يزال يقيّم الأفراد من ناحية الصلاح والطلاح تقييما دو مرجعية دينية، وهذا ما يجعل من مناهضة الملحدين والشواذ والمسيحجين واليهود والاحمديين والشيعة وكل المخالفين، رأسمال اجتماعي للأفراد، وهو رأسمال مفيد جدا للعلاقات الاجتماعية التي تأخذ بتلك المواقف الدينية كأساس للتعامل.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "عن بعبع الإلحاد"
أترك تعليقا