السبت، يونيو 06، 2009

الحكم باسم الله؟!!!

بتاريخ 2:27 ص بواسطة عمار بن طوبال

ثنائية الضلال والهدى أو الحق والباطل، أو بتعبير آخر ثنائية النباهة والاستحمار كما وظفها علي شريعاتي وهو يقدم نقدا لنظام ولاية الفقيه الذي يقوم عليه الفكر السياسي الشيعي المعاصر، هي نفس الثنائية المتحكمة بكل المجتمعات التي تقوم فيها نظم أو أحزاب معارضة تحكم أو تتكلم باسم الله وكأنها هي الناطق الرسمي باسم الإرادة الإلهية، وفي شخوص زعمائها( زعيم دولة أو زعيم حزب معارض) تحل بعض صفات الله لتعصمه من الخطأ وتجعل كل ما يصدر عنه ليس في النهاية سوى تعبيرا بليغا عن المشيئة الإلهية.
نحن كمسلمين ارتبط نظام الحكم عندنا ومنذ انقلاب معاوية على الشرعية الشعبية ( على بن أبي طالب ) بهذه الصفات التي يزعمها الحاكم لنفسه، وكما يخبرنا ابن خلدون فإن قيام الدول والإمارات في بلاد الإسلام كان يحتاج لعصبة أي بالتعبير الحديث لأنصار سياسيين ( مناضلين ) يلتفون حول الزعيم الرمز لأجل دعمه لبلوغ السلطة ، سواء بالانقلاب على السلطة القائمة ( وهذا ما يحدث غالبا ) أو بإنشاء دولة أسلامية جديدة ( عن طريق الفتح )، ولكن الفرق بين العصبة التي يستند إليها الدعاة السياسيين عبر التاريخ الإسلامي لأجل إنشاء دول وإمارات وبين المناضلين السياسيين في الوقت الراهن يكمن في أن العصبية تقوم على أساس قبلي وديني حيث القبيلة توفر العدة البشرية اللازمة في حين الدعوة الدينية تعطي شرعية وقداسة لتحرك العصبية القبلية نحو السلطة مسكونة بيقين ديني يبرر سعيها للسلطة حتى لو مرت على جماجم المسلمين .
استند الحكم في الإسلام على ربط تعسفي بين الحاكم والله، فحتى لفظ الخلافة وصفتها تبدلت، حيث أنه مع خلافة أبي بكر كان يلقب ولي أمر المسلمين بأمير المؤمنين وخليفة رسول الله، وعندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة صار أميرا للمؤمنين وخليفة خليفة رسول الله ، فالخلافة كانت خلافة للرسول في تسيير شؤون الدولة وليس في الوحي ولا في العصمة، ولكن لاحقا انتقلت الخلافة من خلافة رسول الله في أمر دنيوي إلى خلافة الله، فصار الحاكم خليفة الله، مع تمتعه بصفة الملك المطلق الحق في التصرف في الرعية وفي أموال الرعية ( بيت المال ) وإضافة القرابة بين شخصه والله لأجل إعطاء شرعية وقدسية دينية لحكمه ونظامه ودولته .
ومن هنا يصير الحاكم المتمسح بشرعية الله باعتباره ظل الله في الأرض مطلق التحكم في أمور الدين والدنيا وهذا ما يجعل منه مرجعية متعالية لا تحتمل النقد، وهذا ما ولد ما يسميه كارل وماركس بالاستبداد الشرقي ليس كنظام اقتصادي قريب من الإقطاعية في آليات عمله، إنما كنظام سياسي تختفي في ظله أية إمكانية لبروز سلط مكلمة لسلطة الخليفة / الحاكم، وتتحول المعارضة والرفض إلى رفض عنيف ومسلح يهدف لإلغاء النظام، لأنه لا مجال لوجود معارضة سلمية في ظل تركز السلطة الدينية والزمنية في يد الخليفة وحده.
فالخليفة / الحاكم ونظرا لتماهي صفته مع صفة الله، وتمتعه بسلطة دينية بالإضافة لسلطته الدنيوية يكتسب سلطات واسعة تخوله استتابة الناس المارقين، وهؤلاء المارقون في نظره ما هم في الغالب سوى من يرون أنه مجرد شخص غير معصوم
وانه لا يحق له احتكار الدين والحديث باسم الله ، أي الراغبين في تجريده من سلطته الدينية الطاغية لكي يفسح المجال أمامهم لتحقيق تطلعات سياسية بعيدة عن حضوره المطلق في الزمان والمكان والذي يسد أمامهم كل الأبواب والنوافذ.
هنا حين نجد الحاكم وقد صار يرى نفسه ظلا لله في الأرض وقد جمع من حوله رجال الدين ليسبغوا عليه صفة حارس الدين والناطق باسم المشيئة الإلهية والراعي لشؤون المسلمين. سنكون بصدد حكم مطلق يلغي حرية الناس ويصادر حقوقهم باسم ضرورة الامتثال لأوامر الله وسنجد كل المعارضين للحاكم قد صنفوا في خانة الزنادفة والهراطقة الذين يستتابون وتهدر دماءهم باسم الشرع
باختصار هكذا نظام وهكذا أحزاب تستمد سلطتها من الله مباشرة لأنها بحسب رأيها واعتقاها تمثل مشيئته، يمثلون خطرا على الحرية ومصادرة لها وإلغاء لعقول الآخرين ، وهذا ما يخلق احتقانا اجتماعيا يؤول حتما للفوضى ( والتاريخ الإسلامي على امتداده يعطينا أمثلة كثيرة عن الفتن التي حدثت بسبب التنازع على السلطة السياسية والدينية )؛ وحين ننظر لتجارب حديثة في العالم العربي والإسلامي عرف محاولات لقيام أنظمة حكم دينية تستمد شرعيتها من الله، سنرى أن النتيجة هي التفكك والفوضى الذي طال تلك الدول. فتجربة السودان وباكستان مثلا تعطي أمثلة واضحة عن مقدار الشرخ الاجتماعي والسياسي والأمني ( وهذا الأهم ) الذي يحدثه هكذا نظام؛ والتجربة الجزائرية تعطي مثالا آخر عن مقدار الخراب الذي يمكن أن يلحق بالمجتمع نتيجة تطلع أحزاب سياسية إلى الحكم باسم الله وتمثيله في الأرض، فالأحزاب الإسلامية لم تنتج في النهاية سوى عنف ضد الدولة والمجتمع وحتى حين تصل للحكم لفترات قصيرة فإنها تنفجر من الداخل وتفجر الدولة معها ( السودان كمثال ).
لهذا أنا أرى أن العلمانية وبمفهوم منفتح لا يعارض الدين ولا ينفيه للمساجد هي الأصلح لمجتمعاتنا الحديثة ، فمثال تركيا يعطي دلالة عميقة عن الدور الذي يمكن أن تقوم به العلمانية في أفراغ الدين من شحنته التناحرية حين يلصق عنوة بالسياسة، في تركيا يحكم حزب إسلامي ورئيس الحكومة أو نواب الحزب في البرلمان يقدمون مشاريع قوانين يمكن إرجاعها ببساطة لمراجعها الإسلامية ( الشريعة ) ولكنها تقدم باسم الفرد أو الهيئة أو الحزب ولابد أن تقنع الآخر
ين حتى يتم تبنيها لأنها تقدم كرأي فردي يحتمل الخطأ والصواب وليست ، كما كان يردد أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر:" لا قانون لا دستور..قال الله قال الرسول ".
في هكذا أنظمة منفتحة تأخذ بالرأي دون تعصب ودون قدسية نستطيع أن نمنح ثقتنا للأفراد لأجل أن يسنوا قوانين مستمدة من الشريعة ولكنها لا تقدم كأمر واجب التطبيق دون نقاش ومن يرفضه فله الويل والثبور وعظائم الأمور ( ربما الموت ) .
أنا عشت بالجزائر عشرية كاملة من عمري قضيتها على أخبار الموت والقتل المجاني كنتيجة لمحاولة البعض إقامة دولة على أساس ظل الله في الأرض وعلى أساس شرعية دينية محضة تكفر كل من يرفضها أو يعارضها ؛ والنتيجة عشرات آلاف الضحايا. ولهذا أرى أن الشعار الذي يرفعه أنصار الإسلام السياسي والقائل بان الإسلام هو الحل دون يوضحوا ماذا يقصدون بالإسلام تحديدا في المجال السياسي، ودون يوضحوا آليات الحل وماذا يحلون من إشكالات، فهم يقدمون الشعار كمعطى جاهز يقبل دون نقاش، ولمن يقبله جنة النعيم لأنه يقبل الإسلام، أو يرفض جملة وتفصيلا، ولمن يرفضه التكفير أو الاستتابة لأنه يرفض الإسلام ، مع أن الرافضين لهذا الشعار الفضفاض والذي يستغل كمطية لتحقيق أغراض سياسية ودنيوية محضة مسلمون ولا شك في إسلامهم. هذا الشعار ينبغي أن يتوارى لصالح شعارات دقيقة ومحددة وممكنة التطبيق، وهكذا فقط يمكن لتيار الإسلام السياسي أن ينخرط في مجال السياسية دون دوغماتية لا تنتج سوى الخراب، وان يتنازل قليلا ليقبل التنافس مع التيارات الأخرى التي تستند لمرجعيات مغايرة، دون أن ينظر إليها على أساس أنها تيارات ضالة.

1 تعليق على "الحكم باسم الله؟!!!"

.
gravatar
زبيدة موساوي يقول....

مساء الخير

لن تصدق إذا قلت لك أن هذا المقال أروع ما قرأت لك لا لشيء سوى لأن الأفكار التي تناولتها فيه حلت لي كثيرا من الأسئلة في ذهني تجاه من يدعون بشعار ان الاسلام هو الحل وغيره من الشعارات ، وقد كنت أحاول أن أجد صيغة للاجوبة عن نفسي فوجدتها بمقالك هذا ..
والأروع من كل هذا استرسالك في الكلام بحجج عقلية وتاريخية وواقعية مثبتة ومعروفة ..
أشعر أن تفكيري يتبلور من جديد عن أمور عديدة وأنا أتابع أفكارك هنا وهناك خاصة فيما يخص العلمانية كنظام سياسي وأذكر أنني مرة في أحد تعليقاتي ذكرت لك النموذج التركي الذي وان كان فيه تحفظات لكن لا أحد ينكر نجاحه وتخطيه كثير من العقبات لا سيما الاستراتيجية منها ..
إني ألمس عجزنا أمام فهم صحيح لتاريخنا خاصة حين تكون بموقع المسؤول عن وعي جيل بأكمله وأبسط مثال أنه من موقعي كاستاذة يتوجب علي أن أفهم التلاميذ ذوي السادسة عشرة والسابعة عشرة ماذا تعني الفتنة بين الصحابة وعلى الخلافة وماذا يعني أن معاوية صحابي جليل لكن يمكن أن نناقش مواقفه ، والأدهى والأمر حين تضطر لتشرح لهم ما معنى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تبنت موقفا سياسيا وخرجت مع الرجال في موقعة الجمل ..
ما يحدث أنهم يقدمون لنا مآزق جاهزة لكن لا نفهم ماذا يطلب منا المشرع هل نسفه هذا أو نننتصر لذلك ؟؟
وتقع أنت في اشكالية التوفيق التي لا أؤمن بها كثيرا ؟؟( ربما هذا الامر يحتاج لادراج مستقل )

أخي عمار : باعتبار أننا من نفس الجيل فأنا أشاطرك الرأي في موقفك عن الفشل الذريع الذي سيق به شعبنا في العشرية السوداء بسبب الشعار الفضفاض : الاسلام هو الحل ..وتقسيم الناس إلى كافر ومتدين أو ضال ومستقيم ..
كل ما أتمناه أن جيلنا على الأقل قد فهم أخيرا أن أصحاب هاته التوجهات لا يملكون عصا سحرية لإنهاء مشاكلنا مع أنفسنا قبل مشاكلنا مع الآخرين ..

تحياتي الخالصة
دمت متألقا

زبيدة

أترك تعليقا

conter