الأربعاء، أبريل 22، 2009
الهوية المأزومة في الخطاب الثقافي الجزائري
وهذه الهوية الواضحة اجتماعيا والتي تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين أو أفراد الأمة وكذا مختلف الفاعلين السياسيين داخل المجتمع، تساهم أكثر ما تساهم في دعم السلم الاجتماعي الذي يظل مرتبطا بتوافر الشرعيتين السابقتين وهما الشرعية السياسية والشرعية الثقافية، بالإضافة إلى عوامل أخرى مادية أساسا مرتبطة بمستوى الرفاه الاقتصادي والتقدم الحضاري الذي يبلغه المجتمع في مرحلة معينة من مراحله التاريخية.
هناك عدة عوامل تاريخية، محلية وكونية، ساهمت في بلورة ثوابت معينة للهوية الجزائرية تتمثل هذه الثوابت في ثلاث محددات رئيسة هي:
- الدين الإسلامي.
- اللغة العربية.
- الأصل الأمازيغي.
والخلاف ليس حول هذه الثوابت الثلاثة التي تحضى بقبول نسبي من طرف جموع المواطنين باستثناء بعض الفئات/ التيارات غير مسموعة الصوت التي تلغي عنصر معين من هذه العناصر الثلاثة لصالح عنصر آخر، كالتيار الذي يرفض البعد الامازيغي البربري للهوية الجزائر على اعتبار أن أصل الأمازيغ يعود في نهاية التحليل التاريخي إلى العنصر العربي، كما يزعمون؛ أو التيار البربري الذي يرفض العروبة كمحدد للهوية الجزائرية معتبرا أن الجزائريين ذوي الأصول العربية القحة لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة جدا من جموع السكان، وأن غالبية الجزائريين ذوو أصول بربرية رغم أنهم قد تعربوا خلال مراحل تاريخية مختلفة.
وكلا التياران الرافضان لعنصر واحد من ضمن العناصر الثلاثة المشكلة للهوية الجزائرية لا يختلفان حول اعتبار الإسلام محددا رئيسا للهوية الجزائرية بالإضافة لعناصر أخرى أو عنصر آخر يحدده كل تيار حسب قناعاته ومرجعيته الفكرية والإيديولوجية، ولكن كلا التيارين في النهاية لا يمثلان سوى أقلية لا تأثير ملموس لها في الواقع الجزائري، ولا قدرة لها على تسويق رؤاها بشكل فعال نظرا لكون تلك الرؤى تتعارض مع القناعات العامة لجموع أفراد المجتمع، كما أنها تصطدم مع الخطاب الرسمي حول الهوية الجزائرية الذي يقر بالمرجعيات الثلاث المحددة سلفا.
ذن والحالة فإن الاختلاف حول الهوية الجزائرية والذي جعلها تشحن بكثير من التناحرية في صياغتها وفي تأثيرها الاجتماعي على الواقع الجزائري، ليس حول تعيين المحددات الثلاث للهوية الجزائرية، إنما حول التوليف والتركيب بينها، فالجزائر بهكذا هوية " لا تتميز عن بقية البلدان العربية الإسلامية الأخرى إلا بأمازيغيتها، إذ أن العروبة والإسلام هو قاسم مشترك مع بقية الدول العربية الإسلامية، وبالتالي فهل العروبة والامازيغية المتعايشة تعني تواجد شعبين في وطن واحد أم تعني تواجد ثقافتين لدى شعب واحد؟".
وهل الإسلام وحده هو العنصر الذي تنصهر ضمنه العروبة والامازيغية؟.
وهل الإسلام كعنصر موحّد قد أنتج فهما موحدا لدى العنصرين الامازيغي والعربي المتعايشين معا في الجزائر؟.
وهل نكتفي بالمحددات الثلاثة للهوية الجزائرية دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن محددات أخرى حتى لو كانت ثانوية؟.
يبدو موضوع الهوية الجزائرية بهذا الشكل مجالا خصبا للتساؤل، أكثر مما هو مجال للبحث عن إجابات مقنعة، واستحالة الوصول إلى إجابات " مقنعة " تحضى بالقبول النسبي من طرف جموع المواطنين والفاعلين في الساحة السياسية والثقافية، ينجر عنها "محاولات" لتقديم أطروحات حول الهوية، تتسم بالانغلاق على الذات والركون لمرجعيات محددة سلفا تستمد منها العناصر الأساسية لبناء شرعية ثقافية وسياسية معينة، والنتيجة "أن كل طرح من هذه الطروح يؤسس بطريقة مختلفة تماما للشرعية الثقافية وللشرعية السياسية عن غيره من الطروح وحولها يقع الانقسام وازدواج الشرعية الثقافية والسياسية" وهذا ما يخلق انقساما و" كسرا دالا في تنفصل الدولة بالمجتمع، وتصدعا في إيديولوجيا المشروعية وظهور أسئلة جديدة "، هذه الأسئلة التي تثار دوما حول الهوية الجزائرية، ما هي في النهاية سوى نتيجة الغلق الذي مارسته السلطة السياسية حول هذا الموضوع، ولجوءها لتحديد هوية المجتمع وفق رؤية سياسية تضمن لها بعضا من الشرعية التي تحس أنها مهددة من طرف من يطرحون بعض الأسئلة
" الخبيثة "، والباحثة عن قراءة مغايرة للهوية.
الهوية في النهاية وبرؤية سوسيو-تاريخية ليست معطى ثابت، حيث أن التغير يظل لصيقا بها نتيجة لما يتعرض له أفراد المجتمع من تأثيرات خارجية تساهم في قولبة "هوياتهم" وإعادة إنتاجها بفعل التأثير والإغراء الذي تمارسه بعض تلك المؤثرات، فهناك الكثير من " المؤثرات الكونية الجديدة التي لا يزال العقل الجزائري المتأمل يقف مشدوها إزاءها لا يجد نقطة ارتكاز يمكنه الانطلاق منها لمساءلة الآخر " وبالتالي إبداء الموقف إزاءه، رغم توافر الهوية ثلاثية المحددات التي يستند إليها الفرد الجزائري وهو يلتقي بالمؤثرات الثقافية الوافدة، على قوة شحن عاطفي وعلى الامتداد التاريخي والتجدر الاجتماعي، إلا انه يشعر دوما بأن هويته المأزومة لا تسعفه في تبني رد فعل ايجابي اتجاه الآخر، وهذا ما يجعله يلجأ في الغالب نحو رد فعل انفعالي ومتطرف سواء بالقبول التام لتلك المؤثرات وتبنيها، أو برفضها التام متقوقعا على ثوابته التي يشعر بالخوف الكبير عليها من كل وافد، نظرا لما تتسم به هذه الثوابت من ضعف وهشاشة تجعلها عاجزة عن مساءلة الآخر من موضع الندية.
إن هذا الوضع المأزوم للهوية الجزائرية المتسمة بكثير من الهشاشة غير الظاهرة، والخطيرة في الوقت نفسه، يضع النخبة السياسية ممثلة في السلطة وفي التيارات المعارضة، في قفص الاتهام بسبب فرضها لهوية تتسم بجهوزية مسبقة من جهة، وعملها على توظيف عناصر الهوية الوطنية في صراعات سياسوية نتج عنها تحميل هذه الهوية بشحنة تناحرية هددت بشكل فعلي السلم الاجتماعي؛ مع أن النخبة الثقافية الجزائرية تتحمل نصيبا وافرا من حالة التأزم الهوياتي الذي يستشعره الإنسان الجزائري، فهي قد عجزت عن صياغة خطابات مقنعة حول الهوية الجماعية للشعب الجزائري كما أنها هي نفسها ونتيجة تميزها بانقسامية حادة على المستوى الإيديولوجي واللغوي قد وظفت عناصر الهوية الوطنية كأدوات صراع، بغية تحصيل مشروعية ورأسمال رمزي يمكنها من فرض تصوراتها على الفئات الأخرى المغايرة، ولهذا نجد " أن جيلا كاملا من الكتاب والأدباء انخرط بشكل لا إرادي – وإن كان بعضهم يعتقد عكس ذلك – في سيرورة الإقصاء والتوازي والمغالاة في أدلجة النقاش حول الهوية والتمادي في توظيف عناصرها ومكوناتها الأساسية ( الدين، اللغة، الانتماء الحضاري ) في تنوعها وتعددها بطريقة ميكيافيلية، هدفها النهائي السعي إلى إلغاء الآخر كشرط أولاني لإثبات الأنا "، وهذا التناحر الثقافي حول الهوية قد انتقل للمجتمع ونتج عنه سنوات المحنة التي عاشتها الجزائر خلال فترة التسعينات بكثير من الدراماتيكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت هذه المقالة باسمي الحقيقي ( عمار بن طوبال ) بملحق الأثر الثقافي الذي يصدر أسبوعيا عن جريدة الجزائر نيوز، وأعيد نشرها هنا بمدونتي
2 تعليق على "الهوية المأزومة في الخطاب الثقافي الجزائري"
كيف تدرك الامة الجزائرية هويتها الثقافية
الهوية لا تتغيريا حبيبي انما احترامها والانتماء لها والتذكر دائما ان فرنسا هي العدو اللدود لها ولوجودنا كاملا هو المشكل
لعن الله فرنسا واسقط عليها من العذاب ما لم يعذب به قوما قبلهم ولا بعدهم
أترك تعليقا