السبت، أبريل 11، 2009

حول خطاب تحرير المرأة

بتاريخ 4:30 م بواسطة عمار بن طوبال

كان الرجال هم من طالبوا أولا بتحرير المرأة في العصر الحديث، من أوائل الكتب التي حملت هذه الفكرة كتاب قاسم أمين (1863- 1908 ) تحرير المرأة 1899 وكتابه الثاني المرأة الجديدة 1901 ، كتاب الطاهر الحداد (1899 – 1935) الصادر سنة 1930 " امرأتنا في الشريعة والحياة ، وصولا إلى جمال البنا ( 1920-..) صاحب كتاب "المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء".
هذه النداءات بضرورة تحرير المرأة في العالم العربي انطلقت مع بداية القرن العشرين وحمل لواءها رجال على المستوى الفكري، رغم أن الدعوة كانت سياسية أيضا في مصر حيث كان سعد زغلول قد أولى أهمية كبرى لضرورة إشراك المرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية وهو الذي طالب بالسفور بشكل جماعي وعلني، وقبله كان الكثير من المصلحين قد أشاروا إلى ضرورة تمكين نصف المجتمع من لعب دوره في الحياة الاجتماعية بشكل فعال، على غرار محمد عبده وخير الدين التونسي .
لتلحق بعض النساء بالركب ابتداء من باحثة البادية ملك حنفي ناصف (1886- 1918 ) صاحبة كتاب " النسائيات " الذي صدر سنة 1914 و نبوية موسى
(1886- 1951) صحابة مجلة " الفتاة " التي صدر العدد الأول منها في سنة 1937م. بالإضافة إلى صفية زغلول، وكذا الأميرة نازلي التي وإن لم تترك أثرا فكريا فإن دورها ودعوتها لضرورة إخراج المرأة من وضعية التخلف التي تعيشها كان له أثر كبير على خطابات تحرير المرأة، بالإضافة إلى هدى شعراوي
(1879 – 1947 ) مؤسسة الاتحاد النسائي المصري 1923 والتي أنشأت مجلة l'Egyptienne العام 1925 و مجلة المصرية العام 1937، وصاحبة كتاب " عصر الحريم ". وكذلك أمينة السعيد(1910-1995) ،الكاتبة المصرية المعروفة ورئيسة تحرير مجلة حواء.
ثم اختطف الجمعيات النسائية مشعل تحرير المرأة، وهنا وقع الانحراف؛ ففي الوقت الذي كانت فيه الدعوات "الرجالية" لتحرير المرأة تركز على تعليمها ومحنها حقوق شرعية مسلوبة من طرف المجتمع كالإرث والحق في التعليم و العمل، والحق في اختيار الزوج وغيرها من الحقوق التي اقرها الشرع ، صارت الجمعيات النسائية جمعيات الصالونات تحديدا تركز على تحرير المرأة من الثياب قبل تحريرها عقلا وروحا. حين نقرأ المنتجات الفكرية لبعض النساء العربيات المنضويات تحت لواء المطالب النسائية " الفيمينيزم " من أمثال نوال السعداوي في مصر، توجان فيصل في الأردن، فاطمة المرنيسي في المغرب، نفيسة الاحرش في الجزائر وغيرهن من شقيقاتهن العربيات في باقي الأقطار، ماذا نجد: دعوة للحرية والمساواة بشكل مطلق إلى درجة الاصطدام مع عادات المجتمع بشكل حاد خصوصا أثناء التطرق لبعض الأمور المحسومة شرعا مثل تعدد الزوجات،
والإرث، مما جعل هذه الجمعيات النسائية وكذا المطالب الفكرية المندرجة ضمن خطاب تحرير المرأة وكذا خطابات المساواة تصطدم بالمؤسسة الدينية بشكل حاد، وفي نفس الوقت تصطدم بالمجتمع الذي يشكل الدين مرجعيته الأساسية في كثير من الأمور خصوصا ما يتعلق بالأحوال الشخصية للأسرة، هذا الوضع الاصطدامي مع المجتمع جعل الجمعيات النسائية في كثير من الأحيان تفشل في تفعيل مطالبها وبالتالي انحصر دورها في المطالبة بالمشاركة الفعالة للمرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال مناهضة التمييز على أساس الجنس والتنديد بالعنف ضد المرأة، والنشاطات الجوارية الهادفة لتوعية النساء بحقوقهن سواء عن طريق منشورات معينة أو لقاءات مباشرة مع النساء.
ورغم الجهد الكبير الذي تبذله الجمعيات النسائية لأجل تحقيق وضع أفضل للمرأة العربية إلا أن النتائج لا تزال دون مستوى طموحات تلك الجمعيات التي تعاني كثيرا من عدم التجدر الاجتماعي وسط فئة النساء نتيجة كون النساء الناطقات باسم هذه الجمعيات يشكلن في الغالب جزءاً من النخب النسائية ذات الامتيازات الاجتماعية ( وظيفة مرموقة، شهادة عليا، وضع مادي مريح ...)، كذلك بسبب عدم ثقة جماهير النساء في هؤلاء اللواتي يتصدرن التحدث باسمهن، وهن يلاحظن أن هؤلاء المطالبات بحقوقهن يمثلن نماذج مغايرة في الغالب لتطلعات عموم نساء المجتمعات العربية، حيث وبملاحظة سوسيولوجية بسيطة نجد أن نسبة معتبرة من زعيمات الحركات النسائية ي
تميزن بكونهم إما عوانس أو مطلقات (متوسط العمر غالبا فوق 45 سنة )، وجلهن يندرجن ضمن التيار العلماني الذي يجابه بعداء وسوء فهم كبيرين من طرف المجتمعات العربية. مما خلق حالة من فقدان المشروعية لدى هذه الجمعيات وضعف نسبة التمثيل الحقيقي وبالتالي ضعف القدرات التفاوضية لأجل تحقيق مطالب أخرى، مما يجعل هذه الجمعيات في حاجة دائمة لدعم سياسي لا تستطيع بدونه تحقيق أي شيء ملموس على مستوى الواقع الاجتماعي.حين نقارن بين المطالب الأولى بتحرير المرأة والتي حمل لواءها رجال واصطلاحيون وصاغوها في شكل أطروحات فكرية تتسم بكثير من القدرة على الإقناع وبالتالي تمتلك إمكانية التجسيد الاجتماعي، وبين المطالب النسائية الممثلة في جمعيات تقدم نفسها على أساس أنها ممثلة لمصالح المرأة المهضومة في مجتمع ذكوري، نجد أننا لم نحقق الكثير على المستوى الاجتماعي، حيث صار موضوع ترقية وتمكين المرأة مجرد خطاب سياسي يوظف بعيدا عن المطالب الحقيقية والعميقة للنساء اللواتي يعانين فعلا من ظلم اجتماعي مزدوج، ظلم سياسي ولاقتصادي يخضع له كل أفراد المجتمع ( رجال ونساء ) وظلم قيمي من خلال القيم والعادات والتقاليد التي تحتقر المرأة وتسفه إمكانياتها وقدرتها على الفعل المستقل والمشاركة الفعالة للرجل في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية

ردود على "حول خطاب تحرير المرأة"

أترك تعليقا

conter