الجمعة، مايو 02، 2008

كتب لا تجد من يقرأها

بتاريخ 9:48 م بواسطة عمار بن طوبال

كثيرا ما أسمع الكثير من مثقفينا في كل الوطن العربي يشتكون من عزوف الإنسان العربي عن القراءة, ويلقون باللوم على الثقافة العربية التي هي وبنسبة كبيرة – وهذه حقيقة اقرب إلى المسلمة - ثقافة شفهية لا تعير كبير اهتمام لكل أشكال الكتابة. كما يذهب بعضهم لتبرير عزوف جماهير الأمة العربية عما يكتبون إلى تبريرات أخرى كغزو الانثرنث لعالم الإنسان العربي وخصوصا فئة الشباب التي تمثل أكبر نسبة من البنية الديموغرافية للوطن العربي, ويلقون على هذا الوسيط الجديد والذي يغزو كل العالم باللائمة وكأنه العدو الأول للقراءة ناسين أو متناسين أن وجود الأنثرنث بالغرب سابق على وجوده عدنا وأن نسبة انتشار الناث في العالم الغربي اكبر بما لا يقاس على ما هي عليه عندنا. ومع كل هذا تعرف القراءة هناك تطورا ونموا موازيا للنمو العام في مجالات أخرى.
إذا أين الخلل؟.
نظرة عامة
قد تبدو تلك المبررات التي يسوقها بعد المثقفين وذوي الرأي عندنا حول تراجع القراءة صحيحة بنسبة كبيرة ولكن ليست هي السبب الرئيسي حسب رأيي.
المعروف في مجال الاقتصاد – ولنبتعد قليلا عن الكلام النظري المجرد- أن عزوف المستهلكين عن سلعة ما مرتبط أساسا بجودة السلعة ذاتها التي يجب أن يعاد النظر فيها, إذا ما أراد المنتجون لهذه السلعة تسويقها. عليهم بعد التأكد من صلاحية سلعتهم للاستهلاك أن يروجوا لها وأن يقدموها للمستهلك بأسلوب مغري بالاستهلاك وقادر على خلق طلب حقيقي اتجاه هذا المنتوج المراد إيصاله للمستهلكين.
لنرجع لموضوعنا ونحاول تطبيق هذه القاعدة على المنتوجات القافية غير الجماهيرية كالكتاب.
هل ما يكتبه الكتاب العرب جدير حقا بالقراءة ويأتي بجديد يمكن للإنسان العربي أن يستفيد منه حقا ويجد نفسه فيه؟
الإجابة على هذا السؤال تبدو مخيبة للأمل وباعثة على اليأس, لأن الواقع هو أن مثقفينا وبنسبة كبيرة يعيشون اغترابا حقيقيا عن مجتمعاتهم, فهم يعيشون في أبراج عاجية منها يكتبون لإنسان لا يعرفونه ولا يحسون بهمومه وتطلعاته اليومية, لا يعرفون أحلامه البسيطة في الحرية - بمعناها غير الفلسفي- وفي الحب وفي الاستقرار وفي أشياء كثيرة . بسيطة جدا ولكنها مهمة جدا لهذا الإنسان العربي الذي سرقته متاعب الدنيا من نفسه حتى صار لا يرى في العالم غير الوجه المتخلف للواقع الذي يعيشه, والوجه الباهر للآخر الذي يبقى مجرد حلم يسعى الفرد العربي والشباب تحديدا لتحويله إلى واقع سواء بالهجرة إليه أو بالإتيان بنموذجه للوطن.
قراء الجرائد
إن قراءة الجرائد تعرف نموا كبيرا في الوطن العربي مقارنة بأشكال الكتابة الورقية الأخرى, فقد أصبحت الجريدة تعوض الكتاب لا لشيء سوا لأنها تحكي هموم المواطن الحقيقية, فالإنسان يجد في الجريدة أمور تعنيه بصفة مباشرة ولهذا يقبل الفرد العربي على قراءة جريدة أو أكثر كل يوم ولكنه لا يقرأ ولو كتاب واحد في السنة. فالفرق بيم ما تقدمه الجريدة وما يقدمه الكتاب يبقى شاسعا. رغم أن الجريدة لا يمكن أن تقدم ما يقدمه كتاب أو مجلة, لأن لكل وسيط ( الجريدة والكتاب) دور معين فالجريدة هي بنسبة كبيرة وسيط جماهيري, في حين يبقى الكتاب ومهما كانت طبيعة موضوعه وسيطا نخبويا موجه لفئة معينة قد تتسع دائرتها أو تضيق بحسب موضوع الكتاب.
ومع هذا يبقى الأشكال مطروحا لماذا يعزف الإنسان العربي عن قراءة الكتب التي يكتبها مثقفونا الأحياء منهم والأموات ؟؟
صحيح أن الكثير من الكتب تبقى موجهة لفئة معينة من القراء لا تتعداها في الغالب لغيرها مثل الكتب الأكاديمية الموجة لأساتذة وطلاب الجامعات وكذلك الكتب الفكرية والفلسفية العميقة البعيدة كل البعد عن الواقع الملموس, التي هي أقرب إلى ما يسمى بالترف الفكري تبقى كوجهة لفئة أقل من المثقفين, فدائرتها محدودة في مجال المثقفين لا تخرج عنها إلا في النادر. نفس الأمر يقال عن الكتب والدوريات والمجلات المتخصصة التي توجه لفئات معينة مهنية في الغالب.
إذا ماذا تبقى من الكتب للمواطنين العاديين أو العامة كما يسمون قديما, بعدما تم استثناء المهنيين الذين لهم كتب ومجلات متخصصة وكذا الأساتذة والطلبة وكتبهم الأكاديمية. فما تبقى إذا من الكتب لكي نتحدث عن أزمة مقروئية بالعالم العربي.
تفيد الإحصائيات المهتمة بمجال الكتاب أن الكتب الإبداعية تحتل غالبا قائمة أعلى المبيعات وهي ظاهرة عامة غير مقتصرة عن العالم الغربي أو الوطن العربي أو أي بقعة أخرى من العالم.
إذا لنقصر أزمة المقروئية في الوطن العربي على هذا النوع من الكتب على اعتبار أنها موجهة في الغالب لعامة الناس القادرين على القراءة كما أنها - أي الكتب الإبداعية من شعر ورواية وقصة – تحمل نبض الإنسان انطلاقا من بيئته التي يكتب منها أي أن الكثير من الناس يستطيعون أن يجدوا ضالتهم في هذا النوع من الثقافة الهجينة (نصف نخبوية ونصف جماهيرية).
ومع هذا تبقى القضية مطروحة فحتى هذا النوع من الكتابة يبقى بعيدا عن "استهلاك" الإنسان العربي, بنسبة أقل من الكتب الأخرى بكل تأكيد. بالرجوع إلى المثل الاقتصادي الذي أعطيناه في بداية هذا المقال نرى أن الإشكال مرتبط أساسا بطبيعة المواضيع التي يتناولها الروائيين والشعراء العرب في مؤلفاتهم .
ترى ماذا يكتب مبدعونا وبأي أسلوب وهل هم حقا قريبين من نبض المجتمع الذي ينتجون نصوصه في إطاره .
هذا موضوع لاحق سنحاول من خلاله الاقتراب من النصوص الإبداعية العربية سوسيولوجيا . وهل هي متمثلة فعلا لبيئتها التي أنتجتها . وهل المثقفين العرب قريبين من نبض مجتمعاتهم أم أنهم يعانون من اغتراب نفسي يمنعهم من التعبير عن هموم وأحلام الفرد العربي.

ردود على "كتب لا تجد من يقرأها"

أترك تعليقا

conter