الجمعة، أبريل 17، 2015
الرواية والمدينة
بتاريخ 10:51 م بواسطة عمار بن طوبال
يقول عبد الله العروي: تهدف الرواية الواقعية الغربية إلى الكشف عن بنية المجتمع من خلال تجربة فردية تتمثل في سلسلة من الانتصارات والهزائم الظاهرة والخفية، الاجتماعية والنفسانية، هذا هو موضوعها المفضل، وهو موضوع غير متوفر في المجتمع العربي بسبب الإلتحام وتحجر هياكله ".
يحيلنا العروي على وضع إجتماعي عربي شديد المغايرة للوضع الإجتماعي الغربي الذي أعطى الرواية الغربية موضوعها الأساسي: تجربة فردية كاشفة للبنية الإجتماعية يتعين هذا الوضع الإجتماعي المغاير في البنية العربية بغياب الفردانية كمفهوم وكسلوك، ويخبر عن إلتحام إجتماعي لا يزال شديد القوة رغم التضعضع الذي أصابه نتيجة التحديث القسري للبنى التقليدية في مجتمع لم ينجح بعد في إنشاء المدينة كفضاء وقيم حاوية ومنتجة لأشكال التعبير النثرية المعقدة كالرواية. فالمدينة العربية الحديثة وبعد قرن ونصف من بدايات الإنوجاد ( توسيع الخديوي إسماعيل للقاهرة وتخطيطها على طريقة المدن الغربية وبهياكل متشابهة) رغم التطور في التخطيط والتعالي في العمران بشكل مبهر أحيانا لم تنجح في، ويبدو أنها لا تنوي خلق قيم مدينية، تلك القيم التي تتعين بالحرية الفردية وبالديموقراطية وحرية التعبير وسيادة القانون وتموضع المؤسسات في قلب العلاقة بين الأفراد وبعضهم البعض من جهة والأفراد والدولة من جهة ثانية، بالإضافة إلى تموضع الآداب والفنون في صلب اهتمامات الأفراد، وقيام المؤسسات الثقافية ( المكتبات، دور السينما، المسارح، المتاحف، دور العرض ...) بلعب دور الوسيط بين منتجي السلع الثقافية ومستهلكيها من الأفراد والجماعات.
إن تلك التمظهرات للوعي المديني غير موجودة في المدينة العربية إلا بشكل استعراضي شكلاني يدعي ما لايؤمن به، فالمواطن العربي يسكن المدينة لكنه يتعامل معها بوعي ريفي أو بوعي سكان الضواحي الذين يحرصون على الإلتحام الأسري والقبلي والجهوي مكونين شبكة اجتماعية تحفظ المصالح وتدعمها وتدمج الأفراد ضمن منطقها. شبكة تجعل الفرد يتعامل مع المؤسسات لكن بتجاوز منطق المؤسسة الذي يفترض العقلانية والموضوعية والمساواة بين الأفراد وفق نمط معياري مؤطر قانونيا يحدد الحقوق والواجبات. فالفرد العربي وهو يقصد مؤسسة ما لقضاء حاجة، غالبا ما يقصد من يعرفه في تلك المؤسسة أو من يمتلك النفوذ الكافي لتمكينه من قضاء حاجته في المؤسسة المقصودة حتى لو كان غير مسموح له قانونيا بتحصيل المنفعة التي قصد المؤسسة لأجل تحصيلها، وغالبا ما يكون الفرد المقصود لتقديم الخدمة مندمج ضمن شبكته الاجتماعية أو ضمن شبكة أخرى مستعدة لتبادل خدمات مع شبكات موازية، وهذا الوضع الغير عقلاني والذي يقضي على كل معيارية في تعامل المؤسسات يجعل هذه الأخيرة تفقد دورها كوسيط حيادي بين الأفراد وبين الأفراد والدولة.
إن المناخ المذكور أعلاه الذي يسم المدينة العربية بسمات، ويزودها بقيم غير مدينية هو مناخ غير روائي لأنه معادي لروح المدينة وثقافتها، ولهذا نتساءل مع العروي: " هل يحق لنا رغم هذا أن نوظف شكلا صالحا للمركز لنصف به الضاحية؟! " أو لنكتب عبره حياة ومنطق وثقافة الضاحية؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ردود على "الرواية والمدينة"
أترك تعليقا